الثابت الكوني : حقيقته وإشكالياته.  إن فكرة تمدد الكون تم اقتراحها لأول مرة من قبل الفلكي “جورج هنري لوميتر”، على الرغم من أن حسابات لوميتر كانت تتفق مع “النظرية النسبية لآينشتاين”، لكن آينشتاين لم يوافق هذا المقترح وقال للوميتر “حساباتك الرياضية كانت صحيحة لكنها سيئة جداً فيزيائياً”.

آينشتاين كان متمسكاً بالاعتقاد التقليدي الذي يقول بأن الكون ثابت، كما هو مذكور في الانجيل وأغلب النصوص الحالية لأساطير الخلق. “ثابت” لا تعني هنا كل الأجسام على الاطلاق.هم يتحركون، ولكن متوسط المسافة بينهما بصرف النظر يبقى على حاله.  أدرج آينشتاين في معادلة الجاذبية عاملاً يسمى الثابت الكوني والذي يمثل القوة الطاردة لقوة الجاذبية وهذا ما يجعل الكون لا ينهار. وايضاً يشار للثابت الكوني بأسم “عامل التصحيح” الذي هو تسمية خاطئة. مثل هذا الثابت مطلوب في معادلة آينشتاين على الرغم من عدم إعطائه قيمة معينة.

إذا كان موجباً فسينتج تنافراً مع الجاذبية، وإذا كان سالباً فسينتج لنا عامل جذب إضافي لقوة الجاذبية الطبيعية. في الفترة التي سبقت عام 1920، الفلكي ادوين هابل، كان يعمل في مرصد جبل ويلسون في ولاية كاليفورنيا، اكتشف بأن الكثير من الأجسام المنتشرة في السماء وتدعى السديم، في الواقع هي مجرات بعيدة. 

الكون يمتد أبعد من مجرتنا الام (مجرة درب التبانة).

في وقت لاحق من هذا العقد، هابل ومساعده ميلتون هيومايستون قدر المسافات بين المجرات باستخدام تقنية اخترعتها هنرييتا سوان. هذا بالإضافة إلى قياسات “الانزياح نحو الأحمر” للخطوط الطيفية من النجوم التي تم قياسها لأول مرة  من قبل العالم فيستو سيلفر. الضوء المنبعث من درجات الحرارة العالية للغاز يتم تمييزه بواسطة “الخطوط الطيفية” لترددات محددة جيداً. الغازات المختلفة لها أطياف مختلفة. من خلال مراقبة أطياف الضوء المنبعثة من النجوم، الفلكيون أصبحوا  قادرين على فك تكوين سطح النجوم. وقد لوحظ عنصر الهيليوم بواسطة هذه الطريقة في الشمس قبل أن يكتشف على الأرض.

عندما يتم إزاحة الخط الطيفي إلى أدنى تردد يسمى عندها بـ “الانزياح نحو الأحمر”، وعندما تتم إزاحته الى تردد أعلى يُسمى عندها بـ “الانزياح نحو الأزرق”. العالمان هابل وهيومسن أظهرا أن المجرات بصورة عامة  “تنزاح نحو الأحمر” وكذلك تبتعد عنا بمعدل معين. ووجدوا أن كمية الانزياح نحو الأحمر من مجرة معينة كان يتناسب تقريباً مع المسافة التي تفصله عنا، على الرغم من أن هناك الكثير من التشرذم في نقاط البيانات. قدم لوميتر تفسيراً يتفق مع معادلة آينشتاين : الكون يتوسع، لذلك مع مرور الزمن فالمجرات تتحرك، بمتوسط معين بعيداً عنا.

الانزياح نحو الأحمر الذي تم ملاحظته هو تأثير دوبلر الذي ينتج عن سرعة ابتعادها. أظهرت نتائج هابل أن المجرات تتحرك بعيدا عن بعضها البعض وكأنها ناتجة عن انفجار عملاق. عندما لاحظ ابتعاد المجرات بسرعة عالية عن بعضها البعض أصبح ذلك يُعرف بأسم الانفجار الكبير. حينما أدرك آينشتاين بأنَّ الثابت الكوني لم يكن لازماً ليتّفق مع الملاحظات النظرية، أطلق عليه تسمية “الغلطة الكبرى”. فعلى مدى عدة سنوات، تمَ افتراض أن الثابت الكوني مساوياً للصفر، ولكن رغم ذلك، لم يتم إيجاد أي سببٍ نظريٍّ لهذا الإفتراض.

في الوقت الحالي، عاد الثابت الكوني للظهور من جديد. ففي عام 1980 تم طرحه كمرشّحٍ للقوّة الطاردة التي تُنتج التوسّع الأسّي الهائل، المسمّى بالتضخم، والذي على ما يبدو أن الكون كان قد خضع له خلال اللحظات الأولى من عمره. في الآونة الأخيرة، تم اقتراح الثابت الكوني للطاقة المظلمة الطاردة المسؤولة عن التسارع في توسّع الكون والذي تمَّ اكتشافه في عام 1998.

في معادلة  آينشتاين  للجاذبية، فإنَ الثابت الكوني مساوٍ لمقدار كثافة الطاقة في الفراغ، أي الفضاء الخالي من المادة. وبمساواة هذه الكثافة مع كثافة الطاقة الصفرية المتبقية في حجمٍ معيّن بعد إزالة كافة جزيئاته، فإنك تحصل على عدد أعلى بـ 120 مقداراً أسّياً عما هو مُلاحظ.

إن قيمة ضخمة كهذه من الممكن أن ينتج عنها كونٌ من الممكن أن يتضخّم بسرعة هائلة بحيث أن المجرّات قد لا تملك وقتاً كافياً لتتكون فيه. وهذه هي المشكلة في الثابت الكوني.

استُخدمت هذه المشكلة في الثابت الكوني من قِبل المؤمنين كنموذجٍ جوهري للتناغم الدقيق للكون والذي يزعمون بأنه دليل على وجود الرب. وبالرغم من ذلك، فإن عالِم الأكوان المسيحي الإنجيلي “دون بيج” كان قد أشار إلى أنَّ القيمة الموجبة الظاهرية للثابت الكوني مُعادية نوعاً ما للحياة، لأنَّ تنافرها يعمل ضدَّ الجاذبية التثاقلية اللازمة لتكوين المجرات. فلو أنَّ الإله كان قد ناغم الكون بشكلٍ دقيقٍ ومناسب للحياة، لجعل الثابت الكونيَّ قيمةً سالبة بعض الشيء.

يدعو عالم الفيزياء ”ليونارد ساسكيند” المشكلة مع الثابت الكوني بأنّها “أمّ كلّ المشاكل الفيزيائية” و”أسوأ نبوءة على الإطلاق”. والحلّ المفضّل حالياً لهذه المشكلة بين علماء الفيزياء يسمّى بـ “الأكوان المتعدّدة” بحيث أنَّ كوننا هو مجرّد واحد من بين عدد هائل من أكوان أخرى تختلف اختلافاً شاسعاً فيما بينها بقيم الثابت الكوني بالإضافة إلى المقادير الفيزيائيّة الأخرى.

وصادفَ أنّنا نعيش في الكون المناسب لنا. يرى (ساسكيند) بأنَّ نظريّةَ الأوتار تملك حوالي 10500 حلّاً محتملاً، كلُّ واحدٍ منها من الممكن أن يتوافق مع كون منفردٍ ضمن الأكوان المتعددة.

وفي حين أنّي لا أملك شيئاً ضدَّ نظريّة الأكوان المتعددة، فإنَّ برأيي أن عمليّة حساب الثابت الكوني خاطئة تماماً بحيث يمكن تجاهله. وفي حين أنَّ علماء الفيزياء لم يصلوا حتى الآن إلى توافقٍ حول عمليّة الحساب الصحيحة، فإنَّ احد الإحتمالات التي تتوافق مع الملاحظات هو الذي يسمّى بمبدأ الهولوغرافية (مبدأ ثلاثيّة الأبعاد).

إنَّ حساب كثافة طاقة الفراغ للكون يتضمّن جمع كافة حالات الطاقة الصفرية في الكون. افترضت “أسوأ نبوءة على الإطلاق” بأن عدد الحالات يتناسب طردياً مع الحجم، ولكن الآن يوجد سببٌ لتصديق أن هذا خطأ. ولإنَّ مبدأ الهولوغرافية يؤكد على أن عدد الحالات في حجمٍ معيّنٍ يتناسب طردياً مع المساحة السطحية لذلك الحجم، كما هو الحال مع الثقب الأسود، فلا يمكن أن يملك الكون حالات أكثر من تلك الموجودة في ثقب أسود بنفس الحجم.

إن كثافة الطاقة المحسوبة من هذا الافتراض هي بنفس مقدار القوة الأسّيّة لكثافة طاقة الفراغ التي تم تقديرها من الملاحظات. وحتّى لو لم تكن هذه الطاقة هي المصدر الفعلي للطاقة المظلمة، فإن بإمكاننا القول بأنَّ الحسابات تعطي 120 مقداراً أسّيّاً من التناقض، على الأعمّ الأغلب أنه خاطئ.

لذلك، فإن التناغم الدقيق للثابت الكوني هو برهان آخر على وجود “إله الثغرات”، وفي هذه المرة، فإن الثغرة مملوءةٌ بمدفعية هاون طبيعية بحتة.

 

المصدر :

Victor Stenger, “The Problem with the Cosmological Constant”, Skeptical Briefs Volume 21.1, Spring 2011