كتبنا كثيراً عن الدجالين الذين يعملون تحت عنوان الرقية الشرعية، الطب النبوي، طرد الجن وغيرها من العناوين ذات الصلة بالدين. ينتشر هؤلاء في وسط الانهيار المتسارع وعدم وجود فرص للإستقرار فضلاً عن الضعف الحكومي في بلاد مثل العراق ومصر وليبيا والسودان واليمن، أو بوجود غطاء قانوني أو جماهيري للدجال الذي تحميه النصوص الدينية مثل السعودية وكثير من البلاد المذكورة سلفاً.

يروج الملا علي لخدماته مثل الرقية الشرعية، الشفاء بالقرآن، الطب الشعبي مستفيداً من وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقدم فيديوهات يظهر فيها أشخاص يدعون الشفاء على يده. مثلاً في أحد الفيديوهات يظهر الملا وهو يقرأ القرآن ويدعو بينما يؤتى له بفتاة تدعي العمى فيضع يده على عينيها ويقرأ القرآن فتنفجر الفتاة بعد قليل بالبكاء زاعمة أن بصرها قد عاد. يبدو الملا بعدها سعيداً وهو ينشد ويتكلم بفخر أمام الجمع الحاضر من الكرد والعرب الذين يكلمهم بلغتيهم بطلاقة.

تنشر الفيديوهات في قناة اليوتيوب الخاصة بالملا ويوضع رقم هاتف الملا في أسفل الفيديو، ويحرص الملا على ترجمة كلامه باللغتين في إسلوب ترويجي متواضع. يفتتح الزبائن كلامهم التقليدي بأنهم زاروا كافة الشيوخ والاطباء (وكأن الشيوخ يقعان على كفة ميزان مع الأطباء) فلم يجدوا حيلة لعلاج مريضهم. وغالباً ما يكون المكان حافلاً بالحضور من المتأثرين بخداع الملا والذين يحملون هواتفهم بهدف التصوير.

من الحالات الأخرى التي يظهر في فيديوهات لعلاجها: امرأة تدعي العجز عن الكلام، أخرى تدعي العمى، آخر أصم، أخرى تدعي الشلل. ما لم يكونوا متعاونين مع الملا مقابل مبالغ مادية تسد رمقهم أمام الأزمة المالية، فقد يحمل كثير من هؤلاء الزبائن دوافع نفسية لعيش دور المرض أو التظاهر بالمرض وصولاً الى المسرح المناسب لنيل الاهتمام من الأقارب وبعد حدوث معجزة دينية تعيد لهم اعتبارهم، في مجتمعات كثيرة الاضطرابات والمشاكل العائلية. في كثير من الحالات التي تأتي للملا يقول أهل المريض بأن الأطباء يقولون أنه سليم ولا نعلم لماذا لا يتكلم أو لماذا لا يرى أو لماذا لا يستطيع المشي.

للملا مركز كبير في منطقة كلك الواقع بين الموصل وأربيل وحيث يمكن جمع الكثير من الزبائن من الطرفين، العرب والكرد. ومن أمام مركزه حيث يدعي اشفاء امرأة مشلولة يبدو المشهد مألوفاً وكأننا نشاهد أحد الفيديوهات في الجنوب الأمريكي، إذ يبدو أن المعجزات توجد بكثرة في الأماكن حيث يمكن ترويجها. لماذا لا يظهر مثل الملا علي ملا آخر في السويد؟ لماذا لا تظهر هذه المعجزات حيث لا يؤمن بها الناس؟

بعض مروجي الخرافات يستخدمون مصطلحات علمية وحتى أبحاث للترويج، ولكن في بيئة جاهلة لم يكن الملا علي بحاجة إلا لكف طبي وبعض الملصقات الجدارية الخاصة بالمرحلة الابتدائية والتي تشرح عن اجهزة الجسم، مع ستارة خاصة بالتضميد والعمليات الصغرى، يمتزج مع ذلك الديكور ملامح لمسجد في قرية. ومع الترديد المستمر لعبارة الطب النبوي وكيف أن الطب النبوي جيد ومفيد وكيف أن القرآن معجزة تستمر القصة للملا علي حتى الخبر المفاجئ بالمرأة التي شقوا بطنها ليجدوا فيها مناديل ورقية بعد أن نصحها الملا علي بذلك.

المناديل الورقية لم تكن الحل الذي يقدمه الملا علي للمرأة تلك وحدها وليس للسمنة وحدها، بل للعجز الجنسي أيضاً كما يصف أحد مراجعيه. ينصح الملا علي النساء بتناول المناديل الورقية لخفض الوزن، وتتراكم المناديل الورقية في الامعاء بشكل خطير يسد مجرى الامعاء. كان ذلك محركاً كافياً للفت أنظار القضاء للقضايا الـ 34 التي رفعتها وزارة الصحة في إقليم كردستان العراق على الملا واعتقاله في بداية آذار، وهو نشاط متميز في ملاحقة الدجل تشكر عليه كوادر وزارة الصحة بخلاف أماكن أخرى لا تجرؤ أو تستطيع الكوادر الطبية أن تتقدم بأمر كهذا للقضاء فيها.

قبل ما يقارب العشرين يوماً من نشر هذا المقال كان خبر خروج الملا علي بكفالة مخيباً للآمال ولكن بإكمال قراءة الخبر عرفنا أن يوم 6 حزيران سيكون موعد الجلسة الأولى للمحاكمة، وهكذا فقد جائت ثمار الشكاوى إذ تم حكم الدجال بـ 3 أشهر مع وقف التنفيذ، والذي قد لا يبدو كافياً، لكنه سيكون مرفقاً بـ 3 سنوات من المراقبة الأمنية متبوعة بمنع شامل لمزاولة أي من الأعمال السابقة.

لكن هل يمكننا أن نتفائل كثيراً بذلك؟ في الواقع ان المجتمع الذي يختار ملا علي كمعالج بارز فيه لن يجد رادعاً في البحث عن غيره من الدجالين وعن خرافات أخرى! ولن نستبعد إن سمعنا أن هناك من يتهم حكومة إقليم كردستان بالتآمر على العالم الرباني لتبديد نجوميته. العلم ثم العلم هو بر الأمان الأقرب لهذه الشعوب قبل أي خطوة أخرى لمكافحة الدجالين رغم ايجابية وأهمية تلك الخطوات.