يتساءل الكثيرون كيف يمكن للطفرات تحسين النوع ومعظمها طفرات مؤذية؟ على الرغم أن من المعروف في التطور بأن الانتخاب الطبيعي ينتقي الجيد من الطفرات ويحيد الضار منها (تحييد الضرر لا استئصاله بشكل بشکل نهائي) إلا إن هذا الاكتشاف يشرح كيف تنجو الكائنات الحية من الطفرات المؤذية بشكل أكبر. من الأحياء أحادية الخلية إلى الثدييات أنشأ التطور كائنات حية معقدة التركيب بشكل أكبر وقادرة على التكيف بشكل أفضل والمذهل والمدهش أكثر هو الطفرات الجينية المؤذية خاصةً لدى المجموعات الأحيائية الصغيرة عديمة الجنس* التي لا تعيد مزج جيناتها حيث يمكن للطفرات المؤذية أن تتراكم وتسمى هذه العملية في مجال البيولوجيا التطورية بسقاطة مولر (Muller’s ratchet) التي طرحها عالم الجينات الأمريكي جوزيف مولر (Herman Joseph Muller) والتي تتنبأ بأن تلف الجينوم الذي يُتَعَذَر التخلص منه يجعل مجموعات الأحياء تتجه نحو الانقراض.

و قد أظهر Richard Neher أحد علماء مؤسسة ماكس بلانك للبيولوجيا التطورية بالتعاون مع زملائه من الولايات المتحدة كيف يعمل نموذج Muller’s ratchet بشكل دقيق وبحثوا في سبب عدم حتمية انقراض المجموعات الحية بالرغم من الطفرات المؤذية المتتالية

الغالبية العُظمى من الطفرات هي طفرات مؤذية و طبقاً للانتخاب الطبيعي فالأفراد ذوي الجينات المفضلة ينجحون بالتكاثر بنسبة أكبر و يوضح عالم الجينات ريتشارد نيهير (Richard Neher) وقائد مجموعة البحث من مؤسسة ماكس بلانك للبيولوجيا التطورية في ألمانيا بأنه في المجموعات الصغيرة كالفيروسات ألتي تتكاثر لاجنسياً خلال فترة العدوى* و يمكن أن تحدث بالصدفة بعملية عشوائية حيث تتراكم الطفرات المؤذية في الفيروسات و تنقرض مجموعة الطفرات الحرة للأفراد و هذا ما يتطابق مع نموذج مولر ألذي نُشِر سنة 1964(حسب النموذج في ذلك الحين).

و نشر كلٌ من نيهير وبوريس شرايمان (Boris Shraiman) من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا دراسة نظرية لنموذج مولر و اختاروا نموذج بسيط نسبياً لطفرات مؤذية فقط كلها تمتلك نفس التأثير على الملائمة (أي ملائمة الكائن الحي و تكيفه) و إعتبر العلماء بأن الإنتخاب الطبيعي ضد الطفرات و قاموا بتحليل كيف تؤثر الطفرات في مجموعة الأفراد الملائمين على الأفراد الأقل الملائمة وعلى المجموعة كلها. واكتشف كلٌ من نيهير وشرايمان بأن المدخل لفهم نموذج مولر هو في الإستجابة البطيئة. فلو كان عدد الأفراد الأكثر ملائمة قد انخفض فأن هذا يعني بان الملائمة تنخفض بعد فترة أو تتأخر. وفي دراسةٍ أخرى قام بها الباحثان المذكوران أعلاه مع عدد من العلماء الامريكيين من جامعة كاليفورنيا وجامعات أخرى قام فيها الباحثين بالتحقيق في قضية: كيف تنجو المجموعات التي تتكاثر لا جنسياً من نموذج مولر للطفرات المؤذية؟

مثلاً كيف يمكن لمجموعة البقاء في وضعية مستقرة لفترة طويلة حتى تقوم الطفرات المفيدة بتعويض الضرر الناتج عن الطفرات الضارة التي تتراكم؟ وفق نموذج مولر وضح نيهير بأنه في هذا النموذج الجديد تم افتراض البيئة المستقرة أولاً وطرحوا أن من الممكن إن يكون انتقاء الطفرات في حالة توازن (أي بين الضارة والنافعة) وتم بعد ذلك حساب معدل الطفرات المطلوبة لتحقيق هذا التوازن وكانت النتيجة مذهلة ومدهشة بأنه حتى ضمن ظروف غير ملائمة فأن معدل قليل نسبياً من الطفرات الإيجابية هي كافية لبقاء المجموعة.

هذه الاكتشافات يمكن لها أن تفسر عملية الإصلاح طويلة الأجل في الميتوكوندريا التي تسمى بمصانع الطاقة في الخلية والتي تمتلك جينوم خاص بها وتنقسم بشكل احادي لا جنسي، وبشكل عام فأن التطور يسير بعشوائية أو كما يقول نيهير: أليات التطور عشوائية جداً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطفرات الضارة والنافعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*للإطلاع http://www.biology-online.org/dictionary/Asexual_reproduction

*بعبارة أدق خلال فترة إنتشار الطفيليات في الجسم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المـصادر :
http://www.genetics.org/content/191/4/1283

http://www.mpg.de/5984467/mutations_populations?filter_order=LT&research_topic=BM-EB_BM-EVB_BM-G

http://www.sciencedaily.com/releases/2012/08/120810083613.htm

http://phys.org/news/2012-08-populations-survive-deleterious-mutations-scientists.html