مرة أخرى يظهر على الساحة شخصٌ جديد ممن يزعمون أنهم عالجوا السرطان، وهذه المرة لم يكن الشخص مخترعاً لجهاز أو مكتشفاً لعشبة، بل كان طبيباً وتدريسياً في جامعة الاسكندرية. فما مدى صحة ما يُقال عن “قاهر السرطان” محمد النجار والمؤامرة الكونية التي تعرض لها لتحول دون نشر علاجه للفقراء؟

وفق ما يتوفر من لقاءات مع الدكتور محمد النجار، فإن الكلام الذي يتكلمه فيه جانب من الحقيقة ، مواد بسيطة نوعاً ما مثل الكلور، أو الملح والذي إذا وضعته بتركيز عالي على الخلايا فمن الممكن أن تقتلها، فإذا كانت المادة قاتلة للبكتريا، فمن الطبيعي أن نرى لها نتيجة على الخلايا. وهنا المشكلة التي يقع بها ٩٠ ٪؜ من الباحثين ممن يؤثرون حب النفس على المنهجية العلمية (مثل محمد النجار) فلا تكون كل مادة مؤثرة على الخلايا  المزروعة مختبريا ناجحة بالضرورة لعلاج السرطان.

أما الأخطاء التي وقع بها وبينت ضعف دراسته، ننوه أولاً أن الرجل لا يروج بالضرورة لعلم زائف لكن الخلل يكمن في عدم اتباعه المنهجية البحثية الصحيحة في الوصول الى النتائج ومقارنتها ،  حيث إن الخلايا التي استخدمها والتي يُسميها hb2، هي واقعا ليست خلايا سرطانية بالأصل ، وإنما خلايا طلائية من الثدي يتم تعديلها مختبريا لتنمو بشكل غير محدود. في هذه الخلايا يكون مستقبل بروتين النمو الطلائي EGFR مرتفعة عن المستويات بباقي الخلايا، ولان الكثير من حالات سرطان الثدي تكون مصحوبة بزيادة إفراز هذا المستقبل لذا تستخدم هذه الخلايا بالدراسات كعنصر تحكم للمقارنة مع خلايا سرطان الثدي مثل (MCF7).

في دراسة نُشرت في العام 2013 ناقش مجموعة من الباحثين عن ضرورة استخدام خلايا مشابهة لخصائص هذه الخلايا للوصول الى اي استنتاج ، لأن من الاخطاء الشائعة لدى كثيرين هو عدم استخدام خلايا تمت معالجتها مختبريا بنفس الطريقة.

 

وهو الخطأ ذاته الذي وقع فيه الدكتور النجار ، فهو – وبحسب حديثه –  يقارن خلايا hb2 بخلايا الجلد التي ليس بالضروري أن تكون مستويات مستقبل النمو الطلائي قابلة للمقارنة.  

بحسب النجار فأنه رأى ان المركب يمكنه التأثير على خلايا HB2 ولكن الخلايا التي استخدمها للمقارنة لم تتأثر، ومن خلال كلامه ولأن الخلايا التي استخدمها للمقارنة تمتلك عدد اقل من مستقبلات النمو الطلائية ، فيمكننا الاستنتاج ( وهو استنتاج بشكل عام  مبني على كلامه )  أن المركب يربط المستقبل ويثبطه لانه أوقف نمو خلايا الhb2 فقط ، بعد ان تبين لنا الخلل المنهجي في الوصول الى النتائج ، نقف عند التساؤل هل هذا المركب جديد من نوعه ؟

مستقبلات النمو الطلائية من البروتينات التي تمت دراستها وجار العمل على دراستها بشكل مستفيض ، والعدد الهائل من البحوث في هذا المجال انتج لنا كم هائل من المركبات التي تعمل على تثبيط عمل هذه المستقبلات على سبيل المثال هناك شركة في المانيا يتوفر لديها مكتبة بها اكثر من  ٢٥ ألف مركب موجود بالطبيعة او صناعي  ممكن أن يربط هذه المستقبلات، وبالتالي  نظريا يمكنه ان يوقف نمو سرطان الثدي، لكن هنا تأتي مشاكل الامتصاص بالجسم، الأعراض الجانبية، التأثير على العقم وغيرها من الدراسات الضروري اجراءها قبل اطلاق مصطلح علاج على اي مركب.

 

بعيدا عن الخلل بتصميم الدراسة واختياره الخاطئ للمقارنة، لو افترضنا ان دراسته الاولى صحيحة، فهو يقول أنه أكمل الدراسة على الخلايا عام ٢٠١١، فكيف إذاً استطاع خلال سنتين تتبع المادة بالكلاب والأرانب والتأكد من معطيات السمية وغيرها؟ ما هو رقم التصريح الاخلاقي لاستخدام الحيوانات، وما هي نوعية الحيوانات؟ وكيف تمت تربيتهم؟

لو افترضنا انه كان يعمل ساعات متواصلة، فهنا هو وقع في خطأ كبير، لأنه لم يتبع اخلاقيات البحث العلمي في تسجيل التجارب الحيوانية بصورة يمكن تتبعها واعادة العمل بها، وهذا شيء يشمل الغالبية من الجامعات العربية تقريبا، حيث أن البحث على الحيوانات غير ممكن تتبعه بصورة شفافة، فضلاً عن عدم وجود أرقام تصاريح أخلاقية.

كل سنة تظهر لنا مركبات جديدة ولكن بعضها يفشل في التجربة الاخيرة على الانسان وبعضها يفشل منذ البداية، القضية ليست قضية قهر للمرض وعواطف وانا خرجت ٨٠ دفعة أو ٤٠ دفعة واكتشفت شيئاً ولم يسمعني أحد، بل أن هناك اخلاقيات ومنهجية يجب اتباعها، ومن لا يتبعها يكون قد ظلم المرضى قبل نفسه لأنه من الممكن ان يكون فعالاً بشكل فعلي، ولكن عدم اتباع المنهجية يضعه في خانة غير المجرب.

إن البحث العلمي شفافية ومنهجية، وهو يعتمد إلى درجة كبيرة على قدرة الآخرين على اعادة التجربة ، مع ذلك لا يُعد هذا الحكم حكماً نهائياً على ما يقوله الرجل طالما لم يكن من الممكن الإطلاع على بحثه. لكن من الجدير بالذكر أن الدكتور لم يتوقف عند حد نشر بحثه والتشكي من عدم قبوله، بل أنه يقوم بالترويج بكافة الوسائل لعلاجه المزعوم لأغراض الربح من علاج غير مجرب على حساب المرضى، لديه عدة أرقام تُنشر في الواتسب والفيسبوك وهو يظهر في الإعلام ليقول أن علاجه ناجح وحاسم، كما أنه يستقبل المرضى في مصر والسعودية وعمان وقد توفيت إحدى المريضات اللاتي راجعنه في مصر وسبب ذلك فضيحة كبيرة له في مصر لنسمع بعدها أنه تم إعتقاله في المملكة العربية السعودية.

يعاني البحث  العلمي العربي عموماً من مشاكل التمويل البحثي ، ونقص البنى التحتية ، وعدم توفر المصادر بالصورة المتوفرة لغيرهم من الباحثين ، هذه كلها ظروف زائلة لو اتخذ الباحث مسار المنهجية العلمية الصحيحة ، وابتعد الباحث عن الدعوة للنفس واتخاذ الاستنتاجات السريعة ، لا يملك جميع الباحثون حول العالم الموارد ، ولكن متى ما توفر لدى الباحث الصبر والعزيمة على اتباع المنهجية البحثية وتوثيق النتائج والابتعاد عن العناوين العريضة في وسائل الإعلام فإن النهاية ستكون مفرحة للباحث وبحثه سيكون مفيداً.

العلم لا يضيع صاحبه ، وحب الشهرة والمال والعلم طرق لا تلتقي الا ان اعطيت للعلم حقه ..

المصادر :

Bartek, J., Bartkova, J., Kyprianou, N., Lalani, E. N., Staskova, Z., Shearer, M., . . . Taylor-Papadimitriou, J. (1991). Efficient immortalization of luminal epithelial cells from human mammary gland by introduction of simian virus 40 large tumor antigen with a recombinant retrovirus. Proceedings of the National Academy of Sciences, 88(9), 3520-3524. doi:10.1073/pnas.88.9.3520