في الكون يبدو أن كُل شيء يدور حول شيءٍ ما، تدور الكواكب حول النجوم، وتدور الأقمار حول الكواكب. بعض الأقمار بُركانية، وبعضها مغمور بمُحيطات عظيمة وجليد سميك، والمُثير للدهشة أن هُناك أقمار صالحة للسُكنى في مجرتنا أكثر من الكواكب الصالحة. تحكي الأقمار القصص المجهولة في الأنظمة الشمسية، بما في ذلك أقمار نظامنا الشمسي، كلٌ منها مُختلف وكُلٌ منها عالَم بذاته.

يقول الأحياء الفلكية كريس مكاي (Chris McKay): “عندما ننظر إلى نظامنا الشمسي نرى العديد من الكواكب، لكن هناك أقمار أكثر من الكواكب وهي مُثيرة من عدة نواحي أكثر من الكواكب التي تدور حولها. لدينا أقمار ساكنة وتبدو ميتة كقمرنا، لكن في النظام الشمسي الخارجي لدينا أقمار بداخلها مُحيطات، وأقمار بغلاف جوي حولها.”

القمر هو جُرم فلكي يدور حول كوكب أو جسم أصغر من كوكب قد يكون كوكباً قزماً أو جسماً آخر. الأقمار حقاً ذات منظر رائع من بعيد لكن عند الاقتراب منها نجد أكبر الثورات البُركانية وأبرد الأجواء. ويقول عالِم الأحياء الفلكية ديفيد جرينسبون (David Grinspoon): “هناك أقمار ببحيرات وأمطار وسُحب ضبابية من الميثان، وأقمار بركانية لدرجة تجعلها تُعيد تشكيل أسطُحها باستمرار، وأقمار بكافة أنواع الزغب الذي يتطاير في الفضاء حولها. إن الأقمار تحتوي بيئات أكثر تنوعاً مما نتصور.”

الأقمار بمثابة أنظمة شمسية مُصغَّرَة. فلدى زُحل مثلاً قمر يُدعى تيتان وله غلاف جوي كثيف برتقالي اللون، ولديه قمر آخر يُدعى إنسيلادوس وهو قمر جليدي يُفجِّر الأنهار الجليدية مائتي ميل نحو الفضاء. حرفياً كل قمر فريد من نوعه لكنهم يشتركون في شيءٍ واحد وهو أن جميعها أقمار طبيعية تحفظها الجاذبية في مواضعها. أيضاً الأقمار تقوم بما هو أكثر من الدوران حول الكواكب حيث أنها تساعد في ترسيخ مدارات الكواكب وتساعد على سلاسة عمل الأنظمة الشمسية. كما أن تنوّع الأقمار هو ببساطة مزيج شيّق بين قوانين الطبيعية المُتوقعَة والعشوائية التامة بين أشياء تصطدم ببعضها وتساقُط الأشلاء التي قامت بها بطريقة غير متوقعة.

وكيف تتكون الأقمار ؟

تنشأ الكواكب والأقمار بذات الطريقة، متى يشتعل نجم فإنه يُخلّف الكثير من الغبار والغاز وتتجمع جزيئات الغبار والغاز معاً لتكوّن صخوراً وتُنسَّق الصخور مع بعضها لتكوّن جلموداً وتزداد الجُسيمات في الحجم رويداً رويداً، وتسمى هذه عملية التنامي. ويقول عالِم الفيزياء الفلكية دان دوردا (Dan Durda): كأنها كرة ثلج ناشئة وتتدحرج أسفل تلّ وعندما تتدحرج فإنها تلتقط المزيد والمزيد من الجليد مما يجعلها تتدحرج أسرع وأقوى، وهذه العلمية من التنامي تحدث بالفعل في تكوين الكواكب وتكوين الأقمار أيضاً.” وقد تبدو الأقمار بسيطة إلا أنه لم يعلم أحد كيفية عملها حتى عام 2003، في اختبار انعدام الجاذبية بوكالة ناسا اكتشف رائد الفضاء/ دون بيتي أن حبّات الملح والسكر داخل حقيبة بلاستيكية تتجمع مع بعضها بدلاً من أن تطفو بعيداً عن بعضها، هكذا تتنامى الكواكب والأقمار بنفس الطريقة، لكن بدلاً من أن تتشكّل الأقمار حول النجوم فإنها تتشكّل حول الكواكب.

لكن ما الذي يجعلها متباينة عن بعضها للغاية إذا كانت مصنوعة بنفس الطريقة؟

إن مكان نشأة القمر يشكّل الفرق، فبالنظر لكاليستو و غانيميد وهما قمران من أقمار المشترى نجد أنهما مختلفان جداً، فقد نشأ غانيميد بالقرب من المشترى حيث كان هناك الكثير من الأطلال ونظراً لوجود الكثير من المواد تجمّع القمر سريعاً في حوالي عشرة آلاف عام وهو حارُ لدرجة أن الحرارة فَصَلت الجليد عن الصخور. أما كاليستو فيُخبرنا قصة مختلفة تماماً، فقد نشأ على بُعد أكبر من غانيميد حيثُ حرارة وأطلال أقل، بالتالي استغرق وقتاً طويلاً وبَرَد أكثر، وعلى نقيض غانيميد فكاليستو ذو سطح متجانس لم ينفصل الجليد عن الصخور مطلقاً.

كاليستو و غانيميد

كاليستو و غانيميد

تقول عالمة الكواكب آماندا هيندركس (Amanda Hendrix): “إن العامِل الأساسي الذي يؤثر على شكل الأقمار هو الطاقة، كمية الطاقة المعطاة كحرارة أثناء التنامي وكمية الطاقة المفقودة. كُل هذه العوامل تُخبرنا عن سبب تصرف الأقمار كحالها اليوم ولمَ هي تبدو كذلك.”

هناك 336 قمر في نظامنا الشمسي، منها 173 قمر يدورون حول ستة كواكب من الكواكب الثمانية المعروفة، و 7  أقمار تدور حول كواكب قزمة، وعشرات الأقمار الأُخرى التي تدور حول أجسام أصغر كالكويكبات. عطارد والزهرة ليس لديهما أقمار، الأرض لديها قمرُ واحد، المريخ لديه قمران، المشترى لديه 67 قمر، زُحل لديه 61 قمر، أورانوس لديه 27 قمر، نبتون لديه ثلاثة عشر قمر. وعند الحديث عن أقمار الكواكب القزمة فإن بلوتو على سبيل المثال لديه 4 أقمار.

حسناً لقد أخطأنا بشأن زُحل فهو يمتلك أكثر من بليون قمر، نعم بليون قمر وتكوّن جميعها حلقات زُحل. قد يكون القمر كتلة صخرية أو جليدية لا تناهز حجم الفقاعة، ما دام يدور حول كوكب فهو قمر. وبذلك تتكون حلقات زُحل من قطعٍ كثيرة جداً من الصخور والجليد تمتد من حجم الفقاعة حتى حجم المدينة. وتقول عالِمة الكواكب كارولين بوركو  (Carolyn Porco): “قد لا نُشير لجميع جُزيئات حلقات زحل كأقمار التي قد تصل لعرض عشرة أو عشرين متر ـ رغم كونها كذلك-، لكن عندما نعثر على جُسيم بعرض كليومتر أو كيلومترين حينها نقول عنه قمراً أو قُميراً.”

وجديرُ بالذكر أنه أحياناً تدور الأقمار حول الكويكبات، ففي عام 1993 وجدت مركبة الفضاء غاليلو قمراً صغيراً بعرض نصف ميل يدور حول كويكب يُدعى آيدا عندما مرّت بجانبه. حقيقة أن قمراً يدور حول كويكب تُخبرنا أن هذا الأمر لابُد وأنه شائع.

إن الجاذبية هي الرّاوي والكاتب لقصة الأقمار، تُمسِك بها في مدارات، تُسخن بواطنها، وتشكّل أسطحها. إنها حرفياً تتحكم في حياة وموت الأقمار، تخيّلوا كوكيباً أو مُذنباً عابراً ثُم ينحرف بطريقةٍ ما عن مساره فيعبُر بقُرب كوكب الأرض ومن ثَمَّ تسحبه الجاذبية، إذا كانت الجاذبية كبيرة فإنه يصطدم بالكوكب، وإذا كانت قليلة فإنه يُفلِت، أما إذا كانت كافية فإن الكويكب أو المُذنب يذهب ليدور حول الكوكب ويصير قمراً جديداً.

على سبيل المثال لدى المريخ قمران صغيران اسمهما فوبوس و ديموس وكلاهما كويكبان سيّاران، يندفع أحدهما للخارج وهو يدور حول الكوكب و يبتعد أكثر عن المريخ وسيتحرر في النهاية ويُكمل رحلته نحو الفضاء، ويدور الآخر ناحية الداخل ويقترب أكثر من المريخ وسيصطدم به في النهاية.

صورة محاكاة لما سيحدث لقمري المريخ

صورة محاكاة لما سيحدث لقمري المريخ

كرويثن كويكب بعرض ثلاثة أميال فقط، لكن يتم وصفه أحياناً بأنه القمر الثاني للأرض، قبل بضعة آلاف عام كان كرويثن كويكباً عادياً يدور حول الشمس كبلاين الكويكبات غيره، لكنه تهادى بعيداً عن مساره والتقطته جاذبية الأرض لكن كروثين بدلاً من أن يدور حول محور الأرض بدأ يتبعها في مسار غير منتظم بالمرة، لذا تسميته كقمر للأرض ليست دقيقة؛ إذ أنه في مدارٍ مُستقلٍ خاص به حول الشمس وليس حول الأرض.

ماذا عن قمرنا اللطيف، قمر كوكبنا الأرضي؟

قمرُنا كالكثير من الأقمار به نتوءات فوّهات، لكن من ناحية اُخرى فهو فريدٌ في النظام الشمسي. ولمدة طويلة اعتقد الفلكيون أن قمرنا قد نشأ من الأطلال المُتبقية من كوكب الأرض، لكن الحقيقة حول قمر كوكب الأرض مُدهشة للغاية، فقد نشأ في عنفٍ بالغ. في ستينيات القرن العشرين أتت نظرية مختلفة تماماً عن اعتقاد الفلكيين تُخبرنا هذه الحقيقية المُدهشة فقد افترضت النظرية أن القمر نشأ من تصادُم ضخم.

يقول عالِم الكواكب ويليام ك. هارتمان  وهو أحد مؤسسي نظرية نشأة القمر الجديدة (William K. Hartmann): “عندما راودتنا لأول مرة فكرة أن القمر قد نشأ من تصادم ضخم صارت فكرة ذائعة الصيت، وأتى إلىّ عُلماء أصدقاء وزُملاء يقولون علينا أن نُلقى كافة النظريات التطورية الرتيبة قبل أن نتكلم عن الجائحات.”

والدليل الذي احتاجه هارتمان كان على القمر بإنتظار اكىتشافه، وظلّ منتظراً حتى خطا روّاد أبوللو هُناك عام 1996 حيث أحضروا معهم مئات الباوندات من صخور القمر وتم تحليل هذه الصخور وكانت النتائج تتطابق مع الصخور في عُمق قشرة كوكب الأرض بعدما سُخِّنَت بشدة. إذاً كيف لأجزاء عميقة من قشرة الأرض أن تصير مُسخّنة بشدة وتنتهي على القمر؟. تيقّن هرتمان من معرفة كامل فكرة أن أثناء تشكّل الأرض قد صدمها كوكب بحجم المريخ تقريباً أطلقوا عليه اسم ثيا، وعندما صدم ثيا الأرض تفجّر نازعاً كُل هذه المواد الصخرية ومن ثَمَّ دارت كل هذه المواد حول الأرض لتكوّن القمر. كانت هذه الفرضية، لكن السؤال هو كيف نُبرهنها على أرض الواقع؟.

في مؤسسة فيرتيكال فان رينج التابعة لوكالة الفضاء ناسا يُعيدون تمثيل التصادم مرة اُخرى. وقد نجح الأمر في برهنة الفرضية على أرض الواقع، إذ تم فصل جُزء كامل من الكُرة التي تُمثل كوكب الأرض وهذا الجُزء كان كافياً لتكوين القمر. الآن القمر يدور على بُعد 250 ألف ميل عن الأرض لكنه لم يكن هكذا دوماً. فعندما تكوّن كان يدور على بُعد 15 ألف ميل فقط !. تخيّلوا أنكم تنظرون للسماء بعد 500 مليون عام من نشأة القمر، ستجدون القمر يحتل جزءاً هائلاً من السماء لأنه كان قريباً، وحينها كانت الأرض تدور بسرعة بحيث يستغرق اليوم ست ساعات فقط، لكن القمر كان قريباً للغاية بحيث عَمِلت جاذبيته كالمكابح التي أبطأت حركة كوكبنا. صنعت جاذبية القمر تيارات مدّية ضخمة جاشت عبر الكوكب، وتمخّضت البحار فاختلطت المعادن والمُغذّيات ومن ثَمَّ كان الحساء البدائي لنشأة أولى أشكال الحياة على كوكبنا. دون القمر لما نشأت الحياة على الأرض مُطلقاً. لربما كانت هناك اقمار اُخرى ترتبط بالحياة أيضاً، لربما كانت الأقمار هى المُختبرات الحيوية العظيمة للكون، المُختبرات الحقيقية للحياة.

الأقمار مليئة بالمفاجآت، هُنالك أقمار ببراكين ضخمة، وأقمار بمحيطات شاسعة حبيسة تحت الجليد السميك، وأقمار غنية بالمركبات العضوية. ربما نجد نشوءنا الثاني في الأقمار، وهذا النشوء الثاني هو بداية فهمنا العميق للبيئة الحيوية للكون. وللوهلة الأولى قد لا تبدو الأقمار مثالية للحياة، لكن اكتشاف الحياة على اقمار نظامنا الشمسي سُيغيّر من طريقة نظرتنا للكون تماماً، وعندها سنرفض أي نقاش يقول أن الحياة موجودة على الأرض فقط. وبوجود مليارات الأقمار في باقي الأنظمة الشمسية في الكون رُبما الحياة موجودة بالفعل لكنها بإنتظار الإكتشاف، مَنْ يدري؟.

الأقمار صغيرة لكنها لا تزال عوالم متنوّعة ومفعمة بالحيوية، كما أنها تساعدنا حقاً بفهم كيفية عمل الكون، إنها تروس ضرورية في آلة الكون. دون الأقمار لكانت الأنظمة الشمسية مختلفة للغاية.

المصادر:

CosmoLearning‎: How The Universe Works: Extreme Moons | ‎CosmoLearning Astronomy. ‎CosmoLearning. N.p., n.d. Web.‎

Sheppard, Scott S. “The Jupiter Satellite and Moon Page”. Carnegie Institution, Department of Terrestrial Magnetism.

NASA/ JPL-CALTECH/J. HORRE.

Our Solar System; Moons. (NASA).

HARVARD-SMITHSONIAN CAF.

BBC MOTION GALLARY.

ESA/ HUBBLE (M. KORNMESSER/& L.L CHRISTENSEN).