بين فترة وأخرى في العالم العربي يظهر أشخاص أكاديميون أو غير أكاديميين يتخطون حدود التخصصات ويخوضون غمار هواية خطيرة جداً تتمثل بنشاطات مثل تفنيد النظرية النسبية، تطويرها، أو الأكثر شيوعاً: شفاء السرطان أو الوقاية منه بطرق بسيطة جداً تظهر الآخرين في المجتمع العلمي وكأنهم محتالين أو حمقى.

ضيفنا هذه المرة ليس دجالاً أو رجل دين، بل هو أستاذ جامعي قدير حصل على براءة اختراع عراقية في نيسان 1981 في مجاله بهندسة المواد وتحديداً في حماية الحديد الإسفنجي من التأكسد بواسطة تشميعه. إنه الدكتور جليل كريم احمد الخفاجي أستاذ هندسة المواد في جامعة بابل والذي ظهر فجأة بعد سنوات من اختراعاته ذات الصلة بتخصصه كمواد منع تأكسد الحديد الإسفنجي عبر طليه بالشمع ليقول أن الشوندر يشفي السرطان، ومرة أخرى ليعيد ترهات برنارد جينسين (Bernard Jensen) وينسبها لنفسه بأن الكلوروفيل يشفي من السرطان ايضاً.

هوس متخبط بالشهرة

نشر الدكتور صور شهادة مشاركته في مؤتمر نظمته مؤسسة لمجلات النشر مفتوحة الدخول (Open access journals) والواقع أن هناك مجلتان قامتا بتنظيم المؤتمر إحداهما بلا معامل تأثير (impact factor) والأخرى تزعم أن لها عامل تأثير لكنها لا تظهر في التقرير السنوي لمعاملات التأثير الصادر من مؤسسة رويترز. لكن الدكتور وقع في مطب كبير بفهم إحدى الرسائل التي تلقاها بالانجليزية والتي تشير إلى رابط صفحة الإدارة التحريرية (Editorial manager) فراح يكتب في صفحته بالفيسبوك بأنه أصبح مدير تحرير لدى المجلة ويُمكن مشاهدة الصورة التي نشرها الدكتور.

جليل الخفاجي

يقول الدكتور جليل بأن شخصاً اسمه ديفيد بن مناحيم (david ben menahem) هو رئيس لجامعة بن غوريون (Ben-Gurion University) الإسرائيلية قد قال له: “تعلمت منك الكثير” والواقع أن رئيس جامعة من غوريون منذ عام 2006 حتى الآن هو امرأة وهي ريكفا كرمي (Rivka Carmi)، فلا ندري هل هو زعم كاذب؟ أم هو سوء فهم للانجليزية التي أشار إليها المؤتمر الذي حضره الدكتور في الصين. ولعله فهم ما قاله ديفيد خطئاً أيضاً!

أشار الدكتور حتى لوقوفه ليلاً مع مجموعة من الشرطة للحديث بأنها “ندوة” بعنوان “الرصيف المعرفي”. ولع كبير بالظهور لا يتوازى مع واقع الإنجاز وحجمه. والأدهى من ذلك أن الدكتور ينشر لنا صورة من بحث “صور جوجل” وتظهر فيها صورته إلى جانب صورة أخرى لأحمد زويل لينشرها كإنجاز. هل نحن حمقى لنعتقد أنك التقطت صورة مع أحمد زويل أو أن لك صلة به لمجرد أن صورتك ظهرت إلى جانب صورته في بحث الصور؟ ماذا يفعل جمال عبدالناصر معكم؟!

جليل الخفاجي

لا يقف الأمر عند هذا الحد بل يشارك جليل الخفاجي صورة لرسالة بريد إلكتروني تطلب منه تفعيل بريده الالكتروني في موقع يضم معلومات عن أشخاص يضيفونها هم بأنفسهم ويدعى (Who is Who) ولسبب ما فإن جليل الخفاجي يرى أن هذه الرسالة هي إحدى شواهد عظمته. ماذا لو نشرت رابط طلب جوجل لي بالأمس لإعادة ضبط كلمة السر؟

جليل الخفاجي

برنارد جينسين أصل العلم الزائف حول قدرات الكلوروفيل الشفائية

لو قرأنا منشور الدكتور عن الكلوروفيل لظننا أنه من منشورات أحد الدجالين الذين يتحدثون عن فضائل العسل لكثرة ما ذكر من أمور دون أن يذكر أي مصادر لها سوى ما يسميه “بحث” لبرنارد جينسين، وليختصر الدكتور الطريق بوقاية الأطفال من السرطان الناتج بسبب الاشعاعات بتناول الأطفال للكرفس الأخضر مع الحليب أو “الحليب الأخضر”، ولا ندري ماذا يفعل الدكتور هنا وقد نال تمويل الحكومة اليابانية البالغ ثلاثة مليارات ونصف دولار، والذي يقول في مقطع فيديو اللقاء الذي قامت به معه قناة (NRT) بأنه لم يجد شخصاً يساعده للقيام بمشروع الحليب الأخضر. ما رأيك لو ساعدناك وخصصت لنا جزءاً من التمويل الضخم هذا؟

أما من هو برنارد جينسين؟ فلو بحثت عن أي مصدر موثوق أو بالكاد أي مصدر يتكلم عن برنارد جينسين، فلن تجد ذلك، حتى أن مقاله في ويكيبيديا قد حذف لهذا السبب (رغم عدم استشهادنا بويكيبيديا كمحل ثقة)، لكنه معروف في أوساط المداواة الطبيعية والطب الشمولي (Holistic medicine) وهو معروف كأحد مؤسسي فكرة تعقيم أو تنظيف القولون الفكرة التي أثبتت ضررها ولم تثبت أي مفعول، كما أن برنارد جينسين مؤسس للعديد من أفكار العلوم الزائفة مثل العلاج بالماء (hydrotherapy)، المنعكسات (reflexology)، العلاج بالألوان، العلاج المثلي، العلاج بالإبر الصينية. إذاً بعزو الأمر لصاحبه نترك الدكتور جليل في هذه النقطة وقد نرد على برنارد جينسين تفصيلياً في مقال آخر، بما أن الدكتور الخفاجي يرى أن برنارد جينسين عالم.

ماذا عن الشوندر؟

يمكنكم الاطلاع على بحث الشوندر في الرابط. بنظرة سريعة من مختص يمكن ملاحظة النقاط الآتية حول الدراسة:

  1. اللغة الانجليزية رديئة جداً والبحث غير منسق تماماً ويبدو أنه لم يخضع لأي تدقيق، فالأوراق البحثية لا تكون بهذا الشكل. ولا غرابة فعند مراجعة المجلة الناشرة يتضح لنا أنها مجلة مفتوحة المصدر مدفوعة الثمن، تدفع مقابل النشر ولا تدقق أو تقيم الأبحاث وليس لها معامل تأثير كما أن تسميتها توحي بعدم التخصص “المجلة الدولية للعلوم والتكنلوجيا” (International journal of science of technology).
  2. تزعم المقدمة أن الدراسة تصل لحقائق بيولوجية لكن الواقع أن كل ما ورد في البحث هو أمور كيميائية ولم يتم ذكر أو تجربة نسيج أحيائي واحد، فكيف يزعم شخص معالجة السرطان وهو لم يجرب مادته على أي نسيج حي. هناك من الاستنتاجات والكلام عن الأحياء لكن دون أي مصادر ودون أي علاقة بالتجربة.
  3. تناقضات واضحة داخل البحث فمثلاً مرة يقول أنه قام بتنقية المواد ومرة أخرى يقول أنه لم يقم بتنقيتها.
  4. لنفرض جدلاً أنه توصل لشيء ذي صلة بعلم الأحياء، فإن التجربة التي قام بها قائمة على أس هيدروجيني (pH) يبلغ (1) وفي مرات أخرى (4)، وهذا الأس الهيدروجيني غير أحيائي لم يسجل مثلاً أي أس هيدروجيني أدنى من 6.8 (وما يقاربها) في دم الإنسان [1].
  5. جدول النتائج في صفحة (3) يضم نتائج مختلفة لنفس المتغير.
  6. هناك الكثير من المتغيرات دون أي عامل للتقييس وهذا لا يعد علماً، عندما تكثر المتغيرات ولا يتم استخدام تحكم (كونترول) بينها فهذا لا يعد علماً.

من الكلوروفيل إلى الشوندر وبعد مسيرة حياة طويلة لماذا قررت في نهاية حياتك أن تدخل بهذه الأمور وبهذا الشكل الفضيع؟ أين احترام التخصص؟ ماذا سنتوقع من الدجالين إذا كان الأستاذ الجامعي يختم حياته الجامعية بهذا الشكل؟

دور الإعلام السلبي في التدخل في العملية الأكاديمية

من المؤسف أن من العلماء من تشهد لهم إنجازاتهم حتى لو نسيهم العالم بعد ذلك، ومنهم من تشهد لهم الأوراق البحثية التي راجعها الأقران (Peer reviewed) ولكن معيار التحكيم الأكاديمي في العراق صار يحدده مراسلون جهلة من أمثال المراسل الذي جعل من الشيخ عدي الاعسم مشهوراً ولفق زيارة لفريق “بحثي” ولم يكن الفريق سوى مهندسين من شركة أتت لتنفيذ مجاري مدينة النجف! هذه المرة جاء أحد المراسلين ليعترض على المكانة المغمورة التي نالها هذا الشخص وليقرر من محله سلامة مزاعمه ونجاح أبحاثه ويقوم بالعملية الأكاديمية كاملة.

وتلعب الصحف والإعلام الجامعي الدور ذاته متجاهلين المسار الواقعي للعملية الأكاديمية. جريدة المدى مثلاً نشرت ايضاً تقريراً عن الأمر. ورابط قسم المواد في جامعة بابل لم ينتابه الخجل عندما كان يشاهد أن الدكتور يقتحم مجالاً لا علاقة للقسم به وفي مجلات غير معتمدة لينشر هو الآخر مقالاً عن بحثه (استخدام الكلوروفيل كمادة ماصة للأشعة ذات الطاقة العالية المسرطنة المستحدثة من الأسلحة المغطاة باليورانيوم لوقاية أطفال العراق). وبمناسبة عنوان البحث والكلام عن أطفال العراق (ولا ندري هل تولد البحوث العلمية من هذه المنطلقات، لتخص بلداً أو جماعة دون غيرها؟) يقول الدكتور أنه تلقى عروضاً مغرية جداً لكنه رفضها لأجل أن يبقى في العراق، هل يعمل العلم بهذا الشكل؟ لو أردت خدمة البشرية وبما فيها العراق لتوجهت حيث ترى أنهم سيدعمونك وستصل ثمار عملك لبلدك ولغيره كما يصلنا اليوم لقاح شلل الأطفال واللقاح الثلاثي والأنسولين وغيرها التي لم تصنع لأجل بلد أو جماعة.

وأخيراً هذا هو مقطع الفيديو المخجل الذي قامت به قناة ان ار تي:

وآخر من قناة سامراء

  1. Kostek, Halina, et al. “Is it possible to survive metabolic acidosis with pH measure below 6.8? A study of two cases of inedible alcohol intoxication.” Przeglad lekarski 68.8 (2010): 518-520.

راجعه:

رغد العبيدي، رمزي الحكمي، عباس العزاوي