حكمت فرج نعوم

حكمت فرج نعوم

جلطة بالدماغ، جلطة في القدم اليسرى، السكري بنوعيه، تليف بالرئة، الضغط وآلام المفاصل، التأتأة، التصلب المتعدد وغيرها من الأمراض التي يزعم حكمت فرج نعوم  في بغداد أنه قادر على معالجتها بواسطة جهاز التيار الكهربائي المستمر الذي حصل به على براءة اختراع من العراق ويجد نفسه بموجب براءة الاختراع تلك مؤهلاً أن يمارس دور الطبيب، فما الذي يقوم به؟ وهل ممارسته صحيحة؟ 

حائطه مليء بالشهادات التقديرية “الدولية” التي يرى أنها تزيد من شرعيته وشرعية ممارسته لمهنة الطب. وهو يصور فيديوهات يعطي فيها للناس إيحاءاً بأنه يقوم بما يشبه التجربة العلمية. يناديه الناس بالدكتور ويستبشر كثيرون بقصص “النجاح” التي تُنقل عنه. في هذا المقال سنناقش اجراءاته عن تجربة قمنا بها معه قبل ما يقارب الـ 20 سنة، ومع سؤال بعض مرضاه أيضاً.

تجارب فارغة

معظم ما يتبعه حكمت نعوم يقوم على أخطاء عديدة أبرزها:

–          متغير واحد: وهو الحالة التي يتم معالجتها دون الأخذ بنظر الاعتبار فيما إذا كان المريض يأخذ علاجه الرسمي أم لا؟ يتبع النصائح الصحيحة الخاص بمرضه أم لا؟

–          عينة التحكم مفقودة تماماً فهو لا يجري تجربة علمية، بل يقوم بملاحظة حالة واحدة بالمقارنة مع لا شيء.  

–          فترة قصيرة جداً لإثبات نجاح علاجه تتراوح بين ساعتين إلى بضعة ساعات.

–          ملاحظات صحيحة: يعتم حكمت على الملاحظات الأخرى التي يقدمها للمرضى، مثلاً كثير من مرضى السكري يعانون من مشكلة أساسية في إدارة المرض وهنا هو يقدم لهم بعض الملاحظات الأساسية فيتبعونها بالتزام، لاسيما مع مع أجواء العلاج التي يقدمها ووعود الشفاء وحال التزامهم بها سيشهدون تحسناً، لكن ماذا لو اكتشفوا بعد سنتين أن خلايا بيتا (الخلايا التي تنتج الانسولين في البنكرياس) لن تعود للحياة مع هذه الكهرباء؟ كيف ستكون ردة الفعل؟  

–          إهمال العامل النفسي، يهمل حكمت العامل النفسي المصاحب للعلاج الوهمي (البلاسيبو) لجميع مرضاه.

–          أشعر بالتحسن: يستشهد حكمت ببعض الحالات بناءًا على ما يقوله المرضى وليس بناءاً على آلية قياس. هذا رغم استعانته بالفحوصات في الحالات التي يُمكن قياسها أحياناً. أحد الرجال يقول له أنا أشعر بتحسن، ثم ماذا؟ مرتادي الدجالين الآخرين أيضاً يقولون إنهم يشعرون بتحسن، هل هذا كافٍ؟

–          تجارب ناجحة كلياً ولجميع الأمراض، يوحي لنا حكمت أنه يقوم بنوع من التجارب حيث يسجل التسجيلات ويصف الحالة ويذكر وضع المريض فيها، لكنه ودون أن يشعر فهو يقوم بتسقيط طريقة العلاج التي يقوم بها كلياً، إذ لا توجد وسيلة علاجية لها القدرة على النجاح بنسبة 100% وفي جميع الحالات، وجود الحلول السحرية يقتضي التشكيك والرفض. لم يقل لنا بأن الحالات الفلانية قد مرت عليه وفشل في علاجها وأنه مختص بحالات معينة وبظروف معينة، إنه يطرح “معجزة علاجية” كما يصف.

هذه التجارب لا نكتفي بوصفها بالناقصة، بل هي تجارب فارغة إلا مما يريد فحصه والقول بأن علاجه يعمل.

عينات من “التجارب”

إحدى حالات السكري أجرى فيها حكمت تحليلاً بعد 16 ساعة دون مراقبة أي معطيات أخرى ولشخص واحد مع التدخل في نظام الحمية وجرعات العلاج، استشهد حكمت بنزول السكري هذا كدلالة على نجاح أسلوبه، أذكر جيداً أنني عندما راجعته في التسعينات أنه أملى حمية غذائية كاملة وتدخل في جرعات الأنسولين الخاصة بي أيضاً. بالكاد أبقى لي شيئاً من قائمة الأطعمة لأتمكن من تناول الطعام، حتى أنني في وقتها وعندما عدت الى البيت أخبرتهم عما أخبرني بعدم تناوله، فقالوا لي: “ما الذي تستطيع أن تأكله إذاً؟”.

بشكل عام يركز حكمت على مرضى السكري وبالأخص منهم مرضى النوع الثاني من السكري ويعتمد هنا على الملاحظات الصحيحة التي يعطيهم إياها وعلى قابلية التحسن للسكري من النوع الثاني، بمشاهدة مقاطعه التي يصورها يُمكن أن تجد نسبة كبيرة جداً لهؤلاء. كما يركز على مرضى الجلطة الذين تم شفاؤهم وما زالوا يعانون من مشاكل في المشي والحركة لأسباب غير واضحة ومعتمدة بدرجة كبيرة على العامل النفسي وعلى التحسن التدريجي لمهاراتهم الحركية.

أما مريض التليف في الرئة فالقصة كانت مشوشة كلياً، أصيب المريض في رئته متسبباً في كسر أحد الأضلاع ثم عانى من جلطة ثم اكتشف ورماً بعد الجلطة! وأيضاً يستخدم حكمت البيانات بشكل مشوش، فهو يأتي بفحص مفراس يشهد بانخفاض مساحة الورم بسنتمترين مكعبة بعد 9 ساعات. طبعاً هناك أسباب عديدة لذلك منها اختلاف قراءات المفراس بين مختبر وآخر نتيجة عدم الدقة في القياس وليس السبب السحري في الانخفاض بهذا الشكل.

حالة أخرى لمريض يعاني من الصعوبة في الكلام والتلعثم يقول إن المريض قد شهد تحسناً خلال ساعة واحدة، المريض بدا متردداً من نسبة علاجه وقال إنه تعالج بنسبة 70%، ومن المعروف كم أن للعامل النفسي دوراً في تحسن حالة مرضى التأتأة، لكن حكمت يعزو الأمر لقيمة الكهرباء العلاجية لا لقيمة العلاج بالوهم والتأثير النفسي للأمر.

هل تؤهل براءة الاختراع لممارسة الطب؟

قبل كل شيء لابد من القول إن براءة الاختراع ليست كافية لتأهيل حكمت نعوم لكي يمارس الطب بدلاً من الأطباء، فبراءة الاختراع لها دور محدد وهو الحقوق الإبداعية وربما الملكية أيضاً لشخص معين في تقنية أو جهاز قام بانشاءه، وهي لا تعني أن هذا الشخص صار مؤهلاً لاستخدام تلك الآلة أو التقنية على البشر. كما أنه وفي حال نجاح براءة الاختراع على حالة معينة توصف ضمن بيانات براءة الاختراع فهذا لا يعني أن هذه الآلة ستكون آلة سحرية لمعالجة جميع الحالات المرضية.

مجالات تم اختبار أثر إيجابي للكهرباء فيها

مناقشة هذه المجالات لا تعني أن حكمت نعوم أو غيره مؤهل لتطبيق ذلك الأثر الإيجابي ومثل كثير من العلاجات الزائفة فإن حتى أكثرها زيفاً لابد وأن يكون لها تأثير طفيف على الأقل، على سبيل المثال يزعم مروجو الحجامة أنها تخرج الدم الفاسد من الجسم وتشفي عدد لا يحصى من الأمراض، لكن في الواقع وكعملية تسبب زيادة الدورة الدموية في منطقة معينة فإن للحجامة تأثيرات طفيفة جداً على تلك المنطقة من حيث الشعور بالألم وتقليله عبر زيادة الاندورفينات[1] (مهدئات الألم في جسم الانسان) وهو أمر طبيعي مع وجود الحرارة والألم ذاته ومتناسب مع الأضرار التي يُمكن أن تحدث بسبب الحجامة. وهكذا الأمر مع العلاج بالكهرباء، عند الحديث عن أي علاج زائف أو حقيقي فالأمر يجب أن يكون:

1-      محدود بتأثيرات معينة.

2-      ليس تأثيراً سحرياً شاملاً وجامعاً لجميع الأمراض.

3-      وجود دراسات تثبت التأثيرات المعينة المحددة.

يُمكن أن يتخذ العلاج بالكهرباء كعلاج مساعد مع العلاجات الأساسية لحالات الاعتلال العصبي المؤلم الناتج من مضاعفات مرض السكري وفق إحدى الدراسات[2]. طبعاً وجود هذه الدراسة لا يعني أن الأمر حاسم، وهو محصور بالاعتلال العصبي فقط ويقترح العلاج بالكهرباء كعلاج مساعد للتخفيف من وطأة الحالة. وهكذا فإن هناك دراسة أخرى مشابهة حول دور التحفيز الكهربائي في تحسين شفاء الجروح لدى الفئران المصابة بالسكري[3].

وكذلك فقد أثبت العلاج بالتحفيز الكهربائي الوظيفي (Functional electrical stimulation) أثراً في تحسن المشي لدى المصابين بالجلطة الدماغية، الدراسة قامت بقياس عدة عوامل متعلقة بالمشي وأثبتت أثراً طفيفاً للعلاج بالتحفيز الكهربائي[4]. وهناك دراسات أخرى حول إصابات الحبل الشوكي والاصابات الدماغية. لكن مهلاً، الرجل يقول إنه صاحب براءة اختراع! وهو يخفي آلية عمل جهازه فهل هي التقنية ذاتها الموجودة للتحفيز الكهربائي الوظيفي الموجودة منذ الستينات؟ وهل هو مؤهل لإعادة انتاج هذه التقنية وتسويقها طبياً؟ هذا ان تنازلنا عن فعله في تقمص اختراع آخر قام به غيره، هل نستطيع أن نعمم هذه الدراسات الموجودة حول العلاج بالتحفيز الكهربائي الوظيفي على ما يقوم به حكمت نعوم وغيره من “المخترعين”؟ كلا فهم مصرون على السير خارج السرب وخارج التخصص مع الزعم بأفضليتهم واختلاف تقنياتهم على ما هو موجود ومثبت ضمن التخصصات الطبية.

العلاج بالتحفيز الكهربائي الوظيفي

ماذا عن التصلب المتعدد مثلاً؟ سنتكلم هنا عن العلاج بالتحفيز الكهربائي الوظيفي ولسنا مفترضين أنه نفسه ما يتم تسويقه على أنه براءة اختراع، تقول احدى الدراسات التي اختبرت الأمر: “إن تأثير التمارين بالمشي لمرضى التصلب المتعدد أكبر أثراً من العلاج بالتحفيز الكهربائي الوظيفي (FES)”. وطبعاً لا دراسات عن دور الكهرباء في أمراض مثل تليف الرئة، أو التأتأة أو آلام المفاصل.

لا ندري لماذا يعيد المخترعون في بعض الدول العربية اختراعات كانت موجودة أساساً وداخلة في العلاجات ومختبرة على نحو طفيف، ثم يقومون بتعميم أثرها على كافة الأمراض والحالات، أليس في ذلك نوعٌ من الدعاية والترويج التجاري؟ يُمكن للترويج من هذا النوع أن يسئ لعلاج صحيح حتى لو كان موجوداً لاسيما عندما يُعطى طابعاً سحرياً.

خلاصة

–          يزعم حكمت نعوم “المعالج” العراقي أنه حائز على براءة اختراع لاكتشاف يتضمن علاجاً كهربائياً يرفض الافشاء عن “أسراره” ويعالج به طيفاً واسعاً جداً من الأمراض. وهو لم ينشر أي بحث بالمقابل ويتعرض للملاحقة من وزارة الصحة وفق ما يقول في صفحته على موقع فيسبوك.

–          هناك علاج كهربائي موجود منذ الستينات يعرف بالعلاج بالتحفيز الكهربائي الوظيفي، وله مهام محددة كعلاج مساعد مصنف ضمن العلاج الطبيعي، لكن بالمقابل فإن المعالج العراقي حكمت نعوم لا ينسب تقنيته لهذا العلاج ويقول إنه مخترع ويغطي طيفاً واسعاً من الأمراض التي لا يختص هذا العلاج بها.

–          التجارب التي قام بها حكمت نعوم حول العلاج بالكهرباء هي تجارب خاطئة علمياً ومقاييس تقييم النجاح كذلك.

مصادر

[1] Subadi, Imam, et al. “Pain relief with wet cupping therapy in rats is mediated by heat shock protein 70 and ß-endorphin.” Iranian journal of medical sciences 42.4 (2017): 384.

[2] Thakral, Gaurav, et al. “Electrical stimulation as an adjunctive treatment of painful and sensory diabetic neuropathy.” (2013): 1202-1209.

[3] Lee, Pui-Yan, Sophie Chesnoy, and Leaf Huang. “Electroporatic delivery of TGF-β1 gene works synergistically with electric therapy to enhance diabetic wound healing in db/db mice.” Journal of Investigative Dermatology 123.4 (2004): 791-798.

[4] Cozean, C. D., William S. Pease, and S. L. Hubbell. “Biofeedback and functional electric stimulation in stroke rehabilitation.” Archives of physical medicine and rehabilitation 69.6 (1988): 401-405.