كلنا نعرف القاعدة الأساسية عند الذهاب للتسوق: «لا  تذهب للتسوق وأنت جائع»، فإن الجوع لديه طريقة مغرية تجعلك تضع أشياءً، لم تكن لتشق طريقها أبداً نحو عربة التسوق.

هل سبق لك أن شعرت بصعوبة في التذكر واسترجاع المعلومات عندما تكون جائعاً؟ هناك تفسير بيولوجي بسيط لهذا، فعندما يعد الجسم نفسه لتناول الطعام، فإنه لا يريد إنفاق أي طاقة غير ضرورية في الأنشطة المكثفة، مثل التفكير.

ولكن في الواقع قد ترينا الدراسات أمور متباينة حول العلاقة بين الجوع والذاكرة، فالجوع له علاقة وثيقة جداً بالتفكير نفسه، أو بالأحرى الذاكرة. أحد هرمونات الجوع والذي يسبب الشهية (النزعة لتناول الطعام)، والتمثيل الغذائي يسمى الجريلين، وتفرزه الخلايا المبطنة للمعدة، ويفرز الجسم المزيد منه عند عدم تناولك للطعام لمدة طويلة، وذلك للحث على المباشرة بتناول الطعام. وبعد تناولك الطعام، فإن «الجريلين» يشير للجهاز العصبي إلى وجود العناصر الغذائية بالجهاز الهضمي.

بالإضافة لدوره في زيادة الشهية، فإن «الجريلين» معروف بأنه مرتبط بتنظيم التمثيل الغذائي، تعديل وتنظيم الالتهابات، زيادة كفاءة القلب، وزيادة هرمون النمو (هرمون النمو 1 المشابه للأنسولين). ولهذا فإنه يعمل بشكل أساسي كهرمون لتدعيم التزود بالطاقة.

ولقد حدد التسلسل الجيني اثنى عشرة متغيراً على الجين المنتج للجريلين، وثمانية متغيرات على الجين الخاص بمستقبلات الجريلين (بروتينات توجد على الخلايا المستهدفة، والتي تسمح للجريلين بالارتباط بها، وإعطاء مفعوله) فهناك صلات وثيقة بين جينات «الجريلين» ومستقبلاته وبين سلوك الأكل، تخزين الطاقة، ومقاومة الأنسولين.

ولقد أظهرت  دراسات على أفراد يمتلكون تبايناً وراثياً في «الجريلين» ومستقبلاته، اختلافاتٍ في تناول الطعام، وسلوك الأنسولين. وهذا أمر منطقي، حيث أن «الجريلين» فريد في قدرته على المساهمة في توازن الطاقة كهرمون طرفي، وذلك عبر تحفيزه لتناول الطعام، وتقليله لأيض السعرات الحرارية.

ولكن قصة الجريلين لم تنته هنا: حيث يرتبط إفرازه مع زيادة مقدار تلذذنا بالطعام، وشعورنا بالمكافأة التي تأتي بتناوله. وهذا يبدو مشابه جداً مثل ما يقوم به الناقل العصبي  «الدوبامين»، المسؤول بشكل رئيسي عن الشعور بالمكافأة.

ولكي يعمل أي هرمون، فلابد له من مستقبل. وبالنسبة للجريلين فإن مستقبلاته تقع في المخ، ولكنها لا تلعب دوراً ليس في عملية التمثيل الغذائي. بدلاً من ذلك، فإن بعض الباحثين يجادلون أنها موجودة لزيادة تكوين الذكريات.

على نحو لافت للنظر، فإنه لاحظ الباحثون، أن مستقبلات «الجريلين» تعمل بالتزامن مع مستقبلات «الدوبامين»، للسماح للحصيْن بالعمل بشكل سليم في دعم وتقوية الذاكرة، بالإضافة إلى إعادة التنظيم المتشابك و التَكَيُّفِيَّةٌ البلاستيكية.

لعلك سمعت عن «المرونة العصبية» والتي تُذكر في برامج التمارين الذهنية العديدة. المرونة العصبية ما هو إلا مصطلح يشير لقدرة المخ على التكيف المعرفي والإدراكي للتحديات العقلية والذهنية الجديدة والمختلفة، عن طريق تكوين خلايا عصبية جديدة وعبر مد الاتصالات العصبية.

الآلية المقترحة تعمل بالشكل التالي: تغير مستقبلات الجريلين (بدون وجود الهرمون)، تركيب وبنية مستقبلات الدوبامين، وبالتالي تغير الطريقة التي يتم فيها إرسال الإشارات إلى المخ. يمتلك الحصيْن جينات محددة متعاونة مع مستقبلات كلا من الجريلين والدوبامين، ويرجح وجود ذلك نظراً لأهميتها. وعندما قام الباحثون بمنع مستقبلات الجريلين من التداخل مع مستقبلات «الدوبامين»، توقفت عملية تكوين الذاكرة.

هناك ارتباط قوي بين أمراض معينة من التحلل العصبي وفقدان الخلايا العصبية. وهذا الفقدان في الخلايا العصبية يمكن أن يتم تخفيفه وتقليله باستخدام العلاجات القائمة على الجريلين، حيث أن المرونة العصبية تشجع نمو وتكاثر الخلايا العصبية، وبالتالي تقوم بعكس تأثير بعض الأسباب الميكانيكية للاعتلال والفقدان العصبي (مثلما في ألزهايمر، الباركينسون، والسكتة الدماغية).

لو تم ضبط مستقبلات الجريلين لتحاكي نفس عمل مستقبلات الدوبامين، سيكون هناك فرصة مذهلة لتحسين أو تثبيط عمل الدوبامين، مع القليل من الآثار الجانبية الناتجة، على عكس بعض العلاجات الموجودة حالياً.

مصطلحات:

الجريلين (ghrelin)

الدوبامين (dopamine)

هرمون النمو 1 المشابه للأنسولين (insulin-like growth factor 1)

إعادة التنظيم المتشابك (synaptic reorganization)

التَكَيُّفِيَّةٌ البلاستيكية (synaptic plasticity)

المرونة العصبية (neuroplasticity)

التحلل العصبي (neurodegeneration)

الحصيْن (Hippocampus)

 

المصدر:

Ben Locwin, “Why is your memory so bad when you’re hungry?“, Genetic Literacy Project,  February 17, 2016