في مقال سابق بعنوان “بيع زيت الثعبان”، تناولت موضوع زيت الثعبان. ولم يؤكد اي مصدر على وجود زيت الثعبان، على الرغم من أن  آلاف الزجاجات تحتوي على مواد يطلق عليها “زيت الثعبان” تم بيعها إلى زبائن سذج خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.

في الواقع، أن زيت الثعبان يحتوي على خصائص طبية متواضعة، إذا ما قارنتها مع إدعاءات البائعين الذي يروجونها لمنتجاتهم التي يطلقون عليها “زيت الثعبان”. في هذا المقال سنحاول تتبع تطور بعض النماذج التي جمعتها.

صيادو الثعابين

ذكرت التقارير أن بعض الأمريكيين الأصليين، بما في ذلك  تشوكتاو (Choctaws: احدى قبائل السكان الأصليين في أمريكا الشمالية ويعيشون الآن في ولاية ميسيسيبي)، قد قاموا بعلاج الروماتيزم وغيره من الأمراض باستخدام بعض مشتقات زيت الثعبان. حيث تم تناقل هذه الممارسات عبر الأجيال.

وفي عام 1880، كتب مقال صحفي عن رجل من ولاية بنسلفانيا “كان صياد افاعي شهير، وكتب المقال بواسطة جون جير (John Geer)” حيث يتكلم جير عن كيفية قيامه بقتل الأفاعي واستخراج “الزيت من اجسادها”. وكان من الممكن استخدام الزيت في العديد من الأمور، حيث كان يبيعه بدولار واحد للأونصة. وقال “أن الزيت يتمتع بمميزات طبية عظيمة”.

وكان صياد الثعابين هذا هو بيتر غروبر (Peter Gruber)، الذي كان يدير حانة ومتحف في روتشستر، نيويورك. كما ظهر في أحد الصور النادرة له، كان يرتدي حزام ومعطف من جلد الثعابين، وقد رصع المعطف برؤوس الثعابين، وكان يمسك عصا متفرعة. وادعى أن امرأة هندية عجوز علمته إخراج الزيت من جلد الأفاعي الجرسية، وأنه قام باستخراج الزيت لعلاج أمراض الروماتيزم، وتصلب المفاصل، والدمامل وآلام الأذن. كما أنه استخدم جلد الأفعى الشبيه بالأنسجة ككمادات.

كما أن هنالك صياد آخر ذكر في بعض القصص المحلية، يدعى ويل كلارك (Will Clark) من بولتون، نيويورك. حيث يُذكر:

“في أحد الأيام توقف في حانة بعد أن قام بجمع الثعابين في الجبل. وبينما كان يحتسي الشراب، قام أحدهم بفتح حقيبة التي تحتوي على غنائمه والتي كان يضعها بالقرب منه. فتعالت الصيحات بشكل مفاجئ عندما لاحظ الزوار وجود بعض الثعابين. فقام ويلي على الفور بإمساك نصف دزينة من الأفاعي الهاربة وأعادها إلى الكيس. ومع ذلك أصبح الزبائن يشعرون بقلق شديد، حين لم يستطع ويل تذكر عدد الأفاعي التي جلبها من الجبل فيما إذا كانت 6 أو 7. وقد استمر النادل بالاحتفاظ بسكين خلف البار، وكان الزبائن يأتون إلى الحانة مع عصي في كل مرة”.

كما كان هناك العديد من صائدي الافاعي. فقد عثرت في ميشيغان على رخصة لبائع من يوم 26 مايو 1881، تسمح ل”رجل الافاعي” غير معروف ببيع الزيت لمدة يومين. ولدي أيضا بطاقة بريدية عام 1906 تصور آبي مينكلر (Abe Minckler) من كيلامن بنسلفانيا مكتوبٌ عليها: “تاجر الثعابين، جلد الأفعى، زيت الأفعى”.

زيوت الأفاعي

صائدي الافاعي الأصليين تحولوا إلى مقدمي برامج طبية، وكذلك إلى جامعي براءات اختراع طبية. فقد تم تسجيل العديد من براءات الاختراع لعدد من التراكيب، حيث أن ذلك يعفيهم من ذكر مكونات هذه التراكيب، فيكفيهم عند ذلك ذكر اسماءها التجارية فقط.

وبعد عقد من انتشار العديد من التراكيب تحت عنوان (زيت الثعبان)، فقد حددت ما لا يقل عن سبعة أنواع، وهي على النحو التالي:

    1. زيت الثعبان الاصلي. وهذا ما يبيعه الباعة المحليين. وقد حصلت على نسخة من تركيب “زيت الثعبان” الذي ذكر في دفتر لأحد المتاجر منذ عام 1830، وتباع الاونصة الواحدة منه بحوالي 25 سنت. كما رأيت في أحد المجاميع الخاصة زجاجة زرقاء وضع عليها ملصق “زيت الثعبان”. يبدو أنها تعود إلى القرن التاسع عشر.
    2. مرهم يحتوي على زيت الثعبان كمكون: ربما تعد العلامة التجارية الأكثر شهرة من هذا النوع هي (Snake-Oil Liniment) التي تعود لشخص يدعى كلاك ستنالي (Clark Stanley). الذي كان يشتهر بارتداءه لأزياء رعاة البقر (cowboys)، ويطلق على نفسه لقب “ملك الأفاعي الجرسية”، وقيل أن ستنالي اذهل الحشود في عام 1893، خلال المعرض الكولمبي العالمي في شيكاغو، حیث قام باستخدام المئات من زجاج زيت الثعبان، وروج على ان لها العديد من الخصائص العلاجية. وكتب على غلاف العبوات أنها للاستخدام الخارجي فقط، وزعم أنها “تخفف من آلام الروماتيزم العضلي، وآلام الظهر، تقلص العضلات، والالتواء، الكدمات، مسمار القدم، التقرح الذي يسببه البرد، ونزلات البرد، ولسعات معظم الحشرات”. وفي عام 1917 (بعد مرور عشر سنوات على سريان القانون الفيدرالي للغذاء والدواء) تم اختبار بعض العينات من منتج ستنالي. وتم الكشف عن أن معظمها تتكون من زيوت معدنية، بينما كانت نسبة الزيوت الدهنية كانت حوالي 1% (وكانت زيت مستخرج من لحم البقر)، بالإضافة إلى احتواءه على الفلفل الاحمر (الذي يعطي دفء مهدئ للبشرة) مع بعض آثار من زيت التربنتين والكافور. وهنالك تراكيب أخرى من هذا النوع ومنها مرهم بلاكهوك (Blackhawk’s Liniment)، والذي يباع من قبل شركة (Blackhawk Remedy Company) في بالتيمور. وقد وضع عليه ملصق عبارة عن احد رعاة البقر وهو يلف ثعباناً على نفسه متباهياً، وكتب عليها “يحتوي على زيت الثعبان”. ومع الوقت تغيرت هذه العبارة إلى “لا يعتمد هذا المنتج على زيت الثعبان، لكن له آثار علاجية”.
    3. زيت الثعبان بالأسم فقط: حيث هنالك تركيبة واحدة من هذا النوع في الولايات المتحدة، وهي عبارة عن وصفة طبية تنتج من قبل (C.F. Sams of Durham)، وكتب عليه عبارة “زيت ثعبان قديم الطراز علامة تجارية شهيرة يوصى بها لمسمار القدم، والأورام، ووجع الأسنان، ونزلات البرد، ووجع الرأس، والتهاب الحلق، وللجروح والكدمات، والتهاب المفاصل، والصداع، والتقرح.” لكن على الرغم من اسمها واتخاذها للافعى كشعار، إلا أن قائمة محتوياتها هي: زيت الخردل، وزيت الصنوبر، وزيوت نفطية، وفلفل أحمر، والكافور وزيت اللوز.
    4. مرهم معروف كـ “زيت الثعبان”: وهو مثل النوع الثالث، من الواضح أنه كان كمرحلة انتقالية. ومن الامثلة على ذلك زيت ميلر المطهر لعام 1916، الذي باعته شركة هيرب جوس مدسن “Herb Juice Medicine Co” (شركة عصير الأعشاب الطبية) في جاكسون بولاية تينيسي. وقد نقش على العبوة اسم “زيت الثعبان”. لكن في عام 1929 اعيد تصميم العبوة ليتم تغير العبارة السابقة إلى “زيت ميلر المسكن للآلام”، مضيفا: “لسنوات، عرف باسم زيت الثعبان، ولكنه لا يحتوي على زيت الثعبان”. ومن الامثلة الأخرى على هذا النوع هو مرهم منتج من قبل شركة “Chief White Horse” في ماديسون بولاية ويسكونسن. وقد كتب على الزجاجة عبارة “زيت تدليك، المعروف سابقا باسم زيت الثعبان”. وهنالك مثال آخر هو “White Eagle’s Indian Oil” (زيت الصقر الأبيض الهندي) كتب عليه أنه كان يسمى سابقا بزيت الأفعى الجرسية، العلاج الهندي للروماتيزم، آلام المفاصل والالتهابات. والمثال الأخير هو مرهم معروف في فينيكس بولاية أريزونا، والذي لم يكتب عليه زيت ثعبان، لكن كان يوضع في علبة خشبية نقش عليها رسم افعى جرسية.
    5. مرهم معروف كزيت ثعبان لكن ليس بشكل رسمي: أحد أنواعه هو زيت ينتج من قبل دكتور توماس (Dr. Thomas)، والذي كان يعرف بأسم (Excelsior Eclectric Oil) منذ عام 1880 واستمر بهذا الاسم، وكان يحتوي على “زيت التربين، والكافور، وزيت القطران، والزعتر الأحمر وزيت السمك المعالج بطريقة خاصة”. ومن الامثلة الاخرى على هذا النوع هو زيت أوميغا (Omega Oil) و(ubiquitous Sloan’s Liniment)، والذي يحتوي على مستخلص الفليفلة.
    6. زيت ثعبان كنوع من أنواع المستحضرات التجميلية، وخاصة أن العديد منها يحتوي على الكحول: ومن بين هذه الأدوية هو مرهم “قاتل الألم” الذي ينتجه بيري ديفيس (Perry Davis) (والذي انتشر عند تفشي وباء الكوليرا عام 1849)، والمركب النباتي الذي تنتجه ليديا بينكهام (Lydia E. Pinkham) (والذي جعلها أكثر النساء شهرة في وقتها)، ومرهم جذور المستنقع وعلاج الكبد “Swamp Root Kidney and Liver medicine” (الذي تنتجه شركة كيكابو للطب الهندي)، وعلاج الكشف الطبي الذهبي للدكتور بيرس (الذي اعتبر كـ”أفضل علاج للسعال، تنقية الدم، قتل البكتيريا، علاج وتنشيط الكبد، مقوي). وفي المقابل، يمكننا القول أن جميع هذه الأنواع لا تحتوي على أي قيمة طبية ولا يمكن وصفها بزيت الثعبان.
    7. زيت ثعبان مزيف: بشكل عام، هذا الخداع من خلال براءات الاختراع الطبية تشمل مرهم دكتور جاكي داوسون (Dr. Jake Dawson’s Liniment Tonic)، والتي وصفت بانها “زيت ثعبان” و”مقوي للشعر”. وهنالك نموذج آخر من هذا النوع وهو “Doc Wizzardz Original Snake Oil Elixir” الذي يقال أنه يحتوي على “مياه صنوبر مدعم”، ويحذر ملصقه بانه “خطر: غير صالح للاستهلاك البشري”.

 

 

استنتاج

اختفى زيت الثعبان قديم الطراز. (باستثناء نوع واحد، وهو عبارة عن زجاجة صغيرة من الزيت الأسيتي من الكوبرا التي تم التقاطها في المكسيك. حيث يوصى “بالاستخدام الخارجي فقط”، ويحتوي على “زيت سمك القد وزيوت معدنية”)

وعلى الرغم من أننا لا نستطيع القول بأنها فعالة، إلا أن العديد من المراهم التي يدعي منتجوها بأنها زيت الثعبان قدمت خلال السنوات الماضية الراحة للإجهاد العضلي وبعض الاضطرابات الأخرى، مثل الكثير من أنواع التدليك الشائعة في يومنا هذا والأدوية الموضعية الاخرى.

ولكن مرهم زيت الثعبان في نهاية المطاف لا يختلف عن غيره من العلاجات البديلة، حيث أن الآلم البسيط الذي لا يتطلب وصفة طبية يجعل العلاجات البديلة تتنافس على الإدعاء بالعلاج، وهي تتراوح بين العلاجات غير الفعالة والخطيرة. وبهذا المعنى، فإن زيت الثعبان ليس مصطلحٌ قديم، ولكنه مصطلح يتم تحديثه بين الحين والآخر.

المقال الأصلي:

Joe Nickell, “Snake Oil: A Guide for Connoisseurs“, Skeptical Briefs Volume 16.3, September 2006, www.csicop.org

تعقيب

بناءاً على ما موضح في المقال فإن الزيوت الزائفة هذه التي تنتجها جهات غير طبية مستندة إلى أساطير الهنود الحمر ورغم زيفها أو عدم فعاليتها أو فعاليتها الطفيفة التي لا تتناسب مع شهرتها، فإن أيً منها لا يذكر تكثيف الشعر أو تحسين جودته أو استنباته على الإطلاق، فزيت الثعبان وفق أكثر مزاعم صانعيه جرأة لا تتضمن سوى تخفيف الآلام.