لطالما كانت فكرة التخفي فكرة مستحيلة طيلة التاريخ البشري. كانت هذه الفكرة  جزءاً من العديد من قصص الأفلام الشهيرة  كعباءة هاري بوتر (harry potter) و حقل الاخفاء في  (star trek)  و سلسلة سيد الخواتم وغيرهم الكثير، كما كانت جزء من ميثولوجيا العالم القديم.  ومع تطور العلم، خاصة الفيزياء و علم البصريات اصبحت امكانية جعل الاشياء لا مرئية مجرد مسألة وقت لا غير. بدءاً من أعمال الإغريق مروراً بإبن الهيثم ووصولاً إلى نيوتن وماكسويل وانتهاءاً بعصرنا الحالي و اكتشاف ما يعرف بالمواد الخارقة (metamaterials)، اصبح التفكير بالتخفي ممكنا.

في القرن التاسع عشر قام ماكسويل بحساب سرعة الموجات الكهرو مغناطيسية ليصل لنتيجة ان الضوء ماهو الا موجة كهرومغناطيسية. الضوء المرئي ما هو الا مجموع موجات كهرومغناطيسية يتراوح طولها ما بين اربع مائة و سبع مائة نانومتر، في حين تتواجد العديد الموجات الأخرى خارج هذا المجال كالموجات فوق البنفسجية وتحت الحمراء (للمزيد راجع المقال حول الطبيعة المزدوجة للضوء “التأثير الكهروضوئي وكمومية الضوء” لحسن احسان المنشور في اغسطس 2016).

و لكن ما علاقة هذا بالاختفاء!؟ كما يشرح الفيزيائي ميتشيو كاكو  (michu kaku) في كتابه فيزياء المستحيل (the physics of the (impossible، تعتبر  المباديء الاساسية في فيزياء البصريات حجر الزاوية لتحقيق شيء كهذا، و كما صنف التخفي  ضمن القسم الاول للمستحيلات (بحسب الكتاب).

اولا، ما هو معروف في الوسط العلمي أن شفافية الاشياء ترتبط بشكل اساسي  بطول الموجة التي تخترقها وطريقة تموضع الذرات، فاذا كان طول الموجة اكبر من الفراغ الموجود بين الذرات لن تستطيع الموجة المرور و العكس صحيح. على سبيل المثال، في المواد المعتمة تكون الذرات جد متقاربة ما يجعلها غير قابلة للاختراق. عكس ما نلاحظه في العديد من  الغازات. و لكن توجد بعد  المواد الصلبة الشفافة، و هذا يعود كما سبق ذكره الى تموضع الذرات و طول الموجة، فالزجاج مثلا تمر صناعته بمراحل عديدة تتضمن تعريضه لحرارة عالية ثم تبريده المفاجيء ما يعطي الذرات  تموضعا مميزا يسمح بمرور الضوء المرئي من خلاله.

يبقى حلم التخفي غير معقول بتطبيق فكرة صناعة الزجاج على جسم بشري او جسم آخر كالطائرة مثلا! فإعادة تشكيل ذرات الجسم البشري على شاكلة مادة تسمح بمرور الضوء فيه نوع من الجنون.

في الكتاب السالف الذكر (فيزياء المستحيل) يتطرق ميتشيو كاكو الى تجربة مميزة، ففي عام 2006  قام باحثون في جامعة ديوك (duke university)  بجعل الاشياء لا مرئية لموجات الميكرويف اعتماداً على ما يُعرف بالمواد الخارقة.

ماهي المواد الخارقة؟ هي مواد ذات خصائص فيزيائية غير اعتيادية، كأن تمتلك ثابت انكسار (refractive index) ذو قيمة سالبة وذلك بعكس المواد الموجودة في الطبيعة. فمثلا  ثابت انكسار الضوء في الزجاج هو 1.5 و في الهواء 1.0003  وهو في جميع الحالات موجب القيمة بخلاف المادة الخارقة هنا. تتكون هذه المواد من خليط من السيراميك و التفلون وبعض المعادن وهي منظمة بشكل يجعل الموجات الكهرومغناطيسية تنحني عند المرور بها، اي انها لا تنعكس منها. حركة الجسيمات دون الذرية المشحونة (بشكل خاص  بالالكترونات)  تحت تأثير حقل كهرومغناطيسي يخلق استقطابا او مغنطة لهذا النوع من المواد مما يعطيه اجابة مميزة اتجاه الموجات الكهرومغناطيسية. يتم إخفاء الأشياء عن طريق إحاطتها بشرائح دائرية من المواد الخارقة، ما يجعل رصدها صعبا.

العمل على مواد للاخفاء ليس جديدا، بل كان موضع اهتمام العديد من الدول خاصة في الحرب الباردة، حيث طورت العديد من التقنيات فيما يتعلق بالتجسس، و هو ما نراه في بعض الطائرات حيث تسمح التعديلات التي خضعت لها ببعثرة الموجات المنبعثة من الرادارات.

يطمح العلماء في الكلية الملكية في لندن (Imperial college) بتطوير هذه المواد لتصبح ذات استعمال واسع سواء في المجال العسكري او لصناعة عدسات فائقة (super lenses)  التي ستتيح رؤية الاجسام ما دون النانومتر و التي يمكن استعمالها في المجال الطبي او الفلك على حد السواء.

فيما يخص الطائرات ، تستعمل العديد من المواد في تقنيات التخفي او ما يعرف بتقنية التسلل (stealth technology)، بشكل أساسي مواد مثل ألياف الكربون والألياف الزجاجية والبلاستيك، كل هذا بهدف تقليل نسبة المعدن في هيكل الطائرة ، تضاف الى جانب استعمال هذه المواد تعديلات اخرى كاعطاء سطح الطائرة طبيعة مدببة على شكل حقل من النتوءات الهرمية  ما يزيد قدرة الطائرة على التخفي عن الرادارات.

المصادر

Stéphane Larouche, “Retrieval“, Center for metamaterials and plasmonics – Duke University

Michu Kaku, “the physics of the impossible”

Metamaterials, IOP Institute of Physics