الذكريات الكاذبة وهل يمكننا الثقة بذاكرتنا ؟ تصور ذلك. انت في غرفة مليئة بالغرباء، انت تسير بينهم لتقدم نفسك اليهم. لقد قلت اسمك لحوالي اثنا عشر منهم، وهم ذكروا لك أسمائهم. كم من تلك الأسماء تستطيع ان تتذكر ؟ الأهم اكثر هنا، كم من تلك الأسماء لن تستطيع ان تتذكرها ؟ ربما ستنادي احد الذين التقيت معهم “جون” بدلاً من “جاك”. مثل هذه الأشياء تحدث كثيراً في كل الأوقات.

الان تخيل  الموقف بشكل اكبر. انت تتحدث الى أصدقاء مقربين لك، تبوح لهم بشيء مهم، او ربما حتى شيء صادم. على سبيل المثال، ربما تقول لهم انك كنت شاهد على هجمات باريس في ٢٠١٥. لكن، هل ان متاكد بان ذاكرتك دقيقة ؟

مثل معظم الناس، قد تعتقد ان عدم تذكر الأسماء شيء مختلف تماماً عن عدم تذكر الأحداث العاطفية المؤثرة المهمة في حياتنا. لذلك فانه ليس من المعقول ان تنسى #JeSuisParis، وأنك دائما ستحتفظ بذاكرة ثابتة ومعتمدة بخصوص مثل تلك الكوارث.

انا متاكد بان هذا ما يعتقده الذين شاهدوا احداث 11/9, 7/7 في لندن او اغتيال JFK. لكن عندما قام الباحثون بدراسة دقة ما يعرف بـ “الذكريات الوهّاجة”، وجدوا ان العديد من الأشخاص ارتكبوا اخطاء كبيرة عند محاولتهم استعادة تذكر الأحداث التاريخية او الشخصية المهمة. وان تلك الأخطاء ليست مجرد سهو او نسيان.

الثقة بذاكرتنا … اخطاء واثقة

تشبه الى حد كبير قدرتنا على تحويل الأسماء من جون الى جاك دون ان نلاحظ ذلك، فإننا نستطيع بكل سهولة ان نغير تفاصيل الأحداث الاكثر أهمية في ذاكرتنا دون ان نلاحظ ذلك ايضاً. قد يصل بِنَا الامر الى تذكر رؤية وفعل اشياء لم تحدث أبداً، وان الجزء المستتر هنا في عقولنا هو ان تلك الأخطاء ستبدو وسنشعر بها كجزء من ذكرياتنا الاخرى. تلك الأنواع من اخطاء الذاكرة تدعى “ذكريات زائفة”، وهي الان موضوع مهم يتم دراسته والبحث فيه حول العالم.

طبقاً لعلم الذكريات الكاذبة، فان حتى الأشياء والاحداث التي نعتز بها وبتذكرها تكون عرضة للفساد والتشويه. حتى الان، اذا كنت تحاول ان تتذكر بالضبط ما حصل في هجمات باريس، فإنك ربما ستحصل على بعض التفاصيل بصورة خاطئة. اذا قمت بسؤالك عن ذلك بعد ٢٠ سنة، فان أخطائك في تذكر التفاصيل ستزداد سوءاً. مع ذلك وجد الباحثون ، رغم حدوث هذا التآكل في دقة ذاكرتك فأنت ستبقى واثقاً بعناد بقوة ذاكرتك. كلما ضعفت ذاكرتنا كلما ازدادت اخطائنا.

ما يجعل الامر اكثر سوءاً، بعض الأشخاص بامكانهم ان اختطاف واستغلال تلك العملية. عندما أقول بأنهم قادرين على اختطاف ذاكرتنا، انا اعني ان لهم القدرة على اقناعنا بأننا مررنا بتجارب واحداث هي أما لم تحدث لنا او لم تحدث على الإطلاق في اي مكان.

العلاج السيء عبر الذكريات الكاذبة

ان الذكريات الزائفة او الكاذبة يمكن لها ان تتولد بواسطة احد أفراد العائلة، تكتيكات تستعمل في المقابلة مع الشرطة او في الإعدادات والمناهج العلاجية. مثلاً في بعض العلاجات النفسية الشائعة، خصوصاً في اشكاليات “التحليل النفسي” او ” علاج تراجعي للحياة الماضية“.

في الثمانينيّات والتسعينيات هاج العالم مع ما كان يعرف بـ “الذعر الشيطاني” السبب في ذلك ان المعالجين كانوا يرسلون مرضاهم الي البيت مع ذكريات لاشياء بشعة، مثلاً العنف الجنسي في مرحلة الطفولة. ان المعالجون لا يفهمون بشكل كامل كم هي مرنة ذكرياتنا، نعتقد بأنهم قاموا بكشف الأحداث الصادمة التي قد تفسر المشاكل الذهنية التي يعاني منها مرضاهم.

لكن، كما تبين لنا، ان العديد من أولئك المعالجون قاموا دون قصد بترسيخ ذكريات زائفة عند مرضاهم. قام المعالجون باستعمال مزيج مُشكل من افتراضات عن ماضي زبائنهم مع تمارين الخيال، والتي بها طلبوا من المرضى تصور ما كان يمكن ان يكون مثل التعرض للإيذاء. بإعادة تلك الأساليب لعدة أسابيع، مع تعزيز ودعم المعالج لكل تفصيلة يختلقها المريض، تكون لتلك الذكريات الفرصة لان تنمو وتصبح وحوش.

مثل تلك التكتيكات العلاجية ممكن ان تسمح للمعالج ان يرسخ ذكريات زائفة لها صلة بالأصدقاء، العائلة والشرطة. خلط المفاهيم في الذاكرة ممكن ان يحدث بشكل سريع وبدون ان نعرف به.

قرصنة الذاكرة

بينما تكون معظم حالات خلق الذكريات الكاذبة غير مقصودة، الا ان البعض منها يكون مقصود. انا أحب ان ادعو الذين يتلاعبون بذاكرتنا عن قصد بـ “قراصنة الذاكرة”.

انا احد أولئك القراصنة. لقد قمت حديثاً بإجراء دراسة فسرت وشرحت هذا الموضوع، نشرت تلك الدراسة في Psychological Science. خلال سلسلة من ثلاث مقابلات، بدأ المشاركون بالاعتقاد بأنهم مروا بأحداث عاطفية هي في الحقيقة لم تحدث لهم مطلقاً.

ببساطة باستعمال الذاكرة السحرية عن طريق المزج بين معلومات مضللة، الخيال والتكرار ، ٧٠٪‏ من المشاركين بدأوا باختلاق ذاكرة عن ارتكابهم جرائم، و٧٧٪‏ منهم اختلقوا ذاكرة مزيفة عن احداث عاطفية جداً من نوع اخر.

لقد وجدت ان المشاركين لم يقدموا فقط العديد من التفاصيل عن تلك الأحداث، لكن تلك التفاصيل عادة كانت “متعددة الحواس”. لقد ذكر المشاركون بأنهم رأوْا، سمعوا، شموا، شعروا وحتى تذوقوا اشياء في تلك الذاكرة. عينة المشاركون في تلك الدراسة تألفت من مجموعة من الشباب الذين لا يعانون من قصور فكري ملحوظ او اضطرابات ذهنية. حتى مقاييسهم الشخصية كانت طبيعية.

لي وللاخرين من الباحثين الذين قاموا بنفس العمل، يشير هذا الى ان الذكريات الكاذبة الغنية بالتفاصيل عن احداث مهمة يمكن لها ان تترسخ عند اي شخص، نظراً الى الظروف المناسبة.

عند الانسان

سواء اكانت ذاكرتك تعبث بنفسها، مثلاً الخلط عند تذكر الأسماء أو تفاصيل احداث تاريخية، او اخرى تتداخل مع ذاكرتك الخاصة، فانه يبدو من ذلك ان ذاكرتك ليست سوى مجرد وهم.

لكن ان كنت تعتقد بان هذا التصريح يبدو كئيب، تكون هنا قد اسأت فهمي. انا اعتقد ان خلايا الدماغ الخلاقة والمرنة التي تشكل أساس ذاكرتك هي الشيء الاجمل بالنسبة لنا. ان صفة المطاوعة التي تمتلكها تلك الخلايا تعني بانه بإمكاننا التفكير بتجرد، عن طريق خلق روابط بين الأشياء التي لم تحدث في الحياة الحقيقية، وهي التي تسمح لنا بحل الألغاز بالتفكير بعدة حلول محتملة.

بدون تلك المرونة الموجودة في ذاكرتنا لن نكون قادرين على التعلم وسنبقى عالقين مع ذاكرتنا القديمة. بدلاً من ذلك، نحن قادرين اليوم على كتابة المعلومات بشكل افضل كلما ظهرت معلومات جديدة اخرى. باستطاعتنا تحديث ذاكرتنا بانتظام. بإمكاننا ان نتعلم من اخطائنا.

انا أشجعك لان تقبل بسرور بذاكرتك الخرقاء، الواهية وغير الكاملة. اذا كنت تريد ان تتعلم اكثر عن الذاكرة الكاذبة، كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على ذاكرتك، لماذا يحتاج العميل السري الى تدريب الذاكرة، وماذا تستطيع ان تفعل لتجنب اخطاء الذاكرة، كل ذلك تجده في كتابي The Memory Illosion. هذا الكتاب سيتم طرحه في السوق في الشهر السادس في عام ٢٠١٦.

المصدر:

http://blogs.scientificamerican.com/mind-guest-blog/the-memory-illusion/