ما بين الهدوء الذي يعم شواطئها والأمواج العاتية التي تنشط بعرض المحيطات. تسافر الكتل المائية ببطئ نسبي طافية على سطوح المحيطات تارة، ومتسللة في أعماقها تارة أخرى. لتجري عملية خلط وتجديد مستمرة وهادئة تحافظ على توازن مناخ الأرض وتوفر عناصر الديمومة لنظامنا البيئي. فعلى سبيل المثال، تتحرك كتل المياه الدافئة من جنوب ووسط المحيط الأطلسي شمالاً نحو أيسلندا وغرينلاد، حاملة معها كميات كبيرة من الملوحة. لتمتزج هناك بمياه شمال المحيط الأطلسي شديدة البرودة ذات التركيز الملحي المنخفض، حيث يتسبب هذا بتثاقلها واتجاهها إلى قاع المحيط لتعود أدراجها جنوباً محملة ببرودة الشمال. تشبه هذه العملية إلى حدٍ ما جهاز الدوران في جسم الإنسان حيث ينقل الدم الأوكسجين والغذاء لأعضاء الجسم الأخرى ويعود إلى القلب محملاً بثنائي أوكسيد الكاربون. غير أن المضخة المسؤولة عن تحريك تيارات المياه الدافئة في المحيطات هي عمليات فيزيائية تخضع لمتغيرات المناخ.

إن عملية تدوير المياه في شمال المحيط الأطلسي جزء من عملية دوران كبيرة تشمل أغلب الكتلة المائية في المحيطات. ولكن تكمن أهمية حركة مياه شمال المحيط الأطلسي بكونها الجزء الوحيد من حركة مياه المحيط الذي ينقل الحرارة شمالاً مما يسبب انتعاش النظام البيئي هناك. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه العملية بطيئة جداً حيث أن كتل المياه التي تغوص إلى أعماق المحيط يلزمها مئات السنوات لتعود إلى السطح مرة أخرى.

الدوران الحراري في المحيطات

وتخبرنا البيانات المناخية المستخلصة من الطبقات الجليدية، والصخور والطبقات الرسوبية والشعب المرجانية بأن عملية التدوير هذه ليست ثابتة، حيث أنها سبق وتعرضت للتوقف في مراحل معينة من حياة كوكبنا وأنه لا ضمان مستقبلي لاستمرارها دون توقف. ولهوليوود طريقتها برسم سيناريو مستقبلي للعواقب التي ستصاحب توقف عملية تدوير المياه في المحيطات لاسيما في الفيلم الشهير (the day after tomorrow). حيث تتجمد شمال أمريكا وشمال أوربا بالكامل لدرجة لا يمكن معها العيش هناك.

في صيف العام 2017 وفي ورشة عمل مصغرة مختصة في مناخ الأرض القديم أقيمت في منتجع في دارتينتون، جنوب غرب إنكلترا حصلت على فرصة لمناقشة نمذجة هذه الظاهرة رياضياً مع ريتشرد وود. ويرئس ريتشارد، وهو الحاصل على دكتوراه في الرياضيات التطبيقية، مجموعة بحثية معنية بدراسة المشاكل المناخية والمحيطات في مكتب أرصاد المناخ البريطاني. في حديثي معه قدم لي نموذجاً رياضياً كان قد طوره حديثاً مع مجموعة من الباحثين. لم نستغرق طويلاً قبل أن نكتشف بأن نموذج ريتشرد وود يتشابه بالسلوك الرياضي مع المعادلات التي كنت عاكفاً على دراستها آنذاك مما دفعنا لعمل مشترك على تحليل النموذج مع مجموعة أخرى من الباحثين من جامعة إيكستر ومكتب أرصاد المناخ[1]، وقد قدمنا نتائج تحليلنا للنشر مؤخراً في دورية “وقائع الجمعية الملكية أ”. في هذا المقال أود أن اقدم فكرة مبسطة، لكن شاملة، للنتائج التي توصلنا إليها والأساليب الرياضية التي استخدمناها.

أنظمة حساسة وتغيرات حرجة، “مثل المي في الصينية”

في ورقةٍ بحثية نشرها مع باحثون أخرون في العام 2007 قدم تيموثي لينتون، وهو أستاذ المناخ في جامعة إيكستر في المملكة المتحدة، قدم مراجعة علمية لبعض الظواهر المناخية التي تُعتبر حساسة ومن الممكن أن تشهد “تغيرات حرجة” قد تقود لنتائج بيئية يصعب تجنب عواقبها. كانت هذه الدراسة، من بين دراسات رائدة أخرى، مُلهمةً لرياضيين وفيزيائيين وعلماء مناخ لتطوير أدوات رياضية لدراسة مثل هذه التغيرات الحرجة. غير أني تحتم عليّ أن انتظر ثمان سنوات أخرى قبل أن اتعرف على هذا الحقل المثير في الرياضيات، حيث انضممت لجامعة أيكستر بزمالة دراسية في العام 2015.

التغير المناخي

مخطط يبين العناصر التي يعتقد لينتون وزملائه في بحثهم المنشور في العام 2007 بأنها حساسة ومن الممكن أن تشهد تغيرات حرجة. يظهر في المخطط حركة المياه في المحيط الأطلسي كواحدة من هذه الظواهر.

 

يُطلق أسم “تغير حرج” أو “نقطة تحول” على تغيّر نوعي في سلوك نظام معين في نقطة معينة من الزمن بدون سابق انذار وعادة ما يظهر مثل هذا السلوك في أنظمة لها حالتي استقرار أو كثر يتواجدان بتزامن. لتقريب الفكرة أود الإشارة إلى تشبيه من الفلكلور الغنائي العراقي “مثل المي بالصينية” (مثل الماء في الصينية وهي وعاء التقديم). فالماء في اناء غير عميق بما يكفي هو نظام للتغيرات الخارجية له حالتي استقرار متزامنتين. الأولى تتمثل في استقرار الماء في الإناء أما الثانية فتنتج عن أي اضطراب في الإناء مما يؤدي لانسكاب الماء وبقاء الإناء خالياً. ونقول عن كلتا الحالتين أنهما مستقرتان لأنهما لا يمكن أن يتغيرا ما لم تؤثر في الإناء قوة خارجية.

وإن كنت ترى بأن مثال “المي بالصينية” مُبسط بصورة مُفرطة فإليك مثال آخر أكثر تعقيداً بقليل. لنأخذ مساحة من الأرض مغطاة بغطاء نباتي. هناك أقسام مختلفة بناءاً على كثافة الغطاء النباتي منها. غطاء من الأشجار الكثيفة مما يشكل بيئة شبيهة بالغابات، وسهول مغطاة بعشب كثيف، وعشب موزع على مناطق مختلفة، واخيراً هناك امكانية عدم وجود غطاء نباتي على الأطلاق أو ما يمثل صحراء قاحلة. هذه الاحتمالات الأربعة للغطاء النباتي، لندعوها حالات استقرار النظام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي حالة من هذه الحالات تُعتبر مستقرة إلى حدٍ ما، حيث أن التغييرات البيئية الطفيفة تعجز عن تغيير الصحراء إلى سهول أو غابات على المدى البعيد. بتعبير أخر، قد نشهد اخضرار بعض الصحاري في نهاية فصل الشتاء وهطول الأمطار لكن هذا لن يغير تصنيفها على المدى البعيد، فلايمكننا أن ندعوها سهولاً حيث أنها ستعود لطبيعتها عاجلاً أم اجلاً. الأمر ذاته من الممكن أن يحدث للغابات. فالحرائق على سبيل المثال لن تغير من طبيعة كونها غابات سيعاود غطائها النباتي للنمو عاجلاً أم اجلاً. لذا فأن مثل هذه التغييرات الوقتية غير مهمة، إلى حدٍ ما، في دراسة السلوك طويل الأمد في مساحة الأرض الافتراضية قيد الدراسة.

التغيرات الحرجة التي نهتم بدراستها هي تغييرات ذات تأثير طويل الأمد. على سبيل المثال تغيير جذري في المناخ يؤدي إلى تغير مستمر في كميات الأمطار الهاطلة مما يغير حالة الغطاء النباتي للتربة بشكل دائمي. إن أهمية مثل هذه التغييرات في الأنظمة البيئية تكمن في ارتباط الأنظمة البيئية ببعض. التغيير بطبيعة الغطاء النباتي لمساحة أرض ما، يجري بالضرورة تغييراً بعدد ونوعية وكمية النشاط الحيواني أو البشري في هذه المساحة من الأرض، الأمر الذي قد يعود بالتأثير على المناخ نفسه ويدخلنا ذلك في دوامة من التغذية الراجعة التي ستقودنا إلى حالة استقرار جديدة للنظام.

شهد جنوب العراق تغيير بيئي حاد من الممكن وصفه بتغيير حرج أو نقطة تحول عندما قررت الحكومة العراقية في تسعينيات القرن العشرين تجفيف أهوار الجنوب. الأمر الذي جر على المنطقة تبعات بيئية تمثلت بانقراض أو تناقص أعداد معينة من الأسماك والكائنات الحية وهجرة بشرية كبيرة.

رياضياً بالإمكان التعبير عن الأنظمة البيئية والمناخية وتغيراتها في الزمن بمعادلات تفاضلية مُعتمدة على الزمن. حيث تُمثل متغيرات النظام القابلة للقياس الكمي بدوال زمنية يعكس سلوكها التغيرات الحاصلة في المتغيرات. ويُعبر عن المؤثرات الخارجية (والتي يُفترض أنها قابلة للقياس الكمي ايضاً) بمعلمات تتغير مع الزمن بصورة مستقلة عن الدوال التي تمثل متغيرات النظام. ولدراسة التغير الديناميكي للمتغيرات تتم دراسة مُشتقات دوال المتغيرات بالنسبة للزمن مما ينتج نظاماً من المعادلات التفاضلية التي تعكس حلولها تقلبات النظام. تجدر الإشارة هنا إلى أن عملية نمذجة الظواهر ليست بهذه البساطة فكتابة المعادلات الخاصة تتطلب فهم كبير للأليات الفيزيائية الكامنة خلف العمليات الطبيعية والإحاطة بالمبادئ الأولية لهذه الأليات. وهذا الأمر بالتحديد ليس من السهولة بمكان، فارتباط أنظمة البيئة والمناخ وتعقيدها الكبير يجعلان من الصعوبة اختزال العمليات بمعادلات بسيطة. الصعوبة الأخرى تكمن في حل هذه المعادلات بعد التوصل لصياغتها. ومرة أخرى نتيجة للتعقيد الكبير في هذه الظواهر المناخية والبيئية، فإن المعادلات عادة ما تحتوي على حدود لاخطية يصعب حلها بورقة وقلم. مما يدفع المختصين لحساب حلولها بصورة عددية تحتوي على تقريبات لايمكن أن تخلو من الخطاً. لكن لحسن الحظ فأن التحليل العددي في الرياضيات يزودنا بآليات رياضية لتقدير هذه الأخطاء ومحاولة التقليل من تأثيرها على السلوك العام للحلول.

بضل التطور المتزايد في مجال تحليل البيانات الضخمة إضافة إلى تزايد الإمكانيات البشرية في بناء حواسيب عملاقة وتجميع بيانات عن طريق الأقمار الصناعية، ظهر ما يُدعى بالنماذج المناخية الشاملة أو ما يُصطلح عليها في بـ GCMs. يعود أول ظهور لهذه النماذج لخمسينات وستينات القرن العشرين لكن التطور التكنولوجي المتزايد ساهم بتطورها بشكل كبير في العقود الأخيرة. تعتمد هذه النماذج على المعرفة الرياضية والفيزيائية المتوفرة في فهم حركة الموائع وطريقة تفاعل عناصر المناخ من ضغط وحرارة ورطوبة وغيرها. إضافة إلى البيانات المناخية التي يوفرها رصد العوالق الجوية من قبل الأقمار الصناعية. كل هذه المعطيات يتم نمذجة معادلاتها وحلها بحواسيب عملاقة لتعطي صورة تقريبية لمناخنا، سواءً ما جرى في الماضي أو ما يُتوقع أن يجري في المستقبل بدقةٍ جيدة. لبناء نموذج مناخي شامل يتم تقسيم الأرض لمساحات مكعبة يختلف طول أضلاعها حسب القدرات الحاسوبية المتوفرة. ثم يتم بناء النموذج بحساب التغيرات في الخصائص المناخية القابلة للقياس كالحرارة والرطوبة وغيرها وتركيز العناصر الكيميائية وكثافة العوالق وغيرها من العوامل.

نموذج حاسوبي شامل للمناخ

مخطط لكيفية بناء نموذج شامل للمناخ. المصدر وكيبيديا.

غير أن التعقيد الكبير في هذه النماذج يجعل من الصعوبة بمكان إجراء بعض التحليلات الرياضية المتقدمة عليها مثل تحليل التشعب. لشرح ما أعنيه بتحليل التشعب أود العودة لمثال الغطاء النباتي السالف ذكره، ولنعامل كثافة الغطاء النباتي على أنها متغير زمني يتأثر بكمية الأمطار الهاطلة. الآن لنتأمل سيناريو تتحول فيه قطعة الأرض قيد الدراسة من سهول خضراء إلى صحراء قاحلة. فأن خلف هذا التغيير الدرامي في طبيعة الغطاء النباتي يجب أن يكون هناك تغيير موازي في كمية الأمطار الهاطلة. كما أن هذا التغيير هو تغيير مستمر متدرج لكن نتيجة لعمليات التغذية الراجعة فأن سرعة التغير ستكون غير ثابتة. ففي البداية سيكون التغيير طفيفاً لا يمكن ملاحظته إلى أن نصل لحالة حرجة يكون فيها التغيير مُتسارع نسبياً ثم بعد أن تتحول قطعة الأرض إلى صحراء تعود سرعة التغيير لتتباطئ. أن النقطة التي يبدء بها التغيير بالتسارع ونكون عندها متأكدين بأننا متجهين إلى حالة مختلفة تماماً عن ما كان عليه النظام في السابق تُدعى نقطة تشعب. وهي باختصار تغيير نوعي ودراماتيكي في سلوك نظام معين. لتحليل التشعب أهمية كبيرة في فهم السلوك النهائي للأنظمة الديناميكية. فهو يزودنا باستشراف مستقبلي عن سلوك متغيرات النظام (كطبيعة الغطاء النباتي) بالنسبة للتغيرات الخارجية التي تطال النظام (كمعدل تساقط الأمطار أو تغيير درجة الحرارة).  

للتوصل إلى تسوية في هذا الموضوع فأن الرياضيين يلجأون إلى ما يسمى بـ”تقليل رتبة النموذج (Model order reduction)”. وهذه عبارة عن عملية رياضية تنتج كتابة نظام بمتغيرات أقل وبمعدلات ومعلمات أقل لكن يبقى يحافظ على نفس خصائص سلوك النظام الأصلي. عادة ما ينتج عن هذه العملية نظام بسيط نسبياً يمكن التعامل معه رياضياً واجراء تحليلات متقدمة مثل تحليل التشعب. لكن لنتذكر أن النظام الجديد لايمثل الظاهرة قيد الدراسة بل هو أشبه بمحاكاة رياضية للنموذج الخاص بها. لذلك يجب التعامل مع أي نتائج يقترحها تحليل النظام المُبسط بنوع من التحفظ. ويجب مقارنتها بالنظام الأصلي قبل التصريح بواقعيتها. باختصار فإن عملية تقليل رتبة النظام وتحليله تعطي الباحثون صورة أولية عن النقاط المثيرة للاهتمام التي يجب دراستها في النموذج الأكثر تعقيداً وتوجه جهودهم بصورة أكثر انتاجية.

تقليل رتبة الأنظمة المعقدة

مخطط لعلمية تقليل رتبة النماذج المعقدة

عودة إلى حركة المياه في المحيط الأطلسي

كأي ظاهرة مناخية أخرى تُظهر لنا محاكاة نماذح المناخ العالمية حركة المياه الدافئة في المحيط الأطلسي. ليس هذا وحسب بل أن محاكاة لنماذج مختلفة تظهر أدلة قوية على أن حركة المياه هذه لها حالتي استقرار. الحالة الأولى تتمثل بدوران المياه من أسفل المحيط إلى شماله حيث تبرد وتقل ملوحتها فتهبط إلى قعر المحيط وتعود أدراجها إلى الجنوب وهذه الحالة تسمى بالحالة الفعالة. أما الحالة الثانية فتتمثل بتوقف تام لحركة المياه نتيجة التفاوت الكبير في ملوحة المياه شمال وجنوب المحيط. ليس نماذج المحاكاة وحسب بل أن البيانات المُستحصلة من دراسة مناخ الأرضي القديم تؤيد هذه الحقيقة كما أسلفنا.

منذ العام 1961 كانت هناك عدة محاولات لبناء نماذج مُبسطة لدوران المياه في المحيط الأطلسي أبرزها محاولة هنري ستوميل من جامعة هارفرد لبناء نموذج رياضي يعتمد على تقسيم المحيط إلى قسمين شمالي وجنوبي، ويدرس تغيير الملوحة والحرارة بين هذين القسمين. مرة أخرى يُظهر تحليل نموذج ستوميل أن النموذج له حالتي استقرار أحدهما حالة فعالة والأخرى هي حالة إيقاف تام. كما يُظهر النموذج بأن كمية المياه العذبة الناتجة عن ذوبان الجليد في شمال المحيط الأطلسي تلعب دوراً كبيراً في ترجيح لأي الحالتين ستكون الغلبة.

كما أسلفت الذكر فمؤخراً قام فريق من الباحثين ببناء نموذج “مُبسط” أخر لهذه الظاهرة وكانت لي الفرصة، بالمشاركة مع أخرين بتحليل هذا النموذج ومقارنة نتائجه مع بينات بعض النماذج الشاملة للمناخ. يعتمد نموذج ريتشرد وود وزملائه على تقسيم مياه المحيطات إلى خمسة أقسام يتم التعامل معها على أنها صناديق مغلقة ويتم قياس معدل الملوحة في مياه كل صندوق منها. هذه الصناديق المغلقة هي الجزء الشمالي من المحيط الأطلسي، و الجزء الاستوائي من المحيط الأطلسي، و المحيطين الهندي والهادئ، والمحيط الجنوبي، بالإضافة إلى مياه قعر المحيطات التي تختلف بخصائصها عن مياه السطح فقد فضلوا فصلها عن مياه السطح في نموذجهم. بالاعتماد على المبادئ الفيزيائية الأولية المعروفة والمتوفرة بديناميكا الموائع. توصل ريتشرد وود وفريقه إلى نموذج رياضي يصف تغير الملوحة بين هذه الصناديق المختلفة والذي يعني بالضرورة نموذج لحركة المياه بين المحيطات.

تُظهر تحليلاتنا بعض النتائج غير المشار لها في الأبحاث السابقة، أولاً يُظهر تحليلنا بأن هناك أسباب اخرى لحدوث نقاط تحول للنظام علاوة على التشعب المشار له بدراسة هنري ستوميل، على سبيل المثال. فان تزايد معدل المياه العذبة الداخلة لشمال المحيط الأطلسي يؤدي إلى تقليل استقرار الحالة الفعالة للنظام مما يدفع النظام للتحول إلى حالة التوقف حتى بدون الوصول إلى نقطة التشعب المشار من قبل الدراسات السابقة. فعندما تصل استقرارية الحالة الفعالة إلى مستوى حرج ويتزامن هذا مع تقلبات مناخية كافية أو تلوث طارئ في مياه المحيط فربما تؤدي مثل هذه الظروف إلى توقف دائم في حركة المياه وبالتالي تغييرات بيئية كبيرة في شمال أمريكا وأوربا. ليس هذا وحسب بل أن تحليلنا لاستقرارية كل من الحالة الفعالة وحالة التوقف تُظهر لنا بأن الزمن اللازم للتعافي من أي تشويش طارئ على النظام ، مهما كان ضعيفاً، هو زمن طويل نسبياً قد يصل لما يربو على ألفي عام في بعض الحالات. لذا فأن من غير المُسبتعد أن يكون المحيط في طور التعافي من تأثيرات مناخية طرأت عليه في أزمنة غابرة. علاوة على هاتين النقطتين فإن في حالة توقف حركة مياه المحيط وبفرض الاستجابة الآنية من المجتمع الدولي لهذه المشكلة، تبقى عملية تشغيل الية نظام، إن صح التعبير، عملية تأخذ وقتا طويلاً جداً قد يزيد على خمسة ألاف عام.

أود الإشارة هنا إلى أن هذه النتائج تم التوصل لها من خلال تحليل نموذج مُبسط عن المحيط، وعندما أقول مُبسط فأنا اقصد نموذجاً من خمس معادلات تفاضلية يحكم سلوكها أكثر من عشرين معلمة من الممكن أن تتغير قيمها. بعض هذه النتائج تتفق مع محاكاة نماذج المناخ الشاملة المتوفرة لدينا والبعض الأخر تتطلب محاكاة مستقبلية لتأكد من مدى واقعيتها. ليس هذا فحسب، يبقى المعروف من سلوك هذا النموذج محدوداً جداً إذ وكما أسلفت فإن فضاء المعلمات لنموذج ريتشرد وود المبسط يتكون من أكثر من عشرين معلمة من الممكن أن يقدم تغيير قسم منها سيناريوهات تختلف جذرياً عما نعرفه. فعلى سبيل المثال، لدينا أسباب رياضية تجعلنا نعتقد بأن تحت ظروف مناخية مؤاتية فإن تقليل كمية المياه العذبة الداخلة للمحيط الأطلسي قد يُسبب توقف حركة مياه المحيط، لكن هذه الإمكانية الرياضية قد لا تكون ممكنة واقعياً وللبحوث المستقبلية كلمة الفصل في هذا.

تجدر الإشارة إلى أن الورقة البحثية تم تقديمها للنشر في نشرية “وقائع الجمعية الملكية أ”. وبالإمكان تحميل مسودة الورقة من الرابط أو من عنوان الورقة أدناه

الورقة البحثية:

Alkhayuon, Hassan, et al. “Basin bifurcations, oscillatory instability and rate-induced thresholds for AMOC in a global oceanic box model.arXiv preprint arXiv:1901.10111 (2019).

_____________________________________

1- إضافة: لي وريتشرد وود، اشترك في كتابة مسودة البحث كل من بيتر أشوين، أستاذ الرياضيات التطبيقية في جامعة إيكستر؛ ولورا جاكسون، الباحثة في مركز أرصاد المناخ البريطاني؛ وكورتني كونّ طالبة الدكتوراه في جامعة إيكسيتر في حينها وزميلة ما بعد الدكتوراه الحالية في مؤسسة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية، في أستراليا.