بقلم: جورج دفورسكي
ترجمة: حسنين عبد الأمير

____________
إن الدماغ البشري قادر على تنفيذ حوالي 10^16 عملية في الثانية الواحدة، و الذي يجعله أقوى بكثير من أي حاسوب موجود حالياً. لكن هذا لا يعني أن أدمغتنا لا تحتوي حدود رئيسية. فالآلة الحاسبة المتواضعة يمكنها القيام بالعمليات الحسابية الرياضية أفضل بآلاف المرّات مما يمكن لعقلنا فعله، و ذاكرتنا غالبا ما تكون أقل من مستوى عدم الفائدة- إضافة إلى ذلك, فإننا رهن التحيّزات المعرفية, هذه الثغرات المزعجة في تفكيرنا التي تجعلنا نتخذ قرارات مشكوك فيها و نتحصّل على استنتاجات خاطئة. هنا في هذه المقالة سوف نعرض 12 من أكثر التحيزات المعرفية شيوعاً و ضرراً و التي تحتاجُ لمعرفتها بالطبع.
قبل أن نبدأ, فمن المهم علينا أن نميز بين التحيّزات المعرفية و المغالطات المنطقية. فالمغالطة المنطقية هي خطأ في الحجّة –المرافعة- المنطقية( على سبيل المثال, مغالطة الاحتجاج بالشخص, مغالطة المنحدر الزلق, مغالطة الجدال الدائري, مغالطة التماس القوة و غيرها). من الجانب الآخر, فالتحيز المعرفي هو نقص حقيقي أو مجموعة قيود في تفكيرنا- خلل في الحكم الذي ينشأ من أخطاء الذاكرة, المنسوبية الاجتماعية, و الحسابات الخاطئة ( مثل الأخطاء الإحصائية أو الإحساس الزائف لبعض الاحتمالات).
يعتقد بعض علماء النفس أن تحيزاتنا المعرفية تساعدنا في معالجة المعلومات القادمة إلينا بكفاءة أعلى, و خاصة في الحالات الخطيرة. لكنها لا تزال تقودنا إلى ارتكاب أخطاء جسيمة. يمكن أن نكون عرضة لمثل هذه الأخطاء في إصدار الأحكام, لكننا على الأقل نستطيع أن نبقى مدركين لهذه الأخطاء. هنا سنستعرض بعضاً من أهمها لنأخذها بعين الاعتبار:
التحيز التأكيدي:
إننا نحب أن نوافق الأشخاص الذين يوافقوننا الرأي. هذا هو سبب زيارتنا للمواقع الألكترونية التي تعبّر عن آراءنا السياسية, و هذا هو سبب خروجنا عادة مع من يحملون نفس رؤانا و آراءنا. نحن نميل إلى اجتناب الأفراد, الجماعات, و مصادر الأخبار التي تجعلنا نشعر بانعدام الارتياح و الأمان حول آرائنا- هذا ما يسميه عالم النفس السلوكي ب.ف. سكينز بالتنافر المعرفي. إنه الوضع التفضيلي من السلوك الذي يؤدي إلى التحيز التأكيدي- العمل اللاواعي عادة في الرجوع الى المنظورات التي تدعم وجهات نظرنا الموجودة من قبل حصراً, و في نفس الوقت تجاهل أو رفض الآراء – مهما كانت صحتها- التي تهدّد نظرتنا إلى العالم. و بشكل متناقض, فقد جعل الإنترنت هذا الميل أكثر سوءا من ذي قبل.
التحيز للمجموعة
التحيز الشبيه إلى حد ما بالتحيز التأكيدي هو التحيز للمجموعة, مظهر من مظاهر الميول القبلية الفطرية لدينا. و الغريب في الأمر أن الكثير من هذا التأثيرات قد تكون لها علاقة بهرمون الأوكسيتوسين- ما يسمى ب،”جزيء الحب.” هذا الناقل العصبي, في حين أنه يساعدنا على إقامة روابط أكثر متانة مع الناس في داخل مجموعتنا, فإنه يؤدي الوضيفة المعاكسة مع من هم خارج هذه المجموعة- إنه يجعلنا نشتبه, نتخوف, و حتى نزدري الآخرين. في نهاية المطاف, فإن التحيز للمجموعة يجعلنا نبالغ في تقدير قدرات و قيمة مجموعتنا الحالية على حساب أناس لا نعرفهم.
مغالطة المقامر
إنها تدعى “مغالطة”, لكنها أكثر من كونها خلل في تفكيرنا. نحن نميل إلى وضع كمية هائلة من التركيز على الأحداث السابقة, معتقدين بأنها سوف تؤثّر بطريقة أو بأخرى على النتائج المستقبلية. و المثال الكلاسيكي هو عملية رمي العملة. فبعد كون العملة على وجه “الرأس” لخمس مرات متتالية من الرمي, فإن ميلنا سيكون في التنبّؤ بأن الرمية المقبلة ستكون على وجه “الذيل” – هذا لأن احتمالات يجب أن تكون بالتأكيد في صالح وجه “الرأس”. و لكن في الواقع, فأن الاحتمالات لا تزال 50/50. فكما يقول علم الإحصاء, إن النتائج في الرميات المختلفة مستقلّة إحصائياً و احتمال أي من النتيجتين لا يزال 50%.
ترشيد ما بعد الشراء
تذكّر تلك المرة التي اشتريت فيها شيئاً غير ضرورياً, أو بالخطأ, أو كنفقة أكثر من اللازم, و من ثم قرّرت أن ترشد من الشراء إلى حد أنك أقنعت نفسك بأنها فكرة عظيمة أن ترشّد على الدوام؟ أجل, هذا هو ترشيد ما بعد الشراء – هو نوع من الآلية المدمجة التي تجعلنا نشعر بتحسن بعد اتخاذ قرارات غير مسؤولة, و خاصة في العمليات النقدية. المعروف أيضاً باسم متلازمة مشتري ستوكهولم. إنها وسيلة لتبرير مشترياتنا شعورياً- وخاصة تلك المكلفة منها. يقول علماء النفس الاجتماعي أنها تنطلق من مبدأ الالتزام, و الرغبة النفسية لدينا لنبقى ثابتين و بعيدين عن التنافر المعرفي.
أحتمال الاستخفاف
عدد قليل جداً منا لديه مشكلة في صعود سيارة و الذهاب للقيادة, لكن الكثير منّا لديهم تلك الرهبة الكبيرة في صعود طائرة و التحليق على ارتفاع 35,000م. بكل وضوح, فإن الطيران نشاط غير طبيعي كليّاً و يبدو نشاطاً خطيراً جداً. يعرِف كل منا إلى الآن و يعترف بحقيقة أن احتمال الوفاة في حادث سيارة هو أكبر بكثير من احتمال تعرضنا للموت في حادث تحطّم طائرة – لكن أدمغتنا سوف لن تحررنا من هذا المنطق الواضح وضوح الشمس (إحصائياً, فلدينا احتمالية 1 من 84 من الموت في حادث مركبات, مقارنة مع 1 من 5,000 احتمالية من الموت في حادث تحطّم طائرة [مصادر أخرى تشير إلى احتمالات تصل إلى 1 من 20,000]). إنها الظاهرة نفسها التي تجعلنا نتخوف من تعرضنا للقتل جرّاء عمل إرهابي في مقابل شيء أكثر احتمالاً, مثل السقوط من أعلى سلم أو التسمّم العرضي.
هذا ما يسمّية عالم النفس الاجتماعي كاس سونشتن بـ(إحتمال الاستخفاف) –عدم قدرتنا على الفهم الصحيح لمعنى الخطر و المخاطرة- و الذي يقودنا عادة إلى المبالغة في تقدير مخاطر نشاطات غير مؤذية نسبياً, في حين يجبرنا على الاستخفاف بأمور أكثر منها خطورة.
تحيز الإنتقاء الرصدي أو الشهودي
إن هذا التحيز هو ذلك التأثير الذي يلاحظ فجأة أشياءاً لم نلاحظها من قبل – و لكننا نفترض –بالخطأ- بأن وتيرة ذلك الشيء قد ازدادت. هناك مثال ممتاز حول هذا التحيز و هو ما يحصل بعد شراءنا لسيارة جديدة لنرى بعد ذلك –و لسبب غير مفهوم- نفس نوع سيارتنا في كل مكان. تأثير مشابه لهذا هو ما يحدث للمرأة الحامل التي تلاحظ بشكل مفاجئ أن هناك الكثير من الحوامل حولها. أو قد يكون الأمر نفسه بالنسبة لرقم فريد أو أغنية ما. إن الأمر ليس أن هذه الأشياء تظهر معاً بشكل أكثر تواتراً, لكن لأن أدمغتنا – ولأي سبب كان- قامت بتحديد العنصر المحدّد في أذهاننا, و بالتالي, فإنها تلاحظها في كثير من الأحيان. المشكلة في أن, معظم الناس لا يعترفون بأن هذا تحيّز اختياري, و يصدقّون بالفعل بأن هذه العناصر أو الأحداث قد تزاديت تواترياً- الشيء الذي يكوّن شعور مقلقاً جداً. إنه أيضاً تحيّز معرفي يساهم بالإحساس بأن ظهور أشياء أو أحداث محدّدة ليس صدفة (على الرغم من أنه صدفة).
تحيز الوضع الراهن
نحن البشر نميل الى التخوف من التغيير, وهذا ما يقودنا إلى اتخاذ قرارات تضمن أن الأمور ستبقى نفسها, أو أن نغير على قدر صغير من المستطاع. غني عن القول, بأن لهذا التحيز تشعبات في كل شي من السياسة الى الاقتصاد. إننا نود الالتزام بروتيننا, أحزابنا السياسية, و الوجبات المفضلة لدينا في المطاعم. إن جزء من مضار هذا التحيز هو الافتراض الغير مبرر بأن الاختيار الآخر سيكون أقل شأناً أو أنه سيجعل الأمور أكثر سوءاً. يمكن تلخيص تحيز الوضع الراهن بالقول, “إذا لم تكن مكسورة, فلا تصلحها” – القول المأثور الذي يغذي الميول المحافِظة لدينا. و في واقع الأمر, يقول بعض المحلّلين بان هذا هو السبب وراء أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على سَنّ قانون الرعاية الصحيّة الشاملة, على الرغم من حقيقة أن معظم الأفراد يدعمون فكرة الإصلاح.
التحيز السلبي
يميل الناس الى إيلاء المزيد من الاهتمام الى الأخبار السيئة-و هذا ليس لسبب أننا نعاني من الهوس فقط. ينظّر علماء الاجتماع بأن ذلك التحيز موجود على اعتبار من اهتمامنا الإنتقائي و أننا نتجّه إلى الأخبار السلبية لكونها أكثر أهمية أو عمقاً. إننا نميل أيضاً إلى أعطاء مصداقية أكبر للأخبار السيئة, ربما لأننا نكون على ارتياب (أو ملل)من التصريحات العكسية. و بطريقة أكثر تطورية, فإن الإصغاء الى الأخبار السيئة قد يكون أكثر تكيفاً من تجاهل الأخبار الجيّدة (على سبيل المثال “أسنان النمور حادّة” مقابل “هذا التوت طعمه جيّد”). اليوم, نحن نخاطر في الخوض في السلبيات على حساب الأخبار السارّة بشكل فعلي. يقول ستيفن بنكر في كتابه “ملائكة أفضل لطبيعتنا: لماذا توقّف العنف” إن الجريمة, العنف, الحرب, و المظالم الأخرى آخذة في الإنخفاض بشكل جيّد, حتى الآن فإن معظم الناس يقولون أن الأمور تزداد سوءاً- و الذي هو خير مثال عملي على التحيز السلبي.
تأثير عربة الموسيقى BandWagon
على الرغم من أننا لسنا واعين حول ذلك, لكنّنا نفضّل الذهاب مع سيل الحشود. فعندما تبدأ الجماهير بأختيار فائز ما أو شيء مفضّل, فإن ذلك الوقت هو وقت أيقاف العقول الفردية و الدخول في نوع من “التفكير الجماعي” أو الخلية العقلية. لكنه ليس من الضروري أن يكون ذلك الحشد كبيراً أو يكون أمّة كاملة, بل يمكن أن يشمل مجموعات صغيرة جداً, مثل الأسرة أو حتى مجموعة أصغر من زملاء مكتب العمل. إن تأثير عربة الموسيقى هو ما يجعل عادة السلوكيات, المعايير الاجتماعية, و الميمات تتكاثر فيما بين مجاميع الافراد-بغض النظر عن الأدلة و الدوافع في الدعم. هذا هو سبب كون استطلاعات الرأي معابَة عادة, لأنها لا يمكن ان تقدم وجهات نظر الأفراد وفقاً لذلك. الكثير من هذا التحيّز له علاقة بالرغبة المدمجة في التناسب و الاتفاق, و كما هو موضّح في تجارب التوافق “آش”.
تحيز الإسقاط
كافراد فقد بقي 24/7 داخل عقولنا, إنه من الصعب بالنسبة لنا أن نتخطّى حدود وعينا و تفضيلاتنا. هذا النقص المعرفي عادة ما يقودنا إلى تأثير ذو صلة يعرف باسم تحيّز الإجماع الخاطئ حيث إننا نميل إلى الإعتقاد بأن الناس لا يفكّرون مثلنا فقط, لكنهم يوافقوننا أيضاً. إنه ذلك التحيز الذي نبالغ فيه في تقدير كم إننا نموذجيون وطبيعيون, و نفترض أن هناك توافق في الآراء بشأن المسائل في حين أنه قد لا يكون هناك أي توافق. علاوة على ذلك, فإنه يمكنه أيضاً خلق تأثير حيث يفترض فيه الأعضاء من جماعة راديكالية أو متطرفة أن الناس في الخارج يتّفقون معهم بشكل كبير. أو الثقة المبالغ بها التي يتحصل عليها الشخص الفائز في انتخابات أو مباراة رياضية.
تحيز اللحظة الحالية
نحن البشر نمتلك وقتاً عصيباً حقّاً في تخيّل أنفسنا في المستقبل و تغيير سلوكياتنا وفقاً لتوقعاتنا. بدلاً من ذلك, فيودّ معظمنا تجربة المتعة في اللحظة الراهنة, في حين يترك الألم للوقت اللاحق. هذا هو التحيز الذي يشكل مصدر قلق الاقتصاديين (أي عدم استعدادنا لعدم الإسراف في النفقات و توفير المال) و الخبراء الصحيين. في الواقع, فإن دراسة اجريت في العام 1998 أظهرت بأنه عند القيام باختيارات الطعام لكل الإسبوع القادم, فإن 74% من المشاركين قد اختاروا الفواكة. لكن عند القيام باختيار الطعام لليوم الحالي فقط, فقد اختار 70% من المشاركين الشوكولا.
تأثير الارتكاز
و يعرف أيضاً بفخ النسبية, هذا الميل لدينا لمقارنة و مقابلة مجموعة محدودة من العناصر فقط. يسمّى بـتأثير الارتكاز لأننا نميل إلى الإرتكاز على قيمة أو رقم يقارَن بدوره بشيء آخر. المثال الكلاسيكي لهذا التحيز هو العنصر المعروض للبيع, إننا نميل إلى رؤية (وتقييم) فرق السعر, وليس السعر الإجمالي ذاته. إن هذا هو السبب في أن بعض قوائم المطاعم تتميز بمقبّلات مكلفة للغاية, في حين إنها تحتوي (على ما يبدو) على أخريات بأسعار معقولة. و هذا هو السبب وراء اختيارنا – اذا أعطينا فرصة الاختيار- الخيار الأوسط, ليس الغالي جداً, ولا الرخيص جداً.

المصدر:: http://io9.com/5974468/the-most-common-cognitive-biases-that-prevent-you-from-being-rational?utm_source=buffer&utm_campaign=Buffer&utm_content=buffer5832c&utm_medium=twitter