التعريف الطبي للموت امرأة شابة تجلس فى احدى غرف المستشفى، موصلة بجهاز التنفس الاصطناعي وعائلتها بجوارها. يقولون أن ابنتهم ماكمث (Jahi McMath) دخلت مرحلة البلوغ وحدث تغير في أمرها. بقى جسدها في حالة جيدة وقلبها مازال ينبض. لكن على الرغم من هذه العلامات التي توحي بالحياة، فهي متوفية من الناحية القانونية منذ عام 2013.

سميث البالغ من العمر 25 عام  يوما ما في يناير ظل متجمداً فى درجة حرارة الصفر لمدة 12 ساعة. حتى وجده والدهُ ولم يكن هناك نبض ولا ضغط دم ولا تنفس. لقد كان ميتاً  إلا أنه استيقظ بعد اسابيع وكانت وظائف عقله سليمة .
نظريا، الموت يجب ان يكون واضح المعالم، ولكن تعريفه الطبي والتقني لايشمل ذلك، كيف يمكن أن يستمر الجسم بوظائفهِ بدون وجود الدماغ؟ وكيف يمكننا أن نقول على شخص أنه ميت في الوقت الذي يمكننا ان نجعله يتنفس مرة اخرى؟ القرن الواحد والعشرين غير فكرة الموت المتداولة بيننا وبفضل التقدم فى الطب والتكنولوجيا فقد نمت فكرة غير مؤكدة عن الموت، وهذه الفكرة يمكن أن تتجاوز عالم الطب.

“إن المعركة حول ما يعنيه أن يكون الشخص ميتاً هي فى جوهرها معركة فلسفية او دينية ” روبرت فيتش استاذ في آداب مهنة الطب فى معهد كندي لعلوم الآخلاق في جامعة جورج تاون (Georgetown University’s Kennedy Institute of Ethics)  يقول:”فى جميع الحالات، ان السؤال عن الطرف الاخر من الحياة يعتبر سؤال صعب”.

التعريف الذى لا يعرفه الكثيرون

“نهاية الحياة” هو أبسط تعريف للموت لكنه تعريف مبهم بمجرد أن تنظر الى الغموض حول الحياة، لكنها المسألة مشحونة سياسياً بشكل اقل ما إذا نظرنا لمسألة هل أن الفيروس يمكن اعتباره “على قيد الحياة” وذلك لشرح المسألة حول الانسان. بدل الوقوع في جدالات حول تأييد الحياة ومعارضتها التي تُثار حول الموت الوظيفي والإجهاض.
الأعلان الموحد للوفاة في عام 1980 ينص على حالتين يجوز أن يعتبر فيهما الفرد ميت قانونياً :”وقوف كل وظائف الدورة الدموية دون أن تعاود العمل مرة ثانية، أو وقوف جميع وظائف المخ بدون رجعة بما فى ذلك جذع المخ”.
وبالرغم من أن هذه الحالات تبدو واضحة الا أنه توجد العديد من الحالات التى سقط فيها الناس على الارض ما بين الشك من أنهم على قيد الحياة ولذلك فان هذا التعريف القانوني للاموات يظل غير مؤكد.

وظائف القلب

يحدث أشهر أنواع الموت  عندما يتوقف القلب ثم التنفس بعد ذلك وأن  أستمرار ذلك سوف يؤدي الى نقص الأوكسجين وبالتالي الاضرار بالمخ، وهذا بدوره يسبب الموت البيولوجي (او الموت الدماغي).
ورغم ذلك، تحدث العديد من حالات توقف القلب فى المستشفى حيث يمكن للأطباء القيام بالأنعاش القلبي أو استخدام جهاز مزيل الرجفان. ولو حدث كل شئ كما هو مطلوب فأن هذه التقنيات قادرة على ارجاع المعدل الطبيعي لنبض القلب وبالتالي عودة الحياة. على الرغم من أن قلب الشخص قد يتوقف لبضع لحظات، ألا أن هذا التوقف لا يعني عدم أمكانية  عمل القلب مرة آخرى، لذلك فأن الشخص فى هذه الحالة لا يعتبر ميتاً من الناحية القانونية. في الواقع  الشخص قد مات سريرياً وتعتبر هذه المرحلة الاخيرة قبل وفاته قانونياً. تشرح موسوعة الموت ان الموت سريرياً يعرف على انه “أحد المعايير الاساسية لتحديد الموت”، ولكن هذا لا يقف فى طريق محاولات الإحياء. وقد أثبت هذا المصطلح عدم صحته وتناقضه.
يتسائل عامة الناس وأصحاب المهن الطبية عن الوقت الذى يستغرقه الاطباء فى محاولات الإنعاش القلبي الرئوي. على سبيل المثال، كان يحدث مثل “المعجزة” للناس بعدما يعودوا على قيد الحياة بعد استقبال اكثر من 45 دقيقة من الانتعاش القلبي الرئوي.
ومن خلال دراسة أجريت عام 2012، فقد وجدت المستشفيات أن متوسط الوقت الذى يأخذه الانعاش القلبي الرئوي بعد حدوث السكتة القلبية للمريض هو (16-25)دقيقة.
وهذا الأختلاف فى الوقت الذى يستغرقه الإنعاش يطرح سؤال مثير للجدل- هل توقف الطبيب مبكراً عن القيام بالانعاش الرئوي القلبي لشخص قد يؤدي به الى الموت؟

فقدان الوعي

تعتبر المعايير الثانية التى تركز على توقف جميع وظائف العقل مقبولة حول الموت القانوني أكثر من المعايير الاولى. يعتبر المخ معقد اكثر من القلب، لكونه عضو يؤدي الأصلاحات ذاتياً ويمكنه ايضاً التكيف مع ظروف كثيرة. كذلك من الصعب القول أن العقل قد توقف عن عمله للأبد، وحتى أن كان ذلك صحيحاً فأن باقي الجسم سوف يقوم بالمحافظة بشكل جيد على مظهر الحياة.
يقول الخبراء أن الكثير من الغموض حول موت العقل ناجم من سوء فهم أساسي، “العديد من الناس يخلط بين الغيبوبة و أضطرابات الوعي الآخرى”. الدكتور جيمس، مدير برنامج الاخلاقيات الطبية فى مركز دارتماوث هيتشكوك الطبي (Dartmouth-Hitchcock Medical Center)، الذى يعمل فى لجنة منظمة الصحة العالمية بشأن تحديد معايير الموت لوكالة بى.آر يقول: “في حالة الغيبوبة او حالة الركود الذهني والجسدي، يكون الشخص حياً وفي كلا الحالتين يكون هناك أدلة على وظيفة الجهاز العصبي ويمكن للمرضى التنفس بمفردهم وقد تبقى ردود أفعالهم سليمة  وربما يستجيبوا للمنبهات الخارجية. وعند موت العقل فأن وظائف العقل تنعدم”.
نشاط جذع الدماغ بشكل خاص ربما يعتبر أهم شئ يجب التركيز عليه. فهو جزء أساسى فى المخ، حيث انه يتحكم فى الوظائف الأساسية مثل التنفس وردود الأفعال والتعاون بين المخ والحبل الشوكي. وبدون أي وظائف للمخ, يبقى الموت مؤكداً.
في حالة ماكمث البالغة من العمر 13 عاما فقدت الفتاة كل وظائف الدماغ بعد مضاعفات عملية جراحية، وأصدر الطبيب الشرعي شهادة الوفاة ومع ذلك، فان عائلتها قاموا بتوصيلها بجهاز التنفس الاصطناعي. ومن الناحية الآخرى، كانت مونوز البالغة من العمر 33 عاما  فى الاسبوع الرابع عشر من الحمل حيث توفيت بيولوجياً ثم وضعت على جهاز التنفس الأصطناعي على الرغم من أمنيات عائلتها لعودتها الى الحياة.
كيف يمكن أعتبار أن شخص ما قد مات، حتى اذا كان له الحق فى ان يبقى على جهاز التنفس الاصطناعي؟ وفى حالات الحمل والموت البيولوجي, يبدو انه من غير المنطقي أن تعتبر المراة ميتة فهي حامل لكنها ميتة، حيث يمكن حرفياً خلق الحياة من جديد. وفى حالات مثل ماكمث ومونوز حركت الاسئلة الاخلاقية والروحية عن دعم الحياة، وكيف ان رغبات البقاء على قيد الحياة تؤثر فيها.
القضايا الأخلاقية هي جزء واحد فقط من المعادلة، كما أدى التقدم التكنولوجي إلى المزيد من الأسئلة بدلاً من المزيد من الأجوبة. سواء التقدم في استعادة وظيفة الدماغ بعد أن تم العثور على شخص في درجات حرارة دون الصفر لعدة ساعات، أو أستبدال دم المريض بمحلول ملحي لتجنب زواله، والباحثين والأطباء خلقوا المزيد والمزيد من الطبقات بين الحياة والموت. أما بالنسبة لوجود تعريف ثابت للموت؟ لا يتوقع ان يكون موجوداً مسقبلاً، يقول فيتش:”انا لا ارى أي سبب لأ يكون  لدينا أجماع عن هذا السؤال”.