هنالك عدد كبير من المرضى والمعالجين ممن يدفعون أموالاً طائلة لمنتجات وعلاجات الطب البديل، على الرغم من أن معظمها غير مجدي أو خطير أو لم يخضع لأي اختبار علمي حقيقي حتى!.

والغريب أن الأمر ليس مقتصراً على المجتمع الحديث فقط، عندها لأعتبرنا ذلك ناجمٌ عن جهلٍ وحماقةٍ لكن هنالك بعض خريجي الجامعات وحتى بعض الأطباء ممن يعتقدون ببعض جوانب الطب البديل.

قد يكون تقييمهم للحالات له ارتباطات عاطفية أو عقائدية أو حتى مادية، فغالباً ما يميل الإدراك والمنطق والذاكرة لتصديق الاستنتاجات المريحة عوضاً عن الحقيقة.

ويتعين على من يدافع عن العلاج البديل أن يثبت كونه آمن و فعال على حد السواء، ولكن ذلك أيضاً من الصعب إثباته لذلك فإن الطب البديل ما زال “بديلاً”.

أبرز الأسباب التي تدفع للجوء للطب البديل هي إما أسباب إجتماعية ثقافية أو نفسية يرافقها إعتقاد بأنه قد ينجح.

أولاً: الأسباب الاجتماعية والثقافية

عودة ظهور الطب الشعبي يرتبط بشكل وثيق بالحنين للعلاجات البسيطة والروحانية التي عاصرها جيل الستينات والسبعينات من القرن الماضي حيث كان الطب البديل يناسب ذلك وخاصةً الثقة الساذجة بالاستفادة من الطبيعة آنذاك. يُمكن تلخيص الأسباب الثقافية والإجتماعية في الاعتماد على الطب البديل بما يلي:

ضعف المعرفة العلمية

تبين الدراسات الاستقصائية بشكل صادم جهل الشخص العادي في الدول الصناعية المتقدمة بالمبادئ الأساسية للعلم مما يجعله غير قادر على اتخاذ القرار العلاجي المناسب [فما بالنا بالدول النامية.. المحرر].

المواقف المعادية للعلم والثقافة

هنالك العديد ممن يؤمنون أن الموضوعية هي مجرد وهم لا أكثر، وهم يقنعون الآخرين بالانسياق خلف مشاعرهم لأنها تحدد الحقيقة بينما العلم ينقض ذلك، لذلك فهم يفعلون ما أمكن لعزل العلم والترويج لمنتجاتهم السحرية الزائفة.

ومنهم المتصوفون ممن يعتبر ثنائية العقل والجسد هي التي تؤمن الصحة والعافية لمن يستحقها فيقومون بالترويج لعلاجات العقل القديمة التي تشفي الروح وما إلى ذلك من خزعبلات ومنهم للأسف ممن ما زال يعتقد أن المريض قد فعل شيئاً سيئاً ما جعله يستحق نتيجة أفعاله وينال مرضاً معيناً.

الحملات التسويقية

في استبيان تم عام 1997 في الولايات المتحدة الأمريكية إتضح أن عدد من يلجأون للعلاجات البديلة يعادل من يلجأ للعلاجات الحقيقية وذلك بسبب التسويق والضغط المتواصل الذي يرغم المواطن على تبني قرار غير قادر على البت فيه أصلاً.

عدم التدقيق الكافي على وسائل الإعلام ومهاجمة النقاد

فالإعلام أعطى الطب البديل حريته، وكثيراً ما يتم التنازع على القصص النادرة المتعلقة بنجاح علاج بديل ما في مكان ما بينما يتم استغلال آمال المتابع لا أكثر، وأي نقد غالبا ما يتهم بالتحيز الجنسي أو العنصرية بالنسبة لممارسات “اللمس العلاجي” على سبيل المثال أو الطب الصيني.

عدم الثقة بالطبيب والشعور بالضيق الاجتماعي

خصوصاً مع ازدياد نظريات المؤامرة وما إلى ذلك. على سبيل المثال نظريات المؤامرة حول ما تخفيه جماعات القبالاه السرية وقدرتها على استغلال ما تريد من الحكومات للعلماء للأطباء لتحقق غاياتها.

النفور مما وصل إليه الطب من تشعب في التخصصات

على سبيل المثال فإن وجود العديد من الاختصاصات الطبية حالياً جعل البعض يحن لوجود طبيب عام يشمل كافة الاختصاصات يوفر الوقت والجهد والمال.

الأمان والآثار الجانبية

الرواية التي تقول بأن العلاجات “الطبيعية” هي بكل تأكيد أكثر أمناً وفعالية من العلاجات العلمية ليست سوى اعتقاد أسطوري، وهنالك بعض المواقع التي تختص بدحض ذلك مثل <www.quackwatch.com>، بل في الواقع هنالك العديد من المنتجات العشبية التي تسبب الحساسية والتسممات وحتى بعض ردود الفعل القاتلة.

غالباً عندما تحدث تلك الآثار الضارة للعلاجات البديلة فإنها تنسب لأسباب أخرى بسبب الثقة بأن “الطبيعة” لا تؤذي، على الرغم من كون “الطبيعة” تنتج بعض النباتات التي تحوي أشد السموم فتكاً، بينما العلاجات العلمية التي غالباً ما تم استخلاص موادها الفعالة من النباتات فتتم معالجتها ودراستها واختبار سلامتها بدقة.

 

الأسباب النفسية

إرادة التصديق

حيث أن الجميع يبدي استعداداً لتأييد وقبول المعتقدات المريحة، فكم سيكون من الرائع كون العلاجات البديلة فعالة حقاً.
الأخطاء المنطقية

فعندما يحدث شيئين في نفس الفترة ذلك لا يعني أن أحدهما سبب الآخر ببساطة بل يجب الأخذ بكافة المتغيرات الأخرى ذات الصلة، وهذا الخطأ المنطقي يقع فيه جميع من يؤمن بالخرافات.

الآمال والتوقعات

وفقاً لنظرية التنافر المعرفي، عندما تتعارض المعلومات الجديدة مع المواقف أو المشاعر أو المعتقدات تحدث حالة من النفور النفسي تجاهها وذلك للتخفيف من عدم الارتياح، وغالباً نميل لتشويه المدخلات المخالفة.
فعلى سبيل المثال، سيحدث ذلك حينما يكتشف الفرد أنه لم يحصل على أي فائدة بعد الالتزام والوقت والمال الذي أهدره.

 

الوهم بأن العلاج الغير فعال قد نجح

المرض قد يكون عرضي

فالعديد من الأمراض تكون محددة لذاتها

المرض قد يكون دوري

كالربو و الصداع النصفي مثلاً، فهذه الأمراض تمر بفترات نشاط وخمول متتالية.

تأثير الدواء الوهمي (Placebo)

حيث أن التأثير المتوقع والامتثال يكون قوي بما فيه الكفاية ل “يعمي” كل من المعالجين والمتلقين فيما يخص العلاج الفعال مقابل الوهمي، فعلى سبيل المثال عند معالجة الألم فإن أي شيء يخفف القلق ويوجه الانتباه ويقلل من الإثارة ويعزز الشعور بالسيطرة أو يؤدي لإعادة التفسير المعرفي للأعراض يمكنه أن يخفف من حدة الألم وذلك لأسباب نفسية لا أكثر.

التراجع العفوي

أغلب حالات الشفاء النادرة تعزى للتراجع العفوي، حتى الأورام كالسرطانات يمكن أن تتراجع عفوياً فقد قال أحد أطباء الأورام أنه قد شهد 12 حالة سرطانية تراجعت عفوياً من أصل حوالي 6000 حالة قد عالجها.

الجسدنة والخوف من فقدان العافية

الجسدنة تعني تحويل الواقع العاطفي لأعراض جسدية وهي اضطراب جسدي نفسي المنشاً، ودوماً ما يتم استغلال المصابين بهذا الاضطراب من قبل المعالجين البديلين كونهم يريدون الاعتقاد بأن أعراضهم ذات منشأ طبي بينما في الواقع فهي نفسية.

العلاج البديل المتكامل

حيث يعلن المعالجين البديلين أنهم قادرون على تحسين العلاجات العلمية بصفتها محدودة التأثير بينما معالجة الأسباب الحقيقية تكون من قبل الطب البديل.

خطأ في التشخيص

فقد يخطئ أحد الأطباء في التشخيص، عندها يقوم المعالج البديل بالتشخيص، فإما يشخص مرض خطير غير موجود أساساً، أو يكون التشخيص صحيحاً لكن الوقت المتوقع غير صحيح.

 

الخلاصة

يجب التأكد إن كان العلاج البديل مدعوم بأبحاث علمية منشورة في المجلات الطبية الحيوية ومعرفة دقة تأثير العلاج بموضوعية، وليس عبر قراءة أي مجلة أو أي مصدر، بل يجب أن تكون المجلة علمية محايدة.
يجب الشك بأمر العلاج إذا كانت الأدلة عبارة عن حكايات أو شهادات أو كتب منشورة ذاتياً، كما يجب الشك بالمعالج إذا كان: جاهلاً أو ضد العلم، ليس هنالك أسس منطقية لأساليب علاجه، يستخدم ترويج مصحوب بتلميحات للقوى الروحية والطاقات الحيوية والاهتزازات والاحساسات، إدعاء امتلاك مكونات أو عمليات سرية، ادعاء علاج الشخص بأكمله وليس المرض العضوي بحد ذاته، إدعاء الاضطهاد ومقاضاة النقاد بدلاً من الاستجابة ببحوث، الحاصلون على شهادات من مؤسسات غير معتمدة أو يبيعون علاجاتهم في مكاتبهم الخاصة ويشددون على الزيارات المتكررة لضمان العلاج، أو إذا كانت النتائج تفوق التوقع ودون آثار جانبية، باختصار إذا كان دجالاً.. فمعظم العلاجات الفعالة جداً لدرجة لا يمكن تصديقها.. لا يجب تصديقها!.

عندما يصاب الناس بأي مرض كان، فإن أي خيار للعلاج يستحق التجربة على أمل الشفاء، هذا الأمل الكاذب يحل محل التفكير السليم والاستعداد للمطالبة بالأدلة، وفي هذه الحالة الضعيفة، تكون الحاجة إلى التقييم النقدي لخيارات العلاج أكثر من مجرد ضرورة.

المصدر:

Beyerstein, Barry L. “Alternative medicine and common errors of reasoning.Academic Medicine 76.3 (2001): 230-237.