في القضية الي تنازع فيها رو ضد ويد (roe v. Wade) تم تشريع الإجهاض في الولايات المتحدة قبل 45 عام، ولكن الإجهاض ما زال محل نزاع بين من يؤيده كحق من حقوق المرأة ومن يقف بالضد منه كإنتهاك لحقوق الأطفال. فبالرغم من كون الإجهاض أصبح قانونيا ممكناً، فقد أصدرت العديد من الولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك الحين قوانيناً تقيد إجراءه، وهذا التقييد يكون بدرجات متفاوتة. ونتيجة لذلك فإن الكثير من النساء لا يحصلن على إجهاض سريري آمن.

وبناءاً على ذلك تقول سوزان ياناو (Susan Yanow) التي تشغل منصب مستشارة الصحة الإنجابية لدى المنظمة الدولية لمساعدة المرأة (غير ربحية)، أن “أن وجود عيادة واحدة في ولايتها لا يساعد النساء اللاتي يسكن بعيدا عن تلك العيادة في الوصول إليها”. وهنالك سبع ولايات تملك عيادة واحدة فقط مؤهلة للقيام بالإجهاض، وهذه الولايات هي: كنتاكي، داكوتا الشمالية، داكوتا الجنوبية، ميسوري، وايومنغ وفرجينيا الغربية.

لكن في الوقت الحالي ومع تطور العلاجات فلا تحتاج النساء لتلك العيادات، إذ يمكن استخدام حبوب للإجهاض في منازلهن وبطريقة آمنة. حيث أصبحت هذه إحدى الطرق المنتشرة لإنهاء الحمل المبكر وبشكل قانوني. وبحسب هيئة الغذاء والدواء الامريكية فإن هذه الحبوب يجب أن يتم وصفها من قبل مقدم رعاية صحية (تتوفر فيه مؤهلات معينة كالطبيب)، في حين يشترط قانون 19 دولة على ضرورة إشراف الطبيب جسديا على هذا الإجراء.

في حين يجادل ناشطون ضد الإجهاض بضرورة استخدام هذه الحبوب في عيادة الطبيب، ويصرون على المزيد من الإجراءات الإشرافية التي يجب على الدولة تقديمها على العلاج الطبي. حيث تقول كريستي هامريك (Kristi Hamrick) المتحدثة باسم (مجموعة مكافحة الإجهاض الأمريكية المتحدة من اجل الحياة)، أن “هذه الأدوية خطيرة، إذا أسيئ استخدامها فستؤدي إلى إصابات خطيرة”. وتجدر الإشارة إلى أن هامريك ليست طبيبة.

كما أن النساء اللاتي لم يستطعن الحصول على حبوب الإجهاض بشكل قانوني فسوف يلجأن إلى القيام به بشكل غير شرعي، سواء عبر الإنترنت أو في دول يكون فيها الإجهاض غير مراقب من قبل الحكومة. ففي الواقع أصبح هذا خيار أساسي للنساء اللواتي يفتقرن إلى حلول أخرى: وفقا لصحيفة نيويورك تايمز (New York Times) في عام 2015 بحث أكثر من 700 الف شخص في غوغل من الولايات المتحدة حول القيام بالإجهاض الذاتي، بما في ذلك “شراء حبوب الإجهاض” و”حبوب الإجهاض المجانية”. وفي مايو من عام 2016، ذكرت صحيفة غلامور العديد من قصص النساء اللواتي يسعين للحصول على حبوب الإجهاض، في مقال تحت عنوان (The Rise of the DIY Abortion).

ولذلك أطلقت مجموعة “نساء تساعد نساء” (WHW) موقع إلكتروني الأول مختص في مساعدة النساء الأمريكيات اللواتي يقمن بالإجهاض بأنفسهن. حيث قالت كينغا جيلينسكا (Kinga Jelinska) المديرة التنفيذية للمنظمة في بيان الإعلان عن افتتاح الموقع، أن “إن تحركات ترامب الجديدة والمجالس التشريعية لمكافحة الإجهاض تمضي سريعا لجعل الإجهاض بعيدا عن متناول النساء في العديد من المحافظات”. والموقع الجديد (Abortionpillinfo.com) يقدم للمرأة الاستشارة اللازمة لمعرفة كيفية استخدام الدواء بأمان، بغض النظر عن مكان تواجدها.

ليس من السهل معرفة عدد النساء اللواتي يسعين للحصول على اجوبة إجهاض خارج العيادة. ولا تقدم مجموعة “نساء تساعد نساء” أي معلومة عن عدد الاستفسارات التي يتلقاها مستشاريها المدربون. لكن في السنوات القليلة الماضية، تم إتهام العديد من من النساء بشراء أو تناول حبوب الإجهاض بشكل غير قانوني، وأدينت العديد منهن بجناية وتم سجنهن. في حين أن حبوب الإجهاض منتشرة ويتم استخدامها خارج عيادة الطبيب سألنا: كيف يعمل هذا الإجراء؟ وهل هو آمن؟

حبوب الإجهاض تستخدم من قبل العديد من عيادات الإجهاض، واسم هذه الحبوب مضلل بعض الشيء. ففي العيادات الطبية يستخدم نوعين من الحبوب: الأول حبوب الميفيبريستون (mifepristone) “وهو اسم العلامة التجارية ميفيبركس (Mifeprex)”. بينما النوع الثاني هو اربع اقراص الميزوبروستول (misoprostol).

اما عن كيفية عمل هذه الحبوب: فتعطى المرآة جرعة أولى مكونة من 200 ملغ من حبوب منع الحمل الميفيبرستون، حيث تبدأ العملية بحجب هرمون البروجسترون (progesterone) في الجسم، وهو هرمون ضروري لاستمرار الحمل في مراحله المبكرة. حيث تقول الدكتورة لورين ثاكستون (Lauren Thaxton)، طبيبة أمراض النساء والتوليد في البوكيركي بولاية نيومكسيكو، والتي تمارس عمليات الإجهاض منذ ست سنوات، أن “البروجسترون هو أحد عوامل حدوث الدورة الشهرية عند النساء”.
وعن طريق هذا الهرمون بالإضافة إلى الحبوب الأولى التي تتناولها ستساعد على تمزيق بطانة الرحم، والتي تحدث للمرأة خلال دورتها الشهرية، حيث ينفصل الجنين عن جدار الرحم. وبعد حدوث ذلك خلال يوم أو يومين من تناول حبوب الميفيبريستون، تقوم المرآة بتناول 200 ميكروغرام من الميزوبروستول. حيث يساعد هذا الدواء على إخراج الجنين بشكل منفصل.

ويقول طبيب النساء والولادة دانييل غروسمان (Daniel Grossman)، وهو مشارك في ورقة بحثية صدرت حديثا تبحث في إمكانية نقل الدواء في وقت مبكر من الإجهاض إلى مضاد “أن الميزوبروستول يعتبر من فئة أدوية البروستاجلاندين (prostaglandins)، واحد آثار البروستاجلاندين هي أنها تسبب نضج عنق الرحم، والذي يعني تليين عنق الرحم وانفتاحه وزيادة رقته. كما أنه يسبب انكماش الرحم”.

تم تطوير الميزوبروستول لأول مرة في عام 1973 في الولايات المتحدة لأغراض علاج القرحة الهضمية، وكان فعالاً في ذلك من خلال منع المعدة من إفراز مواد مؤذية. وكان معروف كذلك أن له آثار جانبية رئيسية على رحم المرأة الحامل. وقام باحثون فرنسيون في الثمانينات من تطوير الميفيبريستون، والذي يعرف ايضا بأسم (RU-486)، وهي حبوب يمكن أخذها مع الميزوبروستول للمساعدة على الإجهاض. وقامت فرنسا بالسماح لهذا النظام الدوائي في عام 1988، وسرعان ما تبعتها في ذلك كل من الصين وبريطانيا العظمى والسويد.

لكن في الولايات المتحدة، حيث أمل نشطاء حقوق الإنجاب في أن يعتمد هذا الأسلوب من قبل إدارة الدواء والغذاء في التسعينات، لكن النشطاء المناهضين للإجهاض ساعدوا على تأخير الموافقة عليه حتى عام 2000. وعندما قامت الولايات المتحدة بالسماح باستخدام أدوية الإجهاض، كانت تسمح بتناولها بعد 7 أسابيع من الحمل. وكان على النساء الراغبات في الإجهاض زيارة عيادة الطبيب ثلاث مرات: المرة الأولى من أجل أخذ الميفيبريستون، والمرة الثانية من أجل الميزبروستول، والثالثة للمتابعة.

لكن في عام 2016 مددت إدارة الدواء والغذاء فترة الحمل الواجب القيام بالإجهاض عندها إلى 10 أسابيع بينما خفضت عدد زيارات العيادة المطلوبة إلى زيارتين، مما يعني ان يمكن للمرأة أخذ الميفيبريستون في المنزل (في بعض الولايات قيدت هذا الإجراء).

وبعد مرور أسبوع أو أسبوعين على تناول الدواء، تعود المرأة إلى العيادة للتأكد من إزالة الحمل. وعندما يؤخذ الميفيبرستون والميزوبروستول بين الأسبوع 9 و10 فانه يكون فعال بنسبة 93%. أي وقت قبل هذا الوقت يكون فعال بنسبة أكبر.

وفقا لتقديرات معهد غوتماكر (the Guttmacher Institute)، وهو منظمة أبحاث وسياسات للحقوق الإنجابية، أنه في عام 2014 كانت نصف حالات الإجهاض الدوائي التي تقوم بها المستشفيات الأمريكية تكون بعد 9 اسابيع من الحمل. ومع الخدمات الإستشارية الجديدة التي تقدمها منظمة (نساء تساعد نساء) فقد ازدادت الاستفسارات التي سجلها غوغل مع إزدياد المقالات المتعلقة بالإجهاض، وهذه دلالات على أن هنالك الكثير من حالات الإجهاض تحدث خارج العيادات الطبية.

قامت على سبيل المثال كاتبة مستقلة ومسوقة في سن فرانسيسكو تدعى كارا هارشمان (Cara Harshman) بالقيام بإجهاض دوائي قانوني في يناير. حيث قالت في مقابلة أنها عانت من تقلصات ونزيف وغثيان استمر لمدة خمسة ايام بعد أخذ الميزوبروستول. لكن في يوم الذي كان من المقرر عليها مراجعة العيادة للمتابعة أصبحت حالتها مستقرة وكانت تشعر بالصحة. فقد قامت بنشر تجربتها على فيسبوك.

حيث أن المشكلة الصحية الوحيدة التي ظهرت لهارشمان عند القيام بالإجهاض هي في اختبار فحص الدم، الذي أظهر أنها (Rh) سالب، وهو نوع دم نادر والذي اضطرها لتناول جرعة دواء (RhoGAM) بعد تناول الميزوبروستول. فوفقا لثاكستون، والتي كتبت ذلك عبر البريد الإلكتروني، أن معظم النساء لديهن نوع (Rh) موجب. ولكن “إذا ما كانت المرأة من نوع (Rh) سالب، سوف تعاني من نزيف عن الحمل”. وقالت إن حدث ذلك فالمرأة تحتاج لأخذ دواء (RhoGAM) “لمنع حدوث تمنيع إسوي (alloimmunization) في حالات الحمل المستقبلية، وهو حالة طبية حيث تطور الام استجابة مناعية لخلايا الدم الحمراء في الجنين”.

وتقول ثاكستون، وهي ايضا عضو في منظمة اطباء من أجل صحية الإنجاب، أنه “بشكل عام يعتبر الإجهاض الدوائي آمن للغاية”. والأعراض الجانبية التي تشعر بها النساء من نزيف شديد وغثيان وتشنج تعتبر شائعة. وتخبرنا ثاكستون أنه إذا ما بلل النزيف اربع علب من الضمادات خلال ساعتين فهذا نزيف يجب معه استشارة الطبيب. وتقول أيضا “خطر النزيف يعتبر نادر، لكن احيانا يتطلب بسبب النزيف نقل دم، وقد يكون مرتبط بخطر ان الحمل قد أجهض بشكل غير كامل”.

ولمنع هذه المشكلة يسال مقدمو إرشادات الإجهاض للنساء إذا ما كان لديهن تاريخ طبي من اضطرابات النزيف قبل وصف هذه الطريقة. وهنالك أيضا خطر الالتهابات، مثل التهاب بطانة الرحم أو انكماش بكتيريا كلوستريديوم سورديلي (Clostridium Sordellii)، وكلاهما يمكن أن يحدث عند الولادة. ومع ذلك فأن حالات العدوى بعد الإجهاض الدوائي حسب ثانكستون تكون نادرة للغاية.

وتكمل ثانكستون في رسالتها الإلكترونية “يتم فحص النساء دائما لمعرفة إذا ما كان الإجهاض الجراحي خيار أكثر أمانا من استخدام حبوب الإجهاض”. وتكمل “ولكن بالنسبة للغالبية العظمى من النساء تعتبر حبوب الإجهاض وسيلة أكثر أمانا وخصوصية وفعالية لإجراء الإجهاض”.

كل من الميفيبريستون والميزوبروستول متاحان للشراء عبر الإنترنت دون الحاجة لوصفة طبية، على الرغم من أن ذلك يعتبر غير قانوني بموجب القانون الاتحادي (القوانين المتعلقة بالقيام بالإجهاض تختلف من ولاية إلى أخرى). لكن أغلب النساء اللواتي يضطررن للجوء إلى هذه الطريقة يستخدمن الميزوبروستول فقط، لسهولة الحصول عليه، وهو متاح في العديد من الدول اللاتينية.

تقوم النساء في ولاية تكساس بشراء الميوزبروستول من الصيدليات المكسيكية، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في عام 2013. فعلى الرغم من ان الإجهاض مقيد قانونيا في المكسيك، إلا ان الدواء يباع في الصيدليات كعلاج للقرحة.

ووجدت الأبحاث أنه يجب أن تكون الكمية أكبر من الميزوبروستول إذا ما تناولته لوحده لغرض المساعدة على الإجهاض، وهي أقل فعالية من طريقة الجمع بين العقارين. فخلال أول 12 أسبوع من الحمل، تأخذ المرأة ثلاث جرعات بكمية 800 ميكروغرام من الميزوبروستول عن طريق الفم خلال 3 ساعات فتكون لديها فرصة 85% أن يحدث إجهاض كامل، هذا وفقا لدراسة اجريت في عام 2007 وتم نشرها في المجلة الدولية لأمراض النساء والولادة (International Journal of Gynecology and Obstetrics).

وتشير الدراسات إلى أن إجهاض الحمل باستخدام الميزوبروستول فقط ليس أقل أمانا من الطريقة التي يستخدم فيها العقارين. وتوصي منظمة الصحة العالمية باستخدام الميزوبروستول كبديل آمنا عند عدم توفر الميفيبريستون، ويقول جروسمان إنه سيستخدم الميزوبروستول فقط عند عدم توفر الميفيبريستون.

فحبوب الإجهاض صعب الحصول عليها في الولايات المتحدة بدون وصفة طبية، حيث يتطلب تحديد النسل القياسي في كل ولاية قبل إعطاء الوصفة الطبية. لكن حقيقة أن النساء يقمن بالعديد من عمليات الإجهاض بواسطة الدواء بأنفسهن دفع البعض لطرح سؤال: هل يمكن أن تباع حبوب الإجهاض دون وصفة طبية، كما كشفت دراسة جروسمان؟

حيث أنه ذكر في مقال نشرته صحيفة جارديان (Guardian) مؤخرا أن الأبحاث المحدودة تشير إلى أن النساء اللواتي يتناولن حبوب الإجهاض بأنفسهن يقمن بذلك بشكل آمن، وقال أيضا “ليس هنالك شك أن استخدام حبوب الإجهاض قد ساهم في انخفاض عدد الوفيات في العالم”. وذكر أن حبوب الإجهاض تلبي جميع متطلبات منظمة الدواء والغذاء للأدوية التي لا تحتاج وصفة طبية. ففي لواقع أن هنالك مجموعة من الأبحاث تجرى من قبل مجموعة غينويتي (group Gynuity) وهو مشروع بحوث معتمد من قبل منظمة الدواء والغذاء ويستخدم اختبار تيلابورتيون (TelAbortion) لاختبار سلامة لنساء عند استخدامهن الدواء بالطلب عبر الإنترنت أو القيام بأخذ الاستشارات عبر الإنترنيت للقيام بالإجهاض في المنزل.

وبكل تأكيد هنالك حاجة للمزيد من الأبحاث المستقبلية لاختبار جميع الفرضيات. ولكن حتى لو تم تاكيد سلامة حبوب الإجهاض، فأن جهود جهل الإجهاض سهل سوف تحارب في كل خطوة، هذا ما يخبرنا به التاريخ.

 

المصدر: Becky Little, 2017, The Science Behind the “Abortion Pill”, 2.8.2017.