إحساس الكائن الحي بالتغيرات الحاصلة في بيئته الداخلية والخارجية شرطٌ لبقائه على قيد الحياة. ويمدنا الجهاز الحسي بمعلومات تتعلق بالبيئة المحيطة بنا وبالوسط الداخلي للجسم. تأتي هذه المعلومات إلينا عن طريق بنى متخصصة تعرف بالمستقبلات الحسية. توجد هذه المستقبلات عند النهايات المحيطية للألياف العصبية الواردة وتتصل بالدماغ عبر سبلٍ عصبيةٍ مكونةً من سلاسل عصبونية مختلفة.

عند بتر أحد الأعضاء فإن هذه المستقبلات الحسية تزول. ولكن الضغط المطبق على الأعصاب المقطوعة في طرفٍ مبتورٍ تجعل المصاب يشعر بالألم كما لو كان قادماً من القسم المبتور نفسه! يعود ذلك لقانون الإسقاط، إذ يسقط الإدراك الواعي لإحساس معينٍ على مكان مستقبله بغض النظر عن المكان المنبه في المسلك الحسي. ذلك ما يعرف بـ “الطرف الشبح” Phantom Limb.

غالبية الناس الفاقدين لأحد أطرافهم لايزالون يشعرون بهم، وبشكلٍ مدهشٍ أكثر، حتى الأشخاص المولودين فاقدين لعضوٍ ما يستطيعون الشعور بهذا الطرف! الطرف الشبح هو تصورٌ حي بأن الطرف الذي استؤصِلَ أو بُتِرَ لا يزال موجوداً في الجسم. اختبر 90% إلى 98% من الأشخاص الذين تعرضوا لعملية بترٍ هذا الإحساس. عادةً ما يعاني مبتورو الأطراف من أحاسيس تتضمن ألماً في الطرف الوهمي. وعند كثيرٍ من المرضى، يستمر هذا الإحساس لبضعة أيام أو أسابيع بعد فقدان الجزء أو بتره، بينما في حالات أخرى، قد يستمر الطرف الشبحي لسنوات بعد البتر.[1]

لايزال السبب الدقيق لألم الطرف الشبح غير واضح، لكن يبدو أنه يأتي من النخاع الشوكي والدماغ. بعد البتر، تفقد مناطق النخاع الشوكي والدماغ المدخلات من الطرف المفقود وتتأقلم مع هذا الانفصال بطرقٍ غير متوقعةٍ. ولكن يمكن أن تؤدي النتيجة إلى ظهور الرسالة الأساسية للجسم بأن شيئاً ما ليس صحيحاً: الألم. ترى دراساتٌ أخرى أن المنطقة المبتورة لم تعد تتلقى المعلومات الحسية، فتُحول هذه المعلومات إلى مكانٍ آخر. على سبيل المثال، من اليد المفقودة إلى الخد الذي لايزال موجوداً. لذا عند لمس الخد يشعر المصاب كما لو أن يده المبتورة، تُلمس أيضاً! [2]  نظرياتٌ ناقشت سبب الألم بالاعتماد على خارطة الجسم حيثُ إن كامل الجسم مُرتسِم على القشرة المخية. باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، أُجري الفحص على 14 شخص مبتوري الطرف العلوي أثناء تنفيذهم لحركات في اليد، الشفتين وحركات تخيلية لليد الشبحية. ارتبطت التغيرات في تمثيل الشفة على القشرة الحسية الجسدية بشكل كبير بالألم في الطرف الشبحي بسبب إعادة المخ لتنظيم هذه الخارطة.[3]

يشعر المرضى بأن الطرف المبتور لايزال موجوداً، وفي كثير من الحالات، وصف المرضى عدداً من الأحاسيس الأُخرى التي شعروا بها بعد عملية بتر أو فقد الطرف:

  • شعور بالدغدغة.
  • تشنجات.
  • ألم واخز، حاد ومتواصل.
  • خدر.

غالباً ما يشعر المرضى أن الطرف الشبح مشوه أو أقصر من الطرف الأصلي. في بعض حالات الأيدي الشبحية، يشعر المرضى أن الذراع الشبح تصبح أقصر بمرور الوقت. وبعد مدة، تبقى اليد الشبحية متدلية من الجذع. ويعتقد أن هذا الإحساس ناتج عن الإشارات الحسية المتضاربة التي يتلقاها دماغ هؤلاء المرضى. في نهاية المطاف، يتعلم الدماغ منع كل هذه الإشارات المتضاربة، وبالتالي… يتلاشى الشبح بعد فترة تصل إلى 6 أشهر.[1] فضلاً عن ذلك، لوحظت أوجه التشابه بين ألم الطرف الشبحي وآلام الأطراف قبل الجراحة، لذلك تُعطى مادة مُخدِرة في قسم من النخاع الشوكي قبل 72 ساعة من عملية البتر. هذه المادة تُقلل من آلام الأطراف الشبحية في السنة الأولى بعد العملية.[4]

لا يوجد فحص طبي لتشخيص ألم الطرف الشبحي. والتشخيص يعتمد على وصف المريض للأعراض وسؤاله حول البتر. لا يمكن اعتماد معالجةٍ بوصفها أفضل من غيرها، بل تُختار المعالجة بناءً على الأعراض. والمعالجة تتضمن الأدوية والتنبيه الكهربائي للأعصاب. الأدوية قد تكون مضادات اكتئاب، مضادات التشنجات، مسكنات الألم الموصوفة ومرخيات العضلات. أما التنبيه الكهربائي للأعصاب فيتم إما عن طريق تنبيه الأعصاب السطحية عن طريق الجلد، أو تنبيه الدماع بنبضة مغناطيسية أو تنبيه النخاع الشوكي بهدف تخفيف الألم.[5]

تقنية صندوق المرآة Mirror Box، علاٌج جديد لمتلازمة الأطراف الشبحية طُوِّرَ في منتصف التسعينات. يمكن أن يكون مفيداً جداً في تطوير مدى حركة الطرف الشبحي وتخفيف ألمه. حقق العلاج بعض النجاح في تخفيف الألم المرتبط بـ “الشلل المكتسب”، والذي غالباً ما يعاني منه المرضى الذين أصيبت أطرافهم المفقودة بالشلل قبل البتر. بداخل الصندوق، الذي لا يحتوي على غطاء، مرآةٌ في الوسط وعادة ما يكون به فتحتان، يدخل المريض من خلال إحداهما طرفه السليم ويُدخِلُ الطرف الآخر من الفتحة الأخرى. عندما يرى المريض انعكاس الطرف السليم في المرآة يُخْدَعُ الدماغ لـ “رؤية” الطرف الشبحي. من خلال تحريك الطرف السليم ومراقبة انعكاسه في المرآة، يمكن للمريض تدريب الدماغ على “تحريك” الطرف الوهمي وبالتالي تخفيف الشلل المكتسب والألم المصاحب. التغييرات في الدماغ التي تساهم في نجاح هذا العلاج ليست مفهومة تماماً، والمعلومات المستمدة من الدراسات طويلة المدى حول استخدام العلاج بصندوق المرآة شحيحة، لكن العديد من المرضى أبلغوا عن راحةٍ طويلة الأمد.[6] وتعرّضَ مسلسل الدكتور هاوس House MD لهذه الحالة في موسمه الرابع، الحلقة 5.

المصادر:

  • Susha Cheriyedath, What is a Phantom Limb?,www.news-medical.net, Feb 27, 2019
  • Phantom pain, Mayo Clinic
  • Lotze, Martin, et al. “Phantom movements and pain An fMRI study in upper limb amputees.” Brain 124.11 (2001): 2268-2277.
  • Bach, Søren, Morten F. Noreng, and Niels U. Tjéllden. “Phantom limb pain in amputees during the first 12 months following limb amputation, after preoperative lumbar epidural blockade.” Pain 33.3 (1988): 297-301.
  • Phantom Limb Syndrome, winchesterhospital.org
  • Encyclopædia Britannica, Phantom limb syndrome, September 03, 2020