عاصر النياندرتال الإنسان الحديث لفترات طويلة وذلك قبل انقراضه منذ 28 ألف سنة. عند الحديث عن إنسان النياندرتال فإن بعض الناس يعتقدون أنه رجل الكهف ذلك المتوحش قليل العقل. ولكن أظهرت الأبحاث العلمية صورة مُفصلَة ودقيقة عنه، حيث كان هذا الإنسان قادراً على عمليات التفكير، وكان قادراً على البقاء حياً والنجاة في بعض أكثر البيئات المعروفة للبشر قسوةً وصعوبةً.

العمر

عاش هذا النوع منذ 28 – 300 ألف سنة مضت، وطبقاً لذلك يتم تصنيفه إلى:

1- إنسان النياندرتال المُبكِر (الأول) عاش منذ 300 ألف سنة تقريباً.

2- إنسان النياندرتال التقليدي (الكلاسيكي) عاش منذ 130 ألف سنة.

3- إنسان النياندرتال المُتأخِر عاش منذ حوالي 45 ألف  سنة.

التسمية

هومو: كلمة لاتينية معناها “بشر” أو “إنسان”. وهو نفس الجنس الذي يتم إطلاقه على الإنسان الحديث، والذي يشير إلى العلاقة القريبة بين إنسان النياندرتال ونوعنا.

نياندرتالنسيس: أول حفرية تم اكتشافها لهذا النوع عام 1856، كانت بقرية نياندر بألمانيا، وبما أن قرية باللغة الألمانية تعني تال، لذا فإن المعنى الكامل للاسم يُصبح الإنسان من قرية نياندر.

التوزيع

وُجِدت بقايا هذا النوع في أوروبا والشرق الأوسط، بينما وجدت حفرية لجمجمة يعتقد أنها تُمثل هذا النوع بالصين وتُعرف باسم مابا.

أكدت دراسة حديثة نُشرت عام 2009، وجود ثلاث مجموعات فرعية للنياندرتال، والتي يُمكن ملاحظة اختلافات طفيفة بينها، بل وتقترح وجود مجموعة أخرى بغرب آسيا. قامت الدراسة بتحليل التباين الجيني، وطرحت بعض السيناريوهات المُحتمَلة طبقاً لـ التركيب الجيني للحمض النووي للميتوكوندريا الموروثة من الأم – حيث قامت الدراسة وذلك في عام 1997 بتحليل 15 تسلسلاً من الحمض النووي لميتوكندريا الأم تم الحصول عليها من 12 فرد. وطبقاً للدراسة، فإن أحجام أفراد النياندرتال لم تكن ثابتة على مر الزمن، بل وربما حدث قدر معين من الهجرة بين الأنواع الفرعية.

العلاقة مع الأنواع الأخرى

برغم أننا ذوو قرابة وثيقة بإنسان النياندرتال، إلا أنه ليس سلفنا المباشر. وقد أظهرت الأدلة سواء السجل الحفري أو التحليل الجيني، أن النياندرتال ما هو إلا نوع منفصل والذي تطور كفرع جانبي في شجرة عائلة الإنسان. وقد أظهرت بعض حفريات إنسان هايدلبرغ الأوروبي خصائص تشبه تلك المُميِزة لأوائل إنسان النياندرتال (المُبكِر) – لذا فإنه من المُحتمِل جداً أن النياندرتال تطور من هذا النوع.

اُستخِدم الاسم –  الإنسان الحديث النياندرتال (هومو سابينس نياندرتالنسيس)، عندما كان يعتقد أن إنسان النياندرتال أحد أفراد نوعنا هومو سابينس، ولكن تلك النظرة والتسمية لم تعد مُفضلة الآن.

التزاوج مع الإنسان الحديث

أظهر التحليل الذي نُشر عام 2010 – لجينوم (الحمض النووي والجينات) النياندرتال، أن الإنسان الحديث والنياندرتال تزاوجوا بالفعل، برغم أنه تم على نطاق محدود. حيث قام الباحثون بمقارنة جينوم 5 أفراد من الإنسان الحديث بجينوم النياندرتال – مُكتشفين تشارك الأوروبيين والآسيويين بحوالي 1- 4 % من الحمض النووي منزوع الأُكسجين (DNA) مع النياندرتال، بينما لم يُظهر التحليل أي تشابه بين الأفريقيين والنياندرتال. وتدل هذه النتائج أن الإنسان الحديث تزاوج مع النياندرتال بعد مغادرته لأفريقيا – ولكن قبل انتشاره بآسيا وأوروبا. والمكان المُحتمل لحدوث مثل هذا التزواج – الشام (شرق البحر المتوسط، سوريا، لبنان، وفلسطين)، حيث عاصرا النوعان بعضيهما لعشرات الآلاف من السنين وذلك منذ حوالي 50 – 90 ألف سنة، ولكن هذا الدليل لا يدعم التزواج على النطاق الواسع بين النوعيْن بأوربا. ويستائل الباحثون الآن – لماذا حدث التزاوج بين النوعين على نطاق محدود رغم أنه كان بيولوجياً مُمكناً ؟، ربما تكمن الإجابة في الاختلافات الثقافية بين النوعين.

هل شارك النياندرتال أوروبا مع الدينيسوفان؟  

نُشر عام 2010 خبر اكتشاف عظام إصبع وأسنان من كهف دينيسوفا – روسيا، فلقد تم اكتشاف هذه العظام أول مرة عام 2008، ويعود عمرها لحوالي 30 – 50 ألف سنة. ما يميز الدراسة الحديثة أنه تم استخراج الحمض النووي للميتوكندريا، وتحليل تسلسله، وُجد أنه لم يطابق نظيره عند الإنسان الحديث، والنياندرتال.

وللحصول على المزيد من المعلومات، قام العلماء بالبدء باستخراج الحمض النووي. حيث يعتقد الآن أن الدينيسوفان كانوا ذوي صلة قرابة أكثر للنياندرتال، لا الإنسان الحديث. ومن هنا، تقترح الأدلة أن النياندرتال والدينيسوفان يتشاركون سلف مشترك، وذلك بعد انفصال النياندرتال والإنسان الحديث. من المُحتمل أن هذا السلف المشترك بين النياندرتال والدينيسوفان غادر أفريقيا منذ حوالي نصف مليون سنة، مع انتشار النياندرتال غرباً إلى الشرق الأدنى وأوروبا، بينما انتشر الدينيسوفان شرقاً. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الدينيسوفان نوعاً جديداً، فربما أنه نوعٌ معروف لدينا من الحفريات التي لا تمتلك حمض نووي (دنا)، مثل إنسان هايدلبرغ أو الإنسان السالف.

جماجم نياندرتالالخصائص المورفولوجية

يتميز النياندرتال بكونه بشراً، يمتلك بعض الملامح المميزة للوجه، بل ويمتلك أيضاً جسماً قصيراً وبديناً، وهذه الميزات لم تكن إلا تكيفات تطورية للبيئة الباردة والجافة التي عاش فيها هذا الإنسان.

شكل وحجم الجسم

امتلك النياندرتال هياكل متينة، بل وأجسام عضلية عن الإنسان الحديث. وكما ذكرنا آنفاً جسماً قصيراً.

متوسط طول الذكر 168 سم، بينما متوسط طول الأنثى 156 سم.

المخ

امتلك النياندرتال مخاً أكبر من الإنسان الحديث، حيث وصلت سعة الجمجمة لحوالي 1500 سم3. وهذا متوقع، لأن هذا الإنسان كان أكثر ضخامة وقوة من نوعنا. حيث يميل الإنسان الذي يعيش في المناخ البارد إلى امتلاكه مخاً أكبر من هذا الذي يعيش بالمناخ الدافئ.

الجمجمة

تميزت الجمجمة بكونها طويلة ومنخفضة، ومستديرة.

وُجد بمؤخرة الجمجمة، انتفاخ – نتوء يُسمى نتوء العظم القذالي، وانخفاض يُسمى انخفاض فوق مؤخرة العنقْ. وذلك من أجل عضلات عنق قوية.

امتلك قوسٌ حاجبية سميكة ومدورة، وجبهة مستوية – مسطحة، ومُتقلِصة.

تُظهر منطقة منتصف الوجه، بروز ممُيز للأمام.

تميز محجر العين بكونه كبيراً – واسعاً ومدوراً.

امتلك أنفاً عريضة، وضخمة جداً.

الفكوك والأسنان

امتلك النياندرتال فكاً أكبر، وأمتن من الإنسان الحديث. بل وامتلك أيضاً فجوة – فراغ خلف الضرس الثالث يُسمى الفراغ خلف ضرسي.

افتقر الفك إلى البروز العظمي بالذقن، الموجود لدى نوعنا.

تميزت الأسنان بكونها أكبر من نظيرتها لدينا.

الأطراف والحوض

تميزت عظام الأطراف بكونها سميكة، وامتلكت مفاصل كبيرة، مما يشير إلى امتلاك هذا النوع لعضلات أذرع وسيقان قوية.

قصر عظام القصبة، والساعد مقارنة بالإنسان الحديث، مطابق لما يتميز به هؤلاء الذين يعيشون في المناخات الباردة.

امتلكوا حوضاً أعرض من الإنسان الحديث.

دراسات الحمض النووي والبيولوجيا الجزيئية

إن النياندرتال هو النوع الوحيد القريب منا، الذي تم إجراء دراسات على حمضه النووي والجزيئات الحيوية الأخرى. برغم أن العديد من الدراسات والتي تم الشروع بها، منذ نشر أول دراسة عام 1997، تظل أهمهم عبارة عن نشر مسودة أولية لجينوم النياندرتال عام 2009.

وأظهرت دراسات امتلاك النياندرتال لجين مسؤول عن الشعر الأحمر والبشرة الفاتحة. وُجد أيضاً الجين FOXP2 الذي يعتقد أنه له علاقة بالقدرة اللغوية – نمتلك أيضاً نفس الجين. وأيضاً امتلاك فصيلة الدم O.

أسلوب الحياة – أولاً الثقافة

تُظهر الأدلة أن النياندرتال امتلكوا ثقافة مُعقَدة، برغم أنهم لم يتصرفوا مثل الإنسان الحديث المُبكِر، والذي عاصر النياندرتال. يتناقش العلماء حول مدى السلوك الرمزي لإنسان النياندرتال، حيث أن اكتشافات الأشياء الفنية والحُلي نادرة، خاصة إذا قُورنت بنظيرتها لدى الإنسان الحديث المُعاصر، والذي أنتج كميات كبيرة من رسومات الكهف، والأشياء الفنية والحُلي المحمولة. في الواقع، يعتقد بعض الباحثين أن النياندرتال قد افتقر إلى المهارات الإدراكية والمعرفية اللازمة لإنشاء الأشياء الفنية والرمزية، وبالتالي فقد حاكوها – استنسخوها أو حصلوا عليها عن طريق التجارة مع الإنسان الحديث المُبكِر، بدلاً من صنعها بأنفسهم. بينما يقترح آخرون، أن ندرة تلك الأدوات الرمزية والفنية ما هي إلا نتيجة لعوامل اجتماعية وسكانية.

أدوات حجرية للنياندرتال

الأدوات

استخدم النياندرتال أدوات متقدمة إلى حد معقول، تُصنف على أنها – (Mode 3 technology)، والتي استخدمها أيضاً الإنسان الحديث المُبكر – البدائي، وأُطلق عليها أدوات موستريان، نظراً للموقع الذي اُكتشفت به لو مستيه. بحلول نهاية تاريخهم الطويل بأوربا، قام إنسان النياندرتال بصناعة أدوات مُحسَنة – تعرف بـ شاتلبيرونيان، شبيهه بالأدوات المُسطحة حادة النصل الخاصة بالإنسان الحديث. وقد تم صناعة هذه الأدوات بالتزامن مع دخول الإنسان الحديث أوربا. ويعتقد بعض علماء الآثار أن هذه الأدوات ما هى إلا محاولة للنياندرتال لمحاكاة الأدوات التي شاهدوها مع الإنسان الحديث. بدلاً من ذلك، فربما حصلوا عليها بالتجارة مع الإنسان الحديث.

النار، المأوى، والملبس

بنى النياندرتال المواقد، حيثُ كانوا قادرين على التحكم بالنار للتدفئة، الطهي، والحماية. عُرف النياندرتال بارتدائهم لجلود الحيوانات خاصة بالمناطق الأكثر برودة. لا يوجد دليل مادي على أن ملابس النياندرتال قد تم خياطتها معاً، ويُرجح أنه قد تم لفها ببساطة حول الجسم وربطها. غالباً ما تم استخدام الكهوف كملاجئ، رغم ذلك فإن النياندرتال كان قادراً على بناء وتشييد الملاجئ في الخلاء.

الفن والتزيين

المحار مروحي الشكل يعتقد أنه يعود للنياندرتال

المحار مروحي الشكل يعتقد أنه يعود للنياندرتال

لم يترك إنسان النياندرتال خلفه أي دليل على الفن الرمزي، فقط دليل محدود على تزيين الجسم. أحد تلك القطع القليلة – قلادة –  وُجدت بموقع للنياندرتال يُطلق عليه  آرسي سير كيور – بفرنسا.  ويجدر بنا الإشارة أن القلادة وجدت بين مجموعة من الأدوات العظمية والتي نُسبت لثقافة شاتلبيرونيان، والتي يعدها معظم الباحثين تعود للنياندرتال. ومع ذلك، فإن إعادة تأريخ طبقات هذا الموقع عام 2010 اقترحت حدوث تلوث بين الطبقات، وبالتالي فإن هذه الأدوات ربما صُنعت بواسطة الإنسان الحديث، حيث أقاموا بهذا الموقع بأوقات لاحقة. لدينا موقع آخر يعود لثقافة شاتلبيرونيان أيضاً، حيث عُثر به على حُليّ شخصي، وحتى هذه ربما قد يكون حصلوا عليهم بالتجارة أو قاموا بمحاكاتهم.

في عام 2010، كشف العلماء عن أدوات صناعية بموقعي أنتون روك شيلتر، آفيونز كيف – بأسبانيا، واللذان يقدمان دليل غير مباشر على الفن الرمزي للنياندرتال. حيث أسفر الموقع الأول عن محار مروحي الشكل، مطلي باللون البرتقالي، بينما كشف الموقع الثاني عن صدفة والتي قد تكون اُستخدمت كحاوية للطلاء – الألوان، حيث تحتوي على بقايا صبغات حمراء وسوداء. بتأريخ الأدوات التي عثر عليها بالموقع الثاني، وجد أنها تعود لـ 45 – 50 ألف سنة، وذلك قبل وصول الإنسان الحديث لأوربا – وبالتالي فإن هذه الادوات لم يتم محاكاتها أو استنساخها.

الدفن

لقد تم غالباً دفن الموتى، ولا يوجد أي دليل حاسم لدينا على أي طقوس شعائرية. أياً كان، فقد تم اكتشاف بعض الأشياء والتي قد تُمثل مرفقات جنائزية.

البيئة والطعام

شغل هذا النوع مجموعة من البيئات عبر أوروبا والشرق الأوسط – وعاش خلال فترة من التغير المناخي. حيث تخلل العصور الجليدية بأوربا بعض الفترات الدافئة، ولكن قبل 110 ألف سنة تقريباً بدأ متوسط  درجات الحرارة في الانحدار، إلى أن ظهرت العصور الجليدية الكاملة وذلك قبل 40 ألف سنة مضت.

لدينا أدلة على أن النياندرتال قام باصطياد الفرائس الكبيرة – بل وأظهر التحليل الكيميائي لحفريات هذا الإنسان، أنهم تناولوا كميات كبيرة من اللحوم بجانب الأطعمة النباتية. وبرغم هذا النظام الغذائي المُختلط، فحوالي نصف الهياكل العظمية والحفريات التي تم دراستها، تُظهر نظام غذائي يفتقر للعناصر الغذائية.

تناقش الباحثون لوقت طويل حول تناول النياندرتال للحوم البشر. لا بد من الاعتراف أنه ليس من السهل نسب علامات التقطيع الكائنة على عظام الإنسان لأكل لحوم البشر – فربما تكون آثار أسنان الحيوانات المفترسة، أو نوع ما من الممارسات. ولكن في السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث أنه لربما – فعلاً – تناول بعض النياندرتال لحوم الإنسان على فترات أو مناسبات.

المصادر

Hominidés, “Homo neanderthalensis”

Fran Dorey, “Homo neanderthalensis”, Australian Museum, October 30, 2015

University of Texas Austin, “Homo neanderthalensis “, efossils

MCCARTHY, E. M., “Homo neanderthalensis”, Macroevolution

Archaeologyinfo, “Homo neanderthalensis

Smithsonian’s National Museum of Natural History, “Homo neanderthalensis“, Human Origins, January 3, 2017

مصطلحات

أدوات موستريان (Mousterian tools)

لو مستيه ( Le Moustier)

شاتلبيرونيان (Chatelperronian)

آرسي سير كيور (Arcy-sur-Cure)

أنتون روك شيلتر (Anton rock shelter)

آفيونز كيف (Aviones cave)

إنسان النياندرتال (Homo neanderthalensis)

إنسان النياندرتال المُبكِر (Early Homo neanderthalensis)

إنسان النياندرتال الكلاسيكي    (Classic Homo neanderthalensis)

إنسان النياندرتال المتأخر (Late Homo neanderthalensis)

الإنسان الحديث (Homo sapiens)

مابا (Maba)

الحمض النووي للميتوكوندريا الموروثة من الأم (Maternally transmitted mitochondrial DNA)

هومو سابينس نياندرتالنسيس (Homo sapiens neanderthalensis)

الدينيسوفان (Denisovians)