في البداية كان الاعتقاد السائد لدى البشر  أن الأرض هي مركز الكون، حتى جاء علماء مثل غاليليو وأثبتوا أن الأرض تدور حول الشمسِ في نظامٍ شمسيٍ منظمٍ ودقيقٍ. وتوالت النظريات والاكتشافات حتى توصل العلماء لنظرية الانفجار العظيم (Big bang theory)، ولكن لماذا يؤمن العلماء بصحة هذه النظرية؟

تفترض نظرية الانفجار العظيم أن الكون بدأ من انفجار عنيف وضخم حدث منذ أربعة عشر مليار سنة ثم هدأ الكون وتلاحم وسمح ذلك بتكون النجوم والكواكب والمجرات ونتيجة لذلك الانفجار فإن الكون ما زال يتوسع حتى الآن، لكن عندما نعود لنقطة البداية للحظة الانفجار العظيم سنجد أن النظرية لا تخبرنا بأي شيء قبل لحظة الانفجار لماذا حدث الانفجار وما السبب في ذلك؟ ما الذي سبب  كل هذا الإنفجار إذا ؟ ما هى القوة التى أطلقت كل شىء؟

بدأت الاجابة لاول مرة في عقل عالم الفيزياء النظرية الأمريكية آلان غوث (Alan Guth) البروفيسور بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حاليا، حيث أفترض عام 1979 نموذج معين لسبب حدوث الانفجار وهو ما يسمى بالتضخم الكوني والقوة التي تسببت في حدوثه.  

أفترض غوث افترض أن في الطور الأول للكون كانت قوة الجاذبية تعمل فيه بشكل معاكس، حيث أن الجاذبية كانت تعمل على تباعد الأجسام عن بعضها بدلا من تقاربها.  فبدلا من جمع الأشياء مع بعضها البعض تعمل هذه الجاذبية المستهجنة بشكل معاكس مسببة بذلك توسع ضخم ولكن طبعا كان هذا نموذجا نظريا طبقا للمعادلات النظرية فقط ولا يوجد عليه اى دليل عملي. حيث توصلت حسابات غوث إلى أن قوة الجاذبية تلك كانت عظيمة  جدا. حيث أن جزءاً صغيراً جداً من الفضاء بحجم الذرة تقريبا يتم تضخيمه من خلال هذه القوى ليبلغ حجماً يقارب حجم مجرة درب التبانة وذلك في أقل من مليار من مليار من مليار جزء من طرفة عين.

ومن ثم  بعد هذا الانفجار العظيم يتابع الكون التوسع ويهدأ ليسمح للنجوم والمجرات بأن تتكون كما يحدث بالضبط في نظرية الانفجار العظيم. سُمي هذا التوسع بنظرية التضخم الكوني (Inflationary Theory)، حيث أدى التضخم الكوني لحدوث هذا الانفجار، وتوصل غوث طبقا لنظريته إلى نموذج محدد للتوزيع الحراري للإشعاع الناتج من الانفجار العظيم في الكون.  

ماذا كان الغرض من نموذج التوزيع الحراري للإشعاع الناتج؟ ببساطة اذا كانت نظرية غوث صحيحة فإنه يجب أن يتطابق التوزيع الحراري للإشعاع الكوني مع النمط الذي توصل إليه غوث من معادلاته النظرية. وهذا سيكون دليلاً حقيقياً على صحة نظريته عن التضخم الكوني،  أي أنه شيءٌ يشبه بصمة الاصابع اذا انطبقت تلك البصمة مع البصمة الموجودة بالفعل في الكون سيكون ذلك انتصاراً كبيراً ودليلاً على صحة نظرية غوث. ولكن في الحقيقة، فإن التكنولوجيا القادرة على رصد نمط الإشعاعات الكونية الناتجة عن الانفجار الكبير المسماة بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي لم تكن متوفرة في ذلك الوقت. ببساطة تنبأت النظرية بأن التضخم السريع سيترك بصمة ذات نمط معين على هذا الإشعاع، لكن كيف ستكون الإجابة عن مدى صحة النظرية ؟

إثبات نظرية غوث

عام 1989 أطلقت وكالة ناسا القمر الصناعي المستكشف لشعاع خلفية الكون متبوعا بـ مسبار ويلكينسون لتباين الأشعة الكونية ومختصره (WMAP) عام 2001 الذي سيدرس التضخم،  وفي عام 2003 استطاع القمر الصناعي قياس إشعاع الخلفية الكونية بدقة رهيبة وكانت المفاجأة.  كانت النتائج التي توصل إليها مسبار ويلكنسون من حيث التوزيع الحراري الناتج بسبب التضخم الكوني مطابقة لنموذج غوث. وهنا لم تصبح نظرية غوث مجرد نظرية على ورق. بعد عقد من الزمن استطاعت ناسا إثبات صحة نموذج غوث بقياسات عملية على نتائج نظريته وبدقة شديدة ويعتبر ذلك دليل حقيقي على صحة التضخم الكوني ونظرية الانفجار العظيم. عندما يتطابق الواقع مع النظرية تتجلى روعة العلم وخاصة الفيزياء النظرية التى تتنبأ بأشياء تعجز التكنولوجيا عن تأكيدها إلا بعد عقود من الزمن.

صورة للأقمار الصناعية ومدى دقة قياس نمط إشعاع الخلفية الكونية مع التطور الكبير الذي تشهده صناعة الأقمار الصناعي

صورة للأقمار الصناعية ومدى دقة قياس نمط إشعاع الخلفية الكونية مع التطور الكبير الذي تشهده صناعة الأقمار الصناعي

المصادر

Alan H. Guth, “Inflation and the New Era of High-Precision Cosmology“, mit physics annual 2002

Andrei Linde, “The Self-Reproducing Inflationary Universe“, 1998 Scientific American, Inc

2014 Astrophysics Citation

Brad Lemley, Larry Fink, “Guth’s Grand Guess“, discovermagazine.com, April 01, 2002

وثائقي حول الكون

Planck reveals an almost perfect universe“, Europian space agency, esa.int, 21 March 2013

مراجعة لغوية: Nawras H. Safi