لاحظنا جميعاً بداية قيام ثورة فكرية في البلدان العربية اتخذت من الانترنت منصة لها عن طريق العديد من المبادرات العلمية كالعلوم الحقيقية وغيرها وتهدف هذه المبادرات إلى دحض الخرافة وتعزيز المنهج العلمي لدى الشعوب العربية بغية النهوض بالتفكير العربي وتعزيزه، من خلال هدم المفاهيم الشائعة والخاطئة في مختلف المجالات مهما يكن أصلها ونوعها مستندةً في ذلك إلى الحقائق العلمية والتجربة.  الأمر الذي خلق نوعاً من رابط الإخوة بين اعضاء المبادرات المختلفة، إخوة دحض الخرافة إن صح التعبير. وبما أنّ سطوة الأديان أقوى من سطوة العلم في مجتمعاتنا فنجد حربهم على الخرافة تبدو أحياناً أكثر صخباً مما تقوم به هذه المبادرات مع اختلاف الأهداف طبعاً. فهل يتناسب ما تقدمه من صخب مع ما تقدمه من تأثير وما طبيعة النزاع بين الدين والخرافات؟

ولتوضيح هذا الاختلاف كان لزاماً علينا أن نستعرض الحرب التي تشنها الأديان على الخرافة وأن نستعرض ما جاء فيها بغية أن نعرف سبب الهجوم، كونهم لا يخالفون ما تقوم به الأديان في تراثها وبعض تعاليمها.

لذلك سندرج في هذا المقال بعض التناقضات التي وردت في مختلف الأديان فيما يخص العلوم الزائفة. آملين ألّا يعتبر هذا المقال هجوماً على هذه الأديان، إنّما هو مجرد قراءة موضوعية لما جاء فيها.

نبدأ بالطلاسم والرموز ذات القدرات الخارقة للطبيعة:

وأكثر ما نجدها في كتاب الجفر لدى الشيعة المنسوب لعلي بن أبي طالب والذي يعد مادة خصبة لممارسة الدجل والشعوذة وتبريرها في الأوساط التي تعترف بفاعلية وقيمة الكتاب، عند البحث لن تجد نقداً أو أي إنكار لقيمة الكتاب أو أهميته الدينية في أوساط رجال الدين الشيعة بل على العكس يُمكن إيجاد كتب مساندة مثل كتاب عمار صدرالدين شرف الدين. كتاب الجفر يتراوح بين مفهوم السر المفقود ومفهوم الطلاسم الخفية التي تكشف أسرار العالم والتي وصل بعضها إلينا. في النتيجة يعبر المفهومان عن الطبيعة السحرية للعالم ذاتها ويستخدم على نطاق واسع بين الدجالين سواء ما يُتداول على أنه من الكتاب أو من جنس الأمور الواردة في الكتاب.

ومن التراث الشيعي إلى التراث الصوفي يُمكن أن نجد الكثير من الطلاسم والاعتقاد بالطبيعة السحرية ذاتها (متحف قصر توبكابي في تركيا يحمل الكثير من الكتب والرموز المنقوشة على الملابس). أشكال متعددة غير مفهومة تستخدم في السحر كالشفاء من الأمراض والتنجيم بعلم الحروف والأرقام.

وكذلك من الأمور التي “حاربت” بها الأديان الخرافة هو التنجيم على الرغم من هذه الأديان نفسها استشهدت به ثم فرضت العقوبة على من يصدق العرافين ويتبعهم! تبدو العلاقة بين التنجيم والدين وكأنها علاقة توجس من أمر ذو قيمة فهناك في القرآن مثلاً آيات تصف آلية الحصول على المعلومات من السماء والتي تُنقل فيما بعد للمنجمين من قبل كائنات أسطورية وهي الجن، إذاً هناك إعتراف بالتأثير وبمصداقية الأمر ولكن مع تحذير وتحريم، وكأن التنجيم والطقوس السحرية تقترب من الجوهر السحري للعالم وتكشف رموزه والتي لا يجب على لاعبي اللعبة أن يصلوا إليها.

وحول التنجيم، يمكننا أن نسترجع قصة الكاهن بحيرى في التراث الإسلامي الذي يسكن مدينة بصرى في بلاد الشام، حيث أنّه تنبأ بنبوءة محمد أثناء زيارته لتلك المنطقة مع عمه أبي طالب. حيث ورد في كتب السيرة أنّ هذا الراهب تفحص النبي بعد أن جذبته الغيمة التي كانت تظله في الحر وهو ابن اثني عشر عاماً. ليتم بعد ذلك تحريم اتبّاع المنجمين وعقوبة من يتبعهم تكون ببطلان صلاته 40 يوم.

ويتشابه التراث الإسلامي مع التراث المسيحي في قصة الراهب فنجد أنّ اتباع زرداشت تنبؤوا بولادة المسيح وذلك في الإصحاح الثاني لإنجيل متى: “ولمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم، قائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم: أين يولد المسيح؟ فقالوا له: في بيت لحم اليهودية، لأنه هكذا مكتوب بالنبي: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعب إسرائيل”.

وفي نفس الوقت نجد المسيحية تدين التنجيم وتتهدد بالجحيم للمنجمين (إشعياء 47: 13-14)! حوادث كثيرة في الكتاب المقدس تدعو الناس لتصديق أخبار النجوم ومن ثم يتم نهيهم عن الأمر ببساطة.

وبالطبع لا يمكن لمقال يتحدث عن العلوم الزائفة أن يغفل عن ذكر السحر حيث نجد في جميع الأديان اعترافاً صريحاً بوجود السحر والسحرة لكنّهم محاربون بشدة وذلك بناءً على نصوص صريحة تأمر بقتلهم في بعض الأحيان، الإعتراف بتأثير السحرة وما قدمه هاروت وماروت للناس من معرفة بمجال السحر بحسب القرآن كان واضحاً لكن أيضاً مع النهي عن ممارسة الأمر.

أمّا فيما يخص وجود عالم آخر من حولنا يسكنه الجن والشياطين فنكاد لا نجد دينا إلّا ويروج لهذه الفكرة ويصورها على أنّها تهديد للنفس البشرية حيث يزرع الخوف من المس الشيطاني وتلبس الشيطان للإنسان أو حتى قيام الشياطين  بإلحاق الأذى بالبشر، وأكثر ما نجد ذلك في الديانة المسيحية والديانة الإسلامية التي وفرّت علاجاً لهذه القضية ألّا وهو الرقية الشرعية التي تستخدم لطرد الجن الذي لا يمس إلّا الأشخاص البسيطين المتدينين والشفاء من الأمراض حتى! الأمر الذي دفع بأهالي المناطق المتخلفة إلى اللجوء إليها في مرضهم متجاهلين الطب والأدوية، الأمر الذي انعكس سلباً عليهم وعلى معيشتهم ولا أعتقد بوجود داع يدفعني إلى أن أستفيض في مقارنة بين الرقية الشرعية والطب البشري وأيهما أفضل وأنجح.

نجد هناك قنوات للرقية الشرعية وعالم من الأدوية والأعشاب والمعدات والخبراء الزائفين ولا يقتصر الأمر هنا على التوجهات الصوفية بل يكاد يتركز في التوجهات الأكثر راديكالية كالسلفية.

هذا غير الدلالة على أفضال بعض المواد الغريبة والسامة أحياناً كبول البعير وغيرها مما تشتهر به الأديان المختلفة وكذلك فضل قراءة بعض السور القرآنية كزيادة الرزق والشفاء من الأمراض الأمر الذي يعد جدلياً ضمن الدين نفسه حيث نجد بعض الشيوخ الإسلاميين ينكرونها في حين يعتمد صحتها البعض الآخر.

من كل ذلك يتبين أن الحرب المعلنة من بعض الأديان على الخرافات، هي ليست حرباً منهجية تستهدف إقامة عالم عقلاني قائم على الأدلة، بل هي في أحيان كثيرة ليست سوى إتفاقاً على الطبيعة السحرية وتنافس على المنهجية السحرية التي ستقود الجمهور الساذج، الحرب على السحرة تنتهي بانتصار الرقية الشرعية. والحرب على المشعوذين ومروجي المواد الضارة تنتهي بترويج الطب النبوي، والحرب على العرافة تنتهي بإنتصار أصناف أخرى من العرافة.

يزن الحريري.