إحدى الأشياء الجميلة في العلم هي قدرته على تصحيح نفسه، فإذا كان فيه خطأ ما، دليل ضعيف وإدعاءات سيئة، استهداف وتتبع الأساطير إلى جذورها، ومن يتخلص منها. وتعتبر هذه العملية حيوية ومهمة في العديد من المجالات، خصوصا العرق والذكاء والجنس حيث تعوق هذه المجالات خطوات خاطئة منذ سنين.

فعلى سبيل المثال، تجارب ذبابة الفاكهة والتي أجريت من قبل عالم الأحياء البريطاني انجوس بيتمان (Angus Bateman) في عام 1940. وعند انتهاء هذه التجارب أخذ بعضهم بوضع العديد من الادعاءات حول تطور الاختلافات النفسية بين الجنسين. وكان أحدها نظرية وضعها عالم الأحياء التطوري روبرت تريفرس (Robert Trivers)، والذي ادعى أن استثمار الوالدين يكون من الإناث أكثر من الذكور. الادعاءات مثل هذه غذت العديد من الأساطير، مثل الرجال أكثر تنافسية أو أكثر مجازفة من النساء.

بينما شككت عالمة النفس كورديليا فاين (Cordelia Fine) في هذه الخرافات في كتابها الجديد (Testosterone Rex)، وقالت أنه يتناول أكبر أسطورة منتشرة: أن كل الفروق تعزى لهرمون التستوستيرون. وأضافت في ملصق الكتاب بأن العالم ينظرون إلى الاختلافات بأنها “طبيعية” في حين أنها ثقافية. ولكن أن تعمقنا في الأدلة لا نجد لها الكثير.

ونأخذ صفة المجازفة. تقول فاين أن الفتيات والنساء يستطعن القيام بالمجازفة المنافسة بمستوى الرجال والفتيان. وقد اتضح أن رؤية الفرق بين الجنسين يعتمد على ماذا طلبت من النساء القيام به وأي النساء قد طلبت منهن ذلك. فالنساء يتنافسن على الأحداث “الأكثر حيادية” أو “الخاصة بالنساء” مثل الرقص والقدرات اللفظية والأزياء. كما أن الخلفية الثقافية ومستوى التطور الاقتصادي مرتبطة مع ازدياد القدرة على المنافسة، فعلى سبيل المثال، هل النساء الصينيات أو الأرمنيات يستطيعن المنافسة مثل الرجال.

ويجب أن نوضح أن فاين لا تنكر تأثير هرمون التستوستيرون على العقل والجسد والسلوك، ولكن الأمر أنه لا يمكن اعتبار التستوستيرون “ملكاً، ولا صانعاً للملوك”. وتقول فاين أن هرمون التستوستيرون ليس “هرموناً فعالاً وجوهري في ما يخص إعطاء الرجال القدرة على المنافسة والمخاطرة” كما نعتقد، لكنه جزء من خليط بيولوجي وثقافي معقد.

وقد بينت فاين كيف انقلبت الدراسات الجديدة على القديمة عن طريق اكتشاف العديد من مغالطة “التحيز التأكيدي” في العديد من أساطير الفرق بين جنسي سمك الفرخ النهري (perch). وكذلك الحال في ما يخص أبحاث ذبابة الفاكهة الخاصة ببيتمان، حيث قالت فاين “أنها منحازة نحو عدد الذرية من الذكور”، حيث يرجع ذلك بشكل جزئي إلى قلة تطور الأساليب المستخدمة في عام 1940، وكذلك إلى كون الأشخاص يميلون لتصديق ما يرغبون دون إدراك ذلك.

وبغض النظر عن التحيزات الموجودة في تصميم البحث، فاين تلاحظ أن شكل البناءات الاجتماعية للجنسين هي حالات يلقيها الأشخاص، ولها معنى شخصي. وقد وضعت تحدي، حيث قالت “نحن معتادون على التفكير في أن هرمون التستوستيرون هو السبب في الاختلاف بين الجنسين، ماذا لو كان هذا الطريق المألوف يمكن أن يكون عكسياً؟”.

وقد وضعت فاين بعض البحوث الحديثة للإجابة على ذلك. فقد أظهر عالم النفس دوف كوهين (Dov Cohen) وزملاءه من جامعة إلينوي كيف يمكن لهرمون التستوستيرون أن يرتفع عند الذكور كردة فعل نحو تحدي بسيط. وكذلك عالم الغدد الصماء السلوكي ريتشارد فرانسيس وزملاءه قد عملوا على الأسماك القشرية، والذين أظهروا كيف يمكن للغدد التناسلية تنظيم أن تنظم الأحداث الاجتماعية. وكذلك أحد نتائج بحوث ماري لويز هيلي (Marie-Louise Healy) وزملاؤها من مستشفى سانت جيمس في دبلن، التي أظهرت بأن واحد من كل ستة ذكور من صفوة الرياضيين يملكون مستوى هرمون تستوستيرون أقل من المعدل الطبيعي.

وواحد من المفاتيح الرئيسية هو أن الأشخاص يركزون على الاختلافات بين الذكور والإناث، في حين أن فاين تؤكد على أوجه الشبه. فبالنسبه لها الاختلافات بين “الذكورة والأنوثة” هي ذات طابع يتسم بالخصوصية من ناحية الخصائص وصفات الجنس. ومن المحتمل أن تكون بعض هذه الاختلافات تعوض عند الآخرين، ما يجعل الأمر ينتهي بتشابه الجنسين، لا اختلافهما.

وفي نهاية المطاف، تتركنا فاين مدركين أن إدعاءات تأثير هرمون التستوستيرون قديمة وغير مبررة. وماذا سوف يحدث لاحقاً، تقول فاين “السؤال عن قيمتنا، ليس علمياً” فهي تدافع عن عالم تأخذ المعايير الثقافية والجنس مع التطور وعلم الوراثة والهرمونات في نظر الاعتبار كل التأثيرات. ثم يأتي العمل الشاق، لأنها تدعونا لتصور المجتمع الذي نريد أن نبنيه، بدون تدخل ذبابة الفاكهة.

المصدر:

Mel Rumble, “Unmaking the myths of our gendered minds“, newscientist.com, 1 March 2017