كل ذلك سنتناول فى هذا المقال بطريقة مبسطة دون تعقيدات المعادلات الرياضية وسنأخذ فكرة بسيطة عن ماهية ميكانيكا الكم وإسهامات بعض العلماء.

ثورة الكم تنبعث من موجات الضوء

في عام 1900  أعلن عالم الفيزياء البريطانى ( اللورد كيفلن) أنه لم يبق شئ جديد فى الفيزياء لنكتشفه فكل ما تبقى هو قياسات أكثر دقة، وكان فى ذلك الوقت قد تم الكشف عن قوانين الفيزياء الكلاسيكية والذي أسس معظمها العالم نيوتن وهي قوانين الحركة.

ولم يتخيل أحدٌ أنه بعد فترة قصيرة ستحدث ثورة كبيرة فى عالم الفيزياء، على يد اثنان من أشهر العلماء ماكس بلانك وهو مؤسس علم الكوانتم وأول من استخدم هذا اللفظ، والعالم آينشتاين صاحب النظريه النسبية والظاهرة الكهروضوئية (photoelectric effect).

بدأت الأحجية عندما أراد العلماء تفسير طبيعة الضوء هل الضوء موجات ام جسيمات؟ فى عام 1679 ظهر في الميكانيكا الكلاسيكية تفسيران للضوء: الأول للعالم نيوتن وهو نظرية الانبعاث الضوئي (corpuscular theory).

في نظرية الانبعاث الضوئي اعتبر نيوتن الضوء عبارة عن جسيمات صغيرة جدا تتحرك فى خطوط مستقيمة بسرعات عالية جدا، وفسر اختلاف الألوان للضوء بأنه مجرد اختلاف فى حجم الجسيمات فقط.

سبق آينشتاين في التفسيرات المتعلقة بالضوء نظرية العالم كريستيان هايجنز (Christiaan Huygens) الذي اعتبر  الضوء شكلاً من أشكال الطاقة يسافر فى شكل موجات وليس جسيمات.

حتى جاء توماس يونغ (Thomas Young) (ايضاً كان قبل آينشتاين) وقام بعمل تجربة شهيرة وهي تجربة الشقين المعروفة بـ تجربة شقي يونغ (double slit experiment) التي تم بموجبها اعتبار أن الضوء موجات لا دقائق، ولم يكن أحد يعرف ان ذلك بداية ثورة فى عالم الفيزياء. وهنا نبدأ الحديث عن بداية ظهور ميكانيكا الكم ويرتبط ذلك بظاهرة تسمى إشعاع الجسم الأسود (blackbody radiation) أو المعتم.

ميكانيكا الكم وإشعاع الجسم الأسود

اولا ماهو الجسم الأسود؟ هو الجسم الذي يستطيع ان يمتص كل الأطوال الموجية الساقطة عليه. قام العلماء بتسخين جسم اسود لدرجات حرارة عالية حتى يتوهج الجسم نفسه، وتم قياس الإشعاع الناتج من الجسم الأسود (blackbody spectrum) عند درجات حرارة مختلفة وكان يُعتقد بأن هذا الإشعاع مستمر.

وجد العلماء أنه كلما زادت شدة التوهج  للجسم الأسود كلما زاد تردد موجات الإشعاع الناتجه من الجسم الأسود حتى تردد معين. وبعد ذلك التردد (يبدأ فى منطقة تردد الأشعة الفوق البنفسجية) تبدأ شدة الإشعاع فى التناقص كلما زاد التردد  وذلك ما يسمى الكارثة فوق البنفسجية (Ultraviolet catastrophe) (يُعبر المصطلح عن التنبؤ الرياضي لرايلي وجينز ولا يعبر عن واقعة فيزيائية).

هنا حاول العلماء تفسير ذلك حيث وضع الفيزيائيان رايلي وجينز (Rayleigh-jeans) معادلة فيزيائية  لتفسير تلك العلاقة. ولكن تلك المعادلة ناجحة كانت فقط فى الجزء الاول من العلاقة (عندما يكون التردد فى حدود اقل من حدود الأشعة فوق البنفسجية) وعندما يقترب تردد الضوء من الأشعة فوق البنفسجية.

تفشل المعادلة فشلاً ذريعاً فى تفسير العلاقة ويسمى ذلك الكارثة فوق البنفسجية. حتى جاء العالم بلانك  فى 1900 ووضع نظرية جديدة تماما لتفسير إشعاع الجسم الأسود حيث افترض بلانك ان الاشعاع الكهرومغناطيسي (Electromagnetic radiation) هو إشعاع غير مستمر كما كان يعتقد فى الميكانيكا الكلاسيكية من قبل (الإشعاع المستمر معناه ان الأجسام تشع طاقة بالاستمرار بكل الترددات وكل الأطوال الموجية وتلك الطاقة ليست طاقة محددة)، ولكن ماكس بلانك اعتبر الإشعاع دفعات متقطعة محددة من الطاقة وسماها (quanta) حيث انه اعتبر الطاقة مكممة أي ان لها طاقات محددة بكميات محددة  وليست اشعاعاً مستمراً واعتبر معادلة الطاقة لذلك الإشعاع كما يلي:

الطاقة = ثابت بلانك × تردد الموجة

صحح بلانك معادلة رايلي وجينز واستطاع بلانك من خلال معادلته الجديدة تفسير إشعاع الجسم الأسود حيث فسرت معادلته بدقة العلاقة بين شدة اشعاع الجسم الاسود وتردد الإشعاع الصادر من الجسم الأسود وكانت هذه بداية ظهور لفظ الكم. كما كان ذلك بداية ميلاد علم جديد وهو ميكانيكا الكم الذي اعتبر الطاقة مكممة اى محددة بكميات  محددة متقطعة وليست مستمرة وكان بلانك أول من فتح نافذة على هذا العلم الرائع.

الكم والظاهرة الكهروضوئية وطاقة الفوتونات

فى عام 1887 اكتشف العالم هرتز ان الالكترود المضاء بالأشعة بنفسجية يخلق شرارة كهربية بشكل أسهل ولكنه لم يستطيع تفسير ذلك، ثم في عام 1905 استطاع العالم اينشتاين ان يقدم تفسيراً دقيقاً لتلك الظاهرة وحصل على جائزة نوبل فى الفيزياء وسميت الظاهرة تلك بالظاهرة الكهروضوئية (photoelectric effect)  حيث افترض اينشتاين ان الضوء يتكون من جسيمات صغيرة جدا سماها الفوتونات (photons)  وتتحرك بسرعات عالية جدا ولها طاقات محددة ومن هنا أيضاً تأتي كلمة الكم من التكميم أي تحديد الطاقة.

ويلاحظ في معادلة آينشتاين  التي تقوم باحتساب طاقة الفوتون ان طاقة الفوتون محددة وكان ذلك الركيزة الثانية التي تم عليها بناء أساسيات ميكانيكا الكم حيث افترض اينشتاين ان الضوء له طبيعية موجية وجسيمية ذات طاقات محددة.

وكان ما أثبته آينشتاين متوافقاً تماما مع التجارب العملية، ببساطة شديدة عندما يقوم العلماء بتسليط ضوء أحمر على سطح معدن لا تنطلق الالكترونات من سطح المعدن حتى عندما يزداد سطوع الضوء الأحمر ولكن عند تسليط ضوء أزرق على سطح المعدن تنطلق الكترونات حتى وإذا كان الضوء ضعيفاً غير ساطع، وذلك معناه ان الضوء الأزرق طاقته أعلى من الضوء الاحمر والاهم من ذلك ان طاقته تكفي للتغلب على طاقة ربط الإلكترون بسطح المعدن والطاقة الزائدة عن ذلك تكون  طاقة حركية للاكترون المنطلق من سطح المعدن. أما المعادلة الثانية لآينشتاين فقد ربط فيها بين الطول الموجي والطبيعية الجسيمية للضوء المعبر عنها بكمية الحركة للفوتون.

نموذج جديد للذرة وفقاً لنظرية الكم

أما نموذج بور الذي ظهر لتفسير الذرة بناء على أفكار بلانك واينشتين، فقد افترض ان العزم الدوراني للاكترون الناتج من دوران الالكترون حول النواة مكمم بكم محدد من الطاقة.  

لنبسط تلك النقطة: افترض بور ان العزم الدوراني لحركة الالكترون حول النواة له كمية محددة من الطاقة بمعنى ان الالكترون يدور فى مسارات محددة من الطاقة حول النواة ولا يمكن ان ينتقل الالكترون من مستوى طاقة اعلى الى مستوى اقل او العكس الا اذا اكتسب قدراً محدداً من الطاقة يساوي الفرق بين مستويات الطاقة.

فضل نموذج بور يكمن في تفسير أي ذرة لا تحتوي على أكثر من إلكترون واحد فى مداراتها، ولكن لم يستطع بور ان يقدم سبب يفسر لماذا العزم الدوراني لدوران الالكترون حول النواة مكمم بكمية طاقة محددة فلم يستطع ان يقدم اثبات لمعادلته التى ذكرناها سابقا مع العلم ان المعادلة تتفق تماما مع التجارب العملية للطيف الخطي لذرة الهيدروجين، وهنا بداية ظهور العالم دى برولى.

جميع تلك النواحي هي التي أعطت لنظرية الكم معناها الذي نعرفه وتسميتها، بدءاً من نموذج الذرة لنيلز بور وطاقة الالكترونات، ثم الطاقات المحددة للفوتونات في معادلات اينشتاين، والأهم تكميم الطاقة في الشعاع في حسابات ماكس بلانك.

المصادر

  • R.A. Serway, R.J. Beichner: Physics for Scientists and Engineers with Modern Physics, 5th Edition, Vol. 2, Ch.40, Saunders College Publishing (A Division of Harcourt College Publishers), 2000.
  • PASCO Instruction Manual and Experiment Guide for the Blackbody Radiation Experiment, PASCO Scientific Model OS-8542 (Guide 012-07105B).
  • Hyper Physics, Georgia State University, Department of Physics and Astronomy, written by Dr. R. Nave: http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/hframe.html