هل تساءلتُم يومًا ما الذي يجعل الذرة مُتماسكة في نظامٍ رائع وبناءٍ مُحكَم كما نراها في الكُتب وعلى الشاشات ؟

في الواقع توجد ثلاث قُوى تحافظ على تماسُك واستقرار الذرة بدايةً بقوى التجاذُب المادي بين النيوكلونات وبعضها؛ وهي قوى ضئيلة جداً، مروراً بالقوى الكهروستاتيكية (قوة التنافُر والتجاذُب الكهربي)، ونهايةً بالقوى التي تعمل على ترابُط النيوكلونات (بروتونات و نيوترونات) ببعضها لضمان استقرار أنوية الذرات المُتسقرة، وتُعرَف هذه القوى باسم القوى النووية القوية. وقد سُمِيَت بهذا الاسم لأنها ذات شدة هائلة، فتأثيرها على النيوكلونات كبير جدًا داخل الحيّز الصغير للنواة؛ إذ أنها تعمل في مدى قصير جداً بحيث لا يبدأ التجاذُب بين النيوكلونات إلا عندما تكون المسافة بينها صغيرة للغاية. كما أن القوى النووية القوية لا تعتمد على شحنة النيوكلونات حيث أنها تكون بين بروتون وبروتون أو نيوترون ونيوترون أو بروتون ونيوترون.

وقد كان التساؤل الموجود على الساحة العلمية وقتئِذ هو كيف يرتبط البروتون بالنيوترون معاً داخل النواة؟

إن القوى النووية أعظم من قوة التنافُر الكهروستاتيكية بين البروتونات وإلا لَماَ كانت هُناك نَوَى ثقيلة، لكن بالمُقابل لابُد من وجود قوى بين النيوكلونات عند مسافات صغيرة جداً تعمل بصورة أو بأخرى ‏لتكون حائلاً دون تصادم النيوكلونات ببعضها وتَمَركُزِها في نقطة واحدة كجُسيم واحد.‎

 

قُوى الترابُط النووي

من المُفتَرَض أن تكون كُتلة النواة الفعلية (كُتلة النيوكلونات المُترابطة) تُساوي الكُتلة النظرية للنواة (مجموع كُتل النيوكلونات الحُرة للنواة)، لكن القياسات الدقيقة تُثبِتُ خلاف ذلك !، بحيث تكون دائماً الكتلة الفعلية أقل من النظرية.

إذاً أين تذهب الكُتلة المفقودة؟

يتحول النقصُ في كتلة مكونات النواة إلى طاقة مُكافئة تُعرَف بطاقة الترابط النووي؛ إذ يتحول جُزء من كُتلة مكونات الذرة إلى طاقة تعمل على ترابط تلك المكونات مع بعضها.

ويُمكن حساب مقدار هذه الطاقة باستخدام علاقة آينشتين الشهيرة بين الطاقة والكُتلة، حيث إنَّ طاقة الترابُط تساوي حاصل ضرب النقص في الكتلة بوحدة الكُتل الذرية في مقدار ثابت (931). كمان أن النقص في الكُتلة يساوي حاصل طرح الكُتلة الفعلية من الكُتلة النظرية، ومِنْ ثَمَّ تكون طاقة الترابط النووي لكُل نيوكلون على حِدة تساوي حاصل قسمة طاقة الترابُط النووي الكُلية على عدد النيوكلونات (العدد الكُتلي).

فمثلاً مقدار النقص في كُتلة نواة ذرة الهيليوم هو 0.03038 وحدة كُتلة ذرية، بالتالي تكون طاقة الترابط النووي في نواة ذرة الهيليوم هي 28.28378 مليون إلكترون فولت، ومِنْ ثَمَّ ‏تكون طاقة الترابط لكُل نيوكلون تساوي 7.070945 مليون إلكترون فولت.

وجديرُ بالذكرِ أن طاقة الترابُط النووي لكُل نيوكلون تُعبر عن مدى الاستقرار النووي للذرة، حيث إن الاستقرار النووي يتناسب طردياً مع طاقة الترابُط لكُل نيوكلون في النواة.

 

لكن ما هو الاستقرار النووي؟

يُستَخدَم مُصطلح الاستقرار النووي لوصف مدى قابلية أنوية الذرات للانحلال، وعلى هذا الأساس يتم تصنيف العناصر تبعاً لاستقرار أنوية ذراتها إلى عناصر مُستقرة وعناصر غير مُستقرة.

العناصر المُستقرة تبقى فيها نواة الذرة ثابتة بمرور الزمن، دون حدوث أى نشاط إشعاعي، أما العناصر الغير مُستقرة فتتحلل فيها نواة الذرة بمرور الزمن، نتيجة حدوث نشاط إشعاعي. والنسبة بين عدد النيوترونات إلى عدد البروتونات تُحَدِد مدى استقرارية الأنوية، ومن ذلك يتضح سبب الإنحلال النووي أو النشاط الإشعاعي وهو أن البروتونات أوالنيوترونات يزداد عددها عن حد الاستقرار.

وعند الحديث عن كيفية الوصول إلى حالة الاستقرار النووي فإن الأمر ينقسم إلى عدة أقسام، أشهرها:

أولًا: عندما عدد النيوترونات أكبر من حد الاستقرار فإن الوصول لحالة الاستقرار يكون بانبعاث جُسيم بيتا (إلكترون نواة سالب)، فتتحول أحد النيوترونات الزائدة إلى بروتون حتى تتعدل النسبة بين عدد البروتونات والنيوترونات فتقترب من الاستقرار. وتتأثر أشعة بيتا تأثيرًا كبيرًا بكلا المجالين الكهربي والمغناطيسي ولها قدرة متوسطة على النفاذ خلال المواد ولها قدرة عالية على تأيين الغازات.

‏ثانيًا: عندما عدد النيوكلونات أكبر من حد الاستقرار فإن الوصول لحالة الاستقرار يكون بانبعاث جُسيم ألفا ‏‏(نواة هيليوم)، فتفقد 2 نيوترون و 2 بروتون حتى تتعدل النسبة بين عدد ‏البروتونات والنيوترونات فتقترب من الاستقرار. وكتلتها تساوي تقريباً أربعة أمثال كتلة البروتون، وتتأثر ً قليلًا بِكِلا المجالين الكهربي والمغناطيسي، وذات قدرة ضعيفة على النفاذ خلال المواد، كما لها قدرة عالية جداً على تأيين الغازات.

ثالثًا: إشعاع جاما (فوتونات عالية الطاقة والتي هي موجات كهرو مغناطيسية عديمة الكتلة والشُحنة، وذات طول موجي قصير جدًا، وسرعتها كبيرة جداً تساوي سرعة الضوء) ولا تُغيِّر العدد الكُتَلي أو العدد الذري للنواة، كما لها قدرة عالية جداً على النفاذ خلال المواد ولها قدرة منخفضة على تأيين الغازات. ولأن أشعة جاما تُمَثِل الطاقة المفقودة في النواة عندما يحدُث تفاعل نووي؛ فإنها تكون مصحوبة بأنواع إشعاعات اُخرى.

رابعًا: عندما عدد البروتونات أكبر من حد الاستقرار فإن الوصول لحالة الاستقرار يكون بانبعاث بوزيترون ‏‏(إلكترون نواة موجب)، فتتحول أحد البروتونات الزائدة إلى نيوترون حتى تتعدل النسبة بين عدد ‏البروتونات والنيوترونات فتقترب من الاستقرار.

 

إنَّ القوى النووية القوية هي أقوى قوة موجودة بالكون، وجديرٌ بالذكرِ أنه يوجد قوى اُخرى تُعرف بالقوى النووية الضعيفة، وهي التي تتحكم في الإشعاع الذري، كما أنها أحد القوى الأربع (الجاذبية – القوى الكهرومغناطيسية – القوى النووية القوية – القوى النووية الضعيفة) التي تحكُم هذا الكون.

 

المصادر:

Radioactivity Radionuclides Radiation. ‘‘Magill, Galy’’. ISBN 3-540-21116-0, Springer.

 “Federation of American Scientists: Status of World Nuclear Forces”.

 “Nuclear Weapons: Who Has What at a Glance”. Arms Control Association. October 2016.

Assuring a Future U.S.-Based Nuclear and Radiochemistry Expertise. Board on Chemical Sciences and ‎Technology. 2012. ISBN 978-0-309-22534-2.‎

Meitner L, Frisch OR (1939) Disintegration of uranium by neutrons: a new type of nuclear reaction ‎Nature.‎

Chmielewski, A.G. (2011). “Chemistry for the nuclear energy of the ‎future”. Nukleonika.‎

Tsetkov, Pavel; Usman, Shoaib (2011). Krivit, Steven, ed. Nuclear Energy Encyclopedia: Science, Technology, and Applications. Hoboken, NJ: Wiley.

‎Radiochemistry and Nuclear Chemistry; “Choppin, Liljenenzin and ‎Rydberg”. ISBN 0-7506-7463-6, Butterworth-‎Heinemann.