التنجيم والابراج خرافة قديمة ما زالت تصمد اليوم وتحاول البقاء بتقمص بعض المصطلحات والادوار العلمية دون فائدة، لكن رغم حصارها من قبل مئات التجارب التي فندتها وسحقتها ما زال هناك ما يدعو للتحقق من عوامل البقاء وعن ما تثيره من مشاعر وما يبعث الناس على الايمان بها بالاضافة الى بحث الجانب المظلم للتنجيم.

الحقائق و المشاعر

في البداية، كل شيء يتوقف على ما هو المقصود بالتنجيم. ومثل معظم المعتقدات الاجتماعية، يشمل التنجيم المناطق التي تهتم بالمشاعر ولكن ليس الحقائق، كما هو الحال في الدين. اما غيرها من المناطق حيث ما يكون مهماً فيها الحقائق ولكن ليس المشاعر، كالعلم. حتى أن التنجيم يمكن أن يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. المؤمنون بالتنجيم يميلون إلى التركيز على المشاعر: يبحثون على البصيرة الروحية والعاطفية و الدعم والتوجيه في الحياة، لذلك عندما يزعمون أن التنجيم حقيقي ويعمل، فإنهم يميلون إلى أنه يعني “يعطي شعوراً بالارتياح” أو “يحمل معنى” ولكن هنالك  العديد من الأمور ذات المغزى دون أن تكون صحيحة (بابا نؤيل، سوبرمان…الخ). لذلك فإن التنجيم لا يحتاج إلى أن يكون صحيحاً، ومهاجمته هي على قدم المساواة مع الهجوم على بابا نؤيل. بالمقابل، يميل النقاد إلى التركيز على الحقائق. ويسعون الى المطالبة بدليل على مزاعم أن التنجيم الذي يريد أن يعرف إذا كان مولود برج الأسد هو في الواقع أكثر سخاء من غير مواليد برج الأسد. يريدون لهذا النوع من التنجيم ان يكون صحيحاً، لكن الأبحاث اثبتت الفشل المستمر في تحقيق ذلك. وعندما يقول النقاد أن “التنجيم لا يعمل”، فإن ذلك  يعني “أنه غير صحيح” أو “أي نجاح له يعود سببه الى عوامل لا علاقة لها بالتنجيم”. هذا الاختلاف في وجهات النظر يفسر لماذا متبعي التنجيم والنقاد يمكن أن يختلفوا  تمامًا حتى على التنجيم وفي كثير من الأحيان هم لا يتحدثون عن الشيء نفسه [فالمؤمن بالتنجيم يتكلم عن امر يمنحه شعور معين بغض النظر عن كونه صحيحاً ام لا بينما الناقد العلمي يتكلم عن ما هو حقيقي وله نتائج].

نتائج البحث

قبل عام 1950، لم تكن الدراسات التجريبية عن التنجيم موجودة. ولكن بحلول عام 1975، أكثر من 100 بحثاً حول التنجيم والابراج كانت موجودة في مجلات للتنجيم او مجلات لعلم النفس. وشهد العام نفسه اول برنامج حاسوبي للتنجيم لأجهزة الكمبيوتر المنزلية، والتي لم تكن تحتاج الا ثانية لحساب ولادة الرسم البياني والتي كانت تأخذ سابقًا ساعات أو أيام لاتمامها . التنجيم قريبًا سيفقد غموضه، اليوم تجاوز عدد من الدراسات التجريبية 500، وأظهروا أنه لا معنى لطرح الأسئلة مثل “هل التنجيم صحيح؟” (الجواب يمكن أن يكون نعم او لا اعتمادًا على ما هو المقصود ب “التنجيم”). بدلًا من ذلك، يجب أن تكون الأسئلة أكثر تحديدًا، مثل “هل يقدم التنجيم أي شيء لا يفسر بالعوامل غير ذات الصلة بالتنجيم؟ ” (الجواب لا). وبطبيعة الحال، اختبار التنجيم ليس سهلاً. فهو يتطلب خبرة في المجالات ذات الصلة مثل علم النفس والإحصاء والخبرة في تجنب المزالق في الطرح. على سبيل المثال، يقولون أن التنجيم ينشأ من لا شيء نعرفه، لذلك من السهل إساءة تفسير المخالفات الطبيعية في البيانات أنه نتيجة للتنجيم. ولكن الصورة الخارجة مئات الدراسات حول الموضوع واضحة وثابتة: التنجيم لا يعطي حقيقة واقعية، على الأقل ليس الحقيقة بما يتناسب مع ما يدعيه التنجيم نفسه. التنجيم لا يساهم في معرفتنا للعالم. المناهج التقليدية هي إلى حد كبير أفضل، وهذا هو السبب لماذا يرى العلماء والفلاسفة التنجيم امراً لا يستحق دراسة جادة (باستثناء تبعاته الاجتماعية والتاريخية كأمر واقع كان يؤمن الناس به وله تبعات تستحق النظر كنوع من التاريخ).

اسباب خفية للاقناع

المنجمون يتجاهلون عمومًا نتائج البحوث ويرى البعض أن التنجيم هو أمر رمزي أو أشياء روحية أو مجرد لغة، لذلك لا يمكن اختبارها. ويبقى اخرون يناقشون بأن حقيقة التنجيم تتجلى كل يوم، لذ فإن الاختبارات هي عمل زائد. لكن التنجيم لابد ان يكون قابلاً للاختبار؛ بخلاف ذلك فجميع هؤلاء المنجمون لا يمكن ان يعرفوا شيئاً عن التنجيم. هناك تفسير علمي للتنجيم – انها اخطاء الحكم للبشر. هذه الاخطاء التي عادة ما تكون خفية تقنع المؤمنين بالتنجيم ان التنجيم يعمل وانه حقيقي رغم عدم صحة ذلك. انها اسباب الاقناع الخفية التي تدعم ايمان الملايين بالعلوم الزائفة مثل الفراسة او الايقاع الحيوي، والتي نعلم انها غير صحيحة كلياً. اسباب الاقناع الخفية هي موضوع لالاف الدراسات والكتب العلمية لكنها غير موجودة في كتب التنجيم والابراج. عندما تمنع هذه الاخطاء فإن التنجيم والفراسة والايقاع الحيوي سيسقطون وسيفشلون تلقائيا. وتلك الصحة المزعومة ستظهر بأنها وهم.

تأثير المريخ

خلال أربعين عامًا من العمل الهائل، الأكثر شهرة في التنجيم الحديث، ميشال كوكلين (Ganquelin ) (1926-1991) وزوجته، فرانسواز، قاما باختبار العديد من المزاعم الفلكية. وكانت نتائجهم سلبية تمامًا تقريبًا.  و أختتم غاوكيلين (1991، 60) القول في نهاية حياته: “بعد جمع نصف مليون من تواريخ الميلاد لأكثر الناس تنوعًا، لقد كنت قادراً على مراقبة أن غالبية العناصر في الابراج لم تمتلك أي من التأثيرات التي نسبت إليهم”. ولكن نتيجة واحدة كانت تبدو إيجابية. الناس المهنيين يميلون للولادة مع وجود فائض أو عجز في بعض الكواكب، ولكن فقط إذا كانوا بارزين وكانوا قد ولدوا بشكل طبيعي. هذا الميل سمي فيما بعد باثر المريخ، ولكن اعتمادا على الاحتلال الذي يمكن أن يكون جيد على قدم المساواة تم استدعاء القمر والزهرة والمشتري وزحل. وزعم المنجمون أن هذه التأثيرات تدعم التنجيم، ولكنه كان ضعيفًا للغاية ولا يمكن اكتشافه إلا في عينات من ألف أو أكثر. وعلاوة على ذلك، خلافًا ل المزاعم  الفلكية، لم يكن هناك أي تأثير لنصف الكواكب، بحثًا عن علامات أو ارقام (من ارقام غاوكيلين) ل99.994 في المئة من السكان لم تكن بارزة. و وقد وجد مؤخًرا أن بعض الآباء والأمهات قاموا بتغيير بيانات الولادة قبل الإبلاغ عنها إلى مكتب التسجيل، مما يجعلها تناسب التنجيم. وبالتالي يختفي أي دعم للتنجيم.

هل التنجيم مفيد؟

المنجمين بصورة عامة اشخاص لطيفين  يرغبون في مساعدة الاخرين. لهم ، والسؤال لا يجب أن يكون ” هل يعمل التنجيم ؟ ” ولكن ” هل التنجيم مفيد؟ ” أو ” هل التنجيم ينتج عنه تغيير؟ “. المنجمين يميلون إلى استبعاد المشاكل مثل كيف يمكن أن يعمل التنجيم، قائلين أنهم أمر يخص زبونهم وليس للوسائل التي يستخدمونها. ولكن لنلاحظ المعضلة هنا، لتلقي العلاج عن طريق الحوار أو لإحداث تغيير، فعلى العميل أن يؤمن بشيء غير صحيح. وإلا ، لماذا سيكون مهتماً بالرسوم البيانية للولادة (التي يقوم بها المنجمون)؟ يعني سيحيلونك الى من يؤمن بهم أصلاً ليقيم هل التنجيم مفيد أم لا. بالطبع سيكون زبون المنجمين مؤمناً بهم ليأتي اليهم من البداية. يمكن تطبيق نفس المعضلة في أماكن أخرى، كما هو الحال في قراءة الكف ، والعلاج النفسي ، و حتى الدين، لذلك فالأمر لا يقتصر على التنجيم. ومع ذلك، فإنه يعرض مشكلة أخلاقية أن المنجمين قد فشلوا بشكل عام بالحصول على اعتراف، ناهيك عن ايجاد حل.

التنجيم والابراج الجانب المظلم

أي شيء قد ينطلي على الناس قد يكون خطيراً . في عام 1995، اقيم استبيان لـ 509 لتلاميذ المدارس البريطانية الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة و الخامسة عشرة وجد في الاستبيان أن رأي الأكثرية كان أن التنجيم والابراج متعة غير مؤذية لكن اكثر من الثلث كانوا يؤمنون فعلًا بأن ابراجهم قد أدت إلى ممارسات غامضة أخرى انتهت الى الصدمة ، لذلك بالنسبة لهم ، التنجيم لم يكن متعة غير مؤذية ولا هو متعة غير مؤذية في اليابان و وفقًا للتنجيم الياباني ، النساء المولودات في السنة المعروفة بحصان_النار سوف تكون زيجاتهم غير سعيدة و فاشلة . سنة 1966 كان عام حصان_النار في اليابان، المجموع السنوي للولادات هو 2 مليون ولادة انخفض بنسبة 25 في المئة بسبب نصف مليون حالة إجهاض ، والتي هي في اليابان الوسيلة الرئيسية لتحديد النسل. لم يكن الناس يريدون المخاطرة بولادة  الفتيات اللواتي سيكون من الصعب تزويجهم ,وهكذا ، في نصف مليون من الحالات، لم يكن التنجيم هذا متعة غير مؤذية.

مع وضد

القضية ضد التنجيم هو أنه غير صحيح ووصف بشكل خاطئ. كما أنه لا يحقق فوائد ما وراء تلك التي تنتجها العوامل غير ذات الصلة بالتنجيم، والمنجمين يتجاهلون الأدلة غير المرحب بها و العيوب التي لا يتم الكشف عنها أبدا . وبالتالي يجري تضليل الناس . قضية التنجيم هي ان المنجمين يوفر علاج دافئ ولا يهدد الحياة و منخفض التكلفة ، والتي من الصعب الحصول عليها في الواقع، خاصة أن التنجيم لا يعني ان الشخص مصاب ذهنياً او بدنياً، كما قد يحدث عند زيارة الطبيب ، الطبيب النفسي ، أو الكاهن. ولكن أيا كان لدينا الحكم لصالح أو ضد التنجيم، فإنه اذا كان التنجيم يشجع الناس لاستكشاف مشاكل البشرية، الوجود، و التعبير عن القيم و إذا كان يوفر جسرًا بين شخص يمتلك بعض الحكمة وشخص في حاجة، فإن التنجيم والابراج في هذه الحالة قد يستحق الدراسة اكثر مما تستحق باقي الادعاءات. هناك ما هو أكثر للتنجيم من أن كونه صحيحاً أو خاطئاً.

ماذا عن المستقبل ؟

معتقدات الحياة تخدم بشكل افضل عندما تكون كالتنجيم، المؤمنين ينشؤون مجموعة متماسكة فيها الشعور بالانتماء يجعل معتقداتهم منيعة للانتقاد. لا أحد من الذين يستمدون الفائدة من التنجيم قد يذهب إلى الاعتقاد بدليل على بطلانها. لذلك حتى االاعتقادات ألاكثر جدوى تأتي جنبًا إلى جنب، والتنجيم من غير المرجح أن يختفي. ومع ذلك ، فإنه يواجه نفس المعارضة العلمية ونفس العيوب التي ساعدت في سقوط الفراسة. ويواجه أيضًا منافسة قوية من علماء نفس  التنمية الذاتية  وفلسفات العصر الجديد. وتشير البيانات حول نمو تجارة كتب التنجيم والابراج البريطانية أن النهاية قد تكون  عام 2100، ولكن إذا كان هذا هو نهاية حقيقية  أو مجرد نتيجة من الكتب وحلول شبكة الإنترنت محلها فذلك امر صعب تحديده. الزمن وحده كفيل بإثبات إذا التنجيم يمكنه البقاء .

المرجع : The Skeptic Encyclopedia of PseudoscienceMichael Shermer
=============================
ترجمة :Farah Kafka

تدقيق : Emad.B

الباحثون الجزائريون على الفيسبوك : facebook.com/DzResearchers