سعى علماء النفس المعرفي وعلى مدى عقود  لفهم كيفية عمل الدماغ ، وفي السنوات الأخيرة قد  حددوا عددًا من النظريات – من التحيزات الضمنية إلى سيكولوجية العصبية القبلية و الندرة  – لشرح كيف يؤثر ذلك على سلوكنا.

لكن  بعض الباحثين الان يقترحون  أن هذه النظريات ، في الوقت الذي تقدم  فيه رؤية قيمة ، لا تنظر إلا لجزء من صورة أكثر تعقيدًا.

في دراسة نشرت مؤخرا في مجلة نيتشر للسلوك البشري ( Nature Human Behavior )   تجادل ميشيل لامونت أستاذة علم الاجتماع والدراسات الأفريقية والإفريقية الأمريكية ، ومدير مركز ويذرهيد للشؤون الدولية التي تقول لالتقاط صورة أكثر اكتمالاً للسلوك البشري ، فنحتاج إلى منهجٍ جديد ، يربط بين علم الاجتماع وعلم النفس المعرفي.

“كانت فكرتنا لمحاولة خلق حواراً بين هذين المنهجين. إن الأمل أن يكون  مثمرا في ان نشجع الناس على التفكير بشكل أوسع. حول العوامل التي تمكن وتؤثر على السلوك البشري”.

ولتحقيق ذلك ، قامت لامونت و بعض الطلاب المتخرجين  كل من لورا أدلر ، وبو يون بارك ، و شيانغ ، بفحص ثلاثة تيارات   مشهورة في بحث السلوك البشري – دراسات تستخدم اختبار الارتباط الضمني ، ونظرية الندرة ، ونموذج العملية المزدوجة لعملية اتخاذ القرارات الأخلاقية. – وحاولوا إظهار كيف لعبت القوى الثقافية دورًا في كل منها.

وقالت لامونت “ما فعلته انا ومساعدي  هو إظهار أننا نفهم العالم باستخدام النصوص الثقافية التي نتعرض لها على مستوى أوسع بكثير، وعندما تفكر في الحلم الأمريكي ، هذا هو إطاراً أو سرداً لتفسير واقعك الذي يختلف تمامًا عن أنواع الأساطير الوطنية الموجودة في سياقات أخرى.

على سبيل المثال ، في الولايات المتحدة ، فإن الأدوات التي يتم توفيرها في ما يعرف بالحياة الجيدة أو ما يُعرف قيمة الناس ، تركز بشكل أكبر  على النجاح الاقتصادي”. لكن حينما نقارن الولايات المتحدة مع بلد آخر مثل فرنسا ، تظهر لنا الأبحاث الاستقرائية (كالمسوح الاجتماعية) أن مفاهيم النجاح والأخلاق تختلف  كثيراً وهذه النصوص المتاحة تؤثر على احتمال أن يفسر الناس الواقع بطريقة أو بأخرى”.

و ترى لامونت ” بإن تدابير مثل اختبار الارتباط الضمني الذي يستخدم السرعة التي يربط بها الناس الصور مع أشياء يضعها  على أنها جيدة أو سيئة كمقياس للتمييز الخفي لا ترقى إلى خلفيات ثقافية وإذا قمت بإجراء هذا الاختبار باستخدام صور الرئيس أوباما والرئيس ريجان، فليس بالضرورة أن أضغط على الزر بصورة اسرع  لأنني أحب أوباما أكثر، سرعة الاستجابة تتأثر أيضا بدرجة المألوفية لكل من الصور. وفي الواقع ان التغيرات في السرعة لا علاقة لها مع معتقداتي السياسية حول أوباما أو ريغان ، لكن بدلاً من ذلك نتج عن حقيقة أن صور أوباما البعيدة أكثر بروزًا من صور ريغان في بسبب البيئة المألوفة، لذا  فهذا الاختبار قد يخبرك حول أهمية الصورة أكثر مما يخبرك عن موقفك تجاه الصورة “.

يصبح الفرق بين البروز  (شيء مألوف) والتقييم (وهو أمر ينظر إليه على أنه جيد أو سيئ)  أساسيًا عندما يحاول الباحثون الربط بين أوقات الاستجابة في اختبار الارتباط الضمني والنتائج الاجتماعية مثل التمييز. ما إذا كانت أوقات الاستجابة تشير إلى زيادة ارجحية  تمييز الشخص اعتمادا على المراجع الثقافية المستخدمة لتقييم الأشخاص من مختلف الأعراق أو الأجناس أو غيرها من الخصائص. هذا لا يعني أن الاختبارات ليس لها مكان في فهم السلوك البشري .

فترى لامونت “إننا  نحذر بكل بساطة من أن الاختبار لا يميز بين ما هو بارز في العقل وما هو ذا قيمة ثقافية في البيئة”.  و من اجل تفسير النتائج بصورة أفضل ، نعتقد أن الباحثين بحاجة إلى أن يأخذوا في الاعتبار الثقافة السائدة  (أو الخلفية) التي يسير فيها الناس ، وهذا يتجاوز ما هو بين آذان الناس”.

وجدت لامونت ، وهي الرئيس السابق للجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع ، قضايا مماثلة مع نظريات حول الندرة والأخلاق.

وقالت: ” ان نظرية الندرة هي فكرة أنه بسبب نقص الموارد  وقل الدخل ، فإن الناس تنفق (أو يركزوا اهتمامهم بشكل حصري على الموارد النادرة) … الأمر الذي يقودهم إلى ارتكاب أخطاء في الحكم يمكن تجنبها”. “ولكن كيف يمكن فهم الناس لعالمهم  والذي يجب أن يكون موثق تجريبيا.” ولفهم كيف ان البعض ممن لا يملك المال الكافي يتخذوا قرارات تبدو عقلانية اقتصاديا ، يحتاج الباحثون إلى فهم كيفية تقدير الشخص للموارد المختلفة (الوقت ، المال ، العائلي ، الاتصال  والوضع الاجتماعي) وكيف يعطى الشخص الأولوية للمطالب المتعارضة من الاهتمام والموارد.

وقد اقترح مجموعة من الباحثين الذين يدرسون الحكم الأخلاقي ان عملتين ادراكيتين متنافستين تنتج ببعض الأحيان أحكاما أخلاقية متضاربة فالعملية البطيئة وهي الأكثر تداولا تنتج أحكاما أخلاقية نفعية والتي غالبا ما ينظر اليها بانها افضل من الأخلاق الواجبة او الأساس الذي يستند لنتيجة الحكم الأخلاقي المستند لعمليات الحدس السريع .

اقترحت لامونت وزملائها الحاجة لإعادة النظرة في الافتراضات الثقافية المعجونة داخل هذا النموذج لفهم كيف يتخذ الناس القرارات الأخلاقية المختلفة .

وتعتقد لامونت بان الطريقة التي يتخذ الناس قراراتهم الأخلاقية لا تتماشى مع كيف يفكر الناس  حول الأخلاق في الحياة اليومية.

وللتعرف على مكانة الأخلاق في حياة الناس لابد ان نركز بشكل أقل على سيناريوهات افتراضية كمعضلة (القطار و5 أشخاص سيقتلهم ) ومن ثم فهم الأفكار الثقافية التي تعزز فهم الناس لما يعنيه ان تكون اماُ جيدة او صديقا جيد .

وترى لامونت ان الورقة البحثية التي نشرتها حول هذا الموضوع لا تهدف للطعن في عمل علم النفس المعرفي ولكن لفتح حوارا بين جانبين غالبا ما يقتربان من نفس الأسئلة المماثلة  ولكن من منظور مختلف .

وهذا يتعلق أكثر حول زيادة الوعي للاتجاهات  في البيئة والتي تميل لأن تكون في الخلفية ونحن نعتقد انها يجب ان تكون في المقدمة .

ونريد ان نعالج سلسلة سببية أوسع والتي كانوا يفكرون فيها وهذا يتطلب انشاء واجهات فكرية من حيث أين يقف تحليلهم؟ وأين يبدأ تحليل المناهج الأخرى؟

المصدر

Michèle Lamont, “How cognitive psychology and cultural sociology can benefit each other“, May 18, 2018

ولتحميل الورقة البحثية كاملة

Lamont, Michèle, et al. “Bridging cultural sociology and cognitive psychology in three contemporary research programmes.” Nature Human Behaviour1.12 (2017): 866.