فرويد واخطاء لا تحصى في كتابه علم نفس الحياة اليومية . كتب رينيه بومبيي وهو مشكك وباحث فرنسي كتاباً بعنوان علم نفس الحياة اليومية أو عندما ينتقل فرويد من الصباح إلى المساء كناية عن الاشكاليات المتعددة التي يواجهها فرويد في طرحه بهذا الكتاب. بدءاً من إشكاليات الاقتباس وانتهاءاً بالمغالطات العلمية الواضحة، والمقال أدناه هو قراءة لجاك فان رالاير في ما كتبه رينيه بومبيي في كتابه.

نقد كتاب فرويد علم نفس الحياة اليومية

كان فرويد يعتقد أن أفضل الطرق لعرض أسلوبه في التحليل النفسي هو قراءة شرحه للهفوات التي نقوم بها مثل الخطأ في لفظ اسم او الخطأ في نطق احرف معينة او غيرها من الهفوات الذهنية. فبدأ كتابه بهذا الشرح ضمن “دروس لتقديم التحليل النفسي” المشهور (1917). كتب فرويد انه “وضع علم نفس من حياة الروح الطبيعية” وأنه “تم إثبات هذا الأمر عندما تم اكتشاف أن الأحلام وهفوات البشر الطبيعيين لها نفس الآلية في الأعراض العصبية” بحسب ما ذكر في كتابه (التحليل النفسي). 1 .

يظهر كتاب رينيه بومبيي ،أحيانا بطريقة هزلية،وأحيانا بطريقة ساخرة،أن فرويد لم يحد عن مساره عند تفسير الأعراض العصبية فحسب انه انحرف في كتابه علم نفس الحياة اليومية من الصباح حتى المساء.

خص فرويد كتابه “علم نفس الحياة اليومية(1904)”2 كاملا للهفوات. إذ كتب بخصوص هذا الموضوع أن هذا “الكتاب موجه كليا للجمهور الشعبي ويريد فقط، تمهيد الطريق الى فرضية ضرورية وفعالة في العمليات النفسية اللاشعورية من خلال تراكم ذكر الأمثلة”3. وقد حقق الكتاب الهدف منه: فهو كتاب فرويد الأكثر ترجمة (إذ طبعت في حياته أحد عشر طبعة) و بلا شك الأكثر مساهمة في انتشار مذهبه في علم النفس. لكن اليوم، عندما يرتكب شخص ما زلة فان أولئك الذين يسمعونه يتفاعلون فورا معا ابتسامة مفهومة وتفسير للمعنى “الخفي”. إذ يمتن الكثيرون لفرويد لوضعه أسلوب تفسير يترجم أي سلوك دون أدنى صعوبة.

لا يُدرك معظم الناس أن هناك كُتباً قبل فرويد قدمت تفسيرات مقنعة عن الهفوات. وأستخدم فرويد احدها لميرانجر والمنشور في عام 1895 4حيث ذكر الكتاب توضيحاً استعان به فرويد في كتابه الصادر سنة 1904 وفي مقاله الاخير5اقتبس فرويد نفس المقال دون ذكر المصدر6. كان يرى في ذلك المثال دليلاَ على وجود اللاوعي. كما يستند في دليلبه الاخرين على أفكار في اللاوعي وتجارب الإيحاء والتنويم وكلها تعود لبرنهايم7.

كنت فضوليا في رغبتي بمعرفة إذا كان بومبيي سيقدم شيئا جديداً أم لا. ولم يخب أملي. لم يقم بومبيي بنقد الأمثلة المألوفة في هفوات فرويد التي كتب عنها 40 صفحة منذ 35 سنة فحسب، ولم يستفد من اعمال كرونبوم وتيمبامارو في فلسفة العلم ونقد زلات المنهج العلمي في طرح فرويد فحسب بل حلل تفسيرات فرويد بفكر منطقي وحس سليم واضحين ، وهو ما استحسناه في نشرياته السابقة12. إذ يعيد الأمثلة الأكثر فرويدية لإظهار أنها يمكن أن تفسر جميعا بطريقة غير فرويدية تقريبا وبطرق أكثر إقناعا.

فرويد يقول ان نسيان الاسماء كنوع من الهفوات في اذهاننا سببها قمع المشاعر والدوافع تحت ضغط التربية الاخلاقية كالانانية والغيرة والعداء والتيارات الجنسية المختلفة، لكن علم النفس الحقيقي اثبت ان تذكر اسماء العلم بسرعة وبدقة يصبح صعبا بشكل متزايد عندما نكبر في السن، وفقاً لفرويد سيكون الكهول هم من يتعرضون للضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الشباب وليس العكس.13، 14

ويستعرض المؤلف الفئات المختلفة من الهفوات التي يرتكبها فرويد. لنقتصر هنا على مثالين يوضحان تماما المفهوم الفرويدي لشرح الأخطاء في قول اسم معين:

كتب فرويد في احدى مقالاته’بوركهارد’ بدلا من ‘بوكهارد’. عندما اكتشف خطأه، فسر نقل حرف “ر”، وهو ما حصل عن غير وعي، انه تعبير عن ازدراءه لهذا الكاتب المذكور. وأشار بومبيي أن “الكلمات التي تتضمن أربعة أو أكثر من الحروف الساكنة المتتالية ليست سهلة التذكر: يمكن أن ننسى بسهولة حرفا من الحروف الساكنة أو أن نعكسهم. فقد استغرق مني الأمر بعض الوقت لكتابة اسم نيتشه بشكل صحيح دون الحاجة إلى إجراء تدقيق إملائي” وهو امر مثبت وخلاف لما يروج له فرويد. بالإضافة الى انه عندما نريد تحريف اسم شخص نفورا منه، فنحن نحرفه عادة بصورة سلبية واضحة. وذكر بومبيي على سبيل المثال شخصا كان يحب تحريف لقب جان لوك ميلينشون الى ميشونكون (ص 64).

كتب فرويد أن الشخص الذي يعطي لمتسول المزيد من المال معتقدا أنما يعطيه دون وعي هو تضحية من أجل تذليل المصير أو تفادي مصيبة. يواصل فرويد: “إذا فهمنا والدته الحنون أو عمته، مباشرة قبل النزهة التي ظهرت من خلالها سخية دون رغبة منها، لم يعد بإمكاننا الشك في معنى هذه الصدفة.” “لم يعد يمكن أن أشك في ذلك.” 15بهذا التفسير،الذي “لا يمكننا الشك فيه” اي ان فرويد يرى أن الامر نابع من اللاوعي، يرد بومبيي: “يمكن أن يحدث فعلا أن والدة لطفل مصاب بمرض خطير، تؤمن بأن الله سينقذ طفلها اذا ما كانت سخية مع متسول ولكن هذه الممارسات الخرافية لا تتم بلا وعي بل بادراك وعن خوف وقلق. يعزو فرويد إعطاء المتسول مالاً إلى أمر خارج الوعي وان إيمان المرأة بأمر ما قد يحدث إذا ما ساعدت المتسول هو أيضا آتٍ من اللاوعي ولكن في الحقيقة الأمر ليس كذلك فمساعدة الناس تأتي من إدراك تام وهي ليست بلا وعي بل تتم بدافع القلق والمخاوف(ص 104).

وليس من الضروري قراءة كتاب فرويد مقدما للاستفادة من هذا التحليل إذ يمكن الاقتصار على هذا التحليل والقراءة لبومبيي حسب رأيه. يستشهد المؤلف دائما بأمثلة بصورة تفصيلية، ثم يقدم تفسيرا منافسا. بعد قراءة كل توضيح،يمكن للقارئ أن يتوقف ويحاول العثور على تفسير أو تفسيرات غير فرويدية، ثم يقارن مع تفسيرات بومبيي: إنه تمرين عقلانية ناقدة رائع16،ممتع،مصقل،مفيد.

المصادر

1 “التحليل النفسي” (1926) ترجمة الأعمال الكاملة. ب.و.ف، 2006، 17، ص. 293.

2 كتاب من 1904. نشر جزآن في عام 1901 في موناتشريفتفور الطب النفسي وعلم الأعصاب.

3 علم النفس المرضي في الحياة اليومية. ترجمة الأعمال الكاملة، ب.و.ف، 5، ص. 368 (حاشية أضافت في عام 1924).

4 مورينجر.ر و ماير.س (1895) وعد وقراءة خاطئة: دراسة نفسية و لغوية. شتوتغارت:غوشن، ص.204

5 “بعض الدروس الأساسية للتحليل النفسي” الذي ألفه عام 1939، نشرت في عام 1940. ترجمة الأعمال الكاملة ، ب.و.ف، 2010 ، 20، ص. 312.

6 مثال نموذجي أن فرويد، بحكم مرور الزمن وانه يعتبر نفسه داروين علم النفس، يتغاضى على نحو متزايد ان يذكر الكتاب الذين استوحى منهم الأفكار.

7 بالمناسبة، استخدام هذه الحجة في عام 1939 يتناقض مع ما نشره فرويد في عام 1925: “عندما يستفيق موضوع الاختبار من المشي أثناء النوم، يبدو أنه لا يذكر ما حدث خلال مروره بهذه الحالة. لكن بيرنهايم أكد أن هذا الشخص يعرف على أي حال، وعندما يدعوه للتذكر ويتأكد أنه يعرف كل شيء، وما عليه إلا أن يقول ذلك ببساطة، وعندما يفعل ذلك ويضع أيضا يده على الجبين، يستعيد الذكريات المنسية فعلا، يتردد أولا، ثم تتدفق و بوضوح تام “(تقديم ذاتي. ترجمة الأعمال الكاملة، ب.و.ف، 17، ص. 75).

8 ذكرها فرويد في علم النفس المرضي للحياة اليومية. المرجع المشار اليه،  ص141

9 أوهام التحليل النفسي (1981) بروكسل: ماردقا، ص. 84-121.

10 قرونبوم.أ، (1984) أسس التحليل النفسي. نقد فلسفي. ترجمة الأعمال الكاملة، ب.و.ف ، 1996، ص. 283-320.

11 تيمبانارو.س، ( (2002 زلة فرويدية. التحليل النفسي والنقد النصي. بولاتي الكتب الأساسية،  ص. 244

12 العلوم والعلوم الزائفة ذكر أربعة من كتبه: اثنان على فرويد، سيجموند مجنون و فرويد مخطىء تماما. ملاحظات حول نظرية فرويد للحلم وفرويد وليوناردو دا فينشي – عندما يفك مجنون شفرة عملاق، وواحد على جيرارد، روني جيرار – مضاء يعتقد انه منارة، و واحد على تريزا دافيلا، تريزا دافيلا. قديسة أو منحنية؟ – دراسة جنون ناجحة جدا.

13 علم النفس المرضي للحياة اليومية، المرجع السابق، ص 373. حدد فرويد لماذا لم يعد يظهر عامل الجنس في الكتاب: “وكما يتعرض في الغالب إلى أمثلة تحليل من روح الحياة الخاصة، وكان خياري منحاز منذ البدء و موجه لاستبعاد الجنس “(معرف).

14 نحتارفي خيارات البحث. مثال :. بيرك، د. وآخرون (1991) وعلى طرف اللسان: ما هي أسباب فشل البحث عن الكلمات عند الشباب وكبار السن ؟ مجلة الذاكرة واللغة، 30: 542-579.

 

15 علم النفس المرضي من الحياة اليومية ، ج. دبليو، الرابع 194.

16 نقصد ب “العقلانية الناقدة” المعنى المحدد من قبل كارل بوبر: محاولة حل العديد من المشاكل الممكنة باستخدام المنطق والملاحظة المنهجية والتجريب، في حين تبقى مفتوحة للنقد و الاستفسار. العقلاني “الناقد” يعتقد أن تقدم المعارف يتطلب التعاون وتبادل الأفكار، وأيضا رفض استخدام “استراتيجيات تحصين” التي تحمي من خطر التفنيد (انظر في المجتمع المفتوح وأعداؤه. ترجمة، العتبة، المجلد 2، 1979، ص. 153-173).

ترجمة مقال http://www.pseudo-sciences.org/spip.php?article2579