في دراسة قام بها ستيفاني بيغلياري في فبراير من عام 2017 هدف من خلالها مناقشة عدة جوانب بخصوص الإعجاز العلمي المنسوب للقرآن، الجانب الأول هو تقديم عرض مفصل عن الإعجاز العلمي وذكر الانتقادات الموجه إليه. والجانب الثاني هو تحليل الإعجاز العلمي من خلال ربطه بنظرية المؤامرة، ونظرية المؤامرة هي الاعتقاد أن منظمات سرية لها أهداف شريرة، هي المسؤولة عن الأحداث التاريخية الكبرى وكذلك عن تحديد الاتجاهات الاجتماعية، وتقوم بحجب بعض الحقائق. المعتقدين بنظرية المؤامرة في العادة يعتمدون على حجج زائفة لإثبات وجودها، وعادة ما يربط بين الإعجاز العلمي ونظرية المؤامرة. كما أن من أهداف الدراسة توضيح وجهة نظر العلماء في الإعجاز العلمي حيث انهم يمتلكون فهم عميق للعلوم. وكذلك توعية المجتمع بمضار الإيمان بالإعجاز العلمي.

الإطار العام للإعجاز العلمي

وقد ينبع الاعتقاد بالإعجاز العلمي من نية صادقة للتوفيق بين الدين والعلم. فيبدو انه يقوم بمنفعة نفسية، حيث انه يجعل المؤمنين يشعرون بأن كتبهم المقدسة متجددة وصالحة لكل مكان وزمان، وهذه عن طريق الإدعاء باحتوائها على معرفة مفيدة. في حين أنهم يدعون أن العلم الغربي معادي للأديان. كما أن الإعجاز العلمي يطمئن المؤمنين حول عدد من المسائل، لذلك قد يبدو لغير الخبراء في الأمور العلمية أنه غير مؤذي أو حتى قد يعتبرونه إيجابياً. في حين أنه على المرء أن يبقى مُميزاً لدوافع مقدمي الإعجاز العلمي ومشاعر من يتبعهم، والهيكل المنطقي لهم فضلاً عن تمييز مساوئ الإعجاز. فالجانب الأول يستحق الاحترام، لكن هذا الاحترام يجب ان لا يمرر المساوئ الموجودة في الإعجاز. فكما هو مذكور في الدراسة أن الإعجاز العلمي مرتبط بنظرية المؤامرة، حيث أنها تؤثر على العلم السليم، فالمؤمنون بالإعجاز العلمي يدفعون للاعتقاد بمعلومات علمية زائفة. إذا فالمنافع قصيرة المدى مثل الطمأنينة التي يكتسبونها باكتشاف أن القرآن يحتوي على معلومات علمية لا يمكن مقارنتها بالمضار طويلة المدى، حيث أنها تؤثر على التمويل العلمي الذي يأتي من الجهات الحكومية.

الزيف في الإعجاز العلمي والتعامل معه

بعض الأشخاص يلجؤون إلى نظريات معقدة للتخلص من مشكلة فصل الدين عن العلم عبر القول بأننا لسنا مستعدين بما فيه الكفاية لمناقشة زيف الإعجاز العلمي. على الرغم من أن مشكلة فصل الدين عن العلم قد حلها بعض المدعين بالإعجاز العلمي والمؤمنين به بأنفسهم، من خلال عدم التدخل في مناقشة القضايا العلمية المختلف عليها في العلم، لكنهم يميلون لاستخدام مصطلحات بسيطة مثل “علم” و”علمي” و”عالم”، وهكذا. فمن المؤكد أن المناقشات الفكرية المختلف عليها في ما يخص طبيعة العلم لا يمكن استبعادها بشكل عام؛ ولكن مدعي الاعجاز العلمي لا يمتلكون أي تواصل مع المفاهيم العلمية المعقدة من أجل القول أن جميع أشكال المعرفة متساوية أو القول أنه لا توجد طريقة علمية. فهم مستعدون لتقديم أنفسهم كمشاركين في إحدى المؤسسات العلمية والأكاديمية بشكل يتساوى مع مؤسسات أخرى تتخذ كمراجع. لكن بعد ذلك ينبغي أن نحكم عليهم بنفس المعايير التي اعترفوا بأنهم يخوضون نقاشات معقدة حول طبيعتها.

يمكن مناقشة لماذا علوم الفيزياء أو الطب يعتد بها وتوجد في الكتب الأكاديمية، وذلك لأنها تعتبر معرفة موضوعية. لكنك لا يمكنك أن تذكر آرائك الخاصة وتعتبرها بمكانه مشابهة لمكانة الفيزياء أو الطب في هذه الكتب، إلا إذا كانت هذه الآراء تم الحصول عليها بالطريقة نفسها التي حصلنا بها على المعارف الموضوعية.

كما أن الإعجاز العلمي ليس فقط حقلاً من المفاهيم العلمية الزائفة ولكنه أيضا شكل من أشكال التفكير العلمي الزائف. فقد يعمل المدعين بالإعجاز العلمي على وصف أنفسهم كفلاسفة للعلم والدين، حيث يقدمون آراءهم بشأن مواضيع دقيقة مثل ربط شخصية الإله مع نظرية التطور البيولوجي، أو الأعمال الإلهية في العالم الطبيعي. كما يشير العلماء المهتمين بمسائل التصنيف أحياناً إلى أن الإعجاز العلمي يعتبر ظاهرة ثقافية واجتماعية تسعى لفهم علمي عميق.

الإعجاز العلمي في الجامعات والتصدي له

غالبا ما يصل الإعجاز العلمي إلى المؤسسات التعليمية، مما يحتم على الأكاديميين أن يقدموا للطلاب الأساليب العلمية الصحيحة والتفكير النقدي التي تحول دون انتشاره في المؤسسات التعليمية.

لا النقاش مع المعتقدين بالإعجاز العلمي خياراً حكيماً، حيث أن هذا يجعل الأشخاص يتصورون أن للإعجاز العلمي مكانة بحيث يمكن مناقشته بشكل متساوي مع العلم الحقيقي. كما أنه من المستبعد أن يتم القضاء على الإعجاز العلمي على المدى القصير؛ نظرا لسهولة إنتاجه، إذ أنه ينتشر بسرعة وبكميات هائلة. لذلك يمكننا القول أن الإعجاز العلمي سوف يختفي تدريجيا على المدى البعيد عند استخدام سياسات تعليمية واسعة النطاق.

ينبغي أن تعدل المناهج الدراسية الخاصة واستراتيجيات التدريس بشكل يوافق ما موجود من الطبيعة العلمية في المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية في بعض البلدان الإسلامية. فعند الاعتقاد بالإعجاز العلمي سوف توجه المنح الدراسية والتربوية بشكل متساوي للأبحاث علمية والأبحاث الخاصة بالعلوم الزائفة، في حين أنه بإمكاننا أن نصحح المشكلة بفهم أكبر للعلوم الاجتماعية. ومرة أخرى، يمكن للمرء أن يشدد على فهم الإعجاز ونقيضه بحيث يمكنه النظر اليه نظرة شاملة. وسوف نحاول ذكر بعض المبادئ التوجيهية العامة بشكل يساعد على كشف زيف الإعجاز. فكل من العلوم الطبيعية، الفلسفة والتفكير النقدي، والمعلمين يمكنهم المساعدة على تقدير العلوم الطبيعية كمنهج قائم على نماذج رياضية، والذي يتكون من خلال الأبحاث التجريبية ومراجعة الأقران بدلا من الحدس الناشئ من “عبقرية فردية”. وكذلك يمكن تقديم البحث في العلوم الطبيعية كمشروع مثير للأهتمام، بدون مبالغة علمية ودون تواصل كاذب مع الكتب المقدسة.

وهناك درس آخر يمكن ان نتعلمه من نظرية المؤامرة وهو أن النقاش مع المؤمنين المتعصبين بنظرية المؤامرة ببساطة عديم الفائدة. لذلك يجب ان نوفر مصادر للقراء الفضوليين الذين قد يمر عليهم الإعجاز العلمي ويرغبون بالبحث فيه، أو لمن يرغب في البحث عن طريق بديل للتوفيق بين العلم والدين.

دور ممكن للدين في التصدي للإعجاز العلمي

يمكننا القول أن المؤسسات العلمية تتماشى مع طريقة عيش المسلمين كذلك مع قوانينهم الأخلاقية، ودون الخوض في أي “تفسير علمي” لنصوص كتابهم المقدس. ويمكن ان ينضم اللاهوتيين “علماء الدين” إلى الجهود المبذولة من قبل الاكاديميين ضد الإعجاز، فعلى سبيل المثال، نشر فكرة أن المعجزات العجيبة (مصطلح يستخدم في في التعريفات اللاهوتية والفلسفية) ليس مشابهاً للإثباتات العلمية (هنالك تداخل كبير بين مفهوم “معجزة” ومفهوم “آية” في لغة القرآن قد يساعد في هذه المهمة). ويمكن لهذا أن يكمل بواسطة فكرة ان تمييز الإثباتات في العلوم الطبيعية عن غيرها من الإثباتات لا يعادل (على نحو مطلق) اعتبار الأول أكثر جدوى من الاخير. حيث أن ميزة كل هذه المنظورات هي الإشارة إلى القيم المشتركة لدى المفكرين والأكاديميين يمكن أن تتقارب على الرغم من اختلافها في بعض النقاط الفلسفية واللاهوتية، كما هو الحال مع خرافات “العهد الجديد” (ولا حاجة للقول أنه يمكن الأكاديميين والعلماء المسلمين الانضمام إلى هذه المؤسسة أيضا).

موقع للتصدي للإعجاز العلمي (فكرة مقترحة)

يمكننا التفكير بموقع على الإنترنت موسوعي وتشعبي، تكون فيه الخرافات العلمية الزائفة الرئيسية في الإعجاز العلمي وخصوصا الزيف الموجود في الإعجاز العلمي الإسلامي. وقد يذكر في الصفحة الرئيسية للموقع الهدف من إنشاءه وبعض المفاهيم الرئيسية: مراجعة الأقران، البحث في الحقائق، مساوئ العلوم الزائفة ونظرية المؤامرة. وكل فرع من الموقع يكون مختص بقضية معينة، بشكل مشابه لموقع ويكيبيديا والنصوص التشعبية المشابهة لها. حيث يمكن مناقشة أي الخرافات المهمة التي يدعيها المؤمنين بالإعجاز العلمي. ويجب أن لا يذكر من يقوم على هذا الموقع بذكر أسمائهم، وذلك من أجل تجنب توريطهم بشخصنة إعلانية تلقي الضوء عليهم، ولكن هي أيضا من أجل استباق تأييدهم لهذه الخرافات. فما نحاول وضعه هنا هو فهرس “للأخطاء” وليس “للمخطئين”. ويمكن وضع أقسام رئيسية يشرح كل واحد منها بلغة واضحة وبسيطة كل من:

  1. ماهي فقرات القرآن المشار إليها كمواضع للإعجاز العلمي.
  2. لماذا تعتبر هذه الخرافة معيبة أو زائفة علميا.
  3. عدد من العلماء والمفكرين الرواد الذين أيدوا الدراسة العلمية المناقضة في نفس الموضوع، مع المؤشرات الببليوجرافية (“bibliographic” أي الكلمات الغير عربية ودخلت على اللغة العربية، وهو مصطلح خاص بعلم الكتب “المترجم”) الدقيقة للقراء الراغبين في التعمق في الموضوع.

ويمكن أن تكون هذه المبادرة المهمة كمشروع محلي يكون مقرها في أحد الجامعات، مع تنسيق الإدارات المختلفة، أو كقسم رئيسي يشمل عدد من الجامعات المختلفة. وشكل نطمح اليه أكثر هو أن يطلق باللغتين العربية والإنجليزية مع أكبر قدر ممكن الإدخالات المهمة. ومن ثم يمكن تحديثه على أسس ثابتة بشكل مشابه لما موجود في ويكيبيديا، من ثم ترجمة الإدخالات إلى لغات أخرى (التركية، الأوردو، الماليزية، والبهاسا الإندونيسية على سبيل المثال لا الحصر) وبعد ذلك يمكن دعمها. وإذا كان المقصودين هم القراء المسلمين، فإنه على القائمين على هذا المشروع أن يعالجوا العلوم الزائفة وأشكال التفكير الخاطئ النموذجية للإعجاز، وفي نفس الوقت ان لا يظهر هذا النقد وكأنه تحدي للإسلام، ولكن كموقف لمجموعة من الكتاب المسلمين البارزين في ميادينهم. تعددية الاختصاصات، الاحترافية العالية، المشترك الديني (سني/شيعي) بين المؤلفين من أجل بناء فريق عمل لديه حب العمل، والمواصلة عملهم بفاعلية مع عرضه لعامة الناس.

وإذا كنا متفائلين بنشوء مثل هذا المشروع والأشخاص الذين يعملون فيه، يمكن للمرء أن يلاحظ أن هذا النوع من المشاريع يمكن تنفيذها بنماذج عمل واستراتيجيات التي ثبت بالفعل قابليتها للاستمرار والنجاح في المشاريع الأخرى. وهنالك مشاريع سابقة ناجحة للتعاون بين الأديان وباقي الاختصاصات كما في إنشاء مؤتمرات أكاديمية رائدة. وقد نجح مشروع حديث في فهرسة قنوات اليوتيوب عن الإسلام والعلوم يتضمن عدد من الأمثلة الخاصة بمواقع الإعجاز العلمي. كما أن هنالك بالفعل مواقع على الإنترنت تهدف إلى كشف زيف الخرافات ونظرية المؤامرة، كما ان هنالك محاولات منتشرة وغير منظمة لانتقاد الإعجاز العلمي من خلال المواقع الإلكترونية.

 

المصدر:

Bigliardi, Stefano. “The “scientific miracle of the qur’ān,” pseudoscience, and conspiracism.” Zygon® 52.1 (2017): 146-171.