تمهيد:

لقد حدد العلماء أكثر من مليون نوع مختلف، في الماضي والحاضر على الأرض، وهناك ملايين أخرى بانتظار الدراسة. بالرغم من التنوع غير العادي، فإن جميع أشكال الحياة على الأرض تتشابه بشكل أساسي على المستوى الخلوي والجزيئي. فكيف تحولت هذه الخلايا إلى التنوع الحالي الرائع للحياة؟ ما هى العلاقة بين الحفريات والكائنات الحية؟ حل هذه الألغاز هو أحد أعظم إنجازات العلم. التطور هو النظرية الدامغة والمقنعة التي تفسر أصل الأنواع وتاريخ الحياة على الأرض. يقول عالم الوراثة ثيودوسيوس دوبزانسكي (Theodosius Dobzhansky)، معرباً عن أهمية هذه النظرية:

«ليس في علم الأحياء معنى إلا في ضوء التطور.» ولكي نقدر أهمية التطور فمن المهم دراسة الأدلة التي تدعم النظرية، والآلية التي تعمل بها. ويسرنا أن نقدم اليوم سلسلة أسلاف البشر، تطورهم، شكلهم، وكيف عاشوا. إن تطور أسلاف البشر لا يجب أن يقرأ على أنه زحف وتقدم نحو الإنسانية، حيث لايوجد انقسام وتشعب بين البشر والقرود، فالبشر ما هم إلا نوع من القرود.

وفي النهاية، لا يسعنا أن نقول إلا ما قاله داروين، في خاتمة كتابه أصل الأنواع:

«إن هناك جمالاً وجلالاً في هذه النظرة عن الحياة، بقواها المتعددة، والتي نفحها الخالق لأول مرة في عدد قليل من الصور أو حتى صورة واحدة. وبينما ظل هذا الكوكب يدور طبقاً لقوانين الجاذبية الثابتة، كانت ومازالت تتطور من مثل تلك البداية البسيطة صور لا نهائية من الحياة غاية في الروعة وغاية في العجب.»

أسترالوبيثكس

لقد تم اكتشاف هذا الجنس من أشباه البشر (hominins) لأول مرة في جنوب أفريقيا، ومن هنا جاءت التسمية أسترالوبيثكس (Australopithecus) والتي تعني القردة الجنوبية. لقد تمت تسمية هذا الجنس في الربع الأول من القرن العشرين، ويحتوي على 7 فصائل، اُكتشفت بجنوب أفريقيا، تنزانيا، كينيا، إثيوبيا، وتشاد، وتشمل:

  • أسترالوبيثكس أنامنيسيس (Australopithecus anamensis) ، عاش منذ حوالي 3.9 – 4.2 مليون سنة مضت.
  • أسترالوبيثكس أفارنسيس (Australopithecus afarensis) ، 2.95 – 3.85 مليون سنة.
  • أسترالوبيثكس أفريكانوس (Australopithecus africanus)، 2.1 – 3.3 مليون سنة.
  • أسترالوبيثكس جارهي (Australopithecus garhi) ، منذ حوالي 2.5 مليون سنة.
  • بارانثروبوس إثيوبيكوس (Paranthropus aethiopicus)، 2.3 – 2.7 مليون سنة.
  • بارانثروبوس روبوستس (Paranthropus robustus)، 1.2 – 1.8 مليون سنة.
  • بارانثروبوس بويزي (Paranthropus boisei)، 1.2 – 2.3 مليون سنة.

بارانثروبوس وتعني أشباه البشر الموازيين، حيث أنها عاصرت أنواعاً من جنس هومو، ويرجح أنها انحدرت من أسترالوبيثكس. وبالتالي فإنها ليست من أسلاف البشر. لذا سنكتفي بالحديث فقط عن أسترالوبيثكس أفارنسيس، أفريكانوس، أنامنيسيس، وجارهي.

لماذا سار أسلافنا على قدمين؟

هناك العديد من العوامل التي دفعت بأسلافنا إلى استخدام قدمين للسير بدلاً من أربع، ويرجع هذا لعدة أسباب من أهمها الضغوطات البيئية والتغيرات المناخية. فبينما تراجعت الغابات، أدى ذلك بأشباه البشر بالنزول لحشائش السافانا الطويلة والممتدة. حيث سمحت لهم بالرؤية عبر الحشائش الطويلة، الحذر والاحتراس من الحيوانات المفترسة، بل وساعدتهم أيضاً في جمع بقايا الطعام من المفترسات. بالإضافة إلى أنها أتاحت لهم حمل الطعام والأشياء المتحركة لمدة أطول، والحماية، وتوفيراً للطاقة بدلاً من السير على أربع، مما أتاح لهم السير لمدة أبعد، وتنظيماً لحرارة الجسم بتعريض مساحة أقل من الجسم للشمس. ونتيجة لذلك فإن أقدامهم أصبحت أطول وأقوى من أذرعهم. ويعتبر أرديبيثكوس (Ardipithecus) من أقدم أشباه البشر الذين ساروا على قدمين وذلك قبل 4.4 مليون سنة مضت. وأيضاً هناك حفريات أقدم تم اكتشافها مثل إنسان ساحل التشادي (توماي- Toumai)، و أورورين توجنسيس (Orrorin tugenensis) والتي من المحتمل أنها كانت تسير على قدمين.

1-     أسترالوبيثكس أنامنيسيس:

الظهور: عاشوا منذ (3.9 – 4.2 ) مليون سنة، في شرق أفريقيا (كينيا وإثيوبيا)، وتم اكتشاف أول حفرية من هذا النوع بالقرب من بحيرة تركانا بإثيوبيا، عام 1965 بواسطة برايان باترسون (Bryan Patterson)، واُكتشف في نفس المكان في 1994 حفريات أخرى من نفس النوع بواسطة ميف ليكي (Meave Leakey).

التطور: يعتقد انها انحدرت من أرديبيثكوس راميدس (Ardipithecus ramidus)، والتي عاشت قبل 4.4 مليون سنة. ويعتقد أنهم أسلاف أسترالوبيثكس أفارنسيس.

الشكل: كانوا أشبه بالقردة العليا أكثر من الإنسان. فطبقاً لشكل عظام الذراع والساق، فإنهم ساروا على قدمين. امتلكوا فك سميك، طويل، وضيق. مما يشير أنهم قد تناولوا أحياناً أطعمة صلبة، ولكن بشكل أساسي فإنهم كانوا آكلي نباتات، امتلكوا أيضاً قناة أذن داخلية غير متطورة.

الطعام: فواكه، وبعض الأطعمة الصلبة مثل الجوز.

أنامنيسيس

أنامنيسيس

 

2-     أسترالوبيثكس أفارنسيس

الظهور: عاشوا منذ (2.95 – 3.85) مليون سنة، بإثيوبيا وتنزانيا وكينيا، ولعل أشهر الحفريات لهذا النوع هى لوسي، والتي تم اكتشافها عام 1974، بمنطقة حدار (Hadar) بإثيوبيا.

التطور: يعتقد انها انحدرت من أسترالوبيثكس أنامنيسيس.

الشكل: تطور هذا النوع للعيش على الأشجار والأرض، مما أتاح لهم فرصة العيش لفترة طويلة رغم التغيرات الجوية والبيئية. حيث امتلكوا أذرع طويلة وقوية وأصابع مقوسة ومنحنية للعيش على الأشجار، وفي نفس الوقت امتلكوا القدرة على المشي على قدمين. ومن الجدير بالملاحظة، أن أطفالهم امتلكوا فترة أقل للنمو والوصول لمرحلة البلوغ مقارنة بالبشر. هناك بعض الأثار التي وجدت على بعض العظام في نفس مكان اكتشاف الحفرية سلام (Selam)، أن الأفارنسيس استخدموا أدوات لقطع اللحوم. وعلى الرغم من أننا لم نجد هذه الأدوات، فإن الآثار التي تركتها على العظام، واضحة وملموسة. حتى الآن فإن أقدم الأدوات التي استخدمها البشر تعود 2.5 مليون سنة للهومو هابليس (Homo habilis).

الطول: متوسط طول الذكر (151سم)، الأنثى (105سم)

الوزن: متوسط وزن الذكر (42 كجم)، الأنثى (29 كجم)

الطعام: نباتات مثل أرواق الشجر، الفواكه، والحشرات مع بعض الفقاريات الصغيرة مثل السحالي.

الحفريات المكتشفة لهذا النوع:  لوسي (lucy) ، سلام (طفل لوسي)، وهناك أيضاً آثار أقدام ليتولي (Laetoli footprints).

لوسي

لوسي

لوسي:

عاشت منذ 3.2 مليون سنة، أشهر الحفريات للأفارنسيس، نظراً لاكتمال هيكلها، حيث أنه مكتمل بنسبة 40% أي 52 قطعة عظمية تم إيجادها. امتلكت أذرع طويلة، وصدر قوي، مما مكنها من تسلق الأشجار بكفاءة، إلى جانب حوض قصير، واسع وعريض، للسير على قدمين. كما أن عظام قدميها المضغوطة، قد ساعد في دعم وزن الجسم أثناء المشي على قدمين.

 

3-    أسترالوبيثكس أفريكانوس

الظهور: عاشوا منذ (2.1 – 3.3) مليون سنة بجنوب أفريقيا، ولقد تم اكتشاف أولى الحفريات لأفريكانوس عام 1924، وسميت بطفل تونغ (Taung child)، وأطلق عليها البروفيسور رايموند دارت (Raymond Dart) هذا الاسم، والذي يعني القردة العليا الإفريقية.

الشكل: امتلك هذا النوع صفات بحيث تجعله وسط بين الإنسان، والقردة العليا التي سبقته. حيث استدارات الجمجمة بشكل أكبر عن الأنواع التي سبقته، وبالتالي فقد امتلك مخ أكبر. تضاءل حجم الأسنان ليصبح تقريباً مثل الإنسان، كما أن سن الناب لم يبرز للأمام عن باقي الأسنان.

الطول: متوسط طول الذكر ( 138سم)، الأنثى (115سم)

الوزن: متوسط وزن الذكر (41 كجم)، الأنثى (30 كجم)

الطعام: شبيه بالشيمبانزي الحديث، مثل الفواكه، النباتات، والحشرات. كما يبدو أنهم حصلوا على اللحم عن طريق بقايا الجثث المهجورة التي قُتلت بواسطة الأسود والحيوانات المفترسة.

الحفريات المكتشفة لهذا النوع:  طفل تونغ، مسز بليس (Mrs. Ples)

طفل تونغ: تبلغ هذه الحفرية عمر 3 سنوات، تم اكتشافها عام 1924 بتونغ، جنوب أفريقيا. تعود هذه الحفرية  ل 2.3 مليون سنة. يعتبر طفل تونغ هو أول حفرية لسلف بشري تم إيجادها بأفريقيا. ولقد كانت هذه الحفرية بمثابة الشمعة والشعلة التي نبهت العلماء لأهمية أفريقيا، واعتبارها المصدر الأساسي لتطور الإنسان.

4-    أسترالوبيثكس جارهي

الظهور: عاشوا منذ (حوالي 2.5) مليون سنة بشرق أفريقيا،ولقد تم اكتشاف أولى الحفريات لجارهي عام 1997، وسميت بجارهي والتي تعني مفاجأة في اللغة العفارية (Afar)، حيث تم اكتشافها.

التطور: عاصر هذا النوع أواخر أفريكانوس، مما يدفع بعض علماء الأحافير باعتباره أحدهم، ولكن بعض مميزات الوجه، الجمجمة، والأسنان تنم أنه أحد بقايا أفارنسيس. ولكن نظراً لامتلاكه أسنان ضخمة مميزة، فقد تم اعتباره نوعاً منفصلاً.

الشكل: امتلك هذا النوع من الصفات بحيث يجعل بعض العلماء بعتقدون أنه سلف الجنس البشري هومو، حيث امتلك عظام فخذ أطول مقارنة بلوسي، كما احتفظ بالأذرع الطويلة والقوية، مما يشير أنه ربما كان تغير تجاه لخطوات أطول أثناء المشي. كما يمتلك هذا النوع أسنان ضخمة مقارنة بباقي أنواع الأسترالوبيثكس.

الطعام: النباتات، وربما بعض اللحوم مثل أسلافه.

أسنان جارهي السفلى، بينما العليا على اليسار فهى أفارنسيس، والعليا على اليمين، فهى بارانثروبس بويزي.

المصادر