تجربة الاقتراب من الموت ، رؤية شريط حياتك يمر أمام ناظريك و “الضوء في نهاية النفق”، أصبح من الممكن أن يفسر ذلك ببحثٍ جديد يدور حول النشاطات غير الاعتيادية لهورمون الدوبامين وتدفق الأوكسجين.

في أغلب الأحيان يُنظَر إلى تجربة الاقتراب من الموت على أنها ظواهر غامضة، لكن الدراسات والأبحاث تزيل الغطاء عن تفسيراتٍ علمية بشكلٍ فعلي لكل خواصها المعروفة. تفاصيل ما قد يحصل في تجربة الاقتراب من الموت أصبحت الأن معروفة على نطاق الواسع – الأحساسٌ بالموت، الشعورٌ بأن “روح” الشخص قد غادرت الجسد، رحلة بأتجاه نورٍ ساطِع، والمغادرة نحو واقِعٍ آخر حيث الحب والهناء في كل الأرجاء.

تجربة الاقتراب من الموت وتفسيرها العلمي

النفق الذي يراه كثيرون في تجربة الاقتراب من الموت

 

وِفقاً لأستفتاء للرأي العام جرى على فئة معينة، قال ما يقارب %3 من سكان الولايات المتحدة الأمريكية أنهم خاضوا تجربة الاقتراب من الموت. تحصل هذه الظاهرة في مختلف الشعوب والحضارات، حيث تعود أقدم السجلات لحدوث هذه الظاهرة إلى اليونان القديمة. في الحقيقة، لايُرافق الموت جميع هذه التجارب – دراسًةٌ أجريت على 58 مريضاً سَرَدوا حوادِثَ تجربة الاقتراب من الموت  التي حصلت لهم، وُجِدَ أن 30 منهم لم يكونوا في الحقيقة معرضين للموت، بالرغم من ظَنِّ معظمهم أنهم كانوا معرضين للموت.

مؤخراً، كشفت مجموعة من الدراسات عن أحتمالية وجود دواعم لكل عناصر هذه التجارب. “من الممكن تفسير الكثير من هذه الظواهر المتعلقة بتجربة الاقتراب من الموت بيولوجياً، ” كما قال عالم الجهاز العصبي دين موبز، من وحدة علوم العقل والمعرفة من مجلس الأبحاث الطبية لجامعة كامبرج. قام موبز و كارولين وات في جامعة  أدينبرا (University of Edinburgh) بجعل هذا البحث متوفراً على صفحات الأنترنت وذلِك بشكلٍ تفصيلي في السابع عشر من آب/أغسطس في تريندز (Trends) في كوكًنيتف ساينسز (Cognitive Sciences).

على سبيل المثال، لا يقتصر الشعور بالموت على تجربة الاقتراب من الموت – يحمل المصاب بمتلازمة  كوتارد (Cotard Syndrome) أو ما يسمى بمتلازمة “الجثة الماشية” مُعتَقَداً المصاب بها موهِماً بأنه ميت. يسبب هذا الأختلال صدمة تابعة، مثل الذي يحصل في المراحل المتقدمة من مرض التيفوئيد أو التصلب المتعدد، وقد رُبِط هذا بمناطق من الدماغ مثل القشرة الجدارية (الداخلية) وقشرة الفص الجبهي – “في العادة، يكون نطاق عمل القشرة الجدارية هو عمليات الانتباه، بينما تكون قشرة الفص الجبهي مسؤولة عن الأوهام الملحوظة في الحالات النفسية  مثل أنفصام الشخصية،” كما وضّح  موبز. بالرغم من أن طريقة عمل هذه المتلازمة غير معروفة لحد الأن، إلا أنه يوجد تفسير محتملٌ واحد ينص على أن المرضى يحاولون تفَهم التجارب الغريبة التي يمرون بها.

تُعرف تجارب الخروج من الجسد بأنها أعتيادية في أنماط النوم المتقطع والتي تسبق النوم مباشرة أو الأستيقاظ. كمثالٍ على ذلك، الشلل النَومي، أو حالة الشعور بعدم القدرة على الحركة بينما تعي ما يحصل حولك، تحصل في 40 بالمئة من الناس وتُربط مع الهلوسات القوية الشبيهة بالأحلام والتي تعطيك شعوراً بأنك تطفو فوق جسدك. وجدت دراسة في 2005 أنه بالأمكان أثارة تجارب الخروج من الجسد بتحفيز نقاط الأتصال الصدغية الجدارية في المخ، مشيرة بذلك إلى أن الأرتباك في المعلومات الحسية له القدرة على تغيير كيفية شعورِك بجسدك، بشكلٍ جذري.

توجد تفسيراتٌ متنوعة قد تأخذ في الحسبان في قضايا الذين يموتون عند ألتقائِهِم بالموتى. مثالاً على ذلك، فقد قال مرضى مرض باركينسون (Parkinson’s disease) بأنهم رأوا أشباحاً، بل وحتى وحوشاً. ماهو التفسير؟ يتضمن مرض باركينسون فعالية غير طبيعية لهرمون الدوبامين، والذي هو ناقل للسيالات العصبية التي تستطيع إثارة الهلوسات. وعندما يتمحور الأمر حول عيش لحظاتٍ من حياة الشخص مجدداً، قد يكون أحد الأسباب هو الموضع الأزرق (Locus Coeruleus)، والذي هو منطقة في الدماغ الأوسط  يقوم بفرز النورأدرينالين (noradrenaline)، والذي هو بدوره هرمون إجهاد، يُتَوَقّع فرزه بمستوياتٍ عالية في حالات الصدمة. ترتبط المنطقة الزرقاء بشكلٍ كبير مع مع مناطق الدماغ التي تتوسط العاطفة والذاكرة، مثل اللوزة (Amygdala) وتحت المهاد (Hypothalamus).

بالإضافة لهذا، تُظهر الأبحاث أن عدداً من العقاقير الدوائية التي تجلب السعادة تعكس النشاط الذي يرافق تجارب الاقتراب من الموت، مثل الكيتامين المخدر (Anesthetic Ketamie)، والذي يقوم بإثارة الهلوسات وتجارب الخروج من الجسد أيضاً. يؤثر الكيتامين على النظام الأفيوني للمخ (brain’s opioid system)، والذي قد يصبح نَشِطاً بشكلٍ طبيعي، من دون اللجوء للعقاقير عندما تتعرض الحيوانات للهجوم، وذلك يشير إلى أن الصدمة قد تقوم ببدء هذا الجانب من التجارب المقاربة للموت، وضح موبز الأمر على هذا النحو.

في النهاية، يعتبر المشي عبر نفقٍ إلى ضوءٍ ساطع من أشهر أوجه هلوسات تجربة الاقتراب من الموت. بالرغم من بقاء الأسباب الحتمية لهذا الجانب من هذه التجارب غير واضِحة المعالم، إلا أنه قد تحدث رؤية النفق عندما يتوقف تدفق الأوكسجين والدم إلى العين، والذي قد يحصل أيضاً في الخوف الشديد وفقدان الأوكسجين حيث تكون الحالتين مشابهة للموت.

بالإجمال، تشير الأدلة العلمية إلى أن لكل خواص تجربة الاقتراب من الموت قاعدة موحدة، وهي إنحراف عمل المخ عن الحالة الأعتيادية. علاوةً على ذلك، قد تلعب المعرفة بالعادات الخاصة بالأحداث المقاربة للموت دوراً مهماً جدا في تجربتها – نبوءة ذاتية التحقق. هذه الأكتشافات “تقوم بتزويدنا بأدلّةٍ علمية عن شيءٍ لطالما كان في دنيا الخوارِق” يكمل موبز. “أنا شخصياً أؤمن أنه بفهم عملية الموت، نستيطع أن نصل إلى نقطة تفاهم مع هذا الجانب الحتمي من الحياة.”

يقول عالم الأعصاب الأدراكية  أولاف بلانك (Olaf Banke) في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا (Swiss Federal Istitute of Technology) في مدينة  لوزان في سويسرا أن التحليل بالتجارب سيكون أحد العوائق المحتملة لأكمال هذا البحث وفهمِه على نطاق أوسع، قد بحث أولاف في تجارب الخروج من الجسد. مع ذلك، “قد أظهر عملنا أنه من الممكن تحقيق هذا لتجارب الخروج من الجسد، لذا لمَ لايمكن تحقيق الشيء نفسِه لتجربة الاقتراب من الموت المتعلقة بالأحاسيس؟”

المصدر: http://www.scientificamerican.com/article/peace-of-mind-near-death/