عندما عدت من الجامعة للبيت حصلت على أفضل ترحيب يمكن أن أطلبه من كلبي روبي، حيث حيث دخل روبي للقاعة وأخذ ينعطف إلى الزاوية وتوقف قليلاً ثم قفز علي، وقد كانت أذنيه مدببتين وذيله يهتز بإيقاع سريع. فقد تحمس روبي لرؤيتي مرة أخرى بعد شهور من الابتعاد، وهذه أفضل ذكرى احملها من أيام الدراسة.

تذكر لقائي بروبي هي مثال على الذاكرة العرضية (episodic memory)، والتي تعيد للأذهان تجربة معينة. وهذه من الذكريات المتعلقة بالسيرة الذاتية، والتي تكون مرتبطة بأماكن وأوقات وعواطف محددة، كجزء لا يتجزء من حياتنا كبشر. وهنالك أنواع أخرى من الذاكرة، على سبيل المثال تذكر رقم هاتفك وتذكر عواصم الدول تعتبر من الذاكرة الدلالية (semantic memories)، وهي ذكريات عن الحقائق التي تبنى مع مرور الوقت. وكما هو موضح في قصيدة بوب ديلان (Bob Dylan) التي تحمل عنوان “ذكريات ثمينة” والتي يذكر فيها أن الذكريات العرضية “تغرق الروح”.

وتسائل الباحثون في دراسة نشرت حديثة علم الأحياء الحديث عن إذا ما كانت الحيوانات تشارك الإنسان في إمتلاك الذاكرة العرضية. قد يستطيع روبي حفظ واستعادة ذكريات حول تجاربنا معاً بشكل مشابه للذكريات التي املكها. فقد كانت مهمة كلوديا فوكازا (Claudia Fugazza) وزملاؤها تصميم اختبار ذاكرة يستهدف الذاكرة العرضية التي لا تعتمد على التعلم، وبذلك إبعاد الذاكرة الدلالية. ويتفق الباحثون في مجال الذاكرة على أن الجانب الأهم في الذاكرة العرضية هو حفظ الأحداث دون المعرفة بأننا سوف نتذكرها في المستقبل، ولذلك فإن أي اختبار على الذاكرة العرضية يجب أن يكون غير متوقع.

ومن أجل القيام بالدراسة قام الباحثين من بودابست في المجر بضم 17 كلب من أنواع خاصة تمتاز بإمكانية أختبار نطاق تطوير قدراتهم المعرفية بسبب كون هذه الأنواع يمكنها العمل بسعادة مع بشر. فقد تم تدريب الكلاب المشاركة في هذه الدراسة بكل سهولة على القيام ببعض الأعمال، مثل النظر في الدلو أو لمس مظلة بمجرد أن تطلب منها القيام بذلك. ففي دراسات سابقة عرفنا أن الكلاب يمكنها تذكر هذه الإجراءات مع بعض التأخير، ولأختبار الذاكرة العرضية كان على الباحثين التأكد أن الكلاب لن تتوقع تقليد إجراءات التظاهر، وكان الحل هو توفير توقع بديل. ففي أثناء مشاهدة أصحابها يقومون بسلسلة من الإجراءات أعطيت الكلاب أمر “الاستلقاء”.

لأن استبدال توقع الكلاب مع التقليد مهم جدا في اختبار الذاكرة، والذي كان غير متوقع، حاول الباحثون التحقق من الكلاب التي توقعت الاستلقاء على الأرض بطريقتين. الأول هو أنها تلقت تدريبا على ذلك حتى أنها تكذب بشكل موثوق فهي تستلقي مباشرة بعد إعطاء الأمر بالاستلقاء. وكان الاقتراح الثاني هو أن الكلاب كانوا يتوقعون أمر الاستلقاء إذا تصرفوا بشكل مفاجئ لكنها لم تفعل ذلك. فالكلاب مثل البشر والحيوانات الأخرى، عندما ترى الكلاب شيء غير متوقع تقوم بالنظر لفترة أطول لاستيعابه.

أما في اختبار الذاكرة العرضية فقد يأتي أمر “قم بذلك” بدلا من أمر “الاستلقاء” الذي يكون في العادة متوقع للكلاب، وبعد دقيقة واحدة رأت الكلاب الإجراء الأخير وهو اعطاءها الأمر بدلا من التقليدي. ففي الأول بدأت وكأنها مندهشة، وتنظر لأصحابها بشكل أعمق من ذي قبل. ثم توجه الأنف إلى المظلة والمخلب على الكرسي. الغالبية العظمى من الكلاب تقلد حركات صاحبها. ولمعرفة إذا ما كانوا يتذكرون غادرت الكلاب الاختبار لمدة ساعة ومن ثم عادت لإعطائها أمر تقليدي مرة ثانية. مرة أخرى نجحت العديد من الكلاب بتقليد العمل الذي رأوه، على الرغم من أن التجارب كان على مدى أقل من دقيقة، ففي التجارب السابقة كانت الكلاب تتوقع الأوامر التقليدية. هذه النتائج تدعم فكرة أن الكلاب تستخدم الذاكرة العرضية، والتي عند البشر تتلاشى بسرعة أكبر من غيرها من أنواع الذاكرة طويلة الأمد (long-term memory).

وهذه النتائج هي واحدة من النتائج القليلة التي توحي بامتلاك الأنواع الغير بشرية للذاكرة العرضية، وتضيف كذلك لمعرفتنا المتزايدة بثراء الحياة العقلية للحيوانات الأخرى. مختبر إدراك الكلاب في بودابست هو واحد من المختبرات العديدة حول العالم؛ ففي ولاية كونيتيكت يمكن للجراء المشاركة في بحوث بجامعة ييل وفي كارولينا الشمالية يمكن للكلاب أن تساعد في جامعة ديوك، فكل المختبرات تساعدنا على فهم الكلاب والبشر أيضاً، والتفكير في معالجة العالم. كانت الكلاب شركائنا لعدة قرون، فهم يشاركوننا في المنزل والعمل، والآن يمكننا أن نعرف أنها تشاركنا في العديد من ذكرياتنا من حياتنا اليومية.

المصدر:

Karinna Hurley, “Your Dog Remembers Even More about What You Do Than You Think“, scientificamerican.com, January 10, 2017