هنالك الكثير من الأخبار التي تمر علينا بين الحين والآخر حول أبحاث الذاكرة والتي ليست سوى مجرد خيال علمي، مثل قريباً سوف ينتج علاج لكل أمراض الذاكرة، يمكن استعادة ذاكرة مرضى الزهايمر، يمكن أن نقوم بزرع حصين لتحسين الذاكرة، يمكننا أن نزرع ذكريات كاذبة مع الضوء. لكن في الحقيقة لا يمكن القيام بهذه الأمور، على الأقل ليس عند البشر.

نحن ننسى في بعض الأحيان أن التطورات الحاصلة في علوم الذاكرة تحتاج إلى سلسلة من المراحل لكي تصل إلى الواقع، فكل منها يحتاج الى معرفة كبيرة ومهارة.

فعند التوصل لفكرة جديدة في مجال الذاكرة تحتاج إلى تصميم منهج مناسب لها، والحصول على موافقة أخلاقية، ومن ثم الحصول على تمويل للبحث، وتعيين مساعدين واختيار عينات للاختبار من أجل إجراء تجربة (أو تجارب)، ومن ثم اكمال التحليل الإحصائي المعقد والذي غالباً ما يتطلب كتابة برنامج حاسوبي، وكتابة المخطوطة، وإذا نجا من مراجعة النظراء يجب أن تنشر النتائج بشكل فعال. وكل جزء من هذه العملية معقد للغاية.

وقبل كل هذا عامل الوقت، فإن أي فكرة تحتاج لعقود لكي تكمل، فقد تمر بتغير تدريجي وليس ضخم. بدلاُ من أنتاج قفزات كبيرة في مجال التكنولوجيا، ففي الغالبية العظمى من الحالات تضيف الدراسات للجسم بصيرة أبر من المعرفة.

ودائماً ما يتم تضخيم انجازات العلم من قبل وسائل الإعلام. فكما يقول جون أوليفر (John Oliver) “العلم يستحق طريقة أفضل للخروج للعامة من طرق الثرثرة الصباحية”. فوسائل الإعلام تصعب معرفة الفرق بين العلم الحقيقي والخيال العلمي.

بالإضافة إلى كون الصحفيين مذنبين بتسرعهم، فهم في الكثير من الأحيان يخطؤون بالعلم؛ لأن معظمهم ليسوا علماء. كما يقول الكاتب والمناصر للعلوم بن كولايسر (Ben Goldacre) “فرضيتي الأساسية في ذلك هو أن مدراء وسائل الإعلام والعلوم الإنسانية يمتلكون فهم علمي متواضع، وهم يفخرون بجهلهم”. وعلى الرغم من اني لا أمتلك نفس تشاؤم كولايسر إلا أنه أشار إلى نقطة مهمة، فإن العديد من الأشخاص الذين يتحدثون عن العلم لا يعرفون الكثير عنه.

ونضيف إلى ذلك أن العلماء في كثير من الأحيان يجدون صعوبة في تبسيط عملهم للأشخاص الغير مختصين، وكما أن العلم في حد ذاته يكون معقد بالنسبة لعلماء من ذوي الاختصاص فقد يسيئون فهمه أو لا يستطيعون تبسيط بعض أبحاثهم.

وقد واجهت ذلك عندما نشرت مقالة مستقبلية عن إمكانية التحكم بالذكريات بواسطة الموجات فوق الصوتية. وعلى الرغم من أن المقصود من المقال هو “رؤية خيالية علمية للمستقبل القريب”، إلا أني استقبلت بعض الردود على المقال.
فقد كان الرد الأول على مقالتي هو تطبيق ما فيها بشكل غير علمي، فقد قامت إحدى وسائل الإعلام البارزة بالتقاط قطعة منها واستخدامها كأساس لخبر يقول بإمكانية قيامنا بالسيطرة على الذكريات من خلال الموسيقى. لكنه من الواضح أن الإنسان لا يستطيع سماع الموجات فوق الصوتية، لذلك لا يمكن أن تستخدم في الموسيقى، وبعد ذلك قام موقعهم بتعديل الخبر من على تويتر.

بينما الردود التي أثارت قلقي فقد جاء من عالم الأعصاب الصديق وطالب الدكتوراه جوزيف بينيتاتوز (Joseph Benetatos) من معهد الدماغ في كوينزلاند من استراليا، فقد قال بأنه “لم يفهم المقال الأصلية” فلا يمكن لشخص أن يخجل من المناقشات النقدية، فقررت أن أتفاعل معه، فقد اتصلت به وسألته عما إذا كان يرغب بالعمل معي، من حسن الحظ أنه كان حريصاً على الأمر.

وهذا ما قاله حول رؤيتي المستقبلية لاستخدام علم الجينات الصوتية (sonogenetics) للتعديل على الذاكرة. أعتقد أن هذا درس عظيم عن كيف ولماذا يأخذ علم الذاكرة وقتاً طويلاً.
وهنا أقتبس:

“هذا لا يعني أن الدكتورة شو (Dr. Shaw) مخطئة، بل متفائلة جداً.  انتقادي هو كيف يستخدم العلماء هذا التطبيق في البدء، وكيف يترجم ذلك إلى السيطرة على الذكريات.

وقد وجد باحثون أن بوابات القناة الأيونية (الطريق التي تتواصل من خلاله الخلايا ببعضها البعض) كانت حساسة لانخفاض تردد الموجات فوق الصوتية، وقد استخدموا التعديل الجيني لإضافة المستقبلات (جزء من الخلية يستقبل رسائل من الخلايا الأخرى) على خلايا عصبية محددة (خلايا الدماغ).
وهذه الخلايا المحددة كانت مسؤولة عن الحركة في الديدان. فعندما تم تطبيق الموجات فوق الصوتية على السوائل التي تحتوي على فقاعات ميكروية تمددت استجابة للموجات فوق الصوتية، وهذا التضخم يشير الى أن القناة في العادة مغلقة وقد انتقلت الديدان إلى نمط معين.

هذا خرق علمي مذهل، لكنه لا يعني السيطرة على الذكريات. فالذكريات معقدة بشكل يتجاوز بكثير تحرير الأيونات من مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية.

يتضمن بحثي فهم مرض الزهايمر، فعند دراسة فقدان الذاكرة يمكنك الحصول على فهم أفضل للذاكرة. ويمكن وصف الذاكرة والأنماط المعقدة التي يتم إرسالها واستقبالها في الدماغ. ويمكنك إنتاج هذه الأنماط وتلقيها بمرور الوقت، الدماغ أو الخلايا العصبية المحددة تحتاج الى أن تحافظ على تصميم هيكل محدد للذكريات. وللقيام بذلك يتطلب إجراء تعديل جيني على الحمض النووي (DNA) وهذا يفوق بكثير الخيال العلمي لعلم (sonogenetics)”
هنا ينتهي الاقتباس.

التعديل على الذكريات بواسطة الموجات فوق الصوتية معقدة جداً. ربما رؤيتي المستقبلية يجب أن تصاغ بالمزيد من الحذر بما عبرت عنه.

فعندما تقرأ العناوين الرئيسية التي تجعل الخيال العلمي يبدو حقيقة، تأكد من قراءة التفاصيل الدقيقة في البحث، تأكد مما إذا كان ما مذكوراً قريب على التطبيق أم أن المؤلف جعله يبدو كذلك.

ودائماً يا أصدقائي كونوا متشككين.

الكاتبة جوليا شو: دكتوراه في علم النفس ومتخصصة في الذاكرة وعلم نفس الجريمة وتكتب في مجلات علمية عدة.

المصدر:

Julia Shaw,”Separating Science Fiction from Science Fact in Memory Research“, Scientificamerican MIND Guest Blog, June 6, 2016