هل نمتلك الارادة الحرة ؟ هل خياراتنا عبارة عن وهم؟ نحن نؤمن بان حياتنا تدور حول خياراتنا، نؤمن أننا نختار كل شئ من مهنتنا الى غذاءنا، لكن هل نملك حقا إرادةً حرةً، -هل اخترت ان تقرأ هذه المقالة، ، ام كان هذا تصرفاً بعيداً عن إرادتك؟ العلماء والفلاسفة ناقشوا طبيعة الارادة الحرة لقرون، لكن المزيد من هذا الجدال تصدر المشهد العلمي اليوم، من قبل حقلين علميين هما الفيزياءphysics   والعلوم العصبية neuroscience

الفيزياء والارادة الحرة

العديد من الفيزيائين جادلوا في هذا الشأن معتبرين ان الإرادة الحرة هي عبارة عن وهم، على الرغم من اننا نظن اننا نقوم باختياراتنا، فالجزيئات التي تكون ادمغتنا واجسادنا تخضع ببساطة لقوانين الفيزياء، هذا الرأي قائم على التتابع المنطقي التالي:
الارادة الحرة

اذا تتبعنا هذه السلسلة نجد ان قوانين الفيزياء تحكم اختياراتنا، اذا كيف يكون لدينا إرادةً حرةً؟ هل نحن مجرد دمى متحركة محكومة بقوانين الفيزياء؟

عالم الفيزياء المؤثر اينشتاين، كان مؤمنا بان قوانين الفيزياء تحكم اختياراتنا، لان حركة الاجسام الملحوظة  تتبع قوانين الفيزياء، (قوانين نيوتن)، كان آينشتاين مؤمناً انه اذا استطعنا بشكل دقيق تحديد موقع وسرعة الجسيمات داخل ادمغتنا، فإن بإمكاننا التنبأ بسلوكايتنا، كان آينشتاين مؤمناً أيضاً اننا لو استطعنا تحديد موقع وسرعة كل الجسيمات بعد الانفجار العظيم big bang، فبامكاننا التنبأ باالمستقبل الكامل لهذا الكون، لو كان اينشتاين محقاً، هذا يعني ان مستقبل كوننا غير قابل للتغيير منذ حصول الانفجار العظيم.

لكن آينشتاين كان مخطئاً، فهو لم يضع بعين الاعتبار سلوك تلك الجزيئات صغيرة الحجم، كجزيئات الضوء، التي لا تتصرف بطريقة قابلة للتنبؤ، على سبيل المثال، النظارة الشمسية، تسمح فقط لـ 50 % من جزيئات الضوء (الفوتونات) بالدخول، عندما تنتقل الفوتونات الى النظارة الشمسية فنحن لا نملك أدنى فكرة اذا كانت ستعبر النظارة او سترتد عنها، الفوتونات ستختار فقط اي مسار ستقوم باتخاذه عندما تصل الى النظارة وهي مجبرةٌ على صناعة القرار.

الارادة الحرة - الفوتونات - والنظارة الشمسية

قرارات غير قابلة للتنبأ بالكامل، بمقابل ما كان يظنه اينشتاين، فإن معرفة موقع وسرعة الفوتونات لن يمككنا من توقع سلوكياتها، وبالتالي، حتى لو كنا نعلم موقع وسرعة الجزيئات الفعلي بعد الانفجار الكبير، وكان لدينا كمبيوتر خارق وكبير كفاية لمعالجة كل هذه المعلومات، فلن نتمكن من التنبأ حول مستقبل هذا الكون، و اختياراتنا المستقبلية كذلك.

اذا  أيعني هذا اننا نملك ارادة حرة؟

لا هذا فقط يعني ان المستقبل غير قابل للتنبؤ، حقيقة ان خياراتنا محكومة باحداث جزيئية غير قابلة للتنبؤ لا تعطينا سيطرة او ارادة حرة، اذا علم الفيزياء يبدو انه يتخذُ موقفاً، فإنه على الرغم من أن مستقبلنا لا يمكنُ التنبأُ به، فنحن أيضاً لا نملك اي خيار بخصوص مستقبلنا كذلك، ربما هنا حيث يجب ان يتوقف الفيزيائيون ويتيحون لمجالات اخرى كعلم الاعصاب neuroscience  أن تُفسر لنا لماذا نبدو اننا نملك ارادة حرة؟

الارادة الحرة وعلم الأعصاب

مساهمة علم الاعصاب في فهمنا حول الارادة الحرة بدأت عن طريق بينجامين ليببت  Benjamin libet  في الثمانينات من القرن الماضي، ليبيت اشار في سلسلة من التجارب انه قبل ان يكون هناك الرغبة الواعية بتحريك يدنا بحركة تظهر اننا نملك ارادة حركة، فالاشارات من قبل عقلنا اللاواعي تحدد ان هذا ما  تريده ان يحدث، بعبارات اخرى، عقلك يقرر حركة يدك قبل ان تبدأ بوعيك التفكير في ذلك، هذه النتائج تكررت في العديد من الدراسات الحديثة، مقترحة ان قراراتنا الواعية لحركة ايدينا هي مجرد قرارات تابعة لقرارات عقلنا اللاواعي المسيطر.

على كل حال، هناك انتقادات حول هذا النوع من التجارب، العديد من العلماء تسائلوا حول دقة قياس الوقت اللازم للشخص ليتخذ فيه قراره الواعي، ربما تظهر هذه القرارات بشكل أبكر مما تقترحه هذه التجارب، او ربما نشاط عقلنا اللاواعي غير مهم بتلك الدرجة التي نعتقدها، بعض الدراسات التابعة اظهرت ان نشاط عقلنا اللاواعي يتوقع الحركة بدقة  لا تتجاوز الـ 70% الى 80 %.

كما يبدوا ان مجال علم الأعصاب يفتح المجال حول اننا نملك ارادة حرة اكثر من علم الفيزياء، بالواقع ليبيت بنفسه امن انه على الرغم من ان الارادة الحرة غير موجودة بالمعنى المتعارف عليه للعبارة، الا ان البشر ربما يملكون حق نقض هذه القرارات، مما يعطينيا الخيار في عدم القيام بأمور معينة، علاوة على ذلك، النتائج التي حصل عليها ليبيت تهدد ارادتنا الحرة فقط عندما يُنظر الى نشاط عقلنا الواعي كجزء مكمل لوجودنا. عقولنا البشرية تصنع القرارات، لكن اكثرها تظهر بشكل لاواعي بواسطة شئ لا علاقة له بكياناتنا الواعية، هذه النقاشات قادت الى تشكل ممارسات بما يسمى الوعي الراضي، او اليقظة الراضية mindfulness، حيث يتم تشجعيك على ان لا تحكم على نفسك بناء على افكارك (كونك لا تتحكم فيها) لكن بدلا من ذلك مراقبة افكارك الواعية دون الحكم عليها.

العديد من العلماء لا يريدون قبول فكرة ان ارادتنا الحرة غير موجودة بالكامل، هذا لان حياتنا اليومية تعزز شعورنا بهذه الارادة الحرة بشكل دائم، من الصعب ان نجد انفسنا متحكمين من قبل اي شيئ غير افكارنا الواعية، من الصعب قبول ان تجربتنا الشخصية قد تكون معيوبة، حتى على ضوء قوانين الفيزياء ونتائج ليبيت، ربما نحن أيضاً نقاوم قبول هذه النتائج، لاننا خائفين من العواقب التي ستجلبها .

اذا كنا ككائنات بشرية تؤمن بان تصرفاتها غير مبنية على اختياراتها، هل تصرفاتنا قد تكون اكثر انانية وغير مسؤولة ؟ هل علينا  ان نلوم المجرمين على أفعالهم اذا كانت خلاياهم العصبية تتبع قوانين الطبيعة فقط؟ هل علينا ان نشعر بالذنب أساسا ؟

نحن نؤمن جميعا ان حياتنا متعلقة حول الخيارات التي نتخذها، لكن العلم قد يتوصل الى خلاصة يوما ما كون الارادة الحرة ليست سوى وهم، على كل حال فان النقاش حول هذا الموضوع محتدم كما كان منذ قرون مضت، ربما العلم وحده لن يكون قادرا على الاجابة على هذه السؤال الكبير لوحده.

المصدر : http://www.thenakedscientists.com/HTML/articles/article/do-we-have-free-will/