للمرة الأولى على الإطلاق تقوم مجموعة من الألياف بحجم شعرة الإنسان بتمرير الإشارات الضوئية والكهربائية والكيميائية ذهابا وإيابا في الدماغ وبنجاح، وتعتبر هذه التقنية هي تطبيق لفكرة اقترحت قبل عامين. حيث أجريت عليها بعض التعديلات لتكون أكثر قابلية من الناحية الحيوية، حيث يمكن لهذه التقنية أن تحسن وبشكل كبير وسائل التعرف على وظائف ووصلات مناطق الدماغ المختلفة.

وقد طورت هذه الألياف من قبل علماء المادة والكيميائيين والبيولوجيين، وغيرهم من المتخصصين. وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في دورية نيتشر لعلوم الاعصاب (the journal Nature Neuroscience)، في ورقة لسيونجان بارك (Seongjun Park)، وهو طالب دراسات عليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وبولنا انكيفا (Polina Anikeeva)، أستاذ التطوير الوظيفي في قسم العلوم وهندسة المواد. وكذلك يوئيل فينك (Yoel Fink)، وهو أستاذ في قسم علوم المواد والهندسة، وغلوريا تشوي (Gloria Choi) مهندسة الكهربائية وعالمة حاسوب. وصموئيل كولدبليث (Samuel A. Goldblith) أستاذ التطوير الوظيفي في قسم العلم المعرفية.وآخرين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وغيره.

وقد صممت هذه الألياف لتحاكي مرونة وليونة أنسجة المخ. وهذا يمكن أن يجعلها قابلة لأن تزرع في أي منطقة في الدماغ مع الاحتفاظ بوظائفها لفترة طويلة مقارنة مع النموذج القياسي الحالي “الألياف المعدنية”، مما يتيح لها جمع البيانات بشكل واسع. فعلى سبيل المثال، في التجارب المختبرية على الفئران تمكن الباحثون من حقن نواقل فيروسية تحمل جينات بروتين اوبسينس”opsins”، والذي يجعل الخلايا العصبية حساسة للضوء، وتم الحقن من خلال أحد قناتي السوائل في الألياف. وقد انتظر الباحثون سريان مفعول اوبسينس، ثم بعث نبضة ضوئية من خلال الدليل الموجي البصري (the optical waveguide)، وتم تسجيل النشاط العصبي الناتج، وذلك باستخدام ستة أقطاب لتحديد ردة فعل معينة. وقد تمت العملية بأكملها من خلال الألياف المرنة والتي تبلغ فقط 200 ميكرومتر، وهي مماثلة لعرض شعرة الإنسان.

وكانت الجهود البحثية السابقة في علم الأعصاب تعتمد على أجهزة منفصلة: الإبر لحقن النواقل الفيروسية لعلم البصريات الوراثية، والألياف البصرية لتسلي الضوء، ونظام من الأقطاب الكهربائية للتسجيل، بالإضافة إلى الكثير من التعقيدات وضرورة توافق الأجهزة المختلفة معا. وتقول انكيفا “والحصول على التوافق الصحيح بين الأجهزة في الاختبارات كان احتمالياً جدا. وقد قلنا، سيكون شيء جميل أن نحصل على جهاز واحد يفعل كل شيء”.

وبعد سنوات من الجهد، تم عمل هذه التقنية من قبل الفريق بنجاح. وقالت انكيفا “يمكن أن تحقن النواقل الفيروسية التي تحمل اوبسينس مباشرة إلى الخلية، ومن ثم يتم تحفيزها للاستجابة وتسجيل النشاط، والألياف أكثر قابلية من الناحية الحيوية للبقاء لفترة طويلة”.

ولأن الألياف صغيرة جدا، تضيف انكيفا “على الأرجح، يمكننا استخدام العديد منها لمراقبة نشاط مناطق مختلفة”. ففي الاختبارات الأولية وضع الباحثون مجسات في منطقتين مختلفتين من الدماغ وفي آن واحد، تفاوتت المناطق التي تم استخدامها من تجربة إلى أخرى، وتم قياس الوقت الذي استغرقته للاستجابة خلال عبور الإشارات في ما بينها.

وكان العنصر الرئيسي الذي جعل هذه الألياف متعددة الوظائف مع إمكانية تطويرها “أسلاك” موصلة والتي حافظت على مرونتها اللازمة مع إمكانية حمل الإشارات الكهربائية بشكل جيد. فبعد الكثير من العمل، أصبح الفريق قادراً على هندسة مركب من البولي ايثلين موصل مخدر (conductive polyethylene doped) مع رقائق الجرافيت (graphite flakes)، ثم ضغطه؛ حيث أضيفت زوج آخر من الطبقات وضغطها، ثم آخر، وهكذا. وقال عضو فريق البحث بنيامين كرينا (Benjamin Grena)، المتخرج حديثا من قسم الهندسة وعلم المواد، أنه “هذه الألياف يمكن أن يطلق عليها  الفولي ميل- mille feuille (بمعنى لف الورق، أو الإسم الفرنسي لمعجنات نابليون)”. ويقول بارك أن “هذه الطريقة زادت من قابلية التوصيل للبوليمر بواسطة عامل من بين أربعة أو خمسة عوامل، وهذا ما مكننا من تقليل حجم الألياف مع المحافظة على الكمية”.

وإحدى القضايا العاجلة التي يمكن تحقيقها من خلال تلك الألياف هي أن مدة الوقت التي تستغرقه الخلايا العصبية لتصبح حساسة للضوء بعد حقنها بالمادة الوراثية. يقول فريق البحث أن هذه الخطوة كانت في السابق تخضع لتقديرات تقريبية بدائية، ولكن الآن يمكن تحديدها بشكل أكثر دقة ووضوح. وعامل التحسس المستخدم في الاختبارات الأولية حدد بأن له آثار بعد حوالي 11 يوم.

ويسعى فريق البحث إلى تقليل عرض الألياف أكثر، لجعل خصائصه اقرب للأنسجة العصبية. ويقول بارك “التحدي الهندسي القادم هو استخدام مواد أكثر مرونة، لكي تتناسب مع الأنسجة المجاورة”. وقام عشرات من الفرق البحثين من جميع أنحاء العالم بجمع عينات من الألياف الجديدة لاختبارها في البحوث الخاصة بها.

المصدر:

Massachusetts Institute of Technology. (2017, February 22). Tiny fibers open new windows into the brain: Three-in-one design allows genetic, chemical, optical, and electrical inputs and outputs.. ScienceDaily. Retrieved February 26, 2017