يحتوي الكونُ على وحوشٍ حقيقية لا يُمكنُنا رُؤيتها بَعْد، لكنَّنا نعلمُ أنَّها موجودة. ما من شيءٍ أكبر وأقوى وأكثر اِرعاباً وغرابَةً منها، فهى تقضي على الكواكب والنجوم والمجرات وأى شيء يقترب منها. يقول عالِم الفيزياء: لورانس كروس  (Theoretical Physicist: Lawrence Krauss) “إنها تُصيب عُلماءَ الفيزياء بالصُداع لأنها تنتهك كل القوانين، ولكنها تحتل صدارة الأحداث وتتحكم بالكون”.

تُعتَبَر الثقوب السوداء أكثر الأشياء غموضاً في كوننا، الجاذبية فيها مُطلقة بحيث لا يُمكن لأي شيء الإفلات منها. كيف تأتي هذه الثقوب السوداء؟، وكيف تبدو؟، وما هي كيفية عملها؟. سنُحاول بقدر المُستطاع الإجابة على أهم الأسئلة المُتعلِّقة بفيزياء الثقوب السوداء في الجُزء الأخير من سلسلة “كيف يعمل الكون”.

يقول عالِم الفيزياء: ماتشيو كاكو (Theoretical Physicist: Michio Kaku) “عندما كُنت طالباً أدرُس للحصول على الدكتوراة، كان الناس يضحكون عند سماعهم شيئاً عن الثقوب السوداء، كانت أشبه بأُحادى القرن أو الكائنات الأسطوريّة، كُنا نُسمّي الثقب الأسود بالعُنصر المُضحِك. حسناً، لم يَعُد الموضوع يُضحِكُ احداً الآن، لم يَعُد الموضوع خيالاً علمياً. نحنُ الآن في العصر الذهبي لأبحاث فيزياء الثقوب السوداء، إنها قد تكون السّر لفهم نشوء الكون وتشكّله وزواله بعدئذٍ”، ويُضيف الفيزيائي: لورانس كراوس قائِلاً “رغم أننا لم نهبط على واحدٍ بَعدْ، لكننا نملكُ أدلة كافية تُثبِت وجودها”.

لماذا تُعرَف بالثقوب السوداء؟، ولماذا هي سوداء أصلاً؟

بعد أن وَضع ألبرت آينشتين لمساته الأخيره على نظريته العبقرية الفريدة المعروفة بالنظرية النسبية العامة، خرج لنا الفيزيائي/ شوارزتشايلد (Physicist: Schwarzschild)  بعدة أبحاث عُرِفَت لاحقاً باسم “حل شوارزتشايلد”، قد كشفت النقاب عن تطبيقات مُذهلة للغاية للنسبية العامة، وقد بيّن أنه إذا رُكِزَت كُتلة نجم كروي في نطاق صغير للدرجة التي يُصبح فيها ناتج قسمة الكُتلة على نصف القُطر رقماً يتجاوز قيمة حرجة مُعينة، فإن الإعوجاج في نسيج الزمكان الناتج من ذلك سيكون شديد لدرجة أن أى شيء يقترب بشدة من هذا النجم -بما في ذلك الضوء-، لن يتمكن إطلاقاً من الهرب من قبضة الجاذبية. ولأنه حتى الضوء لا يُمكنه الهرب فقد أطلق عليها في البداية النجوم المُظلمة أو المُتجمدة. ثُم أعطى العالِم جون ويلر (Physicist: John Wheeler) فيما بعد اسماً أكثر أُلفة وهو الثقوب السوداء؛ وهي ثقوب لأن أى شيء يقترب منها سيقط فيها دون رجعة، وسوداء لأنها لا تسمح بمرور الضوء.

ثقب أسود يبتلع نجماً في مجموعة أكويلا

قد لا تبدو هذه الصورة مُهمّة بالنسبة إليكم، لكنها بالنسبةِ إلى عالِم فيزياء تُمثلُ دليلاً على وجود ثقباً أسود.

هذا شريط حقيقيّ يُظهِر ثقباً أسوداً يبتلع نجماً في مجموعة “أكويلا”. إنها تأكُل بشكل فوضوى، والنقاط الحمراء التي يَسعكُم رؤيتها هذه هي غازات يتم نفثها من الثقب صوب الفضاء، وخلال المليون سنة القادمة سيتم إلتهام هذا النجم حيّاً وسيختفي.

يقول عالِم الفلَك: فيل بلايت (Astronomer: Phil Plait) “يُمثل الثقب الأسود نهاية كُل شيء، نهاية النجم والمادة والطاقة والجاذبية، إنها الأقوى على الإطلاق” وبرغم إمتلاكها قُدرة تدميرية تفوق أى شيء آخر في الكون إلا أنها تُساهم بتشييد المجرات أيضاً، إن الثقوب السوداء حقاً جُزء حيوي في الآلة الكونيّة العظيمة. كما يعتقد بعضُ علماء الفلك انها تُمثلُ مدخلاً لأكوانٍ متوازية.

وتكمُن قوتها في إحدي القوي الأساسية في الطبيعة، الجاذبية، وهي في الثقوب السوداء قوية بشكل هائل يتخطى كُل الحدود لدرجة إبتلاع الضوء نفسه عند الإقتراب منها. تخيّلوا الأمر كأنكُم تركبون زورق في أحدِ الأنهار، وثَمْةَ شلّال مائي ضخم، الجاذبية هي النهر الذي يتدفق نحو الشلال وشُعاع الضوء هو زورقَكُم. في أعلى النهر يكون التيار ضعيفاً فيُمكن لكُم التجديف عكس التيار والإفلا منه، أمَّا قُرب الشلال فالتيار قوي جداً بحيث تواجهون مشاكل كبيرة في الإفلات منه، وطرف الشلال يُشبه طرف الثقب الأسود. والثقوب هذه ليست مُجرد ظاهرة بعيدة، وإنما خارجة عن السيطرة هُنا في مكان قريب منا بالكون، وتوجد ثقوب سوداء مُتنقلة شريدة في أنحاء مجرتنا درب التبانة، وبالطبعِ بمقدورها مُباغتتنا من الخلف وإبتلاع نظامنا الشمسي، ببساطة سيجذب جميع الكواكب بشكل أقوي من الشمس لدرجة أن تنزعها من مدارتها وبالتالي سيختل التوازن الجذبوي في النظام وستعُم فوضى عارمة لأقصى الحدود.

وهل الثقوب السوداء ثقيلة؟

لتكوين فكرة عن مدى ثِقَل وكثافة هذه الثقوب تخيّلوا أنه قد تم سحق كوكب الأرض إلى أن يصير بحجم كرة جولف قُطرها خمسة سنتيمرات لكنها ستُحافظ على وزن الكوكب وحجم جاذبيته، هُنا الذرات مرصوصة بجانب بعضها ومن شدة السحق تنهار الذرات بحد ذاتها.

حسناً، وما الذي يُمكنه جعل الثقوب بهذ الكثافة؟

يقول لورانس كراوس “ليس لدينا قوى خارجية ومكابس ضخمة في الكون لخلق هذه الثقوب؛ لذا الطريقة الوحيدة لتكوّنها هي أن تتولي الجاذبية هذه المهمّة” وهُناك مكان واحد بالكون يوّلِد هذه الكمية من الجاذبية، عندما تموت النجوم الكبيرة التي تفوق شمسنا على الأقل بعشر مرات، ومن ثَمَّ تتكوّن المُستعِرات العُظمى في إنفجار كوني هائل. لكنها حتى أكبر من ذلك، أثقل من شمسنا بمئة ضعف وتطُلق أقوى إنفجار في الكون بأسره وهو المعروف بالمُستعرات فوق العُظمى.

في عام 2004 أطلقت ناسا مسبار “سوفيت” لإجراء مسح كوني بحثاً عن أشعة جاما التي تصدُر عن الإنفجارات العُظمى وفوق العُظمى لدراستها وفهمها.

هذه صورة لأقوى إنفجار لأشعة جاما رَصَده السوفيت حتى الآن، ويُعلِن وميض الضوء هذا عن ولادة ثقب اسود جديد في الجهة الأُخرى من الكون.

وما هي كيفية عمل الثقوب السوداء؟

الحقيقة هي أن العثور على الثقوب السوداء أمر ومعرفة كيفية عملها أمر مُختلف تماماً. وعلى المرء أن يستقل مركبة فضائية تعبُر الكون الشاسع لزيارة إحداها، للإقتراب منه فقط ليرى كيفية عمله. وعند الدخول إليه سيجد الواقعية مُتعطلة والوقت ثابت. يُعرف طرف الثقب الأسود بــ”أُفق الحدث” وهو تمثيل حدود الزمان والمكان على الأقل في الكون الذي نعرفه ويخضع لقوانين الفيزياء، ويُفسِّر لورانس كراوس سبب هذه التسمية بأن أُفق الحدث هو بمثابة فصل الفضاء إلى منطقتين، فهو ليس سطح مادي وقد لا نُلاحظ حتى بأنن سقطنا بداخله، لكن حالما نسقط سيكون محكوماً علينا بالهلاك، عند أُفق الحدث يتجلى مفهوم الأمور الغربية.

ويُتابع شرح هذه الغرابة الفَلكي: فيل بلايت حيث يقول “تخيّل أنك تقترب من أُفق الحدث وكانت قدميك هي الأقرب إليه، فلن يكون تأثير الجاذبية بالقدر ذاته على رأسك لأنه أبعد، وما سيحدُث هو أنك ستتعرض للتمطُّط وستُصبح مثل قطعة طُوفى يُحاول شخصان قويان جذبها صوبهما”، ويُضيف كراوس “إن كُنتم تُشاهدون عن بُعد سترون أن الشخص هُناك يبدو وكأنه يُبطئّ حركته كُلما اقترب أكثر من أُفق الحدث وكأنه يتوقف كُلياً بعد ذلك، وقد تستغرق العملية كلها فترة وجيزة جداً وسيبدو ظاهرياً وكأن كُل شيء ثابت، ولن تتمكنوا من رؤية ما يقبع حتى أسفل أُفق الحدث؛ إذ أن الوقت هُناك سيبدو أبطأ من وقتكُم بكثير.

وفي الحقيقة لا يكون الشخص هُناك قد توقف على الإطلاق فهو يستمر بالمُضي قُدماً ليعبر أُفق الحدث”، ولنفترض أن الشخص هُناك -الذي يبدو لنا الزمن عنده كأنه ثابتُ- يحمل كاميرا مُوجَّهه صوب مدخل الثقب وتَبُث لنا ما يحدُث معه بالفعل، هذه الكاميرا سَترصُد الضوء أثناء تعرُّضِه للشفط، ومِنْ ثَمَّ لن ترصُد غيرَ اللون الأسود لكن خلال تَقدُّم هذا الشخص صوب الثقب أكثر فأكثر فإنه سيقع على أكثر مكان غريب في الكون يُسمّي العُلماء هذا المكان بنُقطَةِ التَفرُّد، وتُعرَف بالتَفرُّد لأننا لا نعلم عنها شيء إطلاقاً غير أن الكثافات هائلة جداً لدرجة أن قوانين الفيزياء التي نعرفها لا تنطبق هُناك.

نقطة التفرد

ويُضيف كاكو عن نقطة التفرد أن وصفها ليس أنها ذات جاذبية لا نهائية بحيث لا تجعل للزمكان والمكان أدني أهمية، فهذا الوصف سخيف!، حيثُ تُشير كلمة التَفرُّد في الحقيقة إلى أننا لا نعلم عنها أىّ شيء. يبدو الأمر جنونياً لكن هذه هي الطريقة المعروفة حتى الآن عن كيفية سير الأمور هُناك. مِن المُثير للضيق قليلاً الإعتقاد أنَّ هُناك أشياء بالكون تُخالف قوانين الفيزياء.

وما هي أحجام الثقوب السوداء؟

الثقوب السوداء تُولَد من إحتضار النجوم الكبيرة، ويكون القسم الأكغلب منها صغيراً ذو عرض يُقارب الثلاثين كليو متر لكن ذلك لا يمنع وجود عماليق سوداء قد تكون بحجم النظام الشمسي برُمَتِه تقريباً، وبالفعل يكمُن أحدُها في قلب قلب مجرتنا. فجميع النجوم والأنظمة الشمسية في مجرتنا تدور حول منطقة غامضة في الوسط. ولتوضيح نشوء هذه الفكرة أكثر يشرح الفيزيائي ماتشيو كاكو قائلاً: “يقول الأولاد إذا كان القمر يدور حول الأرض، والأرض تدور حول الشمس، حول ماذا تدور هذه الأخيرة؟، حقيقةً هذا سؤال جيد وقد طَرحَه عُلماء الفلك من قَبل، فلرُبما يحصُل شيء في قلب درب التبانة يُسبِّب هذه، قد يكون هُناك ثُقب أسود في وسطها”، ولكن بسبب عجزنا عن رؤية الثقوب الأسود فإن أفضل شيء يُمكن للُعلماء فعله هو البحث عن مؤشرات واضحة عنه. وبفضِل تليسكوبات تعمل بالأشعة تحت الحمراء عاينت وسط المجرّة لتكتشف الأمر.

في أعالي الغيوم في موناكايا في هاواي، أمضت عالِمَة الفَلك/ أندِريا غيز (Astronomer: Andrea Ghez)   وفريقها البحثي حوالي خمسة عشر عاماً في البحث عن خيوط بمُعاونة التليسكوب العملاق “كيك” القادر على رؤية وسط مجرتنا. وتقول أندِريا: “المنطقة التي علينا دراستها لإثبات وجود ثقب أسود صغيرة بشكل مُذهِل، والأمر شبيه بالبحث عن إبرة في كومة قش لكننا نعرف مكان الإبرة بالضبط”، عن طريق مسح وسط المجرة المليئ بملايين النجوم، وتستكمل أندِريا وصفها لعمل الفريق: “على المرء أن يتمكّن من رؤية النجوم القريبة جداً من وسط المجرة، ووضعها في مكاناه الصحيح بدقة شديدة. وذلك يُوازي وُجودي في (لوس أنجلوس) للنظر إليك في (نيويورك) ورُؤيَتك تُحرك أحد أصابع يدك”. الصورة التي يلتقطها كيك وضُوحُهاكافٍ لتَعقُب النجوم القابعة وسط المجرة، تم إلتقاط آلالاف الصور التي تكشف عن أمرٍ مُذهِل وهو أن النجوم عن الوسَط تتحرك بسرعة ملايين الكيلومترات في الساعة. وسط المجرة بيئة مُتطرّفة للغاية. مثل ماهو موجود بالصورة التالية:

وسط مجرة درب التبانة

وسط مجرة درب التبانة

وهذا حتماً أحد إثباتات وجود ثقب أسود يفوق حجم شمسنا بأربعة ملايين مرة. لكن درب التبانة ليست المجرة الوحيدة التي تحتوي ثقباً أسوداً في وسطها، تُوجد ثقوب سوداء ضخمة في قلب القسم الأكبر من المجرات في الكون. جارتنا الأقرب مجرة (أندروميدا) على سبيل المثال، تدور حول ثقب أسود أضخم من شمسنا بحوالي مائة وأربعين مليون مرة. ومجرات مثل (إم87) تحتوي ثقوباً سوداء تفوق ضخامتُها شمسنا بعشرين مليار مرة.

كيف لهذه الثقوب أن تُصبح بهذه الضخامة، وماذا تفعل في وسط المجرات؟

بعد الإنفجار العظيم مباشرةً كان الكون عبارة عن غاز وغُبار نجمي، وفي بعض المواضع كان الغُبار كثيفاً جداً لتكوين ملايين النجوم الهائلة جداً والتي كانت تحترق بشكل ساخن وسريع جداً لِتنفجر بعدئِذ مُكوِّنةً عدداً كبيراً من الثقوب السوداء الضخمة. ويُفسِر لورانس كراوس قائلاً: “كان الكون بمراحله الأولى مكاناً جامحاً وجنونياً، انهارت فيه كُتَل ضخمة بشكل كارثيّ وكوّنت ثقوباً سوداء. لرُبما كان الكون في مراحله الأولى مليئاً بالثقوب السوداء التي اجتاحت المكان واندمجت مع بعضها لتُشكّل ثقوباً عملاقة”. وكُلمّا زاد حجم الثقب زادت جاذبيته هولاً، مما أدي لجذب كميات كبيرة من الغُبار والغاز والتي بدورها بدأت بتكوين مجرّات بدائيّة.

وهل يتوقف الأمر فقط عند ذلك؟

يقول عالِم الفَلك/ فيل بلايت “حاولوا أن تتخيلوا مجرّة يافعة جداً لا تزال في طور التكوين، وهُناك ثقب أسود يتشكّل في قلبها ولا تزال الغازات تنجذب نحوه مُشكِّلَةً المجرة. قُرب وسط ذلك الثقب ترتفع الحرارة وتُسخِّن تلك المواد، ومِن ثَمَّ تزداد سرعة الغازات المُندمجة إلى الثقب لكن وزنها يُصبح زائداً ولا يعود هُناك مكان لكُل تلك الغازات الساخنة الفائضة؛ لذا يتم قذفها في الفضاء من خلال دفقات هائلة من الطاقة. فعند تسخين الغاز يميل للتوسُّع ويُقذَف نحو الخارج وهو يُشبح الريح لكن على نطاقٍ هائل، فيُصبح لدينا ريح ثقب أسود، أو الغاز الذي يُقذَف من الثقب، وبالتالي يظهر الكوازار”، ويُضيف الفيزيائي لورانس كراوس “الكوازارات هي أكثر الأشياء سطوعاً بالكون، وهي قوية لدرجة أنَ ضوءها قد يُسبب كسوفاً لمجرة بأسرها”.

صورة لكوازار حقيقي في مجرة (إم 87) على مسافة خمسون مليون سنة ضوئية

هذه صورة لكوازار حقيقي في مجرة (إم 87) على مسافة خمسون مليون سنة ضوئية

ولكن في النهاية لا تبقي كيمة كافية من الغاز لتشكيل النجوم، فتتوقف المجرة عن النموّ؛ لذا فالحجم الذي تصل إليه المجرة مرهون بالثقب الأسود في وسطها. وبسبب إنعدام الغازات التي يُمكن الاقتيات بها تتقلص الكوازارات وتموت، ويبقي ثقب أسود عملاقي في وسط المجرة.

وهل اختفت جميع الكوازارات في الكون؟

أحد التليسكوبات الفضائية الموجودة في مرصد (شاندرا) يستطيع رصد الأشعة السينية القوية التي تبثّها الكوازارات، وقد وجد آلالاف منها كما تُظهِر هذه الصورة الجميلة كوازارات من كل الأشكال والأحجام تنطلق بسرعة في الفضاء.

كوازارات من كل الأشكال والأحجام تنطلق بسرعة في الفضاء

كوازارات من كل الأشكال والأحجام تنطلق بسرعة في الفضاء

وبالطبع يُشير كل كوازار إلى مجرّة يافعة يوجد في وسطها ثقب أسود، لكن هذه الكوازارات ستهدأ مع نضوج مجراتها واتخاذها شكلها النهائي. يقول فيل بلايت في هذا الصدد: “أعتقد أن الكون يُشبه الإنسان كثيراً، يكون ناشطاً في صِغَره ويُصبح هادئاً ومُسترخياً أكثر عندما يكبر”.

لدراسة الثقوب السوداء نحتاج زيارة واحد منها، لكن تلك الفكرة سيئة نوعاً ما. يُحاول عُلماء الفلك اكتشاف طريقة لإلتقاط صورة للثقب الأسود الضخم في قلب مجرتنا، ولكن بُغية ذلك يحتاجون تليسكوب بحجم كوكب الأرض. يُحاول عالِم الفَلك/ شيب دوليمان (Astronomer: Shep Doeleman)  وفريقه إلتقاط صورة تُظهِر ظل أو كفاف الثقب الأسود ضمن غيمة الغازات التي تدور حوله. ويتحدث دوليمان عن البحث قائلاً: “تُمثل هذه التنقية التي نستغلها أفضل أمل لنا للحصول على صورة لمنطقة بالكون كانت مخفية تماماً عنّا حتى الآن”.

لا يُمكن للتليسكوبات البصرية رؤية الثقب الأسود بشكل مُباشر، لكن الغاز المُتوهج الفائق السخونة بمُحيط الثقب يبعث موجات لاسلكية يُمكن استخدامها للتوصل إلى صورة. التليسكوب اللاسلكي بمعهد ماساتشوسيتش للتكنولوجيا (MIT HAYSTACK OBSERVATORY) كبير بما يكفي لرصد إنبعاثات خافتة جداً من الثقب الموجود بمجرتنا على مسافة خمسة وعشرين ألف سنة ضوئية، لكنه ليس كافي لإلتقاط صورة، لذا نحتاج أخذ نُسخ عديدة من هذا التليسكوب وتوزيعها على أنجناءالكوكب لخلق تليسكوب إفتراضي بحجم الكُرة الأرضة، ومِن ثَمَّ سيربط فريق دوليمان التليسكوبات ببعضها من هاواى إلى تشيلي وصولاً لأفريقيا. وعندما يحدُث ذلك سنحصل على سطح عاكس يبلغ عرضه أكثر من ستة عشر ألف كليومتر وتفوق قُدرته قُدرة التليسكوب الواحد بخمسمائة مرة.

ويستكمل دوليمان حديثه عن البحث الذي يتولاه فريقه: “عندما رأينا الرصد الأول نظرت إلى شاشة الكومبيوتر وقُلت في نفسي يا إلهي لقد فعلناها. وقد رأينا شيئاً صغيراً جداً مصدره المنطقة المُحيطة بأُفق الحدث حتماً، ولا تزال الإشارات ضعيفة لتشكيل صورةكاملة لكني أتوقع تحسُّن الصور مع وصل مزيد من التليسكوبات مع بعضها خلال السنوات المُقبلَة”. لكن الصُور لا تُقارَن بزيارة أحد هذه الثقوب فعلاً، في المُستقبل قد نمتلك التكنولوجيا لدخول وعبور الثقب الأسود، وقد نُجيب على السؤال التالي: “ماذا يكمُن في قلب الثقب الأسود؟”

يعتقد بعض العُلماء أن الثقوب السوداء تُمثل مداخل لعوالم أُخرى أو إختصارات في نسيج الزمكان. لا يزال الأمر مبنياً على تكهُنات بحتية، ولكن يبدو أن الرياضيات تُشير إلى أنه في حال الوقوع في ثقب أسود. ويُضيف ماتشيو كاكو قائلاً: “لا يموت المرء ببساطة، بل يقع في ثقب دوديّ، يُمثل مدخلاً او طريقاً مُختصراً عبر الزمان والمكان. رُبما يُمكننا التنقل في الكون عبر النظام المعروف بالثقب الأسود. إذا كانت الثقوب السوداء طُرق مُختصرة عبر الكون، قد تُحوِّل إحدى الأفكار العلمية الخيالية إلى واقع. السفر عبر الزمن ممكن ولكنه ليس عملياً جداً، فمصدر الطاقة التي تحتاجونها لإبقاء عُنق الثقب الأسود مفتوحاً، فريدة من نوعها لدرجة إستحالة إنتاجها في المُختبر”

رُبما أيضاً الجهة الأُخرى من الثقب الأسود تُمثل مدخلاً لكونٍ آخر، رُبما إنفجار عظيم آخر أيضاً. ويشرح كاكو هذه الفرضية قائلاً: “عندما ينهار الثقب الأسود وتسقط المواد عليه يتم قذفها في الجهة الأُخرى وصولاً إلى ثقبٍ أبيض، ألا يُشبه هذا الإنفجار العظيم؟. وبالتالي قد يُمثل ذلك طريقة ولادة كوننا، فإن نظرتُم إلى مُعادلات الثقب الأسود ووضعتُم مُتغيرات الكون وكُتلته وحجمه، ستجدون أن كوننا يحل مُعادلات الثقب الأسود؛ مما يعني أننا يُمكن أن نكون داخل أُفق حدث، رُبما نعيش بالفعل داخل ثقب أسود. قد يُمثل كل ثقب أسود مصدر كون مُستقل تماماً”.

مهما كانت الأمور التي سنكتشفها، نعلم أن الثقوب السوداء موجودة في الكون. إنها مصيرية بالنسبة لتطوّر الكون أكثر مما تخيلنا في الماضي، فالكون الظاهر أمام التليسكوبات تأثر إلى حدٍ كبير بسبب إدراكنا لوجود الثقوب السوداء في كل مكان. لن نُبالغ إن قُلنا أنه في حال لم تكن الثقوب السوداء موجودة فلن يتسنى لنا أن نكون هُنا، نحنُ مدينون بوجودنا للثقوب السوداء. لكن هذه ليست نهاية القصة، لايزال هُناك الكثير بإنتظار إكتشافنا له بخصوص الأشياء الغامضة المُسمَّاه بالثقوب السوداء، سادة الكون.

المصادر :

CosmoLearning‎: How The Universe Works: Extreme Black Holes | ‎CosmoLearning Astronomy. ‎CosmoLearning. N.p., n.d. Web.‎

Brian Greene; “The Elegant Universe”, Chapter 3 “Of Warps and Ripples: Black Holes, the Big Bang, and the Expansion of Space”, page: 40.

http://blackholes.stardate.org/history/

Oppenheimer, J. R. and Volkoff, G. M. (1939-01-03). “On Massive Neutron Cores”. Physical Review.

Ruffini, Remo and Wheeler, John A. (January 1971). “Introducing the black hole” (PDF). Physics Today: 30–41.

Davies, P. C. W. (1978). “Thermodynamics of Black Holes” (PDF). Rep. Prog. Phys. 41: 1313–1355.

“The vacuum black hole uniqueness theorem and its conceivable generalisations.”. Proceedings of the 1st Marcel Grossmann meeting on general relativity.

(1971). “Axisymmetric Black Hole Has Only Two Degrees of Freedom”. Physical Review Letters. “ARIZONA STATE UNIVERSITY”