يُقال حول الرقية وطرد الشياطين : “إذا كان الجهل نعمة، فيجب أن يكون طاردي الأرواح الشريرة في نعيم”.

طرد الأرواح الشريرة هو احد الشعائر الدينية، والتي يتم فيها طرد الشيطان أو الأرواح الشريرة من الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء. في العصور القديمة كانت هذه الشعائر موجودة في العديد من الثقافات. إما اليوم، فالكنسية الرومانية الكاثوليكية لا تزال تعتقد بهذه الشعائر، ولا يزال كهنتها يمارسون طقوس “طرد الأرواح الشريرة” وهذه الطقوس مكتوبة على 27 صفحة، يستخدم فيها الماء المقدس، الطلاسم، البخور، الصلوات، رفات الجثث، ورموز مسيحية مثل الصليب. فالكنيسة الكاثوليكية تعترف بأكثر من 10 تعويذات رسمية تستخدم في أمريكا. ويقول رئيس أساقفة مدينة كالكوتا، هنري سيباستيان دسوزا (Henry Sebastian D’Souza) انه أمر كاهن أن يجري الرقية على الأم تيريزا (Mother Teresa) قبل وفاتها بوقت قصير في عام 1997 لأنه يعتقد أنها تعرضت لمس شيطاني.

إما الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا فلا يقوم كهنتها بالرقية بشكل دائم، وذلك بعد وفاة احد ضحايا عملية طرد الأرواح الشريرة في عام 1973، وكانت الضحية فتاة تدعى انيليزي ميكيل (Anneliese Michel) تبلغ من العمر 23 عام، كانت تعاني من أول الأعراض النفسية عندما كانت في عمر 16 عام. فقد كانت تعاني من  اكتئاب، نوبات صرع، وهلوسات مختلفة. واعتقدت عائلتها الكاثوليكية المتعصبة أنها تعاني من مس شيطاني، حيث وظفت اثنين من الكهنة للقيام بطقوس الرقية عليها، وبلغت عدد الطقوس 67 مرة على المرأة المريضة عقليا. وفي احد المراحل عندما أقيمت الطقوس عليها كان قد بلغ وزنها 69 باوند (31 كيلوغرام) فقط، وبعد وفاة الضحية عوقب الكهنة بالسجن فقط. بعد ذلك بدأت الكنيسة بمنح الكهنة تراخيص قبل قيامهم بطقوس الرقية، وهذه التراخيص صعب الحصول عليها. ألان يقوم الكهنة الكاثوليك الألمان بالذهاب إلى سويسرا لإجراء طقوس الرقية وطرد الشياطين. هنالك فلمان تطرقا لقصة حياة ميكيل انيليزي الأول أنتج عام 2005 تحت عنوان “The Exorcism of Emily Rose” والثاني ألماني أنتج عام 2006 تحت عنوان “Requiem”.

وكذلك معظم الطوائف البروتستانتية تقوم بممارسة الرقية. فعالم الاجتماع مايكل كونيو (Michael Cuneo) من جامعة فوردهام (Fordham University) يقول “وفقا للتقديرات الغير مبالغ بها فإن هنالك ما بين خمسمائة إلى ستمائة منظمة تمارس الرقية وطرد الشياطين لا تزال تعمل في يومنا هذا، وهنالك تقديرات أخرى تخبرنا أن المنظمات الموجودة أكثر من هذا العدد بضعفين إلى ثلاث أضعاف”.

أما القس براين كونور (Brian Connor) من ولاية كارولينا الجنوبية (South Carolina) فيقول “إن التعامل مع الأرواح الشريرة هي أكثر الأمور التي يغفلها من لديهم تفويض الكتاب المقدس”. كلام كونور كان من ضمن مقابلة أجرتها قناة أن بي سي (NBC) في تاريخ (13 نوفمبر 2001). فقد أمضى كونور مع العديد من أصدقاءه يوما كاملا وهم يتحدثون عن إخراج الشياطين  رجل يعاني من الاكتئاب والتشتت. فقد قام طارد الأرواح الشريرة بإلقاء التعاويذ من الإنجيل، حيث يقرؤونها بين الحين والأخر ويستخدمون الصلبان، بقوا متجمعين حول الرجل لساعات وهم يرددون الصلوات ويأمرون الشيطان أن يغادر. بينما قام الرجل بالعواء مثل الحيوانات في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يتلوى يطلب الإحسان إليه. فقد صاحب علاج هذا الشخص الكثير من الدراما الشافية له، فقد تقيأ قليلاً. قال كونور انه بصق الشيطان وان جميع الشياطين قد غادرت. وقاموا بمتابعة عملهم، فقد قامت المجموعة بستة جلسات رقية خلال شهرين، وألان هم على يقين أن الشياطين قد اختفت وان الرجل على ما يرام وهو ألان يبدو كأنه قد ولد من جديد. لكن هل عالجوه فعلاً؟

قام مايكل كونيو بمشاهدة فلم لطرد الأرواح الشريرة وخلص إلى أن المجموعة كانت توحي للضحية كيف يستجيب، وانه لم يلاحظ أي علامة على المس الشيطاني، أو أن الشياطين قد طردت. وعرض نفس الفيلم على طبيب نفسي وقال انه لا يمكن أن يقيم ما شاهده كطبيب نفسي، لأنه مؤمن أن المس الشيطاني حقيقة. وعندما سئل عن اعتقاده قال باختصار”الإيمان” فهذا الطبيب كان عضو في لجنة الجمعية الطب النفسي الأمريكية للطب النفسي والدين.

فأي رجل عادي قد يجد أن سلوك كلا من طاردي الأرواح والشخص المصاب مثير للاهتمام، فالإيمان بوجود الشياطين والإيمان بان الإنسان يستطيع أن يحضر كائن خارق ذو قوة نهائية وكمال هو شيء واحد، فما يسببه الشيطان بناء على ما تطلبه هو أمر وارد. فطاردي الأرواح من الكهنة والأشخاص الذين يعتقدون بأن الشيطان قد مسهم هم في الحقيقة مغرر بهم، فهم يشعرون بالفخر للمشاركة في الانتصار على الشيطان، وقد يحظى بالحب والرعاية والإشادة وحتى قد يكافأ من قبل الأشخاص المؤمنين بالرقي عندما يقوم بطرد الشيطان بقوله عبارة “المسيح هو الرب”، فلا يوجد تعقيد في ما يحدث. فالكهنة طاردي الأرواح يقومون بتلقين الشخص المصاب بالمس الكيفية التي يجب أن يتصرف بها، بالمقابل سوف يحصل على مكافأ له ولهم إلا وهي أن يقوموا بهزيمة الشيطان. فمن الممكن أن تجعل مجموعة من الأشخاص يؤمنون بالمس الشيطاني من خلال التعزيز الطائفي والخداع. فطاردي الأرواح يتمتعون بعملهم بشكل لا ريب فيه، فهم يعتقدون أنهم يقومون بمساعدة الأشخاص بهذه الطريقة، ومن المؤكد أن العديد من الإنجيليين قد تساءلوا عن الكيفية التي تمكنهم من الاشتراك في عمليات طرد الشياطين بعد مشاهدة الحلقة الخاصة بطرد الأرواح الشريرة.

أما في الإسلام فالإسلام لا يختلف عن المسيحية في هذا الموضوع. فالرقية موجودة في الإسلام ومعترف بها عند اغلب الطوائف، وهنالك من يعترض عليها أيضا، لكن عددهم قليل يكاد لا يذكر. فالرقية منتشرة في جميع الدول الإسلامية، وهنالك الكثير مراكز الخاصة بطقوس الرقية الشرعية في جميع أنحاء الدول العربية، حيث يتوافد عليها عدد مأهول من المسلمين، لكن للأسف لا تتوفر لدينا مصادر موثوقة عن عدد هذه المراكز أو عن عدد الشيوخ الذين يمارسون الرقية وكذلك لا تتوفر لدينا إحصائيات عن عدد الأشخاص الذين خضعوا للرقية.

وتنتشر الرقية الشرعية بشكل مبالغ فيه في كل الدول العربية لأسباب مختلفة. منها عدم توفر مستشفيات لمعالجة الأمراض النفسية والعقلية وبشكل حديث في هذه الدول، وكذلك عدم إعطاء اهتمام الكافي للجانب النفسي عند إصابة الأشخاص بالإمراض أو الحوادث، والسبب الثالث هو جهل اغلب مكونات مجتمع هذه الدول بأساسيات الطب الحديث والطب النفسي وانخداعهم بسهولة من قبل الأشخاص الذين يقومون بالرقية. فهم يدعون أن بإمكانهم شفاء جميع الأمراض النفسية والعضوية بواسطة الرقية. كما تستخدم الرقية الشريعة لتخليص الأشخاص من السحر والحسد.
ويستخدم القران خلال الرقية بشكل أساسي، وكذلك تستخدم أدعية وطلاسم وأحجار وكذلك النباتات وأجزاء من الحيوانات.

نشرت إحدى الصحف المصرية تقريراً عن أحد المعالجين بالرقية الذي يرتاده المئات يومياً، وذكرت انه لا يقتصر على الحالات النفسية بل يتجاوزها الى الأمراض الخطرة مثل السرطان والتهاب الكبد الفيروسي مما يجعله يشكل خطراً على حياة الناس.

وقد تؤدي أعمال ممن يدعي إمكانية شفاء الأشخاص بالرقية بحياة المرضى، كما حدث لفتاة في العشرين من عمرها والتي توفت نتيجة معالجتها بالرقية، بعد أن أخضعها مزاول الرقية لصدمات كهربائية. وكانت الفتاة قد أصيبت بمرض نفسي مما دفع ذويها إلى الالتجاء إلى أشخاص يقومون بالرقية.

وفي حالة ثانية قام احد المواطنين السعوديين بعملية رقية في فرنسا، حيث قام بخنق فتاة مغربية بغية إخراج الجن منها مما تسبب في وفاتها. وقامت السلطات الفرنسية بالحكم على الشخص السعودي بالسجن المؤبد بتهمة القتل.

ومن الاسباب التي تجعل الناس يعتقدون انهم تم شفاؤهم بالرقية هي المناعة الذاتية لجسم المريض حيث أن بعض الأمراض تستغرق وقتا حتى يقوم الجسم بقتلها، وفي إثناء مقاومة الجسد للمرض يخضع المريض للرقية فيعتقد عن الشفاء بالرقية فعالة. وهنالك عوامل خارجية تدعو الناس للتصديق، منها أن يقوم الشخص الذي يزاول الرقية بخلط علاجات طبية مع المواد التي يعطوها للمريض، وعند شفاء المريض من احد الأمراض سوف تتولد لديه قناعة أن هذه الخلطات فعالة. وتباع الخلطة بأضعاف سعر المادة الطبية.

الرقية وطرد الشياطين بالطريقة التقليدية

طارد الأرواح يمكنه أن يطردها من الأشخاص والأشياء والأماكن، لكن لا يحتاج الأمر إلى طارد أرواح حقيقي، بل يستطيع أن يقوم بها أي طارد أرواح، وان كان بسيط. ففي العادة يمكن طرد الأرواح الشريرة من خلال تعميد الطفل وكذلك عن طريق مباركة المنزل، فعلى ما يبدو أن الشيطان موجود في كل مكان. وتكون هنالك حاجة إلى طارد أرواح الشريرة الحقيقي فقط عندما تصدر من الأشخاص المصابين بالمس الشيطاني أعمال تصدر عن الشيطان أو الروح الشريرة التي بداخلهم.
معظم الحالات التي يعتقد أنها حالات مس شيطاني هي في الحقيقة تنطوي على أشخاص مصابين بأمراض عصبية أو نفسية مثل الصرع وانفصام الشخصية ومتلازمة توريت (Tourette’s syndrome)، أو ربما يكونوا أصحاء لكنهم انجروا خلف العادات الاجتماعية والتي عادة ما تكون عواقبها وخيمة. وعلى أي حال، إن أعراض المس الشيطاني التي تظهر على الأشخاص المصابين هي مشابهة لأعراض الاضطرابات الجسدية أو العاطفية وحتى الكهروكيميائية والكيمياء العصبية، أو غيرها.

وهنالك أشخاص يقومون بطرد الأرواح الشريرة بطرق غير ذات صلة بالدين، حيث يقوم بها بعض الأشخاص المتخصصين في الكشف على المرضى وتخليصهم من “الكيانات” الذين يؤمن المعالجون بأنها السبب في مشاكل المريض. فالمعالجون الذين يقومون بطرد الكيانات الشريرة ينخرطون في هذا العمل كما ينخرط الرهبان الكاثوليك والإنجيليين والبروتستانت او مشايخ المسلمين، لأنهم يعتقدون أن هنالك الكثير من الأدلة المقنعة بالنسبة لهم.  فهنالك عدد كبير من الأفراد لا يتقبلون كون فكرة الأرواح الشريرة هي خرافة، وخصوصا بعد مشاهدتهم أو قراءتهم لبعض الأعمال الأدبية مثل (The Exorcist) أو (Amityville Horror). فهم لا يستطيعون تخيل كيف يمكن لبعض الأشخاص أن يصدروا مثل هذه الأفعال، فتحتاج الكثير من الخيال لإضافة المصداقية لهذه الحكايات.

ويلجئ الأشخاص إلى طاردي الأرواح لأنهم يخشون أن يمسهم الشيطان، لكن قد يسبب طارد الأرواح ضرر اكبر مما يسبه “المس الشيطاني”. فقد تسببت عمليات طرد الأرواح الشريرة في عدد كبير من المآسي في العالم الحقيقي وعلى مر السنين، وقد تصل إلى موت الشخص المريض.
في عام 1995 في سان فرانسيسكو قام قس من الكنيسة الخمسينية بضرب امرأة حتى الموت بغية إخراج الأرواح الشريرة منها.

-في عام 1997 في غليندال بولاية كاليفورنيا، دهست امرأة كورية حتى الموت. وفي قسم برونكس في مدينة نيويورك توفيت فتاة تبلغ من العمر 5 سنوات بعد أن أجبرت على تناول خليط يتضمن الأمونيا والخل.

-في عام 1998 في نيويورك خنقت فتاة تبلغ من العمر 17 عام من قبل والدتها بواسطة كيس بلاستيك، في محاولة لقتل الشيطان الذي بداخلها.

-وفي عام 2001، في نيوزلندا تم خنق امرأة تبلغ من العمر 37 عام، تدعى جوانا لي، حتى الموت خلال عملية رقية من قبل احد كهنة الكنيسة الكورية. وقد أدين الكاهن لوقا لي بجريمة القتل الخطأ.

حذر مجموعة من طاردي الأرواح في احد البرامج التي أذيعت على قناة (MSNBC)، ومنهم الإنجيليين توم براون (Tom Brown) وبوب لارسون (Bob Larson)، المشاهدين بأن لا يحاولوا عمل الرقية داخل منازلهم لأنها قد تؤدي إلى عملية رقية فاشلة. فلعبة هؤلاء هي جلب الأشخاص المضطربين إليهم والكشف عنهم للبحث عن الشياطين التي تسبب الاضطرابات ومن ثم القيام بطقوس الرقية. فحسب معلوماتنا لم يقم براون ولارسون بقتل أي شخص، فسواء قد نفعوا الأشخاص المصابين أو سببوا لهم الضرر لا يمكن أن نعرف ذلك من البرنامج، فلم يقم احد بتتبع الأشخاص الذين قاموا بعملية الرقية لهم. وألان يقوم لارسون بعملية الرقية عن طريق الهاتف في برنامج لطرد الأرواح الشريرة على قناة الخيال العلمي (sci-fi). وقد جذب البرنامج قناة سي أن أن (CNN) فقامت بمقابلة قصيرة للارسون حول هذا الموضوع. يمكن مشاهدة الفيديو: 

الدعامة الوحيدة لطاردي الأرواح الشريرة هو النصوص المقدسة، حيث يحمل الكتاب المقدس مثلاً  في احد اليدين لدى بعض المسيحيين بينما يقومون بالتحدث إلى الشيطان الموجود في جسم الضحية في حلقة مثيرة للاهتمام لجيري سبينغر (Jerry Springer) أو جيني جونز (Jenny Jones). فيدعي طاردي الأرواح أن المصاب بالمس الشيطاني يقد يظهر أعراض مشابه للأعراض التي يصاب بها المختلين عقليا أو المصابين بخلل في وظائف الدماغ أو مدمني المخدرات أو أنهم قد أصيبوا بمس شيطاني فعلا. يبدو أن جميع المشاركين في البرنامج قد شاهدوا فيلم “طارد الأرواح الشريرة” أو احد البرامج المشابهة. أوجه التشابه بين كلام طاردي الأرواح والأشخاص الذين خضعوا لعملية طرد الأرواح قد جعل نيكولاس سبانوس (Nicholas Spanos) احد علماء النفس، وغيره من العلماء، يستنتج أن كلا من طارد الأرواح والشخص المصاب بالمس منخرطون بتعلم لعب ادوار كما في التنويم المغناطيسي تماماً.

ما يعتبر خاطئ في برنامج الذي قدم في إذاعة (MSNBC) هو أنهم لم يبذلوا جهد للحصول على رأي أي شخص غير الإنجيليين ورعاياهم. لماذا لم يقم برنامج جاد بأخذ كلام طرف ثالث؟ لماذا يجب أن نصدق بكلام براون ولارسون بان أشخاصاً أصيبوا بالمس فعلا وإنهم قاموا بعملية طرد الشيطان بنجاح ومن جميع أجزاء الجسم؟ فقد يكون طاردي الأرواح الشريرة من الإنجيليين مخادعين، أو أنهم تأثروا بتحيز تأكيدي. وحتى أن كانت نواياهم طيبة وإنهم مخدوعون يجب أن يخضع من أصيب بالمس الشيطاني لرعاية الطب نفسية.

المصادر:

http://skepdic.com/exorcism.html

http://goo.gl/iKrwXc
http://www.alarabiya.net/articles/2010/11/08/125352.html
http://www.alarabiya.net/views/2006/10/17/28336.html