كثيرةٌ هي المواضيع العلمية التي يُفكر الناس بالنقاشات العلمية حولها والتبدلات في النظريات المثبتة بخصوصها والتي تنال شهرة كبيرة مثلاً النموذج الذري أو نظرية التطور أو التفاصيل الكثيرة ذات الصلة بصحتنا. لكن قلةٌ من المهتمين بالعلوم يعرفون عن التفاعل الكيميائي وكيفية حدوثه وهل له أيضاً صندوق مليئ بالتشويق كباقي العلوم؟

لنبدأ حديثنا بمعرفة مفهوم حركية التفاعل (kinetics chemistry) هو ذلك الفرع من فروع علم الكيمياء الذي يهتم بكيفية حدوث التفاعل الكيميائي نفسه بمفهوم عام، والذي يهتم بقياس معدلات سرعة التفاعلات الكيميائية وكيفية حدوثها أو ميكانيكية حدوث التفاعل نفسه. وهو فرع له أهميته الشديدة في حياتنا اليومية لاسيما بمجالات عديدة مثل الصناعات الدوائية وفي بعض الصناعات المتطورة مثل هندسة تصنيع الجزيئات والمواد.

ما أهمية حركية التفاعل؟

ما هي أهمية حركية التفاعل في حياتنا ولماذا معرفة سرعة التفاعلات الكيميائية مهمة جدا بالنسبة لنا؟

إن مبدأ حركية التفاعل مهم بالنسبة لنا ببساطة لأن كل شىء حولنا عبارة عن تفاعلات كيميائية تحدث باستمرار وذلك ليس في الأشياء المحيطة بنا فحسب ولكن أيضا بداخل أجسادنا حيث وإنك تقرأ هذا الان تحدث كثيرا من التفاعلات الكيميائية بسرعات معينة في داخل جسدك، لا يمكن ان تزيد هذه السرعات أو أن تقل، وبخلاف ذلك فقد يموت الإنسان في هذه الحالات. مثال على ذلك إذا تأخر جسمك في التعامل مع نسبة السكر في دمك عن طريق الأنسولين الطبيعي فيعتبر ذلك خللاً في الجسم يحتاج لعناية خاصة.

مثال آخر على ذلك وهو التخدير في عالم الطب حيث اذا كان سرعة زوال تأثير المخدر من جسم الانسان اقل من المدة المحسوبة قبل العملية الجراحية فقد يستفيق المريض أثناء الجراحة فمعرفة سرعة تفاعل دواء معين مع جسم الانسان و سرعة انتهاء هذا التفاعل مهم جدا خاصة في عالم الطب والصناعات الدوائية. من كل ذلك نستنتج أهمية قياس سرعة التفاعلات الكيميائية. ولكى نستطيع ان نفهم ماهية التفاعل الكيميائي وكيف يحدث في ضوء حركية التفاعلات الكيميائية (Kinetics) و ايضا سيؤهلنا كل ذلك لفهم كيفية عمل العامل الحفاز (Catalyst) وستكون هناك مقالة قادمة عن العامل الحفاز وذلك لاهمية العامل الحفاز فى الصناعة ويسعدنا ان نتلقى الاسئلة والاستفسارات بخصوص المقالة. لنبدأ بتعريف بعض المفاهيم المهمة جدا بطريقة مبسطة وسهلة.

اولا. معدل التفاعل (rate of reaction)

هو ببساطة سرعة التفاعل الكيميائي. اي انه التغير في تركيزات المتفاعلات والنواتج بالنسبة للزمن:

معدل التفاعل = التغير في تركيز المتفاعلات \ التغير في الزمن

يظهر من ذلك المعادلة ان معدل التفاعل هو تغير في تركيز المتفاعلات بالنسبة للزمن مع إشارة سالبة وذلك لأن تركيز المتفاعلات يقل مع مرور الزمن لكي تظهر النواتج ويظهر من الرسم ايضا انه يزداد تركيز النواتج.

ولكن ما هي العوامل التي تؤثر على ذلك المعدل. هل استطيع ان اجعل التفاعل يحدث بشكل أسرع؟ واذا كانت الاجابة بنعم كيف يمكننى ان افعل ذلك؟هذه العوامل تستطيع ان تؤثر على سرعة التفاعل الكيميائي :

  • حجم الجسيم: و المقصود هنا حجم الجزيئات أو الذرات المتفاعلة.
  • تركيز المتفاعلات وكلما زادت تركيزات المتفاعلات كلما زادت سرعة التفاعل.
  • الضغط: بالنسبة للغازات فزيادة الضغط تزيد من سرعة التفاعل.
  • درجة الحرارة: كلما ارتفعت درجة الحرارة كلما زادت سرعة التفاعل إلا في التفاعلات الطاردة للحرارة وتعتبر تلك حالة استثنائية.
  • الضوء: هنا بعض التفاعلات التى يعتبر الضوء كعامل حفاز فيها ويزيد سرعة التفاعل;
  • العامل الحفاز (catalyst): وهو مادة تستطيع ان تزيد من سرعة التفاعل من دون ان تدخل في التفاعل نفسه
  • مساحة السطح المعرضة للتفاعل حيث كلما زادت مساحة السطح كلما زادت سرعة التفاعل

لنأخذ مثالاً بسيطاً لنفهم ذلك وهو إذا كنت تريد سلق حبة بطاطس مثلا فكيف سيكون تأثير هذه العوامل على معدل أو سرعة تسوية هذه الحبة. ملحوظة (تسوية حبة البطاطس يعتبر تفاعلاً كيميائياً فعلا). وايضا منظف الحمامات كمثال آخر :

التفاعل الكيميائي

ثانيا. ثابت معدل التفاعل

المفهوم الثاني الذي يهمنا كثيرا ان نعرفه هو ثابت معدل التفاعل ولنفهم ذلك لنعود فيما ذكرناه مسبقا حيث ان هناك علاقة بين سرعة التفاعل  و تركيزات المتفاعلات أو النواتج. بمعنى انه هناك تناسب بين سرعة التفاعل والتركيزات ورياضيا يمكننا عندئذ وضع ثابت في المعادلة. إذا بكل بساطة هو ثابت للتناسب في معادلات سرعة التفاعل وهو يعبر كيميائيا عن سرعة التفاعل أيضا عندما تساوي التركيزات وحدة تركيز واحد. ولكن يجب ان نذكر انه لا يعتمد على التركيزات هو فقط يعتمد على الحرارة أو طبيعة المتفاعلات نفسها أو وجود عامل حفاز. ويجب ان نفرق بين معدل التفاعل وثابت معدل التفاعل. فمعدل التفاعل يعتمد على عوامل كثيرة ذكرنا معظمها مسبقا لكن ثابت معدل التفاعل لا يعتمد على تلك العوامل ابدا.

معدل التفاعل

حيث يظهر في هذا الشكل العلاقة الرياضية التى تستطيع من خلالها التفريق بين المفهومين السابقين

ثالثا. درجة التفاعل

وهو ببساطة الاس الرياضي لتركيزات المتفاعلات في معادلة معدل التفاعل ويمثل مقدار تأثير التغير في التركيزات على سرعة التفاعل.

نظريات تفسير حركية التفاعل

بعد كل ما ذكرناه عن تلك المفاهيم الأساسية بالنسبة لحركية التفاعلات الكيميائية والتي  أوضحناها. لنبدأ في النظريات التي حاولت تفسير ذلك:

  • معادلة أرينيوس Arrhenius equation
  • نظرية الاصطدام Collision theory
  • نظرية حالة الانتقال Transition state theory

تحاول هذه النظرية أرينيوس تفسير تأثير درجة الحرارة على معدل التفاعل الكيميائي. في البداية اكتشف أرينيوس انه عند زيادة درجة الحرارة بمعدل 10 درجات سيليزية يزداد معدل سرعة التفاعل بمقدار 2 الى 3 أضعاف وتتضمن معادلته ثابت سرعة التفاعل الذي له أهمية في حساب معدل وسرعة التفاعلات غير أنه لا يعتمد على الحرارة بل يعتمد على عوامل أخرى مثل نوع المذيب المستخدم.

أهم إنجازاته هو ذلك الافتراض الذي عُرف به أرينيوس حيث افترض أنه عندما تتفاعل المتفاعلات لا تكون النتائج مباشرة لكنها تكون مركب وسطى للحظات قليلة جدا وسميت هذه الحالة الوسطية السابقة لتكوين النتائج (activated complex or transition state) وافترض أرينيوس ايضا ان هذه الحالة لها طاقة أعلى من طاقة المتفاعلات بمقدار معين أسماه طاقة التفعيل. وجدير بالذكر هنا ان دراسات العالم ارينيس كانت في الاساس دراسات عملية وليست نظرية.

يوضح هذا الشكل ان حالة الإنتقال هي حالة وسطية تتكون بين المتفاعلات و النواتج وتتكون للحظات قليلة جدا ثم تبدأ المركبات التي تتكون في هذه الحالة بالتكسر لتعطى النواتج وأهم ما يميز هذه الحالة ان لها طاقة أعلى من طاقة المتفاعلات أو النواتج. ثم بعد ذلك ظهرت نظرية أخرى وهي (collision theory) نظرية الاصطدام حيث لم تكن معادلة أرينيوس متضمنة لكافة التفسيرات المتعلقة بالطاقة كما لم تكن متكاملة كنظرية ولم تتضمن سوى قياسات مختبرية.

وتفترض نظرية الاصطدام ان التفاعل الكيميائي يحدث نتيجة تصادم بين جزيئات المتفاعلات حيث ينتج من ذلك التصادم طاقة تستطيع نقل المتفاعلات إلى حالة الانتقال (Transition state) حيث تمر المتفاعلات  بحالة الإنتقال والتي تتضمن ظهور مركبات وسطية.

ثم بعد ذلك تتفكك هذه المركبات في حالة (transition state) لكي تتكون النواتج (products)، وهنا نذكر العالم المصري أحمد زويل الذي استطاع تصوير تلك المركبات الوسطية (transition state) حيث كان من المستحيل معرفة أشكال تلك المركبات الوسطية أو تصويرها لانها كانت تتكون وتتفكك في أجزاء قليلة جدا من الثانية فيستحيل أخذ عينة منها مثلا، ولكن مع اختراع  زويل وهو الكاميرا التي تستطيع أن تبطئ الصورة حتى جزء من 10^15 جزء من الثانية (فيمتو ثانية) صار من الممكن بالفعل تصوير حالة الإنتقال (transition state) وقد نال زويل جائزة نوبل في الكيمياء.

وهنا نعود مرة أخرى لنظرية الإصطدام (collision theory) وكما ذكرنا تفترض هذه النظرية ان الطاقة الناتجة من التصادمات بين الجزيئات المتفاعلة ينتج عنها طاقة كافية لتحويل المتفاعلات إلى حالة الانتقال  (transition state) ثم بعد ذلك تكون النواتج (products).

ولكن إشكالية هذه النظرية بدأت مع إحتساب ثابت معدل التفاعل ومقارنتها بالثابت المحسوب عمليا، حيث وجدوا أن الثابت المحسوب نظريا يكون دائماً أكبر من الثابت المحسوب عمليا. وهنا بدأت النظرية بتبرير ذلك بأن وصول التفاعل إلى مرحلة ظهور حالة الانتقال لا يُشترط حدوثه من كل التصادمات بل ينبغي أن تنتج طاقة كافية لذلك ويشترط ان تكون الطاقة الناتجة من ذلك التصادم اكبر من او تساوى طاقة التفعيل بينما لا تستطيع التفاعلات غير المثمرة أن تصل لذلك.

نظرية حالة الإنتقال

لمعالجة الإشكاليات السابقة ظهرت هذه النظرية حيث قامت بدراسة التفاعل الكيميائي من وجهة نظر قوانين الديناميكا الحرارية (thermodynamics) حيث افترضت وجود متغيرات ديناميكية حرارية مثل انتروبية المركب المفعل.

اهم ما أضافته هذه النظرية أنها اشترطت ان تظل المركبات المفعلة (activated complex) لفترة معينة دون ان يصطدم بها اى جسم اخر. بحيث أنه إذا اصطدم بها جسم آخر في اللحظات التى تتكون فيها هذه الحالة فإنها تفقد جزء من طاقتها نتيجة لذلك التصادم وهنا لا تستطيع ان تتكون النواتج وتعود مرة أخرى كمتفاعلات. فيعتبر ما أضافته أنه يمكن للمركب المفعل ان يعود مرة أخرى كمتفاعل اذا فقد جزءاً من طاقته في التصادم

ما هي قوانين الديناميكا الحرارية وكيفية تطبيقها على التفاعلات الكيميائية؟ ببساطة تهتم قوانين الديناميكا الحرارية بدراسة طاقة المتفاعلات وطاقة النواتج والفرق بينهما وايضا تستطيع تقديم مؤشر نظرى على حدوث التفاعل من عدمه وتستطيع من خلال تلك القوانين حساب طاقة التفعيل وتستطيع ايضا اعطائنا مؤشر بتوقع هل التفاعل سيكون طارد ام ماص للحرارة (exothermic or endothermic) وتعتبر نظرية حالة الانتقال هي النظرية الادق والاشمل في تفسير ذلك. حسنا ما هو دور العامل الحفاز (Catalyst) هنا وكيف يمكنه زيادة سرعة التفاعل وفقاً لهذه النظرية؟

العامل الحفاز هي مادة تستطيع زيادة سرعة التفاعل دون المشاركة في التفاعل نفسه وبصورة أدق فهي تشارك وفي النهاية تخرج بنفس الصورة التي دخلت التفاعل بها بحيث لا يحدث لها اى تغير في نهاية التفاعل. الذى يقوم به العامل الحفاز هو جعل التفاعل يأخذ طريق آخر من المتفاعلات إلى النواتج وهذا الطريق الآخر يكون ذو طاقة تفعيل اقل (lower activation energy) ولكنه لا يغير من طاقة التفعيل (activation energy).

في النهاية نتمنى ان نكون قدمنا صورة وبسيطة على كيفية حدوث التفاعلات وتاثير الحرارة عليها.

المصادر

  1. Principles of chemical kinetics by James House.
  2. Reaction kinetics by M. J. Pilling and P. W. Seakins
  3. Chemical kinetics and reaction mechanism J. H. Esperson
  4. Compendium of Chemical Terminology

مراجعة وتدقيق: عمر المريواني