العبقرية عنوان مثير للجدل يخلطه الإعلام بالجنون ويفكر به البعض على أنه ناتج من التربية والعناية الاسرية بينما ينظر له كثيرون على أنه خلاصة الموروث الجيني، فأين يقع الصواب؟

في نهاية عام ١٩٩٧ أعلن احد العلماء انه وجد الكروموسوم المسؤول عن الذكاء والذي هو الكروموسوم ٦. غير ان هذا هو ما أعلنه روبرت بلومين لاكتشافه هو وعدد من زملائه على مجموعة من الاطفال المراهقين ذوي القدرات العقلية الفائقة تتراوح أعمارهم بين ١٤ و ١٢ وممن يبلغ متوسط الذكاء لديهم ١٦٠. كان فريق بلومين يؤمن بان هؤلاء الاطفال يمتلكون بكل تأكيد أفضل النسخ من كل الجينات التي لها تأثير في الذكاء، وتدريجيا وجدوا قطعاً على الذراع الطويلة للكروموسوم ٦ لدى الاطفال الأذكياء تكون عادة مختلفة عند غيرهم من الأشخاص تقع هذه في منتصف الجين المسمى 1GF2R.

العبقرية والجينات

في ستينيات القرن العشرين تم فصل توأمين بوضعهما في نمطي حياة مختلفين، وذلك على يد عالم نفس فرويدي مولع بالبحث. وكانتا فتاتين هما بيث وايمي وضعت أيمي في أسرة مع ام فقيرة بدينة غير مستقرة نفسيا وغير محبة، وبالطبع نشأت أيمي طفلة عصبية منطوية على نفسها، وهذا ايضا حدث لبيث التي كانت أمها بالتبني امرأة غنية مستقرة نفسيا محبة ومرحة كانت الفوارق بين بيث وامي غير موجودة تقريبا حين اكتشفت كل منهما وجود الاخرى بعد عشرين عاما.

ان نسبة الارتباط الأعلى جاءت بين التوائم المتطابقين الذين يعيشون معاً فبسبب تشاركهم الجينات نفسها والرحم نفسه والاسرة نفسها، فلا يمكن التفريق بينهم وبين الشخص نفسه وهو يقوم بالإختبار مرتين فكأنهما الشخص نفسه. اما التوائم غير المتطابقة الذين يتشاركون في الرحم لكنهم من الناحية الجينية لا يختلفون عن الإخوة العاديين، فهم اقل ارتباطا بقليل عن التوائم المتطابقة ومع ذلك فهم أكثر إرتباطا من الإخوة العاديين رغم أن لا شئ يجمع بينهما سوى التواجد في رحم واحد.

حوالي نصف حاصل الذكاء الخاص بك موروث، وأقل من الخُمس منه تكون بيئة الاسرة مسؤولة عنه تتشاركها مع اخوتك اي الاسرة اما الباقي فيأتي من الرحم والمدرسة وتأثيرات خارجية فنسبة الذكاء ٥٠٪‏ وراثية والباقي تشترك به البيئة المشتركة  والعوامل البيئية الخاصة بالفرد.

الجينات لا تجعلك ذكيا لكنها تجعلك اكثر استمتاعا بالتعلم، ولانك تستمتع بالتعلم فإنك تمضي وقتاً اكثر فيه وتصبح اكثر ذكاء فالطبع يمكن ان ينتقل فقط من خلال التطبع وهو بعيد عن نفسه من خلال حق الانسان على السعي والبحث عن التأثيرات البيئية التي تشبع ميوله وتعمل البيئة كمضاعف للاختلافات الجينية الصغيرة ومن ثم تدفع الاطفال الرياضيين الى الرياضة التي تكافئهم وتدفع ايضا الاطفال الأذكياء نحو الكتب التي تكافئهم.

العبقرية والاسرة

احد اكثر الأنماط اثارة للاهتمام بين العباقرة يتعلق بتأثير فقد احد الأبوين في سن مبكرة فقد اجرى العالم النفسي جيه مارلن ايزنشتات عام ١٩٧٨ إختباراً على ٦٩٩ من أشهر الشخصيات عن ان ٢٥٪‏ من هذه الشخصيات قد فقد أبويه قبل سن العاشرة، و٣٥،٥٪‏ قبل سن الخامسة عشر، و٤٥٪‏ قبل سن العشرين، و٥٢٪‏ قبل سن السادسة والعشرين. وتشمل الشخصيات نيوتن ودارسين وماري كوري وبيتهوفن ومارك توين ودوستويفسكي.

تقول الطبيبة والممارسة النفسية كارين هورني أن ردود الفعل المُحتملة لفقدان الأبوين في مرحلة عمرية مبكرة تكون لها ثلاث أهداف أساسية:

  • الاقتراب من الناس يلتمس الفرد حبهم له وقبولهم إياه وإعجابهم به مثل داروين الذي اتسم بكونه اجتماعيا.
  • الابتعاد من الناس ينسحب الفرد ويحب الاستقلالية والاكتفاء الذاتي مثل اينشتاين الذي كان وقحا في شبابه حسب وصفه لنفسه.
  • التحول ضد الناس يسعى الفرد الى السلطة والمكانة الرفيعة والسيطرة على الناس تماما مثل نيوتن كان حاد المزاج.

يقول عالم النفس مبناي تشيكمتميهاي عن الإبداع في دراسة استندت الى مقابلة ١٠٠ شخص مبدع: ان مقولة جان بول سارتر ان اعظم هدية يقدمها الأب لابنه هي ان يرحل عن هذه الحياة مبكرا هي نوع من المبالغة، فعدد المبدعين الذين خرجوا من بيئات عائلية  دافئة ومحفزة كبيرة هم بدرجة لا تبعث على القطع بأن المشقة او الصراع ضروري لإطلاق الحس الإبداعي بدلاً من البيئات المحفزة والدافئة.

في الواقع يبدو ان الافراد المبدعين هم اما الذين حظوا بطفولة مشجعة على نحو استثنائي أو الذين واجهوا قدراً استثنائيا من الحرمان والتحدي اما الفئة التي تتوسطهما فيبدو انها غائبة.

العبقرية والجنون

اجرى الطبيب النفسي فيليكس بوست في تسعينيات القرن العشرين تجربة استند فيها الى سير حياة ٢٩١ مبدعا توصل الى استنتاج هو: عانى اينشتاين وفاراداي من درجة معتدلة من المرض العقلي وعانى داروين وباستمرار درجة ملحوظة من المرض العقلي وعانى نيلز بور ودالتون من درجة حادة من المرض العقلي.

ولعل أقوى مثال على ارتباط الجنون بالعبقرية هو الرسام فان كوخ الذي عانى اكتئابا حادا ودخل المصحة العقلية ثم اطلق النار على نفسه عام ١٨٩٠ وهو في سن السابعة والثلاثين حينما صار يرسم بأعلى قدراته الإبداعية. وهناك دراسة اجريت تقول ان الخلل العقلي موجود لدى ٢٨٪‏ من العلماء البارزين و٦٠٪‏ من الموسيقيين و٧٣٪‏ من الرسامين و٧٧٪‏ من الروائيين و٨٧٪‏ من الشعراء.

 

المصادر

الطبع عبر التطبع – مات ريدلي
الجينوم- مات ريدلي
العبقرية – أندرو روبنسون

http://www.scientificamerican.com/article/is-intelligence-hereditary/