الذكريات وهي تعمل وأخيراً رأيناها، نحن رىما قَد نكون أحجارَ البِناء الأساسية للذكريات، التي تُضيءُ في أدمِغةِ الفِئران.

توجَد في أدمِغَتِنا خَلايا تقوم بِتَتَبُّع مواقِعِنا والمسافات التي قَطَعناها – الأمرُ مُشابِه بالنِسبةِ لِلقوارِض. كما وَيُعرَف عن هذه العصبونات (neurons) أنه يتِمُ إطلاقُها بالتسَلسُل عِندما يقوم الجُرَذ بأخذِ قسطٍ مِن الراحة، مِما يبدو وكأن هذا الحيوانَ يقومُ بإعادة تَتَبُّعِ طَريقِه ذِهنياً، ومِن المُحتَملِ أن تكونَ هذِه الآليَّةُ مُساعِدة لِتَشكُّل الذكريات، كما تقول روزا كوسارت (Rosa Cossart) مِن معهد البحر الأبيض المتوسط للعلوم العصبية في مارسيليا، فرنسا.

تقول كوسارت، لَطالَما كان نَمَط تَشَكُّل هذِه الخلايا العصبية المُعادة في الدِماغِ أمراً غامِض المَعالِم، وذلِك لعَدم وجودِ طَريقَةٍ لتَخطيط نَشاطيَّة عددٍ كبيرٍ مِن هذِه الخلايا العصبيّة المُنفَرِدة. شَكَّكَ الباحِثون على مَرِّ العقود، أنَّهُ مِن المُمكن إطلاق هذِه الخَلايا مَعاً في مجموعاتٍ صَغيرة، لَكِن لم يَتَمَكَّن أيُّ أحَدٍ مِن النَظَرِ إليها حَقّاً.

شذرات مِن الخِبرة

لغرضِ إلقاءِ نَظرة، قامَت كوسارت وفَريقُها بإضفاءِ بروتينٍ مُستَشع (fluorescent protein) إلى الخَلايا العَصَبية لِلفِئران. يُشِعُّ هذا البروتين بأقصَى ما يُمكِن عِندما تَدخُل إيونات الكالسيوم في خَليَّةٍ ما – وهذِه إشارةٌ على ومضة الخَلية العصَبيّة بِشكلٍ فاعِل. السَبَب وَراء أستِعمال الفَريق لِهذِه الصُبغة هو للتَمَكُّن مِن وَضعِ خريطةٍ للفعّالية العَصَبيّة بِشكلٍ أوَسَع مِن التقنيات السابِقة، والّتي كانَت تَستَخدِم الأقطابَ الكهرَبائية المَغروسة [إقرأ عن وسائل دراسة الدماغ ].

شاهَدَ الفَريقُ ما يَحصُل في أدمِغةِ الفِئران عِندَما كانت تمشي داخِل العجلة الدوّارة، أو تَبقى ساكِنة، وذلِك عَبرَ مُراقَبة ومُتابَعة نشاطِ أكثَر مِن ألفِ خلية عَصَبيّة لِكُلِّ فأر.

كَما كانَ مُتَوَقعاً، عِندما كانت الفِئرانُ تَركُض، ومضت الخلايا العَصبيّة المُختَصّة بِتَتَبُّع المَسافة التي قَطَعَها الحَيوان، بِشَكلٍ تَسَلسُلي، حافظة مسارها.

ومضتهذِه الخَلايا ذاتها عِندما كانَت الفِئران تأخُذ قِسطاً مِن الرّاحة، لَكِن حَدَث ذَلِك بِنَمَطٍ غَريب. إذ بَينما عَكَسَت الخَلايا العَصَبيّة على ذاكِرة الفأر، ومضت الخلايا العصبية في نَفس التَسَلسُل الذي كانت تومض به عِندَما كانَت الفِئرانُ تركُض، لَكِن بِوَتيرَةٍ أسرَع. وبَدَلاً مِن أن تومض الخلايا واحِدةً تِلوَ الأُخرى، تَمَّ إطلاقُها جَميعاً مَعاً، على شَكلِ مَجموعاتٍ مُتَتابِعة متوافِقَةٍ مَع أجزاءٍ مُحدَّدَةٍ مِن رَكِضِ الفأر.

“لَقَد تَمَكَّنَّنا مِن تَصوير أحجار البِناءِ المُنفَرِدة لِلذاكِرة،” كما تَقول كوسارت، وتُضيفُ بأن كُلُّ واحِدٍ يَقومُ بِعَكس جُزءٍ مِن الحَدَث الأصلي الّذي أختَبَرَهُ الفأر.

لَم تَكُن كُلُّ الخلايا العَصَبيّة المُتوافِقة مع كُلِّ أجزاءِ الذِكرى مَوجودَةً بِالقُربِ مِن بَعضِها البَعض، بَل كانَت مُنتَشِرَةً في كُلِّ أنحاءِ الحُصَين (hippocampus). مَعَ ذلِك، وعِندَما ومضت الخلايا، فقد أظهَرَت أرتِباطاً وَثيقاً وَجَلَيّاً بِالخلايا العَصَبية الأُخرى الَّتي ساهَمَت في تَسجيل ذلِك الجُزءِ مِن الرَكِض.

ذاكِرة مُجزأة

في الوَقت الَّذي تَعتَقِدُ فيه كوسارت بِأن الخَلايا العَصَبيّة الّتي تومض سَويَّةً تُشَكِّل مَجاميعَاً مِن الذاكِرة، فإن جورج دراكَوي (George Dragoi)، مِن جامِعة ييل (Yale University) لَيسَ مُتَأكِّداً مِن هَذا الأمر. يَقولُ جورج بِأنَّهُ مِن غيرِ الواضِح فيما لو كانت الفئران قد كَوَّنَت هذِه الذكريات خِلال سَيرِها في العجَلَة الدوّارة أم لا، وذلِك لِأحتِماليّة كَون مَجاميع الخلايا العَصَبيّة الّتي تَم إطلاقُها خِلالَ فَترة راحَة الفِئران، مُجرَّدَ فعَّالياتٍ دِماغيَّةٍ أفتِراضيّة.

مِن المُفاجئ أن تَقومَ أدمِغَةُ الفِئران بِتَقسيم أحداثٍ مُستَمِرّة إلى أقسامَ مُنفَصِلة، كما يَقول كامران ديبا (Kamran Diba)، مِن جامِعة ويسكانسُن في ميلوواكي (University of Wisconsin in Milwaukee). “أساساً، يَتِمُّ إطلاق الخَلايا بِشَكلٍ مُنتَظَم خِلالَ الرَكِض،” وِفقاً لـِ ديبا. “إذاً لِماذا تَتَحوَّل إلى تَجَمُّعاتٍ مُنفَضِلة؟”

لَكِن هذِه الدِراسة مُذهِلة، كما يُشير ديبا، وَسَيكون مِن المُثيرِ لِلأهتِمام رؤيَة فيما لو تَصَرَّفَت أدمِغَةُ الحيواناتِ الأُخرى على النَحوِ ذاتِه، خصوصاً عِندما تَركُض في العالم الحقيقي، بَدَلاً عَن الرَكضِ في عَجَلَةٍ دوّارة.

المصدر:

وضعُ خَرائِطَ للذاكِرة سوزان رايكينيك/معهد البحر الأبيض المتوسط لعلم الأعصاب رابط المقال: https://www.newscientist.com/article/2106094-building-blocks-of-memories-seen-in-brains-for-the-first-time/