تزامناً مع لقاحات الرنا المرسال (mRNA) الجديدة المُطورة من قبل شركة بي فايزير/بيو إن تك (Pfizer/BioNTech) وموديرنا (Moderna) المُحتمل توافرها قريباً، يعمل مُناهضو اللقاحات على زيادةِ نشر الخوف. ادعاؤهم الأخير كان بأنَّ لقاحات (mRNA) سوف ” تغيرُ حمضك النووي بشكلٍ دائم” أو حتى “تجاوز الإنسانية” Transhuman. تستندُ مثل هذه الادعاءات على الجهل المُطلق بمجمل ما نعرفهُ عن بيولوجيا حمضننا النووي الريبي، حمضننا النووي الريبي المنقوص الأكسجين DNA، وكيفية ترميزهما للبروتينات. والحالُ الآن مُماثلٌ لما كان عليه في أي وقتٍ مضى.

هذا الأسبوع، أودُّ أن ألقي الضوءَ على شيءٍ مُهمٍ لم نُغطهِ من قبل هنا في موقع (SBM) [موقع ساينس بيسد مدسن الموقع الذي نشر فيه المقال الأصلي]. لذلكَ سألتُ نفسي: ما الموضوعُ المُتعلق بكوفيد-19 الذي لم نُغطهِ في SBM بعد ويجبُ علينا حقاً أن نُلقي الضوءَ عليه الآن؟ بالنظرِ إلى أن ستيف قد غطى بالفعل أول لقاحين لكوفيد-19 الذاهِبَين إلى منظمة الصحة العالمية للموافقة والترخيص المُحتمل لاستخدام الطوارئ، لقاحات (Pfizer) و(Moderna)، لم يكن من المنطقي لي مناقشة لقاحات كوفيد-19 مرةً أُخرى. ثُم خطر لي هذا. هذان اللقاحان الجديدان المُحتمل توافرُهما قريباً، على الأقل لـ ” الموظفين الأساسيين” مثلَ العاملين الطبيين الذين يُعالجون مرضى كوفيد-19، يشتركان في شيءٍ واحد. هُما لُقاحا RNA. ما حصلَ لي أيضاً هو وجودُ أفكارٍ خاطئةٍ موجودةٌ دائماً حول لقاحات RNA تروج لها الحركات المُناهضة للقاحات. رُبمَّا رأيتها؟ نعم؟ لا؟

لقد وصلتكَ الفكرة. أحد الموضوعات الرئيسية للتضليل ضد اللقاحات المُتعلقة بلقاحات الرنا المُحتملة ضد كوفيد-19 هي أن الرنا المُستخدم في اللقاح سوف “يعيد برمجة” حمضك النووي بطريقةٍ ما بشكلٍ دائم وطريقةٍ شنيعة. إنهُ ادعاءٌ يعودُ إلى شهر مايو، إن لم يكُن قبل ذلك، ظهرَ فور أن أدركَ مُناهضو اللقاحات أن أحدَ اللقاحات الرائدة ضد كوفيد-19 كان لقاح رنا الذي صنعته شركة (Moderna). بعد ذلك، سرعانَ ما أصبحت نقطة نقاش قياسية في حرب التضليل الاستباقية التي شنتها الحركات المُناهضة للقاحات ضد لقاحات كوفيد-19. لماذا يرغبُ أي شخص بالقيام بذلك؟ نظرياتُ المؤامرة دائماً ما تملكُ …أسباباً… بالطبع. يقولُ البعضُ أن الهدف هو تمييزُ الأشخاص. بعض الناس يقولون إنه لتطوير تقنيةٍ تسمحُ بحقنِ (DNA) مباشرةً إلى الخلايا وإعادة برمجتها (هل هذا ممكنٌ أصلاً! مثلُ هذه التقنيات ستجعلُ العلاجَ الجيني أقلَ صعوبة!) غالباً، مناهضو اللقاحات يخلطون بين الـحمض النووي الدنا بالرنا والعكسُ بالعكس، غيرَ مُدركين لذلك. وعلى الرغم من أن كلا الجزيئين يحتويان المعلومات الجينية الضرورية للخلايا لصنع البروتين، إلا أنهما مع ذلك يختلفان كثيراً في الخصائص والسلوك.

بالطبع، بالنسبة للخبراء، فإن الادعاء بأنَّ لقاحات الـ RNA سوف “تعيد برمجة” حمضك النووي بطريقةٍ ما هو أمرٌ مُضحكٌ تماماً بسبب الجهل بأساسيات علم الأحياء والكيمياء الحيوية الضرورية لتقديم مثل هذه الادعاءات غير العلمية. لكن لغير الخبراء، الذين رُبما نسوا من فترةٍ طويلةٍ أساسيات علم الأحياء (إذا كانوا قد تعلموها أساساً)، فإن مفهوم اللقاح الذي يحولُ خلاياك إلى مصانع صغيرةٍ تُشكل جُزءاً من بروتين رئيسي من كوفيد-19 الذي يثيرُ استجابةً مناعيةً وقائية (المزيد من التفاصيل لاحقاً) يمكن أن تبدو معقولةً تماماً ـ ومخيفةً. بالطبع، الخوف هو الغرض المقصود من المعلومات المُضللة المناهضة للقاحات المُدَّعية بأن لقاحات الرنا سوف “تعيدُ برمجة” حمضك النووي بطريقةٍ ما وتغيرُكَ وراثياً بشكلٍ دائمٍ. (لكن على الرغم من ذلك، فنحن نأملُ بتغييرٍ “دائمٍ” في بيولوجيتنا كنتيجةٍ لكوفيد-19، ونحن نعني بالتغيير الحصانة ضدَ SARS-CoV-2، وهو الفيروسُ التاجي المُسبب لكوفيد-19. لسوءِ الحظ، لم يتضح بعد كم من الوقتِ ستستمرُ هذهِ المناعة.) لذلكَ دعونا نفحصُ الادعاءات المُقدمة ولماذا لا يوجدُ داعٍ للخوف من لقاحات الرنا ضد كوفيد-19.

قبل أن نفعل ذلك، دعونا نُلقي نظرةً على ماهية لقاح الـ mRNA، كيفَ يعمل، وماهي محاسِنُه ومساوِئُه مُقارنةً باللقاحاتِ التقليدية.

لقاحات mRNA

تعتمد لقاحات mRNA على شيءٍ ناقشتُه من قبل، ألا وهو “العقيدة المركزية” للبيولوجيا الجزيئية. يجب أن أعترف، لقد كرهت دائمًا استخدام كلمة “عقيدة” المرتبطة بالعلم، ولكن ليس أقل مما صرحَ به فرانسيس كريك لأول مرة في عام 1958، وقد أُعيدَ ذِكرُها على مرِّ السنين بطرقٍ مُختلفة. ربما ذُكرت نسختي المفضلة من العقيدة المركزية بإيجاز من قبل مارشال نيرنبرغ في عام 1958 ومنذ ذلك الحين أُعيدت صياغتها بشكلٍ شائعٍ للقول: “DNA يجعل الـ RNA يصنعُ البروتين”، والذي لخصَ كُل البيولوجيا الجزيئية في خمسِ كلمات. (لماذا استخدمت الفعل الماضي في لحظة.) على أية حال، لأغراضِ فهم RNA الفيروسات، هذا هو التسلسل الرئيسي الذي تحتاجُ إلى فهمه (شاهد الصورة).

بشكلٍ أساسي، يتضاعفُ الدنا من مرصافِ دنا وينتجُ عنه جزيء ثُنائي الطاق يكون مستقراً جداً، حيثُ يحتوي على تسلسلاتٍ مُتتامة ترتبط ببعضها البعض بإحكام بطريقةٍ مُحددةِ التسلسل. يتداركُ مرصافُ الدنا بواسطة الإنزيمات التي تستخدمُ المرصاف لصنع سلاسل ال RNA، التي تكونُ أُحادية الطاق، والتي تُستخدمُ فيما بعد لإنتاج البروتين من الأحماض الأمينية بواسطة الريبوزومات. مُجدداً، ببساطة، كل نيوكليوتيد يساوي حرفاً واحداً من الشيفرة؛ كل تسلسل ثلاثي النيوكليوتيدات (رامز) يساوي “كلمةً” واحدة تُترجمُ إلى حمضٍ أميني. بالنظر إلى وجودِ أربعةِ أنواعٍ من النيوكليوتيدات، يوجدُ 64 رامزاً مُحتملاً. نظراً لوجودِ 20 حمضٍ أمينيٍ فقط، فهذا يعني أن مُعظم الأحماض الأمينية مُشفرة بأكثر من توليفةٍ واحدةٍ من النيوكليوتيدات أو أكثرِ من رامزٍ واحد؛ أي أن الشيفرة الوراثية مُكررة.

على سبيلِ المثال، لا يبدأُ تشكل mRNA دائماً بشكلٍ كامل. غالباً ما يُصنعُ كجزيءٍ طلائعيٍ أطول يُقطع إلى تسلسل mRNA النهائي قبل نقله من النواة إلى السيتوبلازما ليُستخدم في صنع البروتين.

العقيدة المركزية للبيولوجيا الجزيئيةفي الواقع، الأمر أكثر تعقيداً من ذلك. تتذكرُ كيف استخدمتُ صيغةَ الماضي عندما قلتُ أن العقيدة المركزية لخَصت كُل البيولوجيا الجزيئية؟ لقد فَعلت ذلك، لكننا فيما بعد بدأنا بإيجادِ استثناءاتٍ للعقيدة المركزية، مثل الفيروسات الارتجاعية وجزيئات الرنا الصغيرة (microRNAs) التي يُمكنها تنظيم التعبير الجيني، على سبيل المثال. لا تحتاجُ حقاً إلى معرفة التفاصيل المُروعة للعديد من هذه الأمور، على الرغم من أنني سأذكر اثنين من التفاصيل المُتعلقة بها وأحيلكَ إلى منشورٍ يتطرقُ إلى التفاصيل المُروعة، لأي شخص مُهتمٍ بها.

بغضِ النظرِ عن الاستثناءات، فإن لقاحات الرنا تتكونُ بشكلٍ رئيسي من الرنا. تتمثلُ إحدى مشكلات لقاحات الرنا في أن الرنا جزيءٌ ذو طبيعةٍ غير مستقرةٍ. فهو، على الرغم من كل شيءٍ، ناقلٌ. لا يحتاجُ للبقاءِ لمُدةٍ أطول مما تحتاجهُ الرسالة لتُرسل. في محلولٍ مائي، تتدركُ جزيئات الرنا بسرعةٍ. في الواقع، عدم استقرارية الرنا هي ما تجعلُ خبراءَ الصحة العامة قلقين بشأنِ توزيعِ لقاحات الرنا. تبنَت كلتا الشرِكتين استراتيجيةً مُماثلة في تصميمِ ال mRNA لتشفيرِ بروتيني شوكيٍ لـ SARS-CoV-2 ذي طفراتِ استقرارٍ مُضافة لجعل سطح هذا البروتين في شكلٍ يسهُلُ التعرفُ عليه من قبلِ جهاز المناعة وبالتالي جعلهِ مُستضداً أفضل. استخدمت شركتا بي فيزير ومديرنا أيضاً نيوكليوزيداتٍ مُعدلة (وهي RNA مُكافئة لنيوكليوتيدات الـ DNA) التي تكون أكثرَ استقراراً لِصنع جزيئات الـ RNA الخاصة بها، ووضعت الـ RNA الخاص بها داخل نظام توصيل الجسيمات النانوية الدهنية (lipid nanoparticle) (اختصاراً: LNP) إذ تندمج هذه الجسيمات مع غشاء الخلية لتوصيل الرنا إلى السيتوبلازم. ومع ذلك، هناكَ اختلافاتٌ كبيرة في درجاتِ الحرارة التي يجبُ تخزينُ هذه اللقاحات عندها لتبقى مُستقرةً وفعالة.

هذا ما أعنيه. يُقالُ أن لُقاح شركة بي فيزير (الذي طُورَ بالتعاونِ مع شركةٍ تُسمى بو إن تيك) يحتاجُ إلى التخزينِ عندَ درجة حرارة -80 درجةٍ مئوية. صحيحٌ أن لديّ ثلاجةً بدرجةِ حرارة -80° م درجة مئوية في مُختبري (لتخزينِ عينات الرنا، من بين أشياءٍ أُخرى)، لكن مُعظمَ مكاتبِ وعياداتِ الأطباء لا تملكُها لأن هذه الثلاجات كبيرةٌ ومُكلفةٌ للغاية مُقارنةً بالثلاجات المُعتادة (التي تُحافظُ عموماً على درجة حرارة حوالي 4° م) والثلاجات القياسية (التي تُحافظُ على درجةِ حرارة حوالي -20° م). حتى العديدُ من المستشفياتِ لا تملكُ ثلاجات -80° م كافيةٍ لتخزينِ كمياتٍ كبيرة ٍمن اللقاح. وبالِمثل، بسببِ درجةِ الحرارة اللازمة لإبقاءِ اللقاح مُستقراً وفعالاً، فإن نقلَ لقاحِ بي فيزير يمثلُ تحدياتٍ (لوجستية)، لأن اللقاحَ يجبُ أن يُحفظ عند درجة حرارة -80° م أو أبردَ من ذلك خلال سلسلةِ النقلِ بأكملها. يمكنُ القيامُ بهذا، باستخدامِ الثلجِ الجاف بالطبع، ولكنه صعب، ويمكنُ للمرءِ بسهولةٍ تخيلُ النقصِ الوشيك في الجليد الجاف بمُجردِ طرحِ هذه اللقاحات. تحقيقاَ لهذه الغاية، يبدو أن كلتا الشركتين استخدمت نيوكليوتيداتٍ مُعدلة لمحاولةِ جعلِ جزيئات ال mRNA أكثرَ استقراراً. على النقيضِ من ذلك، يقالُ أن لُقاح موديرنا يمكنُ تخزينهُ عندَ درجة حرارة -20° م لمدةٍ تصلُ إلى ستةِ أشهر، ما يعني إمكانية تنفيذٍ أكبر، لأن مُعظمَ الثلاجاتِ القياسية يمكنُ أن تصلَ إلى هذه الحرارة. والأفضلُ من هذا، سيبقى لقاح موديرنا مُستقراً في الثلاجةِ القياسية بدرجاتِ حرارةٍ من 2 إلى 8° م (36 إلى 46 درجة فهرنهايت) لمدةٍ تصلُ إلى 30 يوماً ويبقى مُستقراً في درجةِ حرارة الغرفة لمدةٍ تصلُ إلى 12 ساعة. لماذا الاختلاف؟ من الصعبِ معرفةُ ذلكَ على وجهِ اليقين، حيثُ أن كلتا الشرِكتين متشددتانِ بشأنِ الاختلافات الدقيقة في لقاحاتهما. أوضحَ مُتحدثٍ باسمِ موديرنا لـ NPR:

” أوضحَ المُتحدثُ باسمِ شركةِ موديرنا كولين هوسي لـ NPR في رسالةِ بريدٍ إلكتروني أن لقاحها لا يحتاجُ إلى أن يُبقى بارداً جداً بسبب “خواص جسيماتِه النانوية الدهنية وهَيكلها” المميزة، ولأن الشركةَ تعلمت من التجربة ـ فقد طَورت بالفِعل عشرةَ لقاحاتِ mRNA مُرشحة. أوضحَ هوسي: “الآن لسنا بحاجةٍ إلى [ظروفٍ شديدةِ البرودة] حيثُ تحسنَت جودةُ المُنتج و[هو] لا يحتاجُ إلى تجميدٍ شديد لتجنُب تدركِ الـ mRNA“.

من حيثُ الأمان والاستجابة المناعية المُبلغُ عنها التي أثارها اللقاحان المتنافسان:

“من ناحيةِ الأمان، بينما كانَ كُلٌ مِن BNT162b2 وmRNA-1273 جيدَ التحمُل مِن قبلِ المُشاركين في تجاربِ المرحلة الثالثة، مع مُعظمِ الآثارِ الجانبيةِ قصيرة المدى، رُبِطَ لقاح موديرنا بآثارٍ أكبر للأحداثِ الضارة الشديدة مثلَ التعب وألمِ العضلات بعد التجربةِ الثانية. يتوقعُ الخبراء أن الجُرعاتِ المُختلفة (30 ميكروغرام لـ BNT162b2 مُقابل 100 ميكروغرام لـ mRNA-1273) يمكن أن تفسر ملامحَ التحمُلِ المُختلفة.

قد يمتلكُ لُقاح بي فيزير / بيو إن تيك أيضاً أفضليةً صغيرةً حين يتعلقُ الأمرُ بالاستجابةِ المناعية. في تجاربِ المرحلةِ الأولى، مع كلا اللقاحين، كانت المناعةُ الخلطيةُ قويةً، إذ تفوقت عياراتُ الأجسامِ الُمضادة المُضعفة للفيروس بشكلٍ عام عن تلك الموجودةِ لدى الأفرادِ الذين تعافوا من العدوى الطبيعية. أما بالنسبةِ للمناعةِ الخلوية، فقد تسبب كلاهما أيضاً في تحريضِ استجابات الخلايا التائية CD4 + T للانحرافِ نحو الخلايا التائية T-helper من النوع 1. ومع ذلك، كما وَرد، يبدو أن لقاح بي فيزير / بيو إن تيك فقط هو الذي يسببُ أي نوعٍ من استجابة الخلايا التائية CD8 + T السامةِ للخلايا. المقارناتُ المباشرةُ صعبة، على أية حال، فقد استخدمَ مطورو اللقاح تجاربَ مُختلفةٍ لتحديدِ خصائصِ الخلايا المناعية”.

ولذلكَ، فاللقاحان متشابهانِ جداً في التصميم ويختلفانِ بشكلٍ أساسي في ظروفِ التخزين المطلوبة.

قبلَ أن أنتقلَ لشرحِ لماذا لا تُعدُ ادعاءاتُ مُنهاضي اللقاحات حولَ لقاحاتِ الـ mRNA سوى ترويجٍ للخوف، مِن الُمفيدِ الإجابةُ على السؤال: نظراً لجميعِ التحدياتِ الُموضحةِ أعلاه، لماذا استخدامُ لقاحاتِ الـ mRNA أساساً؟ لماذا لا نصنعُ لقاحاً أكثرَ تقليدية، حيث يُصنع بروتين (أو بروتينات أو أجزاء من البروتينات الرئيسية) يُستخدمُ كمستضداتٍ لإثارةِ استجابةٍ مناعية؟ لماذا نتورطُ في استخدامِ لقاحاتِ الـ mRNA للحصولِ على خلايا الجسم لإنتاجِ مُستضد؟ الجوابُ بسيطٌ إلى حدٍ ما. إن إنتاجَ الـ RNA أسهل وأسرع على نطاقٍ واسعٍ مِن اللقاحاتِ التقليديةِ القائمةِ على البروتين. علاوةً على ذلك، للقاحات الـ RNA مُقارنةً مع لقاحاتِ الـ DNA (التي يُمكنُ أن تُحققَ نفسَ الشيء، أي جعل الجسم يُنتج مُستضدَ البروتين الضروري) ميزةُ أمانٍ مؤكدةٌ على لقاحاتِ ال DNA:

“بالمقارنةِ مع الـ DNA باعتبارهِ علاجياً أو بشكلٍ أكثرَ تحديداً باعتبارهِ لُقاح، فإن الـ mRNA يوفرُ مزايا أمانٍ قوية. نظراً لكونهِ الحدَ الأدنى من التركيبِ الجيني، فإنهُ يحتوي فقط على العناصرِ المطلوبةِ مُباشرةً للتعبيرِ عن البروتينِ المُشفر. علاوةً على ذلك، في حين أن التهجين بين جزيئات ِالـ RNA أحاديةِ الطاق يمكنُ أن تحدثَ في حالاتٍ نادرة، فإن mRNA لا يتفاعلُ مع الجينوم. وبالتالي، يُستبعدُ التكاملُ الجينومي الذي قد يكونُ ضاراً. أخيراً، فإن هذا النقص في التكامل الجيني في التهجين مع كون الـ mRNA غير تكراري بالإضافةَ إلى أنهُ يتحللُ استقلابياً في غضونِ أيامٍ قليلة لا يجعلُ من الـ mRNA إلا ناقلاً عابراً للمعلومات”.

تذكر تلكَ الفقرة بينما أنتقلُ الآن إلى دحضِ ادعاءٍ مُناهضٍ للقاحات بخصوصِ لقاحاتِ COVID-19 mRNA. خلاصةُ القول هي أن الـ mRNA المُستخدم في لقاحاتِ الـ RNA لا يمكنُ أن يندمج مع الحمض النووي الخاص بك، ناهيكَ عن “إعادةِ برمجته”.

دخول الدكتورة كاري مادي و “تجاوزُ الإنسانية” للقاحاتِ COVID-19

على الرغمِ من أنني رأيتُ الكثيرَ من مُناهضي اللقاح ومنكري كوفيد-19/ مُستسخفي كوفيد-19 الذين يشاركُون الكثيرَ من الميمزاتِ السخيفة التي تدعي كَذِباً أن لقاحات mRNA لـ كوفيد-19 ستعيدُ برمجةَ الـ DNA بطريقةٍ ما، فإن أحد أساتذة هذا الادعاء هي طبيبةٌ اسمها د. كاري ماديج. لقد قابلتُها لأولِ مرةٍ في شهرِ تشرين الأول وكنتُ أقصدُ استخدامها لتوضيحِ مَدى عدم علمية الادعاءاتِ حَول لقاحات mRNA، بالنظرِ إلى مَدى انتشارِ مقاطعِ الفيديو والمقالاتِ الخاصةِ بها. على وجهِ الخُصوص، مُوقعها الإلكتروني هو Stop World Control، حيثُ يمكنكَ إيجادُ مقطعِ فيديو انتشرَ بسرعةٍ.

هذا ما قالهُ Stop World Control عن د. ماديج:

“أدارت الدكتورة كاري ماديج عيادتينِ طبيتينِ كبيرتينِ في ولايةِ جورجيا في الولاياتِ المتحدةِ         الأمريكية. منذُ العشرينياتِ من عُمرها كانت مسحورةً باللقاحات ودرستها منذُ ذلكَ الحين. قادها بحثُها المتعمقُ إلى اكتشافِ التقنياتِ الُمقترحة للقاحاتِ كوفيد-19 الجديدة. ما تكشفهُ هو أمرٌ مُقلق.

هذا الفيديو هو فيلمٌ وثائقيٌ مُتعمق يوضحُ كيف يمكنُ لهذهِ اللقاحاتِ الجديدة أن تُغيرَ حمضنا النووي، مُحولةً إيانا إلى هجائن. تهدفُ الخططُ إلى ربطِ البشر بالذكاءِ الاصطناعي وشبكاتِ التحكم ِالعالمية. هذه هي بدايةُ ما بعد الإنسانية، مُحولةً إيانا إلى بشر 2.0″.

“دراسة”. ما زلتَ تُواصلُ استخدامَ هذهِ الكلمة. لا أعتقدُ أن هذهِ الكلمةَ تعني ما تعتقدُ أنها تعني. بجدية، أراهنُ أن الدكتورةَ ماديج “تدرسُ ” اللُقاحات بنفسِ الطريقةِ التي يدرسُها مايك آدمز، بغضِ النظر ِعن كونها طبيبة.

اكتشفتُ أكثرَ قليلاً. الدكتورة ماديج طبيبةٌ باطنيةٌ في ماكدونو، جورجيا. إنها المديرةُ الطبيةُ لمجموعةِ فينيكس الطبية في جورجيا، حيثُ تمارسُ الطب الباطني بدوامٍ كامل. خُلاصَتُها على تويتر عبارة عن قِلة بائسة من الحُثالة، والدَجَل، ونظرياتِ المؤامرة. بشكلٍ غيرِ مُفاجئ، إنها مُناهضةٌ لارتداءِ الكمامات، ويبدو أنها (توافقُ) على كلِ نظريةِ مؤامرةٍ رئيسية حولَ كوفيد-19 هناك، وظهرت في برنامج ذا أليكس جونز شو The Alex Jones Show، وبرنامجِ شيري تينبيني Sherri Tenpenny المُناهضِ للقاح، وفي برنامج مايك أدامز Mike Adams. كما ألقت خطاباً افتراضياً أمامَ تجمعٍ لمُناهضي ارتداءِ الكمامات والمُحتجينَ (لإغلاق) كوفيد-19 في ميدان ترافالغار Trafalgar في سبتمبر. عندما قابلتها لأولِ مرةٍ الشهرَ الماضي، اعتقدتُ أنهُ منَ الغريبِ أنني لم أسمع بها من قبل.

إذاً ما هي “تجاوز الإنسانية”؟ على أية حال أنا أصِفها، أنا متأكدٌ أن شخصاً ما سيعترض، ولكني سأستمرُ على أية حال. بشكلٍ رئيسي، إنها حركةٌ اجتماعية، علمية وفلسفية مُكرسةٌ لفكرةِ أنهُ يمكنُ تعزيزُ البشرِ بالتكنولوجيا، سواءً كانت هذهِ التكنولوجيا بيولوجية، قائمةً على الكمبيوتر أو فيزيائية. الفكرةُ هي أن مثلَ هذهِ التقنيات من شأنِها أن تقوي أو تزيد من الإدراكِ البشري، القدراتِ الجسدية، الذكاء، والمعرِفة، وأن تحسن أيضاً صحة الإنسان بشكلٍ جَذرِي وأن تطيل فتراتِ حياةِ الإنسان. بشكلٍ غيرِ مُفاجئ، الكثير من أتباعُ الحركةِ موظفون في التقنيات، البيولوجيا الحيوية والنشاط الجامعي، وهناكَ صِلةٌ قويةٌ بين الليبرتارية وتجاوزِ الإنسانية. يُعتقدُ أن النتيجةَ النهائيةَ هي “التفرُد”، وهو الوقتُ الذي تصبحُ فيهِ أجهزةُ الكمبيوتر متقدمةً للغاية بحيثُ يتجاوزُ الذكاءُ الاصطناعي الذكاءَ البشري، مما قد يمحو الحدودَ بين البشريةِ وأجهزةِ الكمبيوتر، بل ويؤدي إلى اندماجِ البشرِ وأجهزةِ الكمبيوتر. شخصياً، كنتُ دائماً أنظرُ باستنكارٍ قليلاً إلى تجاوزِ الإنسانية، لأنه يوجدُ بالتأكيد الكثيرُ من الجاذبية في الحركة. علاوةً على ذلك، يميلُ أنصارُ تجاوزِ الإنسانية إلى افتراضِ أن “التفرد” القادم سيكونُ بالضرورةِ أمراً جيداً. على أيةِ حال، يُقدمُ الخيالُ العلمي العديدَ من الأمثلةِ المُضادة المُحتملة مثل سكاي نت SkyNet في أفلام تيروميناتور Terminator وبورغ إن ستار تراك Borg in Star Trek، وهُما من أشهرها.

بغضِ النظر عن الآراءِ البائسة للخيالِ العلمي حولَ تجاوزِ الإنسانية، فأنا لا أُعارضُ المبدأ العام لتقنياتِ تعزيزِ الإنسان. بعد كُل شيء، الطبُ لا يعدو كونهُ سوى جهدٍ على مدى آلافِ السنين للتغلبِ على النقائِص والعيوبِ البيولوجيةِ المُتأصلةِ في البشر من أجلِ إطالةِ العُمر وتحسينِ نوعيةِ الحياة خلالَ تلكَ الأعمار من خلالِ منعِ الوَهنِ الُمبكر والوفاةِ بسببِ الشَيخوخة والأمراضِ الخارجية؟ صحيح، هناكَ حُجةٌ فلسَفية يجبُ طرحُها حولَ مِقدارِ التعديلِ الذي قد يكونُ أكثرَ من اللازم، ولكن هذا ليسَ ما يدورُ حولهُ شخصٌ مهووسٌ مثلَ الدكتورة ماديج. بدلاً من ذلك، تماماً كما استخدمَ مُناهضو اللقاحات جائحةَ كوفيد-19 وبرنامج الرئيسِ ترامب أوبيراتون وارب سبيد “Operation Warp Speed” لإثارةِ الخَوف بأن أي لُقاحٍ جديدٍ لـ كوفيد-19 سيكونُ غيرَ آمنٍ، إذا عُجِلَ بالموافقةِ عليهِ بسرعةٍ كبيرةٍ بدونِ اختباراتِ السلامةِ الكافية، وبالتالي تُلقي بظلالٍ من الشكِ على جميعِ اللقاحات، هنا يقومُ مُناهضو اللقاحاتِ برسمِ صورةٍ للقاحات كوفيد-19 mRNA على أنها “تجاوز الإنسانية” من أجل -لقد خمنتَ ذلك! -نشرِ الخوف، عدمِ اليقين والشك بجميعِ اللقاحات.

بشكلٍ غيرِ مُفاجئ، المُخادعُ القوي الدكتور جو ميركولا متعاونٌ مع هذا التكتيك، وكانت مقالتهُ “هل سيجعلكَ لقاحُ كوفيد الجديد من البشر؟” التي كانت أول ما لفتت انتباهي إلى د.ماديج. في الواقع، إذا بحثتَ في غوغل Google “هل سيجعلكَ لقاحُ كوفيد تتجاوز الإنسانية؟” ستجدُ بسرعةٍ الكثيرَ من الروابطِ التي تُعيدُ نشرِ كُل مقالات ميركولا أو جزءاً مِنها، بالإضافةِ إلى مقالاتٍ تتضمنُ النوعَ نفسهُ من الادعاءات. أنا مُغرى قليلاً للاعتماد على قانون بييتردج Betteridge’s Law of Headlines للإجابةِ عن سؤالِ عناوين مقالاتٍ كهذهِ المقالات والإجابةِ بـ “لا!” ولكن للأسف المزيدُ مَطلوب. على أيةِ حال، دعونا نرى رأي ميركولا في مقالِ ماديج:

“العديدُ من لقاحاتِ كوفيد-19 التي تُتبعُ بسرعة ليست لقاحاتٍ تقليدية. يهدفُ تصميمُ هذهِ اللقاحات إلى التلاعبِ ببيولوجيتك، وبالتالي سيملك القُدرة على تغييرِ بيولوجيا الجنسِ البشري بأكمله.

تُدربُ اللقاحاتُ التقليديةُ جسمكَ على التعرفُ على بروتيناتِ فيروسٍ مُعين وعلى الاستجابةِ لها عن طريقِ حقنِ كميةٍ صغيرةٍ من البروتينِ الفيروسي الفعلي في جسمك، وبالتالي تحفيزِ الاستجابةِ المناعية وتكوينِ الأجسام المُضادة.

هذا ليسَ ما يَحدثُ مع لقاح الـ mRNA. النظريةُ الكامنةُ وراءَ هذهِ اللقاحات هي أنهُ عندما تحقنُ الـ mRNA في خلاياك، فإنها ستحفزُ خلاياك َلتصنيعِ البروتينِ الفيروسي الخاص بها. سيكونُ لقاحُ كوفيد-19 mRNA الأولَ من نَوعه. لم يُرخَص أي لقاحِ mRNA من قبل. ولزيادةِ الطينِ بلة، فإنهم يتخلونَ عن جميعِ اختباراتِ السلامة المُجراةِ على الحيوانات”.

تغييرُ بيولوجيا الجنسِ البشري بأكمله؟ يجبُ أن يعرفَ الدكتور ميركولا بالتأكيدِ العقيدةَ المركزية للبيولوجيا الجزيئية؟ (ربما لا يعرف). مرةً أُخرى، تذكر تلكَ الفقرةَ التي اقتبستُها قبل هذا القسم. إن الـ mRNA مثلَ ذلك الموجود في لقاحات بي فيزير/ بيو إن تيك وموديرنا لا يمكنهُ ببساطةٍ تغييرُ الحمضِ النووي الخاصِ بك. أما بالنسبةِ إلى “إعادةِ برمجة” بيولوجيا الإنسان، فيمكنُ للمرءِ أن يقول بأن كُل اللقاحاتِ تفعلُ ذلك. يمكنُ لبعضِ اللقاحات، مثلَ التي يمكنُها أن تُنتجَ مناعةً مدى الحياة لمَرضٍ يمكنُ الوقايةِ منهُ باللقاحات، أن تفعلَ ذلكَ بشكلٍ دائم، عن طريقِ تغييرِ نظامِ المناعةِ بشكلٍ دائمٍ لتكونَ قادراً على التعرفِ على مُستضداتِ هذا المرض خين تُصادِفها مرةَ أُخرى. هذا الرأيُ كُلهُ سَخيف. من الواضحِ أن ما يحاولُ كلٌ من ميركولا وماديج فعلهُ هو تخويفُ القُراء بفكرةِ أن لقاحاتِ الـ mRNA تغيرُ بشكلٍ دائمٍ حمضكَ النووي، لكن، مَرةً أُخرى، لا يمكن للقاحات فعلُ ذلك. فهي لا تستطيع.

تدعي ماديج أيضاً (ويرددُ ميركولا):

تنبه ماديجإلى  أنَ المشكلةَ في كلِ هذا هي أنهم يستخدمونَ عمليةً تُسمى تعداء ـ وهي عمليةٌ تُستخدمُ لإنشاءِ كائناتٍ مُعدلةٍ وراثياً. وتشيرُ إلى أن البحثَ أكد أن الأطعمةَ المُعدلةَ وراثياً ليست صحيةً مثلَ الأطعمةِ التقليديةِ غير المُعدلة. السؤال هو، هل يمكنُ أن نُصبحَ أقلَ صحةً أيضاً؟ تقولُ ماديج: “صَرحَ مُصنعو اللقاحاتِ بأنَ هذا لن يُغيرَ حمضنا النووي، وجينومنا”. أقولُ أن هذا ليس صحيحاً. لأننا إذا استخدمنا هذهِ العمليةَ لصُنعِ كائنٍ حيٍ مُعدلٍ وراثياً، فلماذا لا يفعلُ الشيءَ نفسهُ للإنسان؟ لا أعرفُ لماذا يقولونَ ذلك. إذا نظرتَ إلى تعريفِ تعداء، فسوفَ يُخبركَ أنه يمكنُ أن يكونَ تغييراً مؤقتاً في الخلية. وأعتقدُ أن هذا ما يعتمدُ عليهِ مُصنعو اللقاحات. أو، من الممكنِ أن يُصبحَ مُستقراً، ويُدخلَ في الجينوم، ويكونَ مُستقراً لدرجةِ أنهُ سيبدأُ التضاعف عندما يتضاعفُ الجينوم. بمعنى أنهُ الآن جزءٌ دائمٌ من جينومك. هذهِ فرصةٌ نَغتنِمُها. يمكنُ أن تكونَ مؤقتةً أو دائمةً”.

تقولُ الدكتورة ماديج أن هذا غيرُ صحيح. حسناً، وبعدها تبدأ الكارثة! لا! هذا ليسَ لقاحَ DNA. مرةً أُخرى، ليس من الممكنِ للـ RNA أن “يُصبحَ مُستقراً” ويُدخلَ في الجينوم. (في الواقع، تعتمدُ فيروساتُ الـ RNA التي يمكنُ أن تندمجَ في الجينوم أولاً على النسخ التعاكسي إلى الـ DNA، الذي يجعلها بعد ذلك قادرةً على الاندماجِ في الجينوم). مرةً أُخرى، هذا هو علم الأحياءِ الجُزيئي ببساطةٍ. أما بالنسبة إلى الـ تعداء، كل هذا هو، تقنيةُ إدخالِ الـ RNA أو الـ DNA إلى الخلايا. هذا هو! يُستخدمُ بشكلٍ شائعٍ لإدخالِ البلازميدات(خطوطٌ دائرية من الـ DNA تحتوي على الجيناتِ ذاتِ الأهمية) إلى الخلايا. تختلف الطرقُ ابتداءً من الأساليبِ القديمةِ جداً التي استخدمتُها في الدراساتِ العُليا منذُ 30 عاماً، مثلَ ترسيبِ فوسفاتِ الكالسيوم (وهو غيرُ فعالٍ بشكلٍ رهيب وعادةً ما يُدخلً البلازميد بواسطتهِ فقط إلى الخلايا بنسبٍ مئويةٍ مكونةٍ من رقمٍ واحدٍ) إلى طُرِقٍ مُختلفةٍ تعتمدُ على الحويصلاتِ الشحمية، وهي أكثرُ كفاءةً وتحصلُ على الـ DNA المطلوب في نسبةٍ أكبرَ من الخلايا المُستهدفة. (كانت هذه الحويصلاتُ الشحمية مُشابهةً لتلكَ المُستخدمةِ من قِبلِ موديرنا وبي فيزير.) على الرغم من أنه من الصحيح ِأن إدخالَ الـ mRNA إلى الخليةِ سوفَ يَنتجُ عنهُ تغييرٌ مُؤقت، أي أن ريبوزومات الخلية ستبدأُ في استخدامِ الـ mRNA لصُنعِ البروتينِ المطلوب، هذا التغييرُ المؤقت هو مجردُ شيءٍ مؤقت. لا علاقةَ لهُ بتغييرِ الخليةِ بشكلٍ دائم، وبمجردِ أن يتدركَ الـ mRNA بشكلٍ طبيعي، ستعودُ الخليةُ إلى وضعها الطبيعي. صراحةً دكتورة ماديج، عُلماءُ الأحياء الجزيئية يضحكونَ عليكِ.

هناكَ الكثيرُ في الفيديو الذي يمكنني الحديث عنه لكنني لا أُريد، من أجلِ الحفاظِ على تركيزي موجهاً نحو لقاحاتِ الـ mRNA. لقد تركتُ (زلةً) صغيرةً فيما يتعلقُ بادعاءِ الدكتورة ماديج بأنَ الإبرَ الدقيقةَ وقاعدةَ الهيدروجيل ستُستخدمُ لحقنِ اللقاحاتِ الجديدة؛ لذلكِ قد أشرحُ بإيجازٍ أنها تُشيرُ بشكلٍ شِبهِ مُؤكد إلى علاماتِ النقاطِ الكمُومية، وهي نقاطٌ كمُوميةٌ نُحاسِية مُضَمنةٌ في كبسولاتٍ متوافِقةٍ مع الحياة، كبسولاتٍ على نطاقِ ميكرون. تُميزُ بصبغةِ الأشعةِ تحتِ الحَمراء القَريبةِ غيرِ المَرئية، ولكن يمكنُ قراءةُ النمطِ الذي قاموا بتعيينهِ وتفسيرهِ بواسطةِ هاتفٍ ذكيٍ مُعدَّل. على عكسِ ادعاءات ماديج وميركولا، فهذهِ ليسَت دائِمة، حيثُ إن الوقتَ المُقدرَ حالياً لقراءتها هو خمسُ سنوات. علاوةً على ذلك، فإن علاماتِ النقاطِ الكموميةِ هذهِ ليسَت شَائنةً كما يُحاولُ ماديج وميركولا جعلها تبدو. لسببٍ واحد، معرفةُ من الذي تلقى بالفعلِ لقاحاً مُعيناً يمكنُ أن يحميَ ذلكَ الشخص من أن يُنصحَ دونَ داعٍ بتلقي هذا اللقاحِ مرةً أُخرى إذا كانَ هناكَ شكٌ حولَ ما إذا كانَ قد حصلَ عليهِ من قبل. كما أن هذهِ التقنيةَ لا تزالُ بعيدةً جداً عن الاستعدادِ لوقتِ الذُروة. على أية حال، ليسَ من المُستغرب أن ينسُجَ ماديج وميركولا نظريةَ مؤامرةٍ حولَ ذلك؛ من المُحتملِ أيضاً أن يكونَ هذا هو أصلُ نظريةِ المؤامرة حول لقاحات كوفيد-19 التي تدعي أنها ستزرعُ شريحة، وبعضُ نظرياتِ المؤامرةِ حول اللقاحاتِ تذهبُ مُباشرةً إلى من يؤمن بدور قبعة القصدير في الحماية من هذه الشرائح، إذ ادعىي أحدُ المهووسين، هذا اللقاحُ لن يكون فقط “تمييزكَ” كالماشية، ستُحقنُ بجزيئاتِ نانو ستجعلُ منكَ قرناً استشعارياً مثالياً لتردداتِ الجيلِ الخامس التي سيستخدمونها لتتُبعكَ، وستجعلكَ تشعرُ وتفكرُ في أي شيءٍ يريدونه” وتقولُ ماديج:

“سنكونُ مُوسومين. سيكونَ لكلُ شخصٍ بطاقةُ هويةٍ. هذا يُذكرني بالحربِ العالميةِ الثانية. كما تعلم، يجبُ التفكيرُ في كوننا موسومين كمُنتجٍ في المتجر… لذلكَ سنكونُ موسومين. ما الذي يمكنُ أن يُستخدمَ فيه هذا. هناكَ الكثيرُ من التقنياتِ لمتوافرة، وهذا شيءٌ يجب أن نقلق بشأنه”.

يا للدهشة، هذه الإشارة إلى الحربِ العالميةِ الثانيةِ والواسمات لن تكونَ إشارةً إلى أرقامِ تعريفِ هويةِ السُجناءِ التي وَشمها النازيون على السجناءِ في مُعسكراتِ الاعتقال، أليسَ كذلك؟ والأهمُ من ذلك، لا تستخدمُ لقاحاتُ موديرنا ولا بي فيزير/ إن بيو تيك الإبرِ الدقيقة أوعلاماتِ النقاطِ الكمومية.

لكن بالعودةِ إلى ادعاءاتِ ماديج وميركولا الأُخرى حولَ لقاحاتِ الـ RNA:

“بالعودةِ إلى لقاحاتِ الـ mRNA، سيُوضِحُ الوقتُ مدى خُطورتِها في النهاية. منَ الواضحِ أنه إن كانت التغييراتُ دائِمةً، فإن فُرصةَ حُدوثِ آثارٍ جانبيةٍ طويلةِ الأمد تكونُ أكبر بكثيرٍ مما لو كانت مُؤقتة.

في أسوأِ السِيناريوهات، أياً كانتِ التغييراتُ التي تحدثُ يمكنُ أن تكونَ حتى ذات أثرٍ على الأجيال. المُشكلةُ أن هذهِ المشاكل لن تظهرَ بِسهولةٍ في أي وقتٍ قَريب. من وجهةِ نظري، يمكنُ أن يتحولَ هذا اللقاحُ بسهولةٍ إلى كارثةٍ عالميةٍ لم نَشهد مثلها مِن قبل.

لا ينبغي أن نُسارعَ في رَفضِ فكرةِ أن هذهِ اللقاحاتِ قد تُسببُ تَغيراتٍ جينيةٍ دائمة، لأن لدينا الآن دليلاً على أن اللقاحاتِ التقليديةَ لديها القدرةَ على القيامِ بذلك، ولا تنطوي على إدخالِ الـ RNA الاصطناعي”.

أحبُ تلكَ الفقرةَ الأولى. إنها خُلاصةُ “طرحِ الأسئلةِ فقط “، حيثُ يدعي مهووسٌ أنهُ يطرحُ الأسئلةَ فقط، بغضِ النظرِ عن أن الأسئلةَ تستندُ إلى العلومِ الزائفةِ، العلومِ السيئةِ والادعاءاتِ التي لا يدعمُها العلم. علاوةً على ذلك، يبدو أن هذا الثنائي قليل الديناميكية غافلٌ تماماً عن الفرقِ بينَ الخلايا الجسدية وخلايا الإنتاشِ الجرثومي. لا يُنتقلُ تغييرُ الـ DNA في الخلايا الجسدية (كلُ خليةٍ في الجسمِ باستثناءِ الخلايا التي تصنعُ البويضاتِ عندَ الإناث والحيواناتِ المنوية عند الذكور) إلى الجيل التالي. يمكنُ أن تنتقلَ تعديلاتُ الـ DNA في الخلايا الجرثومية إلى الجيلِ التالي، ولكن لا يوجدُ دليلٌ على أن الـ mRNA في لقاحاتٍ مثلَ لقاحاتِ موديرنا أو بيفيزير / بيو إن تيك يمكنُ أن يغيرَ خطَ إنتاشِ الـ DNA للخلايا بشكلٍ دائمٍ -لأنَ هذهِ اللقاحاتِ لا يمكنُ أن تُغيرَ أي DNA في الخلايا بشكلٍ دائمٍ بالطريقةِ التي يدعيها ماديج وميركولا.

ولكن ما الذي نفهمه من ادعاء ميركولا بأن “حتى اللقاحاتُ التقليديةُ يمكنُ أن تغيرَ الـ DNA”؟ هذا هُراءٌ بالطبع. دعونا نُلقي نظرةً على مثالِ ميركولا:

“بعدَ إنفلونزا الخنازير H1N1 في عامِ 2009، كانَ لقاحُ إنفلونزا الخنازير بانديميريكس أيه إس أو3 – المساعد ASO3-adjuvanted Pandemrix (وهو لقاحٌ سريعٌ استُخدمُ في أوروبا ولم يُستخدم في الولايات المتحدة خلال 2009-2010) مرتبطاً برابطٍ سببيٍ بـ التغفيق [التغفيق هو مرض عصبي يسبب خللاً في دورات النوم] في مرحلةِ الطفولة، والذي ارتفع فجأةً في العديدِ من البلدان.

وكان الأطفالُ والمراهقونَ في فنلندا والمملكة المتحدة والسويد من بينِ أكثرِ المُتضررين ..ولقد أظهرت المزيدُ من التحليلات زيادةً في حالاتِ التغفيقِ بينَ البالغينَ الذينَ تلقوا اللقاحَ أيضاً، على الرغم ِمن أن الارتباطَ لم يكن واضحاً كما في الأطفالِ والمراهقين.

أفادت دراسةٌ أُجريت عام 2019 عن العثورِ على “ارتباطٍ جديدٍ بينَ التغفيقِ المُرتبطِ ببانديميركس وجينِ الـ RNA غيرِ الُمشفر GDNF-AS1” -وهو جينٌ يُعتقدُ أنهُ يُنظمُ إنتاجَ عاملِ التغذيةِ العصبيةِ المُشتقةِ من خطِ الخليةِ الدبقي أو GDNF، وهو بروتينٌ يلعبُ دوراً مُهماً في الحفاظِ على حياةِ في الخلايا العصبية.

كما أكدوا وجودَ ارتباطٍ قويٍ بينَ حالةِ التغفيقِ التي يُسببها اللقاح وبين نمطٍ فردانيٍ مُعين، مما يشيرُ إلى أن “الاختلافَ في الجيناتِ المُرتبطةِ بالمناعةِ ونجاةِ الخلايا العصبيةِ قد يتفاعلُ لزيادةِ قابليةِ حدوثِ حالةِ تغفيقٍ المُسبَبة ببانديميريكس في أفرادٍ مُعينين.”

وقد ناقشَ ستيف نوفيلا (steve novella) مسألةَ ما إذا كانَ بانديميريكس قد تسببَ في ارتفاعٍ حادٍ في حالاتِ التغفيقِ في هذهِ البُلدان. منَ المُهمِ مُلاحظةُ أنَ هذهِ قضيةٌ غريبةٌ. إذ لوحظَ هذا الارتباطُ فقط في بلدانٍ مُعينةٍ وليسَ في بلدانٍ أُخرى (بما في ذلكَ الولايات المتحدة) حيثُ لا يبدو أن اللقاحَ عَامِلُ خطرٍ دائمٌ أو فريد للتغفيق في هذهِ المجموعاتِ السكانية. وعموماً، كانت مجموعةٌ من البياناتِ مُربكةَ لاستنتاجِ أي صورة ٍواضحةٍ عما إذا كان لقاحُ H1N1 عاملَ خطرٍ حقيقي. من ناحيةٍ أُخرى، هناكَ بياناتٌ تقترحُ أن بانديميريكس قد يحفزُ إنتاجَ الأجسامِ المُضادةِ التي يمكنُ أيضاً أن ترتبطَ بمستقبلات في خلايا الدماغِ التي تُساعدُ على تنظيمِ النومِ في الأشخاصِ الحساسين وراثياً. في الأساس، الوضعُ كلهُ مُربك، وليسَ من الواضحِ ما إذا كان أيٌ من لقاحاتِ H1N1 قد تسببَ بالفعلِ في التغفيق.

أيضاً، الدراسةُ التي استشهدَ بها ميركولا لا تُظهرُ أن لقاح H1N1 تسببَ في تغييراتٍ وراثيةٍ دائمة. أجرى الباحثونَ دراسةً واسعةً على مستوى الجينوم (genome-wide association study)  (اختصاراً: GWAS)، وهو نوعٌ من الدراساتِ التي تجدُ في كثيرٍ من الأحيانِ ترابُطاتٍ لا ترقى إلى مستوى التدقيق ولكن مع ذلك يمكنُ أن تكونَ مُفيدةً لإعطاء فرضية. ما تظهرهُ هذه الدراسةُ هو ارتباطٌ بينَ النمطِ الفرداني و “التغفيقَ الناجمِ عن اللقاح”، وليسَ أن لقاح H1N1 أنتجَ “تغييراتٍ جينيةٍ دائمة”. ميركولا إما أنهُ يجهلُ بشكلٍ صارخٍ علمَ الأحياءِ الجُزيئي الأساسي أو أنهُ يكذبُ، وهو يعلمُ أن جمهورهُ لا يعرفُ الفرق، فاختر ما بدا لك. (أنا أعلمُ أي خيارٍ سأختار).

نسخةٌ جديدةٌ من فكرةٍ مكررةٍ قديمةٍ مناهضةٍ للقاح

خُلاصة ُالقولِ هي أنَ ترويجَ الخوفِ من قِبلِ الدكتورين  ماديج وميركولا ليسَ بالشيءِ الجديد. الكذبةُ التي تقولُ أنَ اللقاحاتِ تُغيرُ الـ DNA بشكلٍ دائمٍ ليست جديدة؛ إنَ ظُهورَ اللقاحاتِ القائمةِ على mRNA يجعلُ ببساطةٍ منَ السهلِ على مُناهضي اللقاحِ أن يقوموا بحبكِ قصةٍ مُقنعةٍ تُقدمُ مثلَ هذهِ الادعاءاتِ الكاذبة. في الواقع، رأيتُ نفسَ الادعاء، وهو أن اللقاحات هي تجاوزٌ للإنسانية، قبل ثماني سنوات، عندما كتبَ ساير جي Sayer Ji مقالاً سخيفاً ومضحكاً يدعي أن اللقاحات هي تحاوزٌ للإنسانيةِ في خدمةِ تخريبِ التطور لأنها تتداخلُ مع كيفيةِ تطورنا المشتركِ مع العواملِ الممرضة. (آملُ بالتأكيدِ أن يتداخلوا في تطورنا المشترك مع العوامل الممرضة! أود القول، أن هذه هي النقطة في الواقع!) بعدَ بضعِ سنوات، كانت المُناهضةُ للقاح شيري تينبيني تقدمُ نفسَ النوعِ من الحُج غيرِ المنطقية، ولكن بحلولِ ذلكَ الوقت بدأ مُناهضو اللقاحِ يشيرونَ إلى لقاحاتِ الـ DNA على أنها فسادٌ غيرَ طبيعيٍ لجيناتنا.

طوالَ كلِ ذلك، كان مناهضو اللقاحِ يُقدمونَ أيضاً ادعاءاتٍ سَخيفةً حولَ كيفيةِ وصولِ كمياتٍ ضئيلةٍ منِ الـ DNA الملوث من خطوطِ الخلايا المُستخدمةِ في إنتاجِ مُستضداتٍ فيروسيةٍ لبعضِ اللقاحاتِ إلى الدماغِ بطريقةٍ ما، والتعبيرَ عن بروتيناتٍ “غير ذاتية”، وإطلاقِ استجابةٍ مناعيةٍ ذاتيةٍ تسببُ التوحد. حقاً، بالنسبةِ لمناهضي اللقاح، فإنَّ الـ DNA  والـ RNA هما السحر!

عندما تنظر إلى الأمر بنظرةٍ فاحصةٍ، فإنَ هذه النسخة الجديدة المشتقة من فكرةٍ قديمةٍ مكررةٍ مُناهضةٍ للقاحاتِ ليسَ أكثرَ من مُجردِ جذبٍ إلى “الطبيعة” على أنها مُتفوقةٌ دائماً على نحوٍ ما، على أي شيءٍ يمكنُ أن يفعلهُ البشر. في الواقع، إن فيديو الدكتورة ماديج ليسَ بالأمرِ الجديد. قبل أشهُر، ظهرَ “استشاري علاجٍ طبيعي” يُدعى الدكتور أندرو كوفمان (Andrew Kaufmann) في مقطعِ فيديو قدمَ فيهِ ادعاءاتٍ مُشابهةً جداً، بما في ذلكً أن لقاحاً جديداً لـ COVID-19 سيوفرُ وعاءً “لحقنِ الجيناتِ” في البشر، أولاً بواسطةِ إجراءٍ يُعرفُ باسمِ “التثقيب الكهربائي”، حيثُ يؤدي التيارُ الكهربائيُ إلى “إحداثِ ثقوبٍ صغيرةٍ في خلايانا تسمحُ للحمض النووي بالدخول إلى خلايانا” ثمَ من خلالِ إدخالِ “بروتيناتٍ غريبةٍ من المُفترضِ أنها تُولدُ مناعة”. حتى أن كوفمان استنتجَ أن لقاح mRNA، مثل نتائجِ التكنولوجيا الحيويةِ في الزراعة، سوفَ يُحولُ البشرَ إلى “كائناتٍ مُعدلةٍ وراثياً”.

بالطبع، كما ذكرتُ من قبل، علمُ الأحياءِ أكثرُ تعقيداً من العقيدةِ المركزية، التي استندت على فهمِ علمِ الأحياءِ الجزيئي الذي يبلغ عُمرهُ 60 عاماً. لهذا السبب، عندما أدخلتُ خاتمةَ هذهِ المُدونة، سأربط ُالمقالةَ بمقالةِ إدوارد نربيرغ (Edward Nirenberg) التي تتطرقُ إلى أصل الاستثناءاتِ في العقيدةِ المركزية وهو يدحضُ الفكرةَ التي لا معنى لها بأن لقاحاتِ الـ mRNA تغيرُ الـ DNA بشكلٍ دائمٍ ويخلُصُ، بشكلٍ معقولٍ جداً:

لا تُوجدُ وسيلةٌ مُمكنةٌ يمكنُ أن ينتهي بها المطافُ بلقاح mRNA في نواةِ الخلية، ولا في تفاعل النسخ التعاكسي، ولا في التسبُبِ في مرض المُتقدرات.

ليسَ هناكَ إمكانيةٌ مُمكنةٌ استناداً إلى كاملِ معرفتنا ببيولوجيا الخلية، النسخ التعاكسي، علم الوراثةِ البشرية والجهاز المناعي أن لقاحاتِ mRNA يمكن أن تؤثرَ على DNA الخاص بك.

ينبغي لنا أن ننتظرَ البياناتِ التفصيليةَ الخاصةَ بالسلامة، ولكن ينبغي لنا أولاً أن نتوقعَ أن يكونَ جزءٌ من الـ RNA الذي يرمزُ إلى البروتينِ الشوكي RBD في فيروسِ سارس كوف-2 الذي لا يحتوي على إمكانيةِ النسخ المتماثل، ولا القدرةِ على تشكيلِ فيروسٍ كامل، ولا حتى القدرةِ الكاملةِ على تشكيلِ بروتينِ شوكيٍ كامل، لقاحاً آمناً لن يسببَ سيناريوهاتِ الخيالِ العلمي المجنونةِ هذه.

إذا كنتَ قلقاً بشأنِ لقاحاتِ الـ mRNA فلا تأخذها. وتشيرُ البياناتُ إلى أنه قريباً ستظهرُ أنواعٌ أُخرى من اللقاحاتِ ذات ِفعاليةٍ جيدةٍ أيضاً. ومع ذلك، أنا راضٍ بأن أشمرَ عن سواعدي لأحصل على أحدها عندما تكونُ مُتاحة.

في مُلاحظةٍ أخيرة، اسمحوا لي أن أختتمَ بفكرةٍ عن الادعاءِ السخيف بأن لقاحاتِ الـ mRNA تغيرُ الـ DNA بشكلٍ دائمٍ أو تجعلكَ بطريقةٍ ما “عابراً للإنسانية “. وعليكم أن تتذكروا أن مُناهضي اللقاح ينظرونَ إلى اللقاحاتِ على نحوٍ ما باعتبارها “غير طبيعية” إلى حدِ تغييرِ ماهيةِ البشر. لقد كانوا يُظهرونَ ذلكَ بوضوحٍ منذَ أن بدأتُ الاهتمامَ بالعلومِ المُناهضةِ للتلقيحِ الزائفِ قبلَ عقدينِ من الزمان، وكانوا يفعلون هذا قبلَ ذلكَ بوقتٍ طويل. بالطبع، كونُ شيءٍ ما طبيعياً لا يجعلهُ صالحاً، حميداً، أو حتى مُحايداً.

فالطبيعةُ قاسية، والمعركةُ من أجلِ البقاءِ وحشية، ومن “الطبيعي” تماماً أن تُؤكلَ كُل أنواعِ الحيواناتِ من قبل الحيواناتِ الأكبرِ والأسرعِ والأشدِ جُوعاً، ومن الطبيعي أيضاً أن يموتَ البشرُ ميتةً رهيبةً بسببِ الأمراضِ المُعدية. وفي الواقع، انظروا فقط إلى مدى فظاعةِ الوفياتِ التي عانى منها أكثرُ من 260 ألف شخص من الأمريكيين، وإن كوفيد-19 أمرٌ “طبيعيٌ” تماماً. ومع ذلك، فإن العقليةَ الكامنةَ وراءَ الكثيرِ من وجهاتِ النظرِ الطبيةِ “البديلة” والمُناهضةِ للقاحات هي أن الطبيعةَ جيدةٌ دائماً وأن أي شيءٍ اصطناعي ٍينبغي النظرُ إليه بارتيابٍ شديد. (إذا فكرنا في الأمر، فهذا هو السببُ الذي يجعلُ مُنكري كوفيد-19 يبذلونَ قُصارى جُهدهم لتصويرِ فيروسِ سارس كوف-2 على نحوٍ خاطئ، وكأنهُ “غير طبيعي” وهندسةٌ بيولوجيةٌ في مختبرٍ على نحوٍ ما، مع كون الوباء “وباء” بدأتهُ النُخبُ العالميةُ للسيطرةِ على السكانِ واخضاعهم). هذا سخيف، لأنهُ حتى المغذياتُ “الطبيعية” والأدويةُ هي موادٌ كيميائيةٌ مثل أي مغذياتٍ اصطناعيةٍ أو كيميائية. ويتعينُ علينا أن نحكمُ على ما إذا كانت هذه الموادُ الكيميائيةُ ضارةً استناداً إلى العلم وإلى أين تقودنا الأدلة، وليسَ على أساسِ ما إذا كانت المادةُ الكيميائيةُ “طبيعيةً” أم لا. عندما نفكرُ في ادعاءاتٍ حولَ مرضٍ جديدٍ مثل كوفيد -19 واللقاحاتِ المُضادةِ له، فيتعينُ علينا أيضاً أن نضعَ في الاعتبارِ مجموعَ ما نعرفهُ عن البيولوجيا، وخاصةَ البيولوجيا الجزيئية، والكيفيةِ التي يعملُ بها لقاحٌ محتملٌ في تقييمِ معقوليةِ الادعاءاتِ المُزعجةِ بشأنِ اللقاحاتِ مثل تلكَ التي طورتها موديرنا وبي فيزير. المزاعمُ بأن لقاحاتِ الـ mRNA مثلَ هذهِ من الممكنِ أن “تُغيرَ الـ DNA بشكلٍ دائم” (أو تجعلكَ “تتجاوزُ الإنسانية”) تفشلُ فشلاً ذريعاً في هذا الصدد.

فكر في الإدعاءاتِ حولَ لقاحات mRNA بهذه الطريقة. إنها تشبه إلى حدٍ كبيرٍ الكيفيةَ التي يتشدقُ بها الدجالونَ بأي اكتشافٍ جديدٍ في البيولوجيا الجزيئية، وخاصةً الطريقةَ التي اختطفوا بها علمَ فوق المورثات Epigenetics الجديد لكي يزعموا أنكَ تستطيعُ استخدامَ تدخلاتِ العقلِ والجسمِ لإعادةِ برمجةِ الحمض النووي. في عالمِ الدجل، يُعَدُ الـ RNA والـ DNA سحراً، وتعكسُ المعلوماتُ المُضللةُ حولَ لقاحات mRNA ضد كوفيد-19 هذا الاعتقادَ بالسحر.

 

المقال الأصلي:

David Gorski, “No, the Moderna and Pfizer RNA vaccines for COVID-19 will not “permanently alter your DNA”, sciencebasedmedicine.org, November 30, 2020