رجل يقوم بنصف ماراثون في الدائرة القطبية الشمالية بفنلندا عاري القدمين ولا يرتدي سوى سروال قصير، يغوص تحت المياه المتجمدة، يركض في صحراء كلهاري دون أن يشرب الماء. إنه وين هوف الهولندي المدعو برجل الثلج. فكيف يستطيع القيام بذلك؟

يقول هوف أنه قادر على التحكم بجسده بطريقة تزيد من الاوكسجين في دمه بواسطة تمارين للتنفس يقوم بها، يقول أيضاً أنه اكتشف كيف يؤثر ذهنياً على جسده، فهل هذا صحيح؟

قام اوتو موسيك (Otto Musik) أستاذ طب الأطفال في جامعة ولاية وين في الولايات المتحدة باختبار ويم هوف تحت الرنين المغناطيسي (MRI) ليرى ما يحدث في دماغه بينما هو تحت البرودة الشديدة، وفي الواقع وجد أن دماغ ويم هوف يقوم بإفراز المزيد من المهدئات كما يزيد من افراز السيروتونين والدوبامين اثناء ما يقوم به. وجد موسيك ايضاً أن دم هوف كان أكثر قاعدية في إشارة الى صحة ما يقوله هوف عن الاوكسجين في دمه [1].

غير أن ماجدة عثمان أستاذة علم النفس التجريبي في جامعة كوينز ماري تقول أن مجرد التعرض المستمر لمؤثر ما سيحدث تغييرات عصبية في الدماغ، أجرت ماجدة عثمان دراسة على سائقي التكسي وسائقي الباصات في مدينة لندن في المملكة المتحدة فوجدت أن أدمغة سائقي التكسي تتضمن المزيد من المادة الرمادية بالمقارنة مع سائقي الباصات استجابة لكثرة استخدامهم للأجزاء المتعلقة بالتنقل وإيجاد الأماكن. وتضيف ماجدة أن الأمر لا يخلو من تأثيرات الوهم (placebo) أيضاً [1].

الأمر ذاته يُمكن أن يحدث مع هوف. فضلاً عن ذلك فإن افراز المهدئات الذي يقوم به هوف قد لا يدوم سوى لفترات قصيرة، وقد لا يكون مرتبطاً بالضرورة بتمارين التنفس التي يقوم بها، بل قد يكون الأمر ناجماً عن ممارسته المستمرة لتلك الأنشطة.

غير أن اهتمام العلماء بهوف وقدراته تلك لا يعطيه الحق في كثير مما يروج له، فقد صرح لموقع لیمبورغ (L1mburg) الهولندي بأن التأمل وتمارين التنفس التي يقوم بها كفيلة بشفاء جميع المرضى وأنها ستجعل الأطباء والمستشفيات دون عمل لو طبقها الناس [2]وفي ذلك تضليل كبير يجعل هوف لا يختلف عن أي من الدجالين في العالم العربي ولكن هذه المرة بالترويج للأمر عبر قدراته الجسدية.

أما الاساطير حول رفع درجة حرارة الجسم والتي نجدها عند الرهبان البوذيين أيضاً فقد ثبت بطلان ارتباطها بالتأمل من خلال دراسة أجريت عام 2013 على مجموعة من الرهبان البوذيين في التبت ومجموعة أخرى من الغربيين غير ذوي الصلة بالأمر وذلك عبر اعطاءهم نفس اجراء التنفس الذي يقوم به الرهبان فارتفعت درجة حرارتهما بنفس الشكل ضمن نطاق بسيط عن درجة حرارة الجسم الطبيعية [3].

يعرف نمط التنفس هذا بجي تومو (g-Tummo) وهو ذاته الذي يقوم به هوف. ويزعم الرهبان أنهم يقومون بهذا النمط من التنفس الذي يترافق مع تقلصات عضلية معينة وأنهم يقومون بتخيل صور للنار أو لأشياء حارة في نفس الوقت، لكن الدراسة أوضحت أن الأشخاص غير المدربين وغير العارفين بالأمر استطاعوا رفع درجة حرارة الجسم بنفس المعدل باستخدام التنفس والتقلصات فقط. الزيادة في درجة الحرارة لدى الرهبان والمشاركين الآخرين لم تتعدى أعشاراً بسيطة، مثلاً بين 36.79 إلى 37.

بالإضافة إلى ما ذكرنا، فمن الغريب أن الأخ التوأم لويم هوف يتمتع بنفس القدرة على مقاومة البرد، ويُذكر أن ويم هوف له طبقة واضحة من الشحم الرمادي، وهو نوع من الشحوم في الجسم يتواجد لدينا كاستجابة للبرد وله فاعلية أكبر في أن يقينا من البرد. وقد تم اختبار الأخ التوأم لويم هوف مثلما تم اختبار ويم هوف، وأخوه لا يطبق أي من تقنيات ويم كالتأمل والتنفس ولم يتدرب على شيء. وهذا يستدعي التفكير بالدور الوراثي الذي يُمكن ويم هوف من مقاومة البرد نتيجة استجابات وخصائص معينة موروثة في جسده، لكنه يستخدمها للترويج لكتابه ولطريقته التي يقوم بتدريب الأشخاص عليها.

مع ذلك، فإن هناك شيء آخر تمت تجربته على تلاميذ ويم هوف وهو حول ما يقوله ويم هوف حول تطوير تقنية التنفس التي يقوم بها للمناعة. تمرين التنفس الذي يقوم به ويم هوف يعرف بفرط التهوية (hyperventilation) حيث يقوم الشخص بأخذ نفس عميق ثلاثين مرة ثم يقوم بحبس نفسه لأطول فترة يستطيع القيام بها. التجربة التي أجريت على 12 من تلاميذ هوف مقابل 12 شخص غير مدربين، كانت تتضمن حقن الأشخاص بسم داخلي المنشأ (endotoxin) يعود لبكتيريا الاشريكية القولونية لملاحظة رد الفعل المناعي لأجسام العينات. التجربة ليست ضارة بالتأكيد لكنها كافية لمراقبة رد فعل الجسم. وقد لوحظ من التجربة أن ردود الفعل كانت أفضل بقليل لدى مجموعة تلاميذ هوف. غير أن طريقة رد الفعل التي تمت قد لا تكون مرغوبة، فرد الفعل كان معتدلاً وذلك نتيجة فرط التهوية وتأثيرها على الجسم. لكننا مع ذلك لا نعلم شيئاً حول مدى فاعلية ذلك التأثير الذي قد يكون تأثير قصير المدى فقط [4].

يذكر أيضاً أن قدرات هوف الخارقة لم تكن كما تبدو دائماً، فرحلته لصعود جبل كليمنجارو مع تلاميذه انتهت بإخلائهم جميعاً ونقلهم بالسيارة نتيجة تدهور صحتهم نتيجة البرد وتأثير التواجد في المرتفعات، حتى لو أردنا تصديق ادعاءاته الخطيرة وآماله الزائفة لمرضى الحالات الخطرة مرتكزين على قدراته الخارقة المزعومة، فإن تلك القدرات ليست خارقة إلى ذلك الحد [4].

 

المصادر

[1] J. R. Learn, “Science Explains How the Iceman Resists Extreme Cold,” 22 5 2018. [Online]. Available: https://www.smithsonianmag.com/science-nature/science-explains-how-iceman-resists-extreme-cold-180969134.

 [2] R. Wiki, “Wim Hof” Rational Wiki, 28 12 2016. [Online]. Available: https://rationalwiki.org/wiki/Wim_Hof. [Accessed 28 2 2020].

 [3] M. e. a. Kozhevnikov, “Neurocognitive and somatic components of temperature increases during g-tummo meditation: legend and reality.,” PloS one, vol. 3, no. 8, 2013.

 [4] P. v. Erp, “Wim Hof’s Cold Trickery,” Pepijn van Erp, 1 1 2016. [Online]. Available: https://www.pepijnvanerp.nl/2016/01/wim-hof-method/. [Accessed 28 2 2020].