عدي الأعسم هو رجل دين عراقي عُرف مؤخراً بطروحات غريبة ذات هيئة علمية. ليس هناك الكثير من المعلومات حوله في الأنترنت ولكنه ليس كذلك في مدينته النجف حيث يقلده كثيرون[1]، يُذكر في موقع القوة الثالثة الذي نشر نبذة عنه أنه ولد في عام 1954 م في النجف ولا يُذكر أنه نال أي دراسة أكاديمية في العراق أو خارجه حيث أنه بالكاد أنهى المتوسطة (في العراق تمثل المتوسطة ثلاث سنوات تلحق 6 سنوات من الدراسة الابتدائية، ويدرس الطالب حتى المتوسطة مبادئ بسيطة في الكيمياء والاحياء والفيزياء).

مع ذلك فمن غير الجدير بنا أن نفترض بأن طروحات شخص معين هي طروحات زائفة لمجرد أنه لم ينل شهادة معينة أو لمجرد أنه يرتدي ملابس رجل دين مسلم، رغم أن المسافة بين إكتشاف حقيقة علمية معينة وبين أعلى المراحل الدراسية اليوم هي مسافة طويلة من الأبحاث والجهود الأكاديمية ولم تشهد العقود الأخيرة ظهور أي إكتشاف ثوري في التخصصات العلمية من شهادات بكلوريوس أو دونها.

ماذا يقول عدي الأعسم؟ وكيف أصبحت جامعة بغداد مرتعاً للعلم الزائف؟

في آخر خمس دقائق من لقاء معه يذكر عدي الأعسم ودون مقدمات أنه كتب في الاستنساخ الضوئي وأن ما كتبه نشر في جامعة بغداد وهو لا يكذب بذلك فجامعة بغداد أصبحت تنشر مقالات تفتقر لأدنى ضوابط الكتابة العلمية عندما تكون الكتابة صادرة من رجل دين كعدي الأعسم. نشرت الجامعة مقالين للشيخ سنأتي بالملاحظات عليهما أدناه[2] [3].

لكن الأسوء أن الشيخ يتهم جامعة هارفارد بشكل غير مباشر بسرقة مجهوده الفكري أو أن الأمر هو “توارد خواطر” كما يصفه بحيث أن تلك الجامعة كتبت بنفس المجال الذي كتب به هو وبعد سنتين من كتابته للبحث وأنه رفع شكوى متأخرة عليهم حالت دون حصوله على حقوق الملكية الفكرية ويقول بأن الجامعة ردت عليه بأنه بعد مرور 3 أشهر لا يحق له أن يطالب بملكيته الفكرية، وهنا يظهر الخلل الأول حيث لا نعلم متى شُرع هذا القانون بزوال حق المطالبة بالملكية الفكرية بعد 3 أشهر.

الشيخ يقول أن أبحاثه أحيلت من وزارة العلوم والتكنلوجيا العراقية الى وزارة الكهرباء لتصبح قيد التطبيق لكن الفساد الإداري حال دون تطبيقها.

سنتجاوز اللغة الإنجليزية السيئة التي كتب بها المقال والتي تشير إلى أمرين أولهما أن الشيخ لا يجيد الإنجليزية وبالتالي فقد كتب بالعربية وترجم له أحدهم، أو أنه لا يجيدها الى الحد الذي يؤهله للكتابة. إنه ليس انتقاصاً من العربية لكن كلنا نعرف مدى ندرة ما مكتوب بالعربية في الاختصاصات المختلفة، هل يمكن للشيخ بلفظه الردئ للكلمات وبالترجمة هذه أن يكون قد إطلع على ما يكفي من الأوراق البحثية لتجعله يطلع على ما في المجال الذي يقحم نفسه به؟ لو تجاوزنا هذا الأمر هل نستطيع تجاوز قضية المصادر؟

كل من البحثين المنشورين في موقع جامعة بغداد وبشكل يدعو للخجل يفتقران لذكر أي مصادر، كيف وافق من نشر البحثين ان يرفع لموقع جامعة شئ يُزعم أنه ورقة بحثية وهو لا يحتوي على مصادر؟ هل تتعامل الجامعة بنفس المعايير مع رسائل الماجستير والدكتوراه؟

السئ بالأمر أيضاً هو تعليقات أساتذة من جامعة الكوفة (كانت في إحدى السنوات السابقة الجامعة الأولى على العراق) ومن التعليقات:

“البحث الموسوم ((نسق رياضي لتوحيد العلوم)) هو اسهامة علمية كبيرة في ميدان المعرفة العلمية وتكامل العلوم الطبيعية والتي طالما دعت اليها الرياضيات الحديثة في النظر للرياضيات على انها كيان موحد.وقد اجاد الشيخ عدي الاعسم في ربط الرياضيات بالعلوم الاخرى باستخدام مفاهيم جديدة . والبحث هو تحليل منطقي وفلسفي دقيق لتوحيد العلوم من خلال الرياضيات …” علاء الأمين – جامعة الكوفة

هل يعرف هذا الشخص شيئاً عن ما يتكلم عنه؟

في كلامه بلقاء آخر حول “الاستنساخ الضوئي” وبشكل مختصر نجهل أين يتكلم عدي الأعسم بالضبط فهو يخلط كثيراً من المفاهيم على أقل تقدير. يفتتح القول بأن العلماء حائرون بمسألة المورثات والدنا وفهم كيفية إنتقال الصفات. هل حقاً لا يفهم العلماء الأمر؟ ويقول أن هناك بحثاً اثير مؤخراً لحل المشكلة وهو حول “الجين الأزرق” أيضاً هذا المصطلح يقع في خانة المجهولات الكثيرة التي يتكلم عنها عدي الأعسم. جوجل يجيبنا أن الجين الأزرق هو الجين الأزرق هو مشروع لشركة آي بي أم (IBM) لصناعة حواسيب فائقة بإستهلاك منخفض للطاقة. أما البحث في محركات الأوراق البحثية فهو لا يقودنا إلا للنتيجة ذاتها حول مشروع آي بي أم.

الشيخ يفترض مشكلة ويفترض حلاً لها لكن لا نعلم أين تقع هذه المشكلة وأين يقع خلاف العلماء المزعوم الذي يتكلم عنه. يزعم الشيخ أن هذا البحث “نشر في براغ”، ويبدو واضحاً من قوله هذا جهله أيضاً بالنشر العلمي فما أهمية ذكر المدينة لو لم يذكر المجلة والعدد الذي نشر فيه كلامه؟ على كل حال فإن البحث حول عنوان الدراسة “mathematical system for science unity” في الأنترنت لا يقودنا سوى لنتيجة واحدة في مدونة مجانية تتكلم بصيغة الخبر عن مترجم “الكتاب” كما تسمي ذلك المقال وتصف المترجم بالشاعر والأديب.

يقول الشيخ في اللقاء:

“وشجعني ذلك على البحث فوجدت أن الخلية تعالج موضوع المورثات عبر الإستنساخ نفسه، تعلمون أن الطول الموجي موجود في كل مكان لكن العين لا ترى جميع الترددات، إذاً الأشعة السينية تخترق كل شئ، فيبدو أن هذه الأشعة السينية تخترق الخلية فيكون هناك معامل انعكاس، تأخذ القالب الذري ذاته ثم تعكسه، ويتوالى هذا الإنعكاس مع اختراق القشرات المتراكمة، والاصطفاف وراء أي منظر وراء اي خلية، ويبدأ هذا التوالي بترك ظلاله وتلك الفوتونات التي دخلت مشتتة وخرجت منظمة، وفقاً للتوزيع الذري نفسه، سوف تتنضد من جديد على تراكم من القشرات، فيصبح هناك إنعكاس دقيق عن الأصل، وهذه الفكرة تحل مشكلة المواد الغذائية في العالم، وهناك مجلة روسية لم أعد أذكرها أرادت أن تنشر البحث. لكنني أردت أن أنشر البحث في ألمانيا، ونشر البحث في ألمانيا. إن هذا الموضوع يعتمد على إعادة تأهيل الفوتونات نفسها. الذرة هي عبارة عن أواصر كيميائية وتتكون من عنصر ذري وهذا العنصر يتكون من اللبتونات والالكترونات والفوتونات وأيضاً الكوارك لكن الأساس في تلك اللبنات هو الفوتون لذا فإن فكرتي تقوم على أساس إعادة تأهيل الفوتون بما يتناسب والعنصر الذري فلم أجد لترويض الفوتون وإخضاعه سوى تسليطه على الذرة ليأخذ مجاله والدليل على ذلك أنظر الى الصور الفوتوغرافية ستجدها خالية إلا من العناصر الذرية”

الفوضى في تصريح الشيخ لا تحتاج الى شرح ولا يمكن أن تصف شخصاً يعرف عما يتكلم سوى خيال علمي لأجهزة استنساخ البشر التي تظهر في أفلام الكارتون حيث يسلط ضوء على شخص لتظهر منه نسخة ثانية، أو بنسخة محسنة من ذلك الجهاز في فيلم برستيج (The Prestige) الذي يفترض أن لاعب خفة دفع لنيكولاس تسلا ليصمم له آلة استنساخ للبشر.

لكن ولمناقشة ذلك التصور البسيط فإن إنعكاس الضوء لا ينقل معه نسخ من ذرات الأجسام التي يسقط عليها مهما كان ذلك الإنعكاس ومهما كانت تلك الأشعة، ما يحدث في الصور الفوتوغرافية هو ليس إعادة تشكيل لمادة من مادة أخرى بل هو تحسس لمادة معينة لموجات الضوء المنعكسة من مادة أخرى، لن يتضمن ذلك مكنون تلك المادة أو ذراتها أو أي شئ مما فيها، يعني تصوير البركان لن يعطينا صورة تحتوي على مواد قادمة من البركان بل على الضوء الذي يصدر من الحمم والضوء المنعكس من باقي نواحي المشهد. أما التساؤل حول أين تم ذلك النشر فيبقى قائماً حتى الان.

الشيخ لا يتوقف عند هذا الحد فيقحم نفسه في مجال آخر ويقول أنه صمم دواءاً لمعالجة النعاس دون الحاجة للنوم وأن هناك “إخوة” في الأردن يصنعون ذلك الدواء، والشيخ يقول أنه يتمنى أن يوجه ريع ذلك الدواء لعوائل الشهداء. يقول الشيخ:

“للدواء تأثيران أحدهما فسلجي وهو بحركة العين، والثاني هو درگ (Drug)”

من الصعب تحديد مفهوم كلمة Drug التي يذكرها الشيخ كثيراً في المقطع.

الكلام أعلاه للشيخ مثير للسخرية بما يكفي ومن الأفضل الإستماع إليه في الفيديو الأصلي والمنشور في قناة اليوتيوب الخاصة بالشيخ والتي تنشر فيديوهات تتعلق به.

في قناة الفيديو ذاتها التي تعود للشيخ ينشر ما يخدع الناس به على أنه وفد ألماني جاء للإطلاع على أبحاثه غير أن الحقيقة التي تظهر في الفيديو نفسه بأن الشخص الظاهر في الفيديو ليس سوى مهندس ألماني يعمل في شركة مقاولات مختصة بحفر المجاري في مدينة النجف وقد جئ به لرؤية الشيخ وتم تقويله ما لم يقل.

نعود لما نشرته جامعة بغداد وترجمه الشاعر والأديب وكتبه الشيخ (نسق رياضي لتوحيد العلوم)، مع التنقل بين المواضيع هناك افتقار للصلة بين ما مكتوب فضلاً عن عدم وجود علاقة بين ما هو مكتوب وبين اي مادة أكاديمية أدبية كانت أم علمية، فمثلاً يتسائل الشيخ هنا: “ما العلاقة بين الدانوب الأزرق والاوربيات الشقراوات، أو بين الأنهار الحمر والهنود الحمر، أو بين النهر الأصفر وشعوب الصفر في آسيا؟” والقليل من زيف علم الأعداد حيث يقول “ما أهمية الرقم 13 بالنسبة للخلفاء الأربعة؟ لماذا تحتوي اسماء كل منهم على 13 حرف؟” (في الواقع هذا غير صحيح). وبينما يحاول الشيخ أن يوحد بين العلوم ومعظم الكلام ينطلق من أفكاره ويبتدأ بـ “حينما نفكر بـ”.

في الورقة الأخرى حول نقل الكهرباء والتي تفتقر للمصادر ايضاً، يكذب الشيخ حينما يعزو هذه الفكرة له فالفكرة وجدت لدى تسلا منذ القرن التاسع عشر وطرحها بعده كثيرون وتم إحداث تطويرات فيها في الستينات والسبعينات والثمانينات[4]، يتجاوز الشيخ هنا دور الجاهل الى دور الكذاب والدجال.

بإستمرار القراءة يشعر القارئ وكأن شخصاً لم ينه دراسة أي صف من العلوم لكنه شاهد تشكيلة من الوثائقيات العلمية وقرر فجأة أن يكتب هذا الكلام، من المقبول والمطلوب أن تناقش وأن تفكر في الوقت الذي تتعلم فيه، لكن لا يمكنك أن تضع نظريات وأن تكتب في الفيزياء والبيولوجيا وعلم النفس وأن تتكلم بهذه الثقة وتزعم أن ما تقدمه له دور كبير في العلوم وسيحدث ثورة.

وفي النهاية إن المشكلة والسفه ليس من عدي الأعسم بقدر السفه الصادر من جامعة بغداد والمجتمع العلمي العراقي الذي يسمح لشخصيات كهذه بالظهور بكل ثقة في الساحة.

_______________________________________________________________

[1] التقليد لدى المسلمين الشيعة هو أمر ملزم لأتباع المذهب بأن يتبعوا أحد رجال الدين الذين يصلون مرحلة معينة من المعرفة الدينية وأن يستجيبوا لفتاواهم وتعاليمهم حول شؤون الدين والحياة المختلفة.

[2] ‘Ady Al-A’assam, A mathematical system for science unity, University of Baghdad, Translated to English by Hussein Nasser Jabr Al-Ibadi

[3] Adi Al-Assam, No More Electric Wires, Translated into English by Hussein Nasser Jabr

[4] Wireless power transfer, Wikipedia.org