ما قبل  الجينوم.. عن الدوغما المركزية في الوراثة

مصطلح (الجينوم) يشير إلى كامل الحمض النووي منقوص الأوكسجين DNA والذي يلتف على بروتين يُدعى الهستون، لتكوين الأجسام الصبغية (الكروموسومات) والتي يبلغ عددها 23 زوجاً لدى الإنسان.

مصطلح الدوغما أو العقيدة المركزية (Central dogma) في الوراثة يشير إلى قانون ثابت، ينص على أن الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين يتم نسخه بعملية الاستنساخ (transcription) لتشكيل الحمض النووي الريبوزي الرنا ليتم صنع البروتين  (وحدة بناء الخلايا)  عن طريق عملية الترجمة (translation).

الدوغما أو العقيدة المركزية في الوراثة 

الحمض النووي

الأحماض النووية، هي نوع خاص من المواد الكيميائية التي تحمل شفرة الجينات، هناك نوعان من الحمض النووي الريبوزي الرنا (RNA)  (ريبوزي نسبة إلى جزيئة السكر)  والحمض النووي منقوص الأوكسجين (نسبة لكون جزئية السكر الريبوزي فيه، تنقصها ذرة أوكسجين مقارنة بالحمض النووي الريبوزي الرنا)، وهو يوجد في عدة أشكال منها الحمض النووي الريبوزي المرسل (mRNA) والحمض الريبوزي الناقل (tRNA).

 

تركيبة الحمض النووي

يتكون الحمض النووي من هيكل من الأواصر (روابط الفسفور ثنائية الأستر) تربط بين الفسفور والسكر الحلقي من جهة وبين قواعد نتروجينية من جهة أخرى، تأتي هذهِ القواعد في ثلاثة أشكال، ويحدد ترتيب القواعد نوع الشفرة، تتكون كل شفرة من ثلاث قواعد متصلة مع بعضها.


عن الجينوم البشري

يمتلك الإنسان جينومين في الحقيقة، الجينوم الأول من الأم عبر البويضة، والجينوم الآخر من الأب عبر الحيامن. هذا الجينوم هو في الحقيقة سلسلة من 23 جزئية الحمض النووي منقصوص الأوكسجين (الدنا DNA) والتي تشكل جميعها 3 بلايين زوج من القواعد في الحمض النووي الدنا ما يقارب متر من الجزئيات.

لذا فعندما يبدأ الكائن في البيضة المخصبة، يكون لديه مترين من الحمض النووي. هذهِ الخلية الأولى (البيضة المخصبة) ستستمر بالانقسام، حتى يكون عند ولادة الطفل 3× 10 13 من الخلايا. وكل خلية من تلك الخلايا لديها جينوم أبوي وجينوم أموي، يزن ما يقارب 180 غرام من الحمض النووي الدنا. طول هذا الحمض النووي معادل لعشرة أضعاف قطر كوكب بلوتو، فطوله يعادل 6× 10 10 كم.

الجينات القابلة للنسخ

في الحمض النووي منقوص الأوكسجين أو الدنا توجد سلسلة من الوصفات (الجينات القابلة للنسخ) يقدر عددها ب30 ألف جين وهذا العدد مماثل لأغلب الثديات الأخرى، إذ لا توجد لدى الإنسان جينات أكثر من غيره كما كان متوقع. جزء من الجينات (10 الآف جين تقريباً) يتم نسخه لتشكيل نوع آخر من الحمض النووي وهو الحمض النووي الريبوزي (الرنا RNA) بأشكاله المتنوعة، ويسمى هذا النوع من الجينات بالجينات غير المشفرة (Non-coding genes). المتبقي من الجينات (نحو 20 ألف جين) وتسمى الجينات المشفرة أو الشفرة الجينية، يتم ترجمتها إلى بروتينات بمساعدة الحمض النووي الريبوزي (الرنا).

جيناتنا المشفرة منفصلة عن بعضها!

من الاكتشافات المثيرة للأهتمام أن جيناتنا منفصلة (splits)، الجينات القابلة للنسخ تسمى الإكسون Exons  وتكون في الجينوم مفصولة عن بعضها، عن طريق قطع متداخلة تسمى الإنترون (introns) ويتم التخلص منها عند عملية الترجمة إلى بروتين بعملية الفصل splicing

يمكن أن تكون أهمية هذا الإنفصال في السماح لكل جين بانتاج عدة أشكال من الحمض الريبوزي المرسل (mRNA)، مما سيعطي أشكالاً مختلفة من البروتينات، بعملية تسمى الفصل البديل (alternative splicing).

إذا ما نظرنا إلى جين معين فإن واحد من الأمور المدهشة أن الإكسونات صغيرة للغاية، مقارنة بالإنترونات. فمعدل حجم الإكسون لا يزيد عن 150 قاعدة. بينما معظم الانترونات يصل حجمها إلى الآف القواعد. مما يعني أن الإكسونات لا تمثل إلا 1.5% من حجم الجينوم. وهو أمر مناقض تماماً لما هو عليه الحال في البكتريا حيث الجينات القابلة للنسخ هي الغالبة.

الخلية تنسخ نصف جيناتها فقط (التعبير الجيني)

مع أن كل خلية لديها نسختين من الجينوم، إلا أن الخلايا لا تستخدم عادة إلا نصف الجينات. ما يحدد كون الجين سيتم نسخه أم لا عن طريق ما يعرف بالمشغلات الجينية (gene switches) ، وهي تشبه أزرار تشغيل أو أطفاء ضوء المصباح، تحدد فيما لو كان الجين سيتم نسخه أم لا.

تتكون المشغلات من جزء يسمى المُحفز القريب (proximal promoter) الذي يكون قريباً من الإكسون، والعناصر المنظمة البعيدة (distal regulatory elements) وهي المكان الذي ترتبط به عوامل النسخ (transcription factors) الخاصة بكل نوع من النسيج. والتي تحدد أي جين سيتم تشغيله أو إيقافه، وكيف سيكون نشاطه في خلية معينة.

يكون الجين في العادة تحت سيطرة عدة عوامل منظمة بعيدة، والتي يمكن أن تكون أمام الجين أو بعده، قريبة منه وأحياناً بعيدة جداً، تفصل بينها وبين الجين ما قد يصل الى مليون قاعدة، وأحياناً تكون عند جين آخر، وذلك لأن بوسعها أن تنظم عمل جين واحد أو عدة جينات.

هوامش على الجينات

بالإضافة إلى عملية إطفاء وتشغيل الجينات هذه، ثمة مسألة أخرى تتحكم بعملية التعبير الجيني، وهي موجودة في الجينوم الموروث من الخلية الأم، إذ توجد الشروح (annotation) التي تحدد فيما لو كان هذا الجين سيعمل أم لا، ومكان أقتصاصه وما إلى ذلك، وهي ما تعرف بالعلامات فوق الجينية (epigenetics marks)  وأكثر العلامات المدرسة في هذا الشأن، هي التعديلات التي تطرأ على بروتين الهستون (البروتين الذي يربط سلاسل الحمض النووي الدنا ببعضها البعض لتشكيل الكرموسوم)، بالاضافة إلى مثلنة الدنا (DNA Methylation).


الجينات الكاذبة

لو أخذنا كل الإكسونات وأضفنا إليها كل المشغلات الجينية، فلن تشكل إلا 5% من الجينوم. في الحقيقة نصف الجينوم البشري تقريباً هو جينوم غير بشري في الأصل، إذ هي أجزاء مقتطعة من الطفيليات والأجزاء الجينية المتنقلة التي غزت جيناتنا على مدار التاريخ. بالاضافة إلى ذلك فالجينوم غارق بالجينات الكاذبة (pseudo genes) إذ يوجد للعديد من الجينات نسخة أو أكثر غير فعالة، وثمة جينات توجد منها مليون نسخة غير فعالة. من غير المعروف سبب وجود هذهِ التكرارات، ما نعرفه أن الجهاز المناعي يعمل بفعالية لتثبيط عمل هذهِ الجينات.

المصادر:

DNA Is a Structure That Encodes Biological Information, scitable (nature edition), link: https://www.nature.com/scitable/topicpage/dna-is-a-structure-that-encodes-biological-6493050/

Anatomy of the Human Genome, Novosibirsk State University, coursera.org, link: https://www.coursera.org/lecture/disease-genes/anatomy-of-the-human-genome-BqrAM

Genome Annotation, Encyclopedia of Bioinformatics and Computational Biology, 2019, link: https://www.sciencedirect.com/topics/biochemistry-genetics-and-molecular-biology/genome-annotation