سيتي والبحث عن وجود الفضائيين والحياة الذكية خارج الأرض قد تطرح بليونات (مليارات) النجوم التي تضيء السماء ليلاً سؤالاً مهماً، هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ يبحث مشروع البحث عن الذكاء اللاأرضي (الخارجي) المُسمى بـِ  “سيتي” (SETI – Search for Extraterrestrial Intelligence) عن إيجادِ إجابةٍ لهذا السؤال، وذلك عبر رصدِ إشاراتٍ على وجود الحضارات المتطوِّرةِ في الكون.

من الممكن تحليل مصطلح سيتي (SETI) بطريقتين. الطريقة الأولى تصِف المهمة بنفسِها، البحث عن أشكال الحياة المتقدمة الأخرى، مِن قِبل أناسٍ من كل أرجاءِ العالم. الطريقة الثانية، معهد سيتي، وهي ما تقود عملية البحث عن مواقع البث من الأماكن ما وراء الأرض.

معهد سيتي

يتكوّن معهد سيتي، وهو اللاعب الأكبر في التفتيش عن الحياة المتقدمة ما وراء نِظامِنا الشمسي، من علماء، مهندسين، فنيين، مدرّسين، وموظفي دعم آخرين. في عام 1988، بدأت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA – National Aeronautics and Space Administration) بتمويل أستراتيجية لمسح الفضاء بكل الأتجاهات، بحثاً عن وجود الحياة. بدأت عمليات الرصد في عام 1992، والذي صادف الذكرى السنوية الخمسُمائة لوصول كريستوفر كولومبوس (Christopher Columbus) إلى “العالم الجديد”. مع ذلك، قطع الكونكًرس الأمريكي التمويل عن هذا المشروع، بعد سنةٍ فقط من البدء بِه.

بدأ معهد سيتي بعد ذلك بالبحث عن ممولين من القطاع الخاص، بغيَّة إكمال البحث عن الحياة المتقدمة في الكون. ساهمت المِنح المالية من الجماهير المُتحمّسة في أستمرار البحث عن إشاراتٍ من عوالِمَ أخرى. يمتلك المعهد أكثر من مئة مشروعٍ نَشِط، وتَطالُ هذه المشاريع علم الفلك والعلوم الكوكبية، التطور الكيميائي، أصل الحياة والتغيُّر المناخي، كُل هذا وِفقاً لموقعها على الانترنت.

أكمل “مشروع العنقاء” (Project Phoenix) البحث الهادف الذي أُسِّسَ بدايةً مِن قِبَل ناسا. تفحص هذا البرنامج بحذر، مناطِق حول آلافٍ من النجوم المشابهة للشمس، بأستخدام أضخم الهوائيات في العالم.

في مشروعٍ مُشترك مع جامعة كاليفورنيا، بيركلي (University of California، Berkeley)، قام المعهد بِبناء 42 مِقراباً (تيليسكوباً) مُنفرِداً، تعمل كلها معاً كآلة عملاقةٍ واحِدة. بدأت “مصفوفة تيليسكوبات آلن” (The Allen Telescope Array)، المُسماة على أسم المُتبرّع باول آلن (Paul Allen) (المؤسس الشريك لـِ مايكروسوفت)، بعملية الرصد في عام 2007. وِفقاً للمعهد، فإنه من المفترض لهذه المصفوفة أن تسمح للعُلماء بأن يتفحّصوا قُرابة المليون نجم خلال العقدين القادمين.

البحث عن الحياة المتقدمة

من الممكن تصنيف الحياة اللأرضية، بشكلٍ عام، إلى صنفين. الصنف الأول هو التصنيف الرئيسي للحياة بِنفسِها، وهي عمليةٌ تتضمن الحياة الميكروبية وأشكال الحياة البسيطة الأخرى. من غير الممكن للحياة أن تَبثَ الإشارات المتطورة التي تُسافِر عبر المجرة، من دون وجودِ الحضارة والتكنولوجيا. وبالرغم من ذلك، فإن العديد من العلماء مُستمرّون في التحقُق من الأغلفة الجوية والخصائص الأخرى لعوالِمَ تقَع داخِل وخارِج نِظامِنا الشمسي، الأمر الذي يُعتبر كجزءٍ من عملية البحث عن الحياة ما وراء كوكبِنا الأرض.

يبدو أن البحث عن الذكاء اللأرضي يقع خارج الصنف الأول، وذلك في محاولةٍ منها على إيجاد الحضارات المتقدّمة. تُركِّز غالبية أبحاث سيتي على البحث عن الإشارات الراديوية أو المرئية، و التي هي دَلالة على وجود حياة فضائية متطورة على مستوياتٍ عالية.

يعتقِد الكثير من العلماء أنه على الحياة أن تبدأ بالتطور على الكواكب ذات الظروف المُناسِبة، وذلِك لأن الحياة على الأرض طرأت بعد مئة مليون سنة بعد أن أصبحت الأرض مكاناً صالحاً للعيش. بوجود مليارات النجوم في المجرة، من المُعتَقَد أن لكلِّ واحِدة من هذه النجوم كوكباً واحِداً على الأقل يصلح للحياة، لذا، توجد العديد من الفرص لأن تتطور الحياة على متنِ هذه الكواكِب.

أنشأت هذه الوِفرة من الكواكب المكتشفة بوساطة مِقراب وكالة ناسا الفضائي كيبلر (kepler)، أخدوداً من العوالِم التي من المحتمل أن تكون صالحة للعيش، لكي يستهدِفها عُلماء سيتي في بحثِهِم.

 

توجد ثلاثةُ طُرقٍ لإيجادِ الحياة على العوالِم الأخرى، وهذا وِفقاً لـِ سيث شوستاك (Seth Shostak) وهو فلكي من معهد سيتي. تكمُن الطريقة الأولى في الذهاب والبحث عن هذه الحياة، وهذه عمليةٌ مُلائِمة ضمن نِظامِنا الشمسيِّ فقط. أما الطريقة الثانية فتكون في دراسة الضوءِ القادِم مِن الكوكَبِ المُستهدَف، وذلك للتحقُقِ من غِلافه الجوي، ويتم العمل بهذهِ الطريقة حالياً مِن قِبل أجهزة، كمِقراب (تيليسكوب) هَبل (Hubble) العائِد لـِ ناسا. وأخيراً، فإن الطريقة الثالثة هي عن طريق البحث عن الإشارات التي قد تُشير إلى وجودِ الذكاءِ اللّاأرضي.

 

“وهذا ما يفعلُه مشروع سيتي،” كما قال شوستاك في بثٍّ إذاعي.

ترتكز غالبية بحوث سيتي على الإشارات الراديوية، كما وتفتش أغلبيتها عن إشارات الحُزَم الضيّقة، وهي أنبِعاثاتٌ راديَوية تُغطّي جُزءاً صغيراً فقَط مِن الطيفِ الراديَوي. تقوم الأجسام الطبيعية بالتشويش على الطيف مِن خِلال الإشارات، لذا، يُعتبر إيجاد إشارةٍ تَطغى على منطقةٍ صغيرةٍ فقط، أمراً يوحي بوجودِ مصدرٍ إشارةٍ غير طبيعي (أصطناعي).

كما ويركز العُلماء على البحوث البصرية، فيما يخص الحضارات المُتقدّمة. تتضمن هذه التقصّيات (التفتيشات) البحث عن ومضاتٍ (توهّجاتٍ) ضوئيةٍ قصيرةٍ جداً تدوم لعِدةِ نانوثوانٍ (1 نانو ثانية = 1/مليار جزء من الثانية، أو 10-9 * 1 ثانية)

قد تكون الرسائل التي يتِم إطلاقُها من العوالِم الأُخرى مُتعَمَّدة أو بقد تكون غير مقصودة. بدأ كوكب الأرض بِبث الإشارات إبّان الحرب العالمية الثانيةِ، وهي الفترة التي أصبحت الأتصالات الراديوية فيها أكثر شيوعاً. تبحث تقصّيات سيتي في الرسائِل المقصودة أيضاً، والتي تم بثُّها إلى الفضاء. حديثاً، بدأت عملية سيتي الأستكشافية في البحث عن الأتصالات التي قد تكون جارية بين عالمينِ يقعان على الخط البصري للأرض؛ قد تُكمِل الرسائِلُ التي يتم إطلاقُها نحو كوكبٍ أو قمرٍ ما في نِظامِنا الشمسي، رِحلتَها نحو كوكيِنا الأرض.

قُدرة البشر أو عدم قدرتِهم على فهم فحوى هذه الرسائِل، يُعتبَرُ موضوعاً آخر. إن قامت إحدى الحضارات بِبث رسائِل نحو الفضاء بشكلٍ مُتعَمَّد، فقد تسعى هذه الحضارت إلى تنقية هذه الرسائِل إلى أبسط شكلٍ لها. مع هذا، فمِن الممكن أن يستحيل على العُلماءِ ترجمة رسائِل تم بثُّها مِن دون قصدٍ أو مِن عالمٍ آخر.

طِبقاً لمعهد سيتي، ستقوم هذه الإشارات بالكَشفِ عن بعض الأمور حول الحضارات التي تقوم بِبثِّها. سيتمكن العُلماء من تحديد مصدر تولُّدِها، والتغييرات التي بإمكانِها المساهمة في تحديد كيفية دوران الكوكب وتحرُّكِه.

“بالرغم من كون هذه المعلومة مُحدّدة، فسيكون رصد الذكاء الفضائي أمراً عظيماً،” هذا ما قاله معهد سيتي على موقِعِه الألكتروني.

“سَنَعي بأننا لسنا أذكى، أو أكثر الأشياءٍ وحَدة في هذا الكون.”

بعد العثور على هذه الإشارة، يتوقع المعهد بأن يدفَع حماس الناس على الأرض حول هذا الموضوع، يدفَع بالبشر إلى بناءِ صحونٍ أكبر وأكثر قابليةً على أستِقبال الإشارات الضعيفة.

من غير المتوقّع أن يحدُث تواصلٌ كبير بين الأرض وحضارةٍ متقدِّمة أُخرى، بعيدةٍ عن الشمس. يُعزى هذا الأمر إلى أن الأشارات تستغرق سنواتٍ لكي تُسافِر من كوكبٍ إلى آخر. يَبعُد أقربُ نجمٍ إلينا، وهو ألفا سينتوري (Alpha Centauri)، 4.3 سنةً ضوئيةً فَقط. وإن وُجِدت حضارةٌ أُخرى أكثر تقدُماً على كوكبٍ (غير مرئيٍّ حالياً) يدور حول ذلك النجم، فسيتطلّب إرسال إشارةٍ من الأرضِ إلى ذلكِ العالم وعودتها للأرضِ مجدداً، أكثر من ثمانيةِ أعوام.

بالإضافة إلى البث العَرَضي، فقد أرسلت الأرض حُفنةً من الرسائِل إلى الفضاء. في عام 1974، تم إرسال رسالة بسيطة من مِرقاب آرسيبو (Arecibo Observatory) في بورتو ريكو (Puerto Rico). ووِفقاً لمعهد سيتي فقد قامت روسيا ووِكالة ناسا أيضاً، مُنذ ذلك الحين، بإرسالِ مجموعةٍ من الإشارات القصيرة والمتعمَّدة إلى الفضاء.

التحَقُّق والتأكيد

عِندما يتِم رصد إشارةٍ مُثيرةٍ للأهتِمام، على العُلماء التَحقُّق أولاً من أن هذه الإشارةُ قدِمَت مِن ما وراءِ الأرض. ثُم يكون بإمكانِهِم التأكُّد من أنهم لم يلتقِطوا إشارةً بثّها البشَر، وذلك عن طريق تأكيد المُراقبات وعمليات الرصد مع مِقرابٍ (تيليسكوبٍ) راديويٍّ آخر. حتى وإن تمكّن الراصد الأصلي (الأول) مِن تحديد مصدر الإشارة وأنها ليست مِن الأرض، فستقوم أجهِزةٌ أخرى بتقديمِ “التكرار” لهذا التأكيد، الأمرُ الذي يُعتبر جُزءاً مُهِماً مِن العملية العلمية.

“حالما يتِم تأكيد حالةِ إشارةٍ مُصطنعة على أنها ذات أصلٍ لاأرضي، فسيتِم فوراً الإعلان عن هذا الأكتِشاف على أوسعِ النِطاقات،” كما يقول معهد سيتي.

“لن تكونَ هنالِك سِريّة، وحقاً، نَشرُ الخبر بِسُرعة سيكون مِن الأحتياجات الطارِئة، لكي يتسَنّى للفلكيينَ في كُلِّ أنحاء العالم مِن مُراقبة أيّةِ إشارةٍ تُرصَد، على مدارِ 24 ساعة.”

باحِثون آخرون

بينما يتِم أعتبار معهد سيتي بِسهولةٍ، على أنه أكثر الباحثين عن الإشارات من الحضاراتِ المُتقدِّمةِ شُهرةً، إلّا أنهم ليسوا الوحيدين. لِجامعة كاليفورنيا، بيركلي (University of California، Berkeley)، عدداً من برامج سيتي قيد التنفيذ، وذلك يتضمّن مِقراب آرسيبو. تُجري جامِعة بولونيا (University of Bologna) في أيطاليا أيضاً، بَحثاً راديوياً عن الذكاء اللاأرضي. كما وتُجري جامِعَتا بيركلي وهارفارد في بوسطن بحوثاً بَصَريّة عن الذكاء اللاأرضي.

في عَرضٍ قُدِّم لمجلسِ الشيوخ الأمريكي (الكونكريس) في عام 2014، تنبّأ شوستاك بإيجاد الحياةِ في عوالِمَ أُخرى، غير الأرض، في المُستقبلِ القريب.

“لم يتِم إثباتُ وجود أيّةِ حياةٍ بعيداً عن الأرض،” كما يقول شوستاك. “أعتقِد بأن الوضع سيتغير في هذه الغُرفة، خِلال فَترة حياتِنا كُلِّنا.”

يبقى معهَد سيتي مُتفائِلاً حتى ولو لم يتِم العثور على إشارةٍ على وجود الحضارات المتقدِّمة.

وِفقاً لِموقِع برنامج سيتي، “ما نَفعلُه اليوم هو تَخديشٌ فقط على سطح ما تستطيع البحوثُ المُتطوِّرةُ فِعلَه. لَن يُثبِتَ الفشل في العثورِ على إشارةٍ أننا المخلوقاتُ المُفَكِّرة الوحيدةُ في المَجرَّة. في نِهايةِ الأمر، لايُمكن أعتِبار عَدَم وجود الدليل، دليلاً على عَدَم الوجود.”

“يَنوي مَعهَد سيتي في المضيِّ قُدُماً بِالبَحث. لا حاجَةَ للقولِ أن تَقَدُّم التكنولوجيا والأكتِشافاتِ العلميّةِ الجديدة سَتُأثِّر على أستراتيجيات سيتي المُستَقبَليّة. لايُعتَبَر الأستِسلامُ خياراً وارِداً. لم يَرجِع كريستوفَر كولومبوس (Christopher Columbus) أدراجَه بَعد فَشَلِهِ في إيجادِ أراضٍ جديدةٍ خِلال أيامِه الأوائِل في البَحر.”