التطور والأصولية الدينية … هادي المدرسي مفنداً لنظرية للتطور 

بقلم : حيان الخياط

 

تعريف

كتاب “تهافت النظرية الدارونية وسقوط النظريات التابعة”، يقع في 222 صفحة من القطع المتوسط. وطبع في دار العلوم/الطبعة الاولى 2011.

هادي المدرسي: رجل دين ومرجع معروف، ولد سنة 1957م  في العراق/كربلاء، لديه العديد من الكتب والدراسات في مختلف الموضوعات.

توضيح

 توخينا قراءة هذا الكتاب بطريقة موضوعية الى اقصى حد ممكن، وسنقتصر على مناقشة المواضيع العلمية المتصلة بنظرية التطور فقط. وترك كل ما له علاقة بالدين جانباً، وذلك لأن الكتاب مليء بالآراء الدينية اضافة الى نقد الفلسفات المادية.

ثلاث قنابل منذ البداية

الانسان هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع انكار التطور

منذ البداية يفاجئنا المدرسي بفصل فرعي بعد المقدمة مباشرةً تحت عنوان ” ثلاث حقائق” وهي كالآتي:

1 ـ نظرية التطور ليست من ابداع دارون، بل ان لامارك قد سبقه الى هذه النظرية، وقبل لامارك بآلاف السنين كان كهنة بابل وآشور ومصر يتبنون افكاراً مشابهة لنظرية التطور (لا نعلم لماذا لم يذكر المدرسي فلاسفة العصر الاسلامي كنموذج لمن قال بالتطور قبل دارون؟!).

وهذه مصادرة كبيرة، فالأفكار التطورية التي عرفها البابليون، المصريون، الفلاسفة اليونان، وفلاسفة العصر الاسلامي كلها عبارة عن بضعة اقوال او عبارات متناثرة في ثنايا الكتب لا غير.

وبالنسبة للامارك ومن عاصره فإن اعطاء بعض النماذج والحديث عن التطور بشكل مقتضب لا يمثل نظرية متكاملة.

أما نظرية التطور فتنسب لدارون لأنه كرس عشرين عاماً من البحث المضني لكي يتوصل لهذه النظرية، وفي خاتمة المطاف وضع كتابه “أصل الانواع” وشرح ما توصل اليه بشكل مسهب وعرض كلاً من الجوانب الايجابية والسلبية لنظريته، بالإضافة الى وضع آليات للتطور لم يتم اخذها بعين الاعتبار قبله.

وهذا كله لا ينفي وجود شذرات من نظرية التطور قبل دارون، فبكل تأكيد ان النظريات العلمية لا تولد من العدم، بل ان اهم صفة للعلم هي التراكمية.

2ـ نظرية التطور والمادية: حيث يرى المدرسي ان النظريات المادية تسلّم بشكل مطلق بالتطور، ولا تستطيع ان تتخلى عن التطور رغم الضربات التي تتعرض لها الداروينية بصورة مستمرة من قبل مختلف العلوم!

ولتوضيح فكرته يقول ما معناه: ان النظريات المادية تتصدى للأدلة التي تناقض التطور بالتجاهل والتكذيب في بادئ الامر، حتى اذا بدأ الدليل العلمي يفرض نفسه بقوة، عندئذ يعلن “المؤمنون بالداروينية”! أن ذلك لا يضر بجوهر النظرية بتاتاً، ما دامت قابلة للتغيير والتعديل.

وهذا خلط واضح بين انصار الافكار المادية، والعلماء الذين يؤكدون على نظرية التطور، فلو اقتصر الامر على هذه الهفوة لهانت ولكنه يلحقها بالقول: “وليست التعديلات الكثيرة التي أٌدخلت على النظرية حتى الآن، والتي أدت الى نبذ النظرية الأصلية التي عرضها “لامارك” نبذاً كلياً والى تغيير النظرية التي عرضها “دارون” تغييراً جذرياً تحت ضغط من العلمية، والاكتشافات الحديثة، ليس ذلك إلا دليلاً صارخاً على هذه الحقيقة.” ص 13.

فلو اتعب المدرسي نفسه قليلاً وراجع تاريخ العلم وما تتعرض له جميع النظريات العلمية لوجد ان كل النظريات تسير وفق نفس هذا النمط من التطور الداخلي، فكلها يتم ادخال تعديلات معينة عليها وذلك بسبب القصور في بعض جوانبها.

3 ـ “إن الداروينية ليست ـ في احسن الفروض ـ أكثر من “وجهة نظر”  .. ليس غير ذلك أبداً.” ص13.

بل ان الانسان الذي يعيش في القرن الواحد والعشرين لا يجوز له ان يؤمن بالتطور لمجرد أنه “وجهة نظر” تؤمن بها فئات هنا وهناك! وكذلك يعتبر المدرسي التطور أساساً من أسس النظريات المادية المعاصرة وهذا ما يبرر الجمود عليها. ص 13.

وهو يرى ان صحة التطور تتطلب توفر امرين ، الامكانية : اي امكانية الحدوث ضمن نطاق الزمان والمكان، والإثبات : اي مجموعة الادلة والوثائق العلمية التي تثبت التطور.

وهذا التقسيم لا بأس به لو لم يقترن بذكر “أن مطالعة دقيقة لمصادر الدارونّية تكشف عن مغالطة كبيرة، في تقديم النظرية. فهي إذ لا تقدم أية إثباتات علمية إطلاقاً، تكتفي ـ في أحسن الفروض ـ بإمكانية الوقوع.” ص14.

فالباحث الذي تكون مصادره في الغالب ضد التطور ويكون هدفه الاساسي هو الاطاحة بنظرية علمية فقط لأنها تخالف معتقده الديني (حسب وجهة نظره)، مثل هذا الباحث لا يمكن ان يرى الاثباتات العلمية وان كانت امام عينيه.

التطور حقيقة وليست فكرة معروضة في الكتب

بسبب كثرة تعامله ومعالجته للنصوص الدينية، شرحاً وتفسيراً، يضاف الى ذلك، الكم الهائل من المواضيع الكلامية واللاهوتية المسطورة في كتب العقائد، فقد اعتقد المدرسي ان العلم والنظريات العلمية يمكن التعامل معها بنفس طريقة التعامل مع النصوص الدينية، فهو ينتقد جميع الادلة والبراهين العلمية للتطور بشكل يشي بكونه يتعامل مع نصوص فقط لا مع واقع وطبيعة حياتية معقدة.

وقد تغافل المدرسي عن كون علماء الاحياء المختصين بالتطور لا يكتبون ولا يتحدثون عن الموضوع دون مشاهدات وعمل مضن وتعامل يومي مع الكائنات الحية، وهذا ما لم يتوفر للمدرسي نفسه طبعاً.

ونحن لا نريد التقليل من قيمة المدرسي ابداً، ولكن البيئة التي يتعايش معها تفرض عليه هذا المسلك في التفكير.

التطور والنظريات المادية

 

التطور والمادية

بسبب كثرة ترديد المدرسي لهذه المسألة فيجب ان نبين حقيقة صغيرة، وهي كون التطور نظرية علمية حالها حال جميع النظريات العلمية المحايدة، فالعلم لا يعرف التمذهب والدوران حول محور فكرة مسبقة، وحتى ان تم تسييس العلم او حرفه عن مساره الصحيح، فهو ينطوي على خاصية تجعله يصلح نفسه بنفسه ولو بعد حين، وذلك لأنه حيادي بالأصل والأمثلة كثيرة في هذا المجال وأبرزها ما حصل في الاتحاد السوفياتي.

وعليه فإن استغلال بعض الفلسفات والأديان للنظريات العلمية لا يقلل من شأن وعلمية هذه النظريات ابداً، ولهذا تبقى نظرية التطور على ما هي عليه رغم كل ما تحدث عنه الكاتب من كون التطور أساس من أسس المادية.

على منهج القرون الوسطى

ان المدرسي يستخدم طريقة التفنيد في تعامله مع نظرية التطور، فلا يوجد لديه نقد علمي رصين، وكل ما يريده هو تفنيد نظرية التطور ليثبت فكرة مسبقة في ذهنه، وهي ان الله خلق جميع الكائنات مباشرةً دون الحاجة الى وجود التطور. وتبرز لديه الآلية المعروفة التي يستخدمها معظم المدافعين عن اديانهم ومذاهبهم، تلك الآلية المتمثلة في عرض الافكار ومحاولة هدمها باستخدام ادوات المنطق الصوري التقليدي، فالمدرسي هنا كأنه باحث يعيش في القرون الغابرة، لا في عصرنا الحالي، يعيش في القرون التي كان فيها الجاحظ وأمثاله مبدعين باتخاذهم الجدل والتفنيد مسلكاً لهم. وهنا تكمن مشكلة كثير ممن يحاولون هدم نظرية التطور.

 

 

 احكام بأسرع من سرعة الضوء

احكام متسرعة بلا دليل

على مدى عشرات الصفحات قام المدرسي بنعت نظرية التطور بمختلف الاوصاف التي تقلل من شأنها او تخرجها من دائرة العلم، فمن وصفها بالنظرية الاسطورية مروراً بكونها خيالا علميا وانتهاءً بتشبيهها بالقصة الادبية.

والمشكلة في هذا الباب هي قيامه بمناقشة مواضيع مثل الحفريات، التشابه بين الكائنات، التنازع من أجل البقاء، دماغ الانسان، اللغة …الخ وذلك بالاستناد الى سلامة موسى فقط الذي توفي عام  1958!

أمثلة غريبة واستدلالات أكثر غرابة

ان اكثر مناطق القصور في هذا الكتاب نراها في كثرة الامثلة التي تستخدم لتفنيد التطور! فالدليل العلمي على التطور يمكن دحضه بمثال يستخدم للمقارنة بين حالتين مختلفتين تماماً وكنموذج على ذلك ما ذكره عند حديثه عن التشابه بين الحيوانات من جهة وبين الاطوار التي يمر بها جنين الانسان من جهة اخرى فبالنسبة للمدرسي فإن التشابه لا يمكن ان يعتبر دليلاً علمياً على أن احد المتشابهين هو أصل الآخر إطلاقاً ولهذا يقول:
“فإذا شاهدنا مصنعاً لإنتاج السيارات، يقوم اولاً بتصنيع العجلات، ثم جسم السيارة، ثم الأبواب، ثم بقية الأجزاء فهل يجوز لنا أن نعتقد أن السيارة تكونت من عجلات بسيطة ثم تطورت، وتطورت، حتى وصلت الى حالتها الراهنة، مستدلين على ذلك بالأطوار التي تمر بها السيارة قبل ان تصبح كاملة؟” ص 50.

ومن ذلك كله يستنتج ان التشابه بين الكائنات دليل على وحدة الخالق لا وحدة الخلق!

مثال اخر يضربه عند الحديث عن المنطق التطوري لوجود المتحجرات: “هل إن وجود سيارة صغيرة في الطابق الأول من عمارة، وسيارة أكبر في طابق ثان، وسيارة أكبر في طابق ثالث، وهكذا مع اختلاف الهيئات، تدل على تطور السيارة بنفسها من دون أن تكون كل سيارة صنعت مستقلة.” ص 56.

وهنا، فإن الملاحظات التي نضعها تتمحور حول الفرق الشاسع بين البناء البايولوجي او الاحيائي للكائنات الحية وبين اجزاء المادة التي تتكون منها السيارة، بالإضافة الى كون الامثلة طريقة لتوضيح الافكار لا طريقة للاستدلال، ولا نجد محيصاً من القول أن امثلته تبقى غير موضوعية وقاصرة جداً.

نظرية التطور ليست سوى “نظرية”!

النظرية فرضية مثبتة بالادلة

هنالك خلط شائع بين المعنى العلمي لكلمة “نظرية” والمعنى المتداول بين الناس، فالكثير من الاشخاص يعتقدون أن كلمة نظرية مشتقة من “نظر” ولهذا فهي تعبر عن وجود رأي او وجهة نظر من الممكن أن تصح او تخطئ.

العلم بالنسبة لهؤلاء عبارة عن مجموعة من القوانين وكل مفهوم او اساس علمي لا يتضمن كلمة قانون قبل ذكر اسمه فيجب وضعه في خانة الامور غير المثبتة.

قد يكون هؤلاء الاشخاص معذورين بسبب عدم اطلاعهم على معاني المصطلحات العلمية ولكن لا عذر لمن يتصدى لدراسة ونقد نظرية بحجم نظرية التطور، فقبل كل شيء كان لزاماً عليه معرفة لغة العلم قبل الولوج او الخوض فيه وإطلاق الاحكام بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ.

يقول المدرسي : “أن النظرية الدارونية لم تتعد بعد منطقة “النظرية” وأحكامها لا تزال مبنية على الفرض والاحتمال فلم تصادق عليه الأدلة العلمية الكافية حتى الآن” ص152 ، ص153.

وهو بهذا التجديف يجبرنا على شرح معاني اهم المصطلحات العلمية وهي:

الفرضية: هي عبارة عن مقترح تم وضعه كتفسير مؤقت لحالة او حدث معين، وذلك لربط مجموعة من الظواهر معاً، وهي بحاجة لكم كبير من الادلة التجريبية لتكون علمية بشكل كامل، كما ان الفرضية قابلة للاختبار بصورة عامة. وبكلمتين “الفرضية هي تخمين يتم اثباته عن طريق التجربة”.

النظرية: هي وصف لظاهرة او حدث موجود وهذا الوصف يملك عددا كبيرا من الادلة التجريبية والمشاهدات، وكلما وصفت النظرية عدداً اكبر من المشاهدات كلما كانت افضل وأكثر متانةً، يضاف الى ذلك وجود “تنبؤات حاسمة عن نتائج المشاهدات المستقبلية” بحسب تعبير ستيفن هوكينج.وهي كذلك قابلة للتكذيب فيمكن تفنيد النظرية اذا ما وجدنا مشاهدة واحدة لا تتفق مع تنبؤات النظرية وهذه الخاصية تُمكن العلماء من فحص النظريات وذلك باختبارها وعرضها على التجربة للتأكد.

ولكن هناك وهم في تصور بعض الناس، فهم يعتقدون ان النظرية هي فكرة بحاجة الى تضافر العديد من الادلة من أجل تحولها الى قانون علمي، وتعريف “أكاديمية العلوم الوطنية الأمريكية” كفيل بدحض هذا الوهم :

“يختلف التعريف الرسمي للنظرية تمامًا عن المعنى اليومي لها. حيث يُقصد بالكلمة أي تفسير شامل لظاهرة معينة من ظواهر الطبيعة وتؤيدها مجموعة كبيرة من الأدلة.”

القانون: يشبه النظرية من حيث حاجته لمشاهدات مدعومة بالأدلة التجريبية بالإضافة الى القابلية على التنبؤ بالإحداث او السلوك الموجود في العالم الطبيعي ولكنه يتسم بالمحدودية، فالقوانين تشير الى القواعد التي تحكم ظاهرة معينة في ظروف وشروط معينة، ولغة القانون هي الرموز الرياضية في الغالب، كما ان النظرية تملك عمومية وشمولية تمكنها من شرح عمل اجزاء واسعة من الطبيعة.

تهكمات وسخريات

بعد ان يستعرض المدرسي جملة من التطورات التي ستحصل للإنسان في المستقبل وفق احتمالية سلامة موسى في كتابه “نظرية التطور وأصل الانسان” مثل زيادة حجم الدماغ، ضخامة الآليتين والحوض لدى المرأة من أجل تحمل كبر حجم جماجم الاطفال عند الولادة، زوال الشعر من معظم اجزاء الجسم، ظهور قدم ثالثة للإنسان (وهذه هي النقطة الوحيدة التي يمكن من خلالها لوم سلامة موسى) … الخ، بعد هذا الاستعراض يبدأ بالتهكم وملء صفحات عديدة من كتابه بالسخرية لا غير، فهو يضيف بعض التطورات مستخفاً مثل:

بروز جناحين على طرفي الانسان، انعدام التنفس والحاجة الى الاوكسجين، ظهور آلة تصوير على صدر الانسان، ظهور رأس اخر ويدين للعمال، ظهور عجلات بدل القدمين، وغيرها من السخريات الخالية من معنى.

اخطاء في فهم المدرسي للتطور

 

الفهم الخاطئ للتطور

سنستعرض هنا مجموعة من النصوص المتناثرة في ثنايا الكتاب، والتي تعبر عن سوء فهم فظيع للتطور، وهي كالآتي:

1ـ يقول المدرسي: “ما بال ملايين الملايين من البشر الذين يولدون وينمون من دون أن يرتد أحدهم قرداً أو حصاناً أو حماراً لماذا لم نسمع مثلاً أن يولد من المرأة جرو كلب؟ بدل طفل إنسان؟” ص66

وهنا يبدو ان المدرسي لم يكن يحضر حصة علم الاحياء، وخصوصاً بحث الوراثة!

2ـ “إن التشابه لا يستلزم أن يكون أحد المتشابهين أصلاً للآخر إن هناك الكثير من نجوم السينما الذين يشبهون كبار عظماء التاريخ فهل هذا يعني أن هؤلاء أصل لأولئك؟ أو العكس؟” ص 68.

وهنا ـايضاًـ يبدو ان المدرسي لا يفرق بين الواقع وأفلام السينما!!!

3 ـ “إن وجود أعضاء كالزائدة الدودية ليس دليلاً على أن الحيوان اصل للإنسان اذ لعل العكس هو الصحيح أي إن اصل الحيوان كان هو الإنسان ولما انقلب حيواناً طالت زائدته، وطلع له الذيل الخ.” ص 64.

المشاهدات كلها تدعم فكرة ان الانسان ينحدر مع الحيوانات من سلف مشترك، فلماذا نضع فرضاً او مقترحاً لتفسير حدث تم تفسيره اصلاً!!!

4ـ يعتبر خطأه في فهم الطفرة الوراثية من اكبر الاخطاء الموجودة في الكتاب، فهو يقول :

“إن التغييرات التي تحدث بالطفرة، عن طريق (أشعة X)، والأشعة فوق البنفسجية، وما شابه ذلك إنما هي تغييرات ظاهرية، لا تمس الجوهر، فليس بالإمكان مثلاً أن ينقلب الكلب تحت تأثير أي نوع من الأشعة الى قرد.” ص42.

يبدو ان المدرسي لم يفهم تأثيرات الطفرة الوراثية على الكائنات الحية ابداً، فالطفرة ليست  تطور الكائن الحي الى كائن حي اخر مختلف، هذا الامر محال ولم يقل به اي باحث.

5 ـ “منذ عشرات القرون، ويمارس اليهود والمسلمون عملية الختان الذي هو عبارة عن قطع الجلدة الزائدة على عضو الذكورة، ولم يولد للآن جيل واحد لا يحمل هذه الجلدة الزائدة.” ص38.

الخلل في هذا المقطع يكمن في هذه الجملة ” منذ عشرات القرون” وذلك لأن التطور يحتاج لملايين السنين لكي يقوم بهذه العملية، لا بضعة مئات فقط. هذا علاوةً على وجود اطفال يولدون وهم مختونون او لديهم نصف الجلدة الزائدة على عضو الذكورة!

وامر اخر يدل على خطأ المدرسي في فهم التطور، وهو ان التغيرات الظاهرية لا تورث، فلو قطعت يد انسان فأنه سيلد طفلاً كامل اليد، ولو كررنا العملية لعدة اجيال فلن يتغير شيء. وذلك لان وراثة صفة معينة يجب ان ترتبط بالجينات فقط.

هذا غيض من فيض بالنسبة للأخطاء الشنيعة الموجودة في هذا الكتاب، ولكننا نكتفي بهذا القدر لضيق المجال.

خاتمة وتوضيح

في الختام احب ان اوضح ان المدرسي لم يخطئ عندما خاض غمار التحدث عن التطور والتصدي لطرح افكاره، فالعلم بشكل عام لا يمنع اصحاب الدليل الرصين من عرض افكارهم وقد وجد الكثير من الباحثين الذين ساهموا في تقدم العلم رغم عدم تخصصهم العلمي.

ولكن المشكلة تكمن في السبب الذي دفعه للكتابة عن التطور (وهو ديني بحت، اي السبب)، يضاف الى ذلك قلة مصادره العلمية الحديثة التي تتحدث عن التطور وتشرحه بالأدلة المثبتة التي تجعل من التطور حقيقة علمية توازي حقيقة الجاذبية، فأغلب ما ينقله عن التطور يعتمد فيه على سلامة موسى او جون لويس وأمثالهما. صحيح ان هذين المفكرين ساهما في ايصال نظرية التطور الى شريحة واسعة من الناس، إلا ان عدم تخصصهما بالبيولوجي (وهذا الامر مطلوب ويحتاجه المدرسي ليعتمد على كلامهما كمصدر علمي) بالإضافة الى الفترة الزمنية التي كتبا فيها عن التطور يجعلان من معلومات المدرسي عن التطور ضعيفةً بعض الشيء.