ازالة السموم من الجسد هي صيغة تاريخية غطت نطاقاً واسعاً من الممارسات الطبية القديمة والمبنية على فهم خاطئ لجسم الإنسان يعود لعصور ما قبل التشريح والتجريبية وأعظم اكتشافات الأدوية ووظائف الجسم. يتناول المقال عدداً من تلك الممارسات ولا يغطي كل الممارسات من هذا النوع جملة وتفصيلاً بل يسهب في مقالات أخرى بتوضيح باقي الممارسات.

تنظيف القولون

بالرغم من عدم وجود أي سبب داعم لجدوى تنظيف القولون فإن كثيراً من الناس يلجؤون لعمليات تعقيم للقولون. لكن الأمر لا يتوقف هنا بل يتعداه الى الاضرار الخطيرة لتنظيف القولون مثل تخريب التوازن الكيميائي في القولون والتلوث من المواد المستخدمة حيث يقول الدكتور روس بلاك (Ross black) “من أبرز مهام القولون هي امتصاص المعادن وارسالها الى مجرى الدم كالبوتاسيوم، عمليات تنظيف القولون قد تدمر هذه المعادن ببساطة مسببة نقصاً حاداً فيها”.

ويقول الدكتور ستيفين باريت (Stephen Barrett): “في الماضي كان يعتقد أن الأمعاء اشبه بالمجاري وأنها بحاجة للتنظيف وإلا تتعرض للإنسداد، غير أن الملاحظة المباشرة أثبتت خطأ ذلك الاعتقاد، صحيح أن بقاء البراز وانتفاخ القولون يسبب فقداناً للشهية وصداعاً وبعض الأعراض الأخرى لكن الملاحظة المباشرة أيضاً كشفت أن ذلك البراز المتصلب لا يبقى على جدران القولون أبداً.

ليس أصل الفكرة علمياً على الإطلاق بل ظهرت فكرة تنظيف القولون من معالجي الطب البديل الذين يروجون لعمليات تنظيف القولون كنوع من التجارة وهم لا يعينون إسماً واحداً لنوع من السموم المزعومة التي يدعون وجودها في القولون. لا القولون ولا أي عضو آخر يحتاج الى ذلك التعقيم أو التنظيف أو أي من علاجات ازالة السموم.

الساونا والتمارين وطرد السموم من الجسم

نسمع كثيراً أننا عندما نتعرق فنحن نطرح بعض السموم في أجسادنا، فهل هذا صحيح؟ نعم هذا صحيح لكن تلك السموم لا تأتي من العرق نفسه بل من البكتيريا التي تعيش على العرق وهو ما يسبب رائحة الجسم السيئة بعد التعرق. حمام صغير سيذهب بتلك البكتيريا والرائحة (هل يمكن اعتبار الحمام هنا أحد علاجات طرد السموم؟ إنه غير مربح بالنسبة لهم)، عندما نتبول أيضاً نحن نطرح بعض المواد الضارة. لكن هل هذه السموم خطرة وما مقادير كمياتها؟ نحن لن نموت إذا شربنا كأساً من بولنا أو عرقنا، فهي ليست سموماً خطرة.

ما يعتقده هؤلاء أننا حين نتعرق فنحن نطرح السموم ولذلك فهم يعتقدون أننا بذهابنا الى الساونا فنحن نطرح الكثير من السموم. في الواقع ما يحدثه التعرق في الساونا هو لتنظيم درجة حرارة الجسم لا لطرح السموم. لا توجد أي دراسات داعمة لطرح السموم عبر التعرق. لكن ما هو معروف أن الكثير من التعرق يؤدي الى الجفاف وربما الى الموت حتى.

تقول الاكاديمية الأمريكية للجلدية (American Academy of Dermatology):

أن العرق يتكون 55-60% من السوائل وتلك السوائل هي الماء بصورة رئيسية، ويحتوي العرق ايضاً على كلوريد الصوديوم كما يحتوي على مقادير ضئيلة من الكلور، الصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم، الفسفور وحامض اللاكتيك وتسمى هذه المكونات بالالكترولايت وهي تساعد على تنظيم توزيع السوائل في الجسد. خسارة الكثير من الأملاح يؤدي الى الجفاف السريع ومشاكل في الدورة الدموية والفشل الكلوي وضربة الحرارة لذا فهو خطر جداً عندما يظن الناس أنهم يفعلون جيداً إذ يتمرنون في الخارج في الجو الحار.

الحجامة وإزالة الدم الفاسد

بطريقة مشابه يروج معالجي الحجامة لطرد السموم من الجسم عبر استخراج الدم الفاسد، لا ندري ما هي صفة ذلك الدم الفاسد وهل يُمكن لأي بحث علمي لمؤيدي تلك الخرافة أن يصف ماهية فساد الدم ولماذا لم يتوصل أحد غيرهم لهذا الإستنتاج. الأمر ذاته هنا قائم على نفس المبدأ الخاطئ. ماذا عن اولئك الذين لم يقوموا بتلك العملية طيلة حياتهم؟ يبدو أن دمائهم مليئة بتلك السموم والمواد السيئة!

ازالة السموم من الجسد عبر الصيام

يوصى بالصوم الذي يحظى بشعبية كبيرة لدى المهووسين بالتخلص من السموم (طبعاً مفهوم الصوم هنا هو مفهوم عام لا يشمل صوم المسلمين فحسب بل يشمل الصوم النباتي او الصوم عن الطعام دون الشراب او صوم المسلمين أو الأنماط الأكثر صعوبة من صوم المسلمين الموجودة لدى جماعات دينية اخرى).

يدعي البعض أن الصيام مع تناول عصير الفواكه والخضروات يمثل عنصرا أساسياً في ازالة السموم. ويرى آخرون أن تناول الأغذية النيئة أو إتباع نظام غذائي نباتي هو أفضل العلاجات لإزالة السموم. والبعض الأخر يقسم بجدوى الحقن الشرجية. وآخرون بعلاج الأوزون، الوخز بالإبر والتدليك. البعض يرى أن الحل في امتصاص جرعات كبيرة من الفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة. بينما يقول البعض بأننا يجب أن نأكل الفاكهة قبل الظهر لكي يستطيع الجسم لفظ السموم بشكل صحيح.

لكن ما يحدث أن أياً من دعاة هذه الطرق لم يذكر إسماً لسم واحد وقع التخلص منه، مع تحديد الكمية، والفائدة من ذلك بصفة دقيقة. وعلاوة على ذلك، لتأكيد التأثير الإيجابي للصوم، فانه لا توجد دراسات علمية مراقبة تقدم بيانا للسموم المزالة والفوائد الخاصة الناجمة عن ذلك. فحص جاك غولدشتاين أثناء صيام الماء، فضلاته الخاصة به (البول والبراز والعرق) وطلاء اللسان. ووفقا لكريس سترايشاك، باحث علم النفس في المركز البحري لبحوث الصحة في سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، فان جاك غولدشتاين “وجد أن تكوينها [أثناء الصيام] كان مختلفا عن المعتاد – فقد تم لفظ سموم مثل ال دي.دي.تي “* ولكن، التجارب التي يمكن أن تعيد صرف هذه السموم أو أن تبين أنها فعلا مفيدة للصحة تبقى مجرد تكهنات.

لكن هناك كثيرين يشعرون بالرضا والراحة بعد علاجات ازالة السموم

كيف يمكن تفسير العديد من الشهادات عن هؤلاء الذين يشعرون بالرضا عن الأمر؟ هل كل هؤلاء الناس كذابين أو مغفلين؟ ألم يصابوا بخيبة أمل من المنتجات التي يتباهون بها؟ هل قبضوا مالاً للعب هذا الدور لصالح تجار علاجات ازالة السموم ؟ هل شعر واحد منهم  حقا بحال أفضل أو تحسن حقيقي بعد استخدام أحد منتجات ازالة السموم في السوق؟

يشعر بعض الناس المستخدمين لأي من هذه المنتجات بآثار مفيدة على صحتهم عن طريق التكيف. أنهم يشعرون فعلاً بالمرض أو التعب قبل القيام بذلك، وهم أفضل حالاً بعد استخدامه. ويمكن أن يكونوا مرضى، ولكن ليس بسبب السموم، و قد يستجيبون للعلاج مثل كثير من الناس عندما يتم تكييفهم للاستجابة للمنتجات التي تدار بطريقة معينة، والتي تكون مقدمة في غلاف خاص، لاسيما عندما يكون الشخص الذي نصحهم بها هو من الثقاة و ذوي المصداقية بالنسبة لهم. هناك من المرضى من يستجيب بدنياً لتحفيز أولئك الذين يبدون جديرين بالثقة. إذ تلعب معتقداتهم، ورغباتهم وتوقعاتهم دورا رئيسيا في الاستجابة للعلاج الطبي. بعض المرضى يستجيبون بشكل إيجابي للأدوات ذات الجانب العلمي، والتي يستعملها ذوو المعاطف البيضاء بمصطلحاتهم التي تجعلهم يبدون حكماء وصادقين. ويسمى هذا النوع من الاستجابة تأثير الدواء الوهمي.

قد يكون هناك من المرضى من يشفى من المرض بعد علاج ازالة السموم، ولكن في الواقع هذا المرض اتبع مجراه الطبيعي فقط ليشفى تلقائياً. ومن المحتمل أن العلاج لا علاقة له مع التطور المنشود من علاجات إزالة السموم  فالبعض ربما يكونون قد تلقوا علاجاً حسب الطب العلمي في وقت معين، ولعله السبب الرئيسي لتحسن حالتهم لاحقاً لكنها تُعزى لطب معالجة السموم.

يلجأ بعض مستخدمي علاجات ازالة السموم لها للتخلص من سموم التي لا وجود لها. وكل تحسن أو شفاء يشعرون به ما هو إلا أمر نفساني فهم من الأساس لم يكونوا يعانون من تلك السموم. يمكن للمرء أن يشعر فعلا بحال أفضل، ولكن هذا لا يعود إلى تأثير عضوي مباشر لهذا المنتج. وما هي إلا أمور نفسية فحسب.

إذا كان المستخدم لمنتجات لإزالة السموم يعاني من تسمم حاد بمواد سامة، فهو قد يموت أو يتعرض لإعاقة شديدة. ولن يجد الوقت الكافي ليترك شهادته حول الآثار الرائعة لمثل هذه المنتجات السحرية.

يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن الموتى لا يدلون بشهاداتهم. ليس أكثر من العملاء غير الراضين فقط هم مَن قد يفعلوا ذلك في نهاية المطاف. بغض النظر عن عدد شهادات المستخدمين الراضين التي قدمت لتعزيز المنتج، فنحن لن نعرف أبداً عدد المستخدمين الساخطين الذين بقوا في الظل أو دفنوا في مقبرة المنطقة بسبب تلقي علاج غير ذو صلة لحالة يجب تلقي علاج حقيقي لها.

الخاتمة

في حين تكثر علاجات ازالة السموم، يبدو أنه ليس هناك أي سبب مقنع لشخص عادي يدعو لاستخدام أحدها. فهي لا تستند إلى أدلة علمية صلبة. وتباع هذه المنتجات لعامة الناس من خلال التذرع بالخوف (من تعرضه للتسمم بواسطة الغذاء، عن طريق المياه، عن طريق الجو، وبكامل المحيط الحديث) والأمل (الصحة الجيدة، الشعور بالتحسن أو بأقل تعب، وأشياء أخرى من نفس الترتيب). الأسوء من ذلك كله هو استخدام كلمة ازالة السموم من قبل بائعي المواد الغذائية والمشروبات والأعشاب والأجهزة المنزلية تقريبا دائما بصفة مبهمة أو غامضة لدرجة سلبها أي معنى. يتصور مزودي هذه المنتجات تقديم حل متطور للعديد من الملوثات في العالم الحديث والتي تزحف إلى أجسامنا. في الواقع، هؤلاء تجار فقط وهم يشبهون الحلاقين والأطباء السابقين الذين يلجأون إلى إراقة الدماء للقضاء على “المزاجية السيئة” والسموم، في محاولة لتطهير أجسام مرضاهم.

المصادر

http://www.sceptiques.qc.ca/dictionnaire/detox.html

http://skepdic.com/detox.html