ربما تعتقد أن ذكرياتك فريدة من نوعها، لكن دراسة علمية تناولت المسلسل الدرامي الشهير شيرلوك هولمز (Sherlock Holmes) تقترح عكس ذلك تماماً. عندما يصف الناس ذكرى مُعينة حدثت لهم، فإن الأنشطة المخية آنذاك تبقى هي نفسها تقريباً عند تذكر أي شيء آخر، وهناك أيضاً دليل على أنه عندما يُخبر شخص ما شخصاً آخر بحدث ما، فإنه يزرع بداخل عقله نفس النشاط المخي الذي استعمله عند تذكره لهذا الحدث.

هذه هي تطبيقات إحدى التجارب الرائدة والتي كشفت للمرة الأولى أنه عندما نُخزن ونُعيد تذكر تجربة ما شاركناها سوياً، فإننا جميعاً نستعمل نفس النشاط المخي، على النقيض من الاعتقاد السائد أن كل شخص يتذكر الأحداث بطرق عشوائية وقاصرة على هذا الشخص بعينه.

طبقاً لد. جانيس تشين (Janice Chen) بجامعة برينستون (Princeton University) فإننا جميعاً نشعر أن ذكرياتنا فريدة من نوعها، لكننا الآن نرى بوضوح أن هناك الكثير من الأشياء المُشتركة بيننا في كيفية رؤيتنا وتذكرنا للعالم من حولنا، حتى على مستويات الأنشطة المخية.

القصص البوليسية

لعب المحقق الأسطوري شيرلوك هولمز وصديقه د. واتسون دوراً محورياً في هذا الاكتشاف، وهذا بسبب أنه بدأ تسليط الضوء على هذه الظاهرة عندما تم فحص أدمغة 17 متطوع عند مُشاهدتهم لإحدى حلقات المسلسل، ثم طُلب منهم استرجاع تفاصيل الحلقة بعدها مُباشرةً.

قسمت د. تشين وزملاؤها الحلقة إلى خمسين مشهد منفصل، ثم حللوا النشاط المخي لكل شخص عند مُشاهدتهم وأيضاً عند إستراجعهم لأحداث الحلقة.

قالت د. تشين أنهم تفاجئوا بمدى جودة ذاكرة هؤلاء الناس، فالعديد منهم ظل يتكلم لما يزيد عن الثلاثين دقيقة، واصفين معظم المشاهد بالترتيب الصحيح وأيضاً تذكروا معظم التفاصيل.

كان النشاط المخي أثناء مشاهدة واسترجاع كل مشهد مُتماثلاً بشدة في السبعة عشر متطوعاً. طبقاً لكريس بيرد الأستاذ بجامعة ساسكس (University of Sussex) بالمملكة المُتحدة، فإن هذا الإكتشاف مُدهش بحق، فالأنشطة المخية المُتعلقة بمشاهد مُعينة من الحلقة يبدو وكأنها تخلق “توقيعاً” ثابتاً في كل الأشخاص على حد سواء.

حتى أنه أثناء المُناقشة الشفهية للحلقة، ظهر المتطوعون وكأنهم يُحررون ذكرياتهم بنفس الطريقة تقريباً، مما يعني أنه بالرغم من استخدامهم لكلمات وعبارات مختلفة عند مناقشتهم للأحداث، فإن النشاط المخي كان مُتماثلاً للغاية في جميع المتطوعين.

 

زرع الذكريات

تقول د. تشين أن هذه التجربة كانت أكثر طموحاً وتعقيداً بكثير من المحاولات الأخرى لفهم كيفية عمل الذاكرة، حيث كانت هذه المحاولات تعتمد أساساً على تذكر وإعادة استرجاع أشياء بسيطة، لكن هذه التجربة الجديدة تُظهر أن هناك نشاطاً دماغياً ثابتاً خاص بكل مشهد على حدة. تقول أيضاً أن تجارب الذاكرة عادةً ما تستخدم كلمات مُفردة أو صور ثابتة، لكنهم في تجربتهم استعملوا طرقاً أكثر واقعية عبر مُشاهدة حلقة أو فيلم لساعة كاملة ثم مُناقشة الأحداث بعد ذلك بحُرية لمدة عدة دقائق.

لكن في الوقت نفسه، تستبعد د. تشين فكرة أن هذا الإكتشاف يُمكن استغلاله لزرع الذكريات داخل عقول الناس، بنفس الطريقة التي تم بها زرع ذكريات في الفئران.

مع ذلك، مع البحث المُطول، إتضح أنه عند إستماع الناس الذين لم يُشاهدوا فيلماً مُعيناً لوصف أحد الأشخاص الذين رأوا هذا الفيلم، فإن النشاط المخي لدى المُستمع يتشابه كثيراً مع الشخص الراوي!.

تقول د. تشين: “أفضل أن أقول إنك من الممكن أن تزرع أفكارك في عقل شخص آخر بسهولة، وذلك عبر إخباره عما تُفكر فيه أو عما تتذكره، ففي الوقت الذي تتذكر فيه هذا الشيء، يقوم المُستمع بتخليه”.

من أهم تطبيقات هذا الإكتشاف، أن شبكة تخزين وتذكر الأشياء هذه _المُتماثلة في كل شخص قد تطورت لتُمكننا نحن وأسلافنا التطوريين من التفاهم والتعاطف مع الآخرين، فنحن نزرع الذكريات والأفكار في عقول بعضنا البعض باستمرار، وذلك عبر سرد القصص والمعلومات اللازمة لبقائنا.

تقول د. تشين: “أعتقد أن هذه ليست مُصادفة، فامتلاكنا لإطار مُشترك لعملية التذكر يجعل من السهل علينا مُشاركة أفكارنا وذكرياتنا مع الآخرين، وهذا من الأشياء القوية والرائعة التي يُمكن للجنس البشري فعلها، فإذا أرشدت شخص ما لمحطة القطار، فإن هذا الشخص سيكون وكأنه يستعمل مخي لتحليل المعلومات من البيئة المُحيطة به وبذلك يأخذ طريقاً مُختصراً نحو إكتساب المعرفة”.

ترجمة: محمد أحمد نعمان.

المصدر:
Andy Coghlan, “Our brains record and remember things in exactly the same way“, 5 December 2016