الدماغ يميل إلى الإدمان، هذا ما يعرفه العلماء اليوم، بل قد يفضل الدماغ المادة المخدرة حتى على طعامه وشرابه، ولا يقتصر هذا على الإنسان، فالتجارب التي أجراها العلماء على الفئران، والتي تضمنت وضع الفأر في غرفة وتوفير نوعين من الأزرار الأول يضغط عليه الفأر فيزود بالطعام، والثاني يزوده بالمادة المخدرة، وُجد أن جميع الفئران استمرت على ضغط زر التخدير متناسيةً غذائها!

الإدمان هو الإعتماد، وأي مادة أو فعل يجعل من الشخص مُعتمد في فعالياتهِ اليومية عليها رغماً عن تأثيراتها السيئة على صحته، تُعتبر مادة مسببة للإدمان، توجد عشر خانات يتم تصنيف المواد المسببة للإدمان فيها، والنيكوتين أحد هذهِ التصنيفات.

النيكوتين مادة تتواجد في السجائر، يؤثر النيكوتين في الدماغ لكونه يُشبه النواقل العصبية (مواد كيميائية تنقل إشارت وأوامر من الدماغ إلى بقية الخلايا العصبية)، إذ يُشبه النيكوتين الناقل العصبي المعروف الأستايل كولين Acetylcholine)) لذا فإن وصوله إلى الخلايا العصبية يجعلها تتحفز كما لو كانت هناك إشارة عصبية رغم عدم وجودها، فتتفتح القنوات الأيونية في الدماغ ليمر عنصرا الصوديوم والكالسيوم ويخرج البوتاسيوم، وهذا يسبب تغيير البيئة الكيميائية للدماغ بطريقة غير معتادة. النيكوتين لديه القدرة على زيادة إفراز الدوبامين أيضا بتحفيز الخلايا العصبية لتقوم بذلك (وهو ناقل عصبي مسؤول عن رفع الطاقة المعنوية، والسعادة)، ومما يجعل الإفراز الزائد للدوبامين مرتبطاً بأغلب حالات الإدمان، هو كون الدوبامين من العناصر الفعالة في تحفيز منطقة المكافأة في الدماغ، وهي منطقة تتحفز عند قيامك بعمل مفيد، وهي حيلة تطورية تجعل من الكائن الحي، يشعر بالرضا حين ممارسته للجنس، تناوله الغذاء، او الماء، أو قيامه بأي عمل مفيد لصالح بقائه، كالفوز في صراع، أو ممارسة التمارين الرياضية وغيرها، وهذا ما يفسر اتجاه الفئران نحو زر المادة المخدرة بدلاً عن الغذاء، لأنها ستشعر بالسعادة والرضى بأضعاف مضاعفة عند تناولها المخدر، أكثر من توجهها لتناول الغذاء!

القليل من الدوبامين لا يُعد مضراً بالصحة، على العكس، تواجد الدوبامين مهم وحساس، ويحفز الانتباه ويزيد من سرعة التواصل، ونقصانه يسبب شعوراً مريراً بعدم الرضا، ممما يجعل التعساء والمصابين بأمراض الكآبة هم أكثر من يتجه للإدمان، وفي بحث تم إجراءه على القرود، لوحظ أن القرد المسيطر في الجماعة، والذي تكون مكانته الاجتماعية أهم، هو أقل ميلاً للإدمان من القرود في الأدنى منزلة في الجماعة. كما لوحظ أن عوامل الضغط النفسي، والعوامل الوراثية لها تأثير في الإدمان، إذ أنّ التوجه للإدمان تزداد خطورته عند وجود عوامل خطر (Risk factors)  مثل الأمراض النفسية، الضغط النفسي، التعرض للعنف في الطفولة، ووجود شخص مدمن في العائلة، وإن كانت تلك لا تُعد حجة لمن يرغب بالتوقف عن الإدمان، لكنها تفيد في جعله حذراً حتى من التجربة.

إذن المفيد في التدخين هو أنه يحفز إنتاج الدوبامين، مما يجعل النيكوتين يعمل كمعزز للوعي؛ فهو يُحسن الإنتباه، والذاكرة، والقابلية على التحرك ويُحسن القدرات الحسابية.

لكن السيء في التدخين أنّه يسبب الاعتماد (dependence) فالنيكوتين من المواد التي تسبب الإدمان بصورة تجعل الإقلاع عنه صعباً، إذ يعمل النيكوتين على منطقة في الدماغ تُعرف بمنطقة المكافأة (reward area) مما يثير شعوراً مؤقتاً بالسعادة، والارتياح النفسي، لكن هذا الشعور وقتي يرغب المرء بتكراره مجدداً، لذا بينما تُشير الإحصاءات إلى أن 75% من المدخنين يرغبون بترك التدخين، فإن 33% كل سنة يحاولون الإقلاع فعلاً ويبدأون بالمحاولة، لكن تقريباً فقط 3% يتمكنون من الإقلاع النهائي بالفعل.

والقبيح في التدخين، ما هو؟

السجائر ليست نيكوتين فقط، بل العديد من المواد الضارة بالجسم، والتي تُسبب استهلاك الرئتين بسبب التسمم بالدخان، الذي يقلل كفاءة الحويصلات الرئوية بطول الاستخدام، وكذلك فإن زيادة ملح الصوديوم في الدماغ بفعل النيكوتين والكالسيوم يتسببان بتراكمهما بزيادة خطر الجلطات الدماغية بسبب ارتفاع الضغط في الأوعية الدموية (يسببه الصوديوم) وتكلس أوعية الدماغ (يسببه الكالسيوم).

السيجارة الإلكترونية كبديل عن السيجارة تُقلل من تسمم الرئتين بالدخان، لكنها عبارة عن نيكوتين صاف، مما يعني استمرار الاعتماد على النيكوتين، ولم يتم إلى الآن معرفة ما إذا كانت لها نتائج سيئة على الجسم أم لا، لكنها حالياً هي ولصقة النيكوتين الجلدية الخيار الأول كبديل مؤقت بعد التوقف عن التدخين، حتى يعتاد الجسم على فقدان السجائر. إذ في كلّ حالات الإدمان وخصوصاً الإدمان لفترة طويلة لا يُنصح بالتوقف المفاجئ عن المادة المُثيرة للإدمان، لما له من أضرار على الجسم، ولكونه يزيد احتمالية الرجوع مُستقبلاً إلى تلك المادة!

 

المصدر:

Michael Kuhar, Ph.D, The Addicted Brain, Coursera

الجيد، السيء، والقبيح بخصوص التدخين (The good, the bad, the ugly about smoking)، مجموعة محاضرات  للدكتور مايك كوهار من جامعة ايموري الأمريكية ضمن كورس “الدماغ المُدمن” الذي تقدمه الجامعة على منصة كورسيرا التعليمية.