كيف تساهم معرفة اللغة الأجنبية في تحسين عملية اتخاذ القرار؟ إن التفكير بلغة أخرى غير اللغة الأصلية يغير من طريقة تقييم الاشخاص لخياراتهم.

قد ركزت الدراسات السابقة بشكل تقليدي على كيفية التعامل مع اللغات الأجنبية مثل الفرنسية أو الإسبانية من حيث قواعد النحو و المفردات غير المفهومة، أو الصوتيات الخاطئة. لكن في السنوات الاخيرة أختبر علماء النفس ظاهرة: الشعور بعاطفة أقل عند استعمال اللغة الأجنبية، التي ذكرها قديماً كُتاب ثنائيون اللغة مثل (فلاديمير نابوكوف Vladimir Nabokov) و ( إيفا هوفمان  Eva Hoffman).

بالنظر في قائمة الكلمات المحظورة بالنسبة لكثير من متعددي اللغات، فإن السُباب بلغة أجنبية لايثير القلق نفسه، أو يستحضر الحالة العاطفية ذاتها مثلما يحدث في اللغة الأصلية. إن انخفاض الحالات العاطفية في اللغات الأجنبية يمتد لسلسة من العواطف بدءاً من: قول “أنا أحبك”، سماع التوبيخ في الطفولة، إلى قول الاكاذيب الخطيرة أخلاقياً، أو التأثر بالرسائل الاستدراجية في الاعلانات.

سعى الباحثون لفهم مدى نطاق حدود هذه الآثار العاطفية للغة. إذ يبدو أن انخفاض الكفاءة و تأخر اكتساب اللغة يعد سبباً جوهرياً لذلك. فكانت الاستجابة الموصلية للجلد، والتقارير الذاتية بالنسبة للاشخاص الذين نشأوا كأشخاص ثنائيي اللغة، متشابهة عند الاستماع إلى عبارات عاطفية بأي من اللغتين.

هناك ايضاً طريقة لإيجاد أنواع جديدة من التأثيرات العاطفية للغة بدراسة المناطق العصبية التي حددها “علم الاعصاب الادراكي cognitive neuroscience” بأنها يمكنها التبديل بين المعالجة التحليلية والعاطفية. إذ يستند الحدس، والتفكير الغريزي أو التلقائي على استجابة عاطفية سواء جيدة أو سيئة. أو بدلا من ذلك يمكن أن يكون هذا الاستنتاج نتيجة لعملية تداولية تنطوي على تحليل دقيق ومنطقي.

– هل ثنائيي اللغة أكثر تحليلاً وأقل عاطفة عند اتخاذ القرارات بلغة أجنبية؟

طرح (بواز كيسر Boaz Keysar)، (سايوري هاياكاوا Sayuri Hayakawa)، و (صن جيو آن Sun Gyu An) – من جامعة شيكاغو University of Chicago-  ذلك التساؤل في ورقة بحثية نُشرت مؤخراً في مجلة العلوم النفسية Psychological Science . شملت الدراسة تحديد  تأثيرات التأطير framing effects التي كان قد درسها (دانيال كانمان Daniel Kahneman) وآخرون. وعندما تم تحديد القرار بأنه نظرياً ينطوي على مكاسب، وجدوا أن الاشخاص يفضلون النتائج المؤكدة عن الاحتمالية، لكن عندما ينطوي على خسائر، فإنهم يفضلون المغامرة باتخاذ القرار. على سبيل المثال: هناك سيناريو محتمل يشمل 600 شخص مريض، ونوعين من الأدوية لإسعافهم، فسوف يفضل الباحثون المشاركون اختيار الدواء الذي سينقذ 200 شخص بشكل مؤكد، بدلاً عن ذلك الذي يمكن أن ينقذ الجميع بنسبة 1/3، وعدم انقاذ أحد بنسبة 2/3. لكن إذا قُدم سيناريو المرض بشكل متطابق رسمياً، ومحدد لعدد الاشخاص الذين من المتوقع موتهم، فإن الباحثون من المرجح أن يختاروا الخيار الاحتمالي. تأطير المشكلات عبر اللغة يخلق تأثيرات مختلفة وهذا هو أحد مفاتيح دور اللغة في إتخاذ القرار.

تعد ظاهرة “تأثيرات التأطير Framing effects” واحدة من الامثلة الكلاسيكية عن كيف يحيد البشر عن التفكير المنطقي، لكن في الواقع، إن الافراد لديهم نزعة طبيعية للتفكير المنطقي، مثل أولئك الذين يعانون من متلازمة آسبرجر Asperger Syndrome“، حيث أنهم أقل تأثراً بتلك المؤثرات الشفهية عند اتخاذ هذا النوع من القرارات.

– من أجل الدراسة، اختار الباحثون في شيكاغو- بشكل عشوائي- عدد من الاشخاص ثنائيون اللغة؛ للدراسة والرد على سيناريوهات صنع القرار سواء باستخدام لغتهم الاصلية أو الأجنبية. كما اجريت دراسات مماثلة في الولايات المتحدة، فرنسا، وكوريا. يعد ذلك أمر هام في الدراسة، إذ أن اللغة الأجنبية قد تصبح أكثر عاطفية، عندما تصبح لغة الحياة اليومية مثلما يحدث عند الدراسة في إحدى الجامعات الأجنبية.

كانت اللغة الإنجليزية هى اللغة الأولى للمشاركين الأمريكيين، واللغة الأجنبية للمشاركين الكوريين. في فرنسا، كانت الفرنسية هى اللغة الأم، و الإنجليزية اللغة الثانية. كانت جميع نتائج البيانات الثلاثة متسقة: حيث وجدوا أن التأثيرات المحددة القياسية موجودة في اللغة الأصلية، وغير موجودة في اللغة الأجنبية. مما يعنى أن الافراد كانوا أقل تأثرا بالجوانب العاطفية عند قراءة العبارات بلغتهم الأجنبية. تعد تلك النتائج مثيرة للاعجاب، حيث أن المرء قد يفترض أن بذل الجهد في استخدام لغة أقل كفاءة قد يقلل من المصادر المعرفية اللازمة لعملية التفكير المتداول؛ الامر الذي دفع الاشخاص لاستخدام حدسهم، وتقديم استجابات عاطفية أو فطرية.

– كما أجرى الباحثون تجارب إضافية باستخدام نموذج يسمى “loss aversion”، وهى حالة أخرى حيث العاطفة يمكن أن تؤثر في عملية اتخاذ القرار.

عادة ما يتردد الناس في قبول الرهانات التي تنطوي على احتمالية فقدان المال، حتى لو كانت هناك احتمالات ايضا تشير للفوز، مثل: احتمال بنسبة 50% لكسب 12 دولار، مقابل خسارة 10 دولار.

وجد( كيسر Keysar) وزملاؤه أنه وبغض النظر عما إذا كان الافراد ثنائيي اللغة قد قبلوا الرهان- سواء بوجود مال افتراضي أو نقدي حقيقي يمكن أن يبقى بعد انتهاء التجربة- بإيجابية في كثير من الاحيان عند استخدامهم للغة الأجنبية، وقاوموا ذلك عند استخدام لغتهم الاصلية.

ويؤكد ذلك على استنتاج أن التفكير يكون أكثر منطقية عند استخدام لغة أجنبية.

– تم اعتبار اللغة عادة على أنها وسيلة لنقل وإيصال المعلومات ( نظرية تشومسكي Chomsky الشهيرة التي تصف اللغة كنوع من الجبر العقلي). لكن يفترض الباحثون، أنه طالما الاشخاص يُجيدون اللغة بما يكفي، فإن كيفية استجابتهم لن تتأثر باللغة التي يستخدمونها. فأصبح الناس يجيبون الان على استطلاعات الرأي بشكل مختلف اعتماداً على اللغة. على سبيل المثال: اتفق الطلاب الدوليين الصينيين الذين يدرسون في أمريكا الشمالية مع القيم الصينية التقليدية أكثرعند الاجابة على استطلاع أجرى باللغة الصينية، و كان لديهم أعلى درجات الثقة بالنفس عند إكمال استبيان تقدير الذات باللغة الإنجليزية. لايزال التحقق من مدى تأثير اللغات على رود الفعل والاستجابات جارياً.

درس (كيسر Keysar) مدى تأثيرات اللغة في صنع القرار وأختبر تلك التأثيرات، مثلما نُوقشت الآثار العاطفية للغة الأخرى في الاعلى، لكن هل هذا ما يحدث خارج المختبر؟

بشكل متزايد، ينصح علماء النفس الأجانب في الولايات المتحدة بالتماس العلاج النفسي مع مستشار ثنائي اللغة، تقليل الفوارق اللغوية الدقيقة أو الآثار العاطفية؛ لتجنب اجراء محادثات خطيرة- حياة أو موت- بلغة أجنبية، مثل: محادثة جادة مع طبيب، اجراء اختبار كشف الكذب، أو الخضوع لتحقيقات الشرطة. لكن في حالات اتخاذ القرارالتي درسها الباحثون، فإن استخدام لغة أجنبية أدى إلى اتخاذ قرارات أفضل وأكثر منطقية.

– هل هذا يعني أن يسعى ثنائيوا اللغة بشكل روتيني إلى استخدام لغتهم الأجنبية عند اتخاذ القرارات؟

وهل يجب عليهم استخدام اللغة الأجنبية عند شراء منزل جديد أو التخطيط للتقاعد مثلا؟

إن نهج الإثنولوجي يمكنه تحليل الحالات التي يستخدم فيها الافراد في نهاية المطاف لغتهم الأصلية أو الأجنبية

لمزاولة الاعمال التجارية.

– و اخيراً، ينبغي اجراء مجموعة موسعة من التجارب المختبرية أو الميدانية لتحديد ما إذا كان القضاء على تأثيرات التأطير framing effects هو مجرد استنتاج معملي، أو أنه قد يؤثر على الحياة الحقيقية.

المصدر:

http://www.scientificamerican.com/article/foreign-language-improve-decisions/