تاريخ اللاشيء : لقد شغلت مفاهيم مهمة العقل الانساني لاسیما تلك التي يصعب ايجاد مدلولات مادية لها في السابق مثل اللاشيء واللانهاية ومفهوم الازلية ولماذا هنالك شيء بدلا من لا شيء ولماذا نحن موجودون بدلا من عدم وجودنا.

في بلاد الرافدين شغل مفهوم اللاشيء او الصفر في جانب الرياضيات العقل العراقي منذ الاف السنين بينما انزعج الاغريق من مفهوم اللاشيء وتقبلوه على مضض اما في جانب الميثيولوجيا تزخر الاديان والحضارات بقصص كثيرة حول مفاهيم اصل لحظة الخلق وما قبله ومعنى العدم وللاشيء وولماذا خلق الكون وولحظة الخلق.

الان مع التطور العلمي الحديث بدأ مفهوم اللاشيء يتخلل النظريات العلمية الكبرى التي شغلت العلماء في القرنين الماضيين.

  1. المرحلة الاولى: كان مفهوم اللاشيء قبل مئات والاف السنين مفهوما كلاسيكيا يعني حيز من الفراغ لا يحوي مادة حتى انه لم يعر اهتماما لوجود الهواء بداخله بل لقد كان التصور في القرن السادس عشر الميلادي انه يمكنهم الطيران نحو القمر باستخدام اجنحة فقط ولم يعلموا بان الفراغ بين القمر والارض لا يحتوي على هواء.
  2. المرحلة الثانية: بعد هذا ونتيجة لمساهمات غاليليو وباسكال وغيرهم استطاع العلماء الحصول على حيز من الفراغ خال من الهواء والغازات واكتشفوا تاثيرات الضغط الجوي على حيز الفراغ وعلاقة الضغط بدرجات الحرارة فاصبح لديهم فراغ و(لاشيء متطور) وكانوا بذلك اكثر اقترابا من المفهوم الذهني.
  3. المرحلة الثالثة: نتيجة لتطور الفيزياء ونظرياتها النسبية والكمومية برز لدينا مفهوم اخر لـ( اللاشيء ) فهذا الفراغ الخالي من الهواء والغازات ممكن ان يكون عامرا بجسيمات تحت ذرية كالالكترونات والبروتونات والنيترونات وتمر عبره الفوتونات واشعة متنوعة كجسيمات الف وغاما وبيتا وتخترقه في كل لحظة جسيمات النيوترينو وبدا واضحا ان ما نعتقده فراغا لا يحوي شيئا بالاحرى هو فراغ عامر بالجسيمات.
  4. المرحلة الرابعة: اصبح بعدها الامر اكثر تعقيدا لمفهوم ( اللاشيء ) حيث برزت مفاهيم جديدة كمومية تقع ضمن اطار نظرية المجال الكمي والتي تصف الأنظمة متعددة الأجسام، خاصة في الحالات التي تحدث فيها ظهور أو اختفاء بعض الجسيمات فهي تتعامل مع الاجسام ككمات مجال وليست كجسيمات (كرات) ففي نظرية الحقل الكمومي يتم وصف ما نراه “كل شيء هو حقول أو مجالات”. بالنهاية تعتبر الجسيمات حالات إثارة في المجال (كمات مجالية ) وبالتالي اصبح اللاشيء اكثر تعقيدا مما كنا نعتقده واصبحت فكرة اللاشيء متطورة جدا فمجرد محاولة التفكير باللاشيء ستدفعنا الى ازالة العديد من التفاصل والتراكيب الداخلية للوصول لمفهوم مقنع للاشيء او العدم.
  5. عانى العلماء كثيرا في تصور فكرة اللا شيء المتطورة ولكنهم وصلوا الى النهاية تخيل أنك أزلت كل الجسيمات، والطاقة، والجاذبية… كل شيء من النظام. عندها كل ما سيبقى لديك هو الفراغ الحقيقي (true vacuum). , اه اخيرا وصلنا للفراغ الحقيقي لقد توصلنا لمفهوم اللاشيء اخيرا، حسنا لا تفرح كثيرا فيبدون ان الفيزياء قد ادخلت اصبعها داخل هذا الفراغ لتكتشف شيئا مثيرا وهو انه حتى عند المستويات الطاقية الأقل، يُوجد هناك اهتزازات في الفراغ الكمومي (quantum vacuum) للكون فهناك جسيمات كمومية تستمر بالظهور في هذا اللاشيء، ثمّ يظهر فجأةً بعض الشيء، وبعد ذلك تتصادم الجسيمات مع بعضها وسيعود اللاشيء إلى الظهور من جديد يعتقد العلماء بان الفراغ الكمومي مليء بالأمواج الكهرومغناطيسية المتأرجحة التي يستحيل التخلص منها بشكل كامل ، كأمواج المحيط التي تكون موجودة دائماً ولا يمكن إيقافها. توجد الأمواج المذكورة بجميع الأطوال الممكنة ، ويقتضي وجودها احتواء الفضاء الخاوي على كمية معيّنة من الطاقة … طاقة لا يمكننا رصدها ، لكنها موجودة دائماً ، وتسمى بـ طاقة نقطة الصفر Zero-point energy.

اصبح عدم الوجود ذهنيا اصعب من الوجود نفسه فبعد ان كان المفهوم الكلاسيكي لـ اللاشيء هو فقط ازالة الاجسام مرورا بازالة الهواء اصبح الامر معقد بعض الشيء فهنالك جسيمات وذرات وهنالك الكترونات واشعاعات واصبح الامر اكثر تعقيدا بوجود المجالات وواثاراتها الممتمثلة بالجسيمات فالان اصبح لدينا جاذبية في كافة أرجاء الكون، وحقول مغناطيسية ضعيفة قادم من نجوم متفجرة بعيدة ونوابض إنها ضعيف ، لكنها ليست لا شيئاً فحتى لو تمكنت من إزالة كل الجسيمات، وتجنب الحقول الكهربائية والمغناطيسية، فإن صندوقك سيستمر باحتواء الجاذبية لأنه لا يُمكن تفادي الجاذبية أو إلغاؤها.

 

اصبح الجدال على طاولة الفلاسفة والعلماء اكثر واقعيية ويستدعي النقاش فالان يبدو أن ذلك اللاشيء ليس هو نفسه اللاشيء “الواقعي”. ينظر الفيزيائيون المختلفون إلى أشياء مختلفة على أنها لا شيء، انطلاقاً من اللاشيء الذي يُعتبر الفراغ الكلاسيكي (classical vacuum)، ووصولاً إلى فكرة اللاشيء كمصطلح غير قابل للتمييز.

يبدو ان هذا المفهوم المسمى بالـ لاشيء هو تصور ذهني فقط عصي على الكون ان يحتوي بداخله لاشيء تمادى العلماء في تفكيرهم حيث من خلال نظرية الانفجار الكبير وصلوا الى تصور مهم ماذا كان قبل الانفجار الكبير ماذا كان قبل ولادة الكون هل كان اللاشيء حقا ؟هل ان اللاشيء المتثمل بالفراغ الكمومي الصافي هو المسبب في ولادة الكون كما تتنبأ به نظرية التضخم الحديثة ام ان هنالك فعلا لاشيئا لاشيء

الخلاصة : مثل أفكار فلسفية كثيرة، كان التصور القديم عن العدم منفصلا عن الواقع الملموس، نظرا لاعتماد المفكرين على مصادر كالتفكير المجرد والحدس الخالص بوصفها أعلى قيمة من الحس والتجريب. وحيث أن الفترة التي احتاجتها البشرية لتحقيق التطور التقني الذي يحتاجه العلم للبحث في مثل هذه الظواهر والمفاهيم الدقيقة، لا يزال من الصعب على الكثير من الأذهان أن تتخلى عن الصورة المتعارفة عن العدم المطلق، العقيم من كل إمكانية وجود أو تشكّل، نظرا لاندماجها في كثير من البنى الفكرية والفلسفية وحتى الدينية. ولكن ذلك ليس بجديد على مسيرة الأفكار العلمية، التي تنتشر برحيل المعارضين واحدا بعد واحد، كما قال ماكس بلانك.