أساطير مشككي المناخ والفترات الدافئة في الماضي : قبل كل شئ، هناك أمر يجب أن نعرفه وهو أن أي معلومات حول حرارة العالم قبل 150 عاماً هو مجرد تقديرات، وإعادة تشكيل مبنية على أساس أدلة من الدرجة الثانية مثل قوالب الثلج ونسب نظائر العناصر. والدليل هذا يتبدد أكثر كلما نظرنا أكثر الى الوراء، لاسيما عندما نعلم بأن تفسير الدليل يتطلب في أحيان كثيرة سلسلة من الأفتراضات. بعبارة أخرى فالأمر يتطلب الكثير من التخمين.

من المؤكد أن الأرض مرت بظروف قاسية حيث كانت أكثر حرارة من اليوم، كما أنها مرت بفترات أكثر برودة. وفي بعض الحالات كانت العوامل الرئيسية لحدوث تلك الفترات خلال الألفية الأخيرة مفهومة بشكل جيد لاسيما الفترات الحارة الشديدة أو فترات الإنخفاض والعصور الجليدية رغم أنها ليست كلها كذلك فبعض التفاصيل تبقى غير مفهومة.

خلال المليار سنة الماضية، غُطيت الأرض بالثلج بالكامل أكثر من مرة. وهو ما يُعرف بـ “أرض كرة الثلج” (snowball Earth) الظاهرة التي ما زالت مثيرة للجدل، ومع بعض الأدلة التي تقترح وجود بعض المناطق غير المتجمدة وبعض الماء حتى  في ذروة التجمد (إطلع على المزيد من الأدلة هنا و هنا وهنا). من الواضح أنه بالرغم من مرور 740 الى 580 مليون سنة، فإن الأرض كانت في قبضة العصر الجليدي بشكل أكثر تطرفاً من أي وقت آخر سابقاً.

لماذا حدث ذلك؟ انتشار الجليد ينتج المزيد من البرد عبر عكس المزيد من طاقة الشمس الى الفضاء. لكن الثلج على الأرض يحبس التجوية الكيميائية التي تزيل ثنائي اوكسيد الكاربون من الجو وهذا بدوره يقود الى رفع درجات الدفء بشكل تدريجي.

أرض كرة الثلج قد تكون ممكنة الحدوث بشكل تام فقط لأن القارات كانت متجمعة في خط الاستواء مما يعني أن زوال ثنائي اوكسيد الكاربون قد يستمر حتى مع انفصال صفائح الجليد من القطبين.

عندما تكون جميع الأرض مغطاة كلياً بالثلج فإن غازات الدفيئة ستبدأ ببناء طبقات أعلى بالشكل الكافي لتجاوز تأثيرات برودة الجو ومنها غطاء الثلج الشامل.

الانهيارات الضخمة

بعد التجمد العميق، كان هناك العديد من فترات “أرض البيت الزجاجي” (Hothouse earth) عندما تجاوزت الحرارة ما نشهده اليوم. وأكثرها ربما في الحرارة القصوى للعصر الباليوسيني الإيوسيني (Paleocene–Eocene Thermal Maximum)، والتي حدثت قبل 55 مليون سنة. الحرارة في العالم أثناء ذلك الحدث ازدادت بـ 5 الى 8 درجات سيليزية ضمن بضعة آلاف من السنوات، مع بلوغ المحيط المتجمد الشمالي لحرارة شبه استوائية بلغت 23 درجة سيليزية. وعندها حدثت انهيارات ضخمة في الجليد.

الحرارة التي استمرت لـ 200 الف سنة، حدثت بسبب كميات ضخمة من الميثان أو ثنائي اوكسيد الكاربون. في الفرضية الأولى التي تُفسر الأمر يُعتقد بأن ذلك حدث بسبب ذوبان مركبات الميثان التقاطعية في رواسب أعماق المحيط، لكن الفرضية الأحدث تقول بأن الأمر حدث بسبب الكميات الضخمة للتفجيرات البركانية التي سخنت رواسب الفحم، بعبارة أخرى فإن الحرارة القصوى للعصر الباليوسيني الإيوسيني هي مثال على الإحتباس الحراري الكارثي الذي انطلق عبر تكوين غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

منذ ذلك الحين، بردت الأرض. وخلال المليون سنة الماضية تقلب المناخ بين العصور الجليدية والفترات بين الجليدية الأكثر دفئاً الشبيهة بالتي حدثت في الألفيات الأخيرة الماضية. هذه التغيرات الزمنية تبدو كأنها أُثيرت عبر تذبذبات معينة في مدار الكوكب  والميل الذي بدل مقدار الإشعاع الشمسي الذي يصل الى الأرض.

من الواضح في كل الأحوال أن تلك التغيرات المدارية لوحدها لم تكن لتسبب تغيرات كبيرة في الحرارة وذاك يجب أن يكون له نوعاً من تأثيرات ردود الفعل (تابع هذا المقطع حول دورات ميلانكوفيتش).

مدن مغمورة بعد إنقلاب المناخ

بين العصور الجليدية، حدثت بعض القمم الدُنيا لدرجة الحرارة لعدة مرات، خصوصاً بحدود 125 الف سنة مضت. في ذلك الوقت، ربما كانت الحرارة بين درجة واحدة ودرجتين سيليزيتين أكثر حراً مما نشهده اليوم. وسطح البحر كان أعلى بـ 5 الى 8 أمتار أكثر مما هو عليه اليوم – وهو أرتفاع كافٍ لغمر معظم المدن الساحلية اليوم (تابع تقرير IPCC بصيغة بي دي اف). وهذه القمة حدثت أيضاً بفعل دورات مدارية.

بعد إنتهاء الجليد، درجات الحرارة في العالم يبدو أنها وصلت ذروتها قبل 6000 سنة، وهو ما يدعى المناخ الهولوسيني الأمثل (Holocene climatic optimum) في نصف الكرة الشمالي صيفاً، ولم يتجاوز معدل الحرارة في العالم ما وصلته الحرارة في العقود الأخيرة بكثير، هذا إن تجاوزها أساساً. ومرة أخرى كانت التغيرات المدارية هي السبب، لكن هذا أدى الى تغيرات في الحياة النباتية وفي غطاء البحر الثلجي الذي أنتج تبدلات مناخية أقليمية ملحوظة.

منذ 800 ميلادية حتى 1300 ميلادية، كانت هناك قمة صُغرى تدعى الفترة الدافئة القروأوسطية، لكنها لم تكن دافئة بقدر العقود الأخيرة التي نعيشها اليوم (تابع المقال: اساطير المناخ: لقد كانت أكثر حراً خلال فترة القرون الوسطى).

العزل الحراري

ما هو واضح من دراسة المناخ في الماضي أن هناك العديد من العوامل التي يُمكنها التأثير على المناخ: النشاط الشمسي، التذبذبات في مدار الأرض، غازات الدفيئة، الغطاء الثلجي، الحياة النباتية على الأرض (أو انعدامها)،  ترتيب القارات، الغبار الذي ترميه البراكين أو الرياح، التجوية من الصخور وهكذا.

التفاصيل نادراً ما تكون بسيطة بقدر ما تبدو عليه للوهلة الأولى: مثلاً ثلج البحر يعكس من أشعة الشمس أكثر من مياه البحر المفتوحة ولكن يُمكن للمياه تحت الثلج أن تحبس الحرارة تحت الثلج. هناك تفاعلات معقدة بين العديد من العوامل التي يُمكنها أن تُضخم أو تُخمد التغيرات في المناخ.

السؤال المهم هو: ما الذي يسبب الإحترار الحالي المتسارع؟ لا يُمكن أن نصرف النظر عن الموضوع على أنه تغير طبيعي، فقط لأن الكوكب مر بفترات أكثر حراً في الماضي. فالعديد من الدراسات تقترح بأن ما يحدث الآن يُمكن شرحه بطريقة واحدة فقط وهي بأخذ النشاط البشري في نظر الإعتبار.

كما لا يُمكن لحقيقة أن هُناك فترات أكثر دفئاً في الماضي أن تلغي قلقنا عن المستقبل الأكثر حراً. مستويات سطح البحر كانت أعلى بعشرات الأمتار في الفترات الدافئة الماضية، بما يكفي لغمر كافة المدن الساحلية الرئيسية حول العالم (شاهد الصندوق أسفل المقال الآتي).

المصدر:

David L Chandler, Climate myths: It’s been far warmer in the past, what’s the big deal?, New scientist, 16 May 2007